الجمعة 27 سبتمبر 2024

الخيارات الأمريكية والأوروبية تجاه الصين بعد إقرار قانون الأمن القومي بهونج كونج

تحقيقات5-6-2020 | 08:41

فتحت الخطوة الصينية بإقرار هيئتها التشريعية مؤخراً لقانون الأمن القومي في هونج كونج، جبهة جديدة من التصعيد والتوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، بما يؤكد قدرة الصين على إدارة الإقليم وفق نظرية "دولة واحدة ونظامان".


فقد طرحت بكين مستقبل القانون الأمني المتعلق بهونج كونج للتصويت بين وفود الحزب الشيوعي بالمؤتمر الوطني للحزب الأسبوع الماضي؛ حيث صوَّت 2878 شخصاً لصالح فرض القانون، مقابل معارضة نائب واحد وامتناع ستة عن التصويت.


وبإقرار القانون ستطلب الصين من حكومة هونج كونج تطبيق الإجراءات التي يقرها القادة الصينيون، ويتوقع مراقبون ومحللون أن تطبيق القانون سيؤدي إلى تقويض الحريات المدنية، وإطلاق العنان لأجهزة الأمن الصينية، كما يقوض سريان القانون من وضع هونج كونج كواحدة من أفضل الأماكن لممارسة الأعمال التجارية، ويهدد بخروج جزء كبير من رأس المال المستثمر في أسواقها وتقليص القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية.


يُشار هنا إلى أن هونج كونج كانت قد أعيدت إلى الصين من السيطرة البريطانية كإقليم شبه مستقل في عام 1997 بشرط أن تحتفظ الصين بإطار عمل "دولة واحدة ونظامان" بما يضمن الحريات.


خيارات أمريكية


أثار إقرار بكين هذا القانون حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، وأحدث شرخاً جديداً في العلاقات الأمريكية الصينية، والذي تشهد توتراً متصاعداً على خلفية أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).


وتتنوع خيارات الرد والإجراءات الأمريكية ضد الصين إلى عدة خيارات، الخيار الأول: اتجاه أمريكا إلى فرض عقوبات على منح التأشيرات لكبار المسؤولين الصينين على النحو المحدد في قانون سياسة هونج كونج وقانون حقوق الإنسان والديمقراطية.


والخيار الثاني: إشعال جبهة الصراع في بحر الصين الجنوبي مجدداً، حيث أصدر مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، تقريراً الأسبوع الماضي حذر فيه من خطر اشتعال مواجهة عسكرية في بحر الصين الجنوبي بين الولايات المتحدة والصين، وقال "إن التوترات قد ترتفع بشكل كبير خلال الـ18 شهرا المقبلة، خاصة إذا استمرت العلاقات في التدهور نتيجة الاحتكاكات التجارية المستمرة والتهم الموجهة ضد الصين فيما يتعلق بوباء كورونا.


والخيار الثالث: تلوح في الأفق عقوبات أمريكية محتملة ضد الصين، حيث قدم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو توصيته للكونجرس تعتبر هونج كونج غير مستقلة عن الصين، وعليه يتعين على المشرعين الأمريكيين الحسم حول ما إذا كانت المقاطعة تتلقى معاملة اقتصادية وتجارية تفضيلية.


ورداً على إحتمالات لجوء أمريكا إلى هذه الخيارات أو أحداها، أكدت وزيرة العدل في هونج كونج تيريزا تشنج أن تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتجريد هونج كونج من وضعها الخاص، رداً على قانون الأمن القومي الذي سنّته الصين لفرضه على المدينة، هو تهديد "غير مقبول" حسب وصفها، بموجب المعايير الدولية.


وأضافت تيريزا تشنج "أن تجاوز بكين للنظام القانوني الداخلي في هونج كونج لفرض قانون الأمن القومي لا يبطل الحكم الذاتي للإقليم كما يدعي المسؤولون الأمريكيون.. قيل إننا أصبحنا دولة واحدة بنظام واحد وفقدنا استقلالنا.


 هذا زيف تام وخطأ، نحن دولة واحدة، وبالتالي في ما يتعلق بالأمن القومي، وكما في أي بلد آخر في العالم، هذه مسألة تخص السلطات المركزية".


جدير بالذكر أن هونج كونج تعد أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة وتحتل المرتبة الـ21 وفقاً لتقييم عام 2018، وتتمتع الولايات المتحدة بفائض تجاري مع هونج كونج بقيمة 31.1 مليار دولار، كما تعد هونج كونج موطناً إقليمياً لما يقرب من 300 شركة أمريكية و434 شركة دولية ومتعددة الجنسيات.


خيارات أوروبية محدودة


أما الاتحاد الأوروبي فلم يكن بحاجة إلى التصعيد وفتح جبهة جديدة من جبهات الصراع والتوتر بين واشنطن وبكين بسبب الوضع في هونج كونج وقانون الأمن القومي الجديد، حتى تتعقد علاقاته أكثر مع المارد الآسيوي "الصين" ويواجه صعوبة أكبر في مجاراة الحليف الأمريكي، الذي أحدث عدم استقرار في المحور الأطلسي منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.


ففي الوقت الذي يحاول فيه الاتحاد الأوروبي البحث جاهداً لترسيخ موقعه كمحور دولي، يجد نفسه مشدوداً بين قطبين ويواجه صعوبة فائقة في الموازنة بينهما، فهو من جهة غير قادر على الابتعاد كثيراً عن الموقف الأمريكي لاعتبارات اقتصادية وأمنية وازنة، ومن جهة أخرى هو بحاجة إلى الصين كشريك تجاري أساسي وحليف في العديد من الملفات الدولية.


فالصين بالنسبة للاتحاد الأوروبي هي حليف وشريك ومنافس وخصم في آن معاً، بينما الاتحاد هو الشريك التجاري الأول للصين وهي الثانية بالنسبة للاتحاد بعد الولايات المتحدة، ولا يغيب عن بال الأوروبيين، الذين تعتمد اقتصاداتهم بشكل قوي على الصادرات، أن الصين التي كانت تشكّل 4 في المائة من إجمالي الناتج العالمي أصبحت اليوم تشكّل 15 في المائة من مجموع الثروة العالمية.


فضلاً عن أن الظروف الحالية الناشئة عن أزمة كورونا، حيث تواجه الاقتصادات الأوروبية تراجعاً تاريخياً يهدد بعضها بالانهيار، ترجح كفة المعادلة لصالح بكين وتفرض على الأوروبيين أقصى درجات الحذر قبل الإقدام على فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات قاسية ضد الصين.


إذا فالخيارات الأوروبية معقدة وحساسة في علاقاتهم مع الصين وثمة صعوبات كبيرة في الموازنة بين الدفاع عن المصالح التجارية والاقتصادية من جهة، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي تشكل عماد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.


وقد حسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل الموقف بقوله "لا نعتقد أن العقوبات هي السبيل المناسب لحل مشاكلنا مع الصين.. نعتقد أن مبدأ "بلد واحد ونظامان" معرض للخطر، وعلاقاتنا القائمة على الحوار والاحترام المتبادل مع الصين تهتز بفعل هذا القرار".


كما لم يطرأ أي تعديل على جدول اللقاءات الدورية بين الطرفين الأوروبي والصيني، خاصة القمة الأوروبية الصينية المقبلة التي ستنعقد تحت الرئاسة الألمانية للاتحاد في مدينة "لايبزيغ" بحضور الرئيس الصيني جين بينج في 14 سبتمبر المقبل.


وتأسيساً على هذه الحسابات والمصالح المتشابكة والمعقدة، جاء موقف وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قاصراً على مناقشة الوضع في هونج كونج، مستبعداً فرض عقوبات على الصين، ومتجهاً إلى الحوار والتهدئة في محاولة لاحتواء التصعيد الذي تلوح ملامحه في الأفق بين واشنطن وبكين.


ويبقى القول إن فتح جبهات جديدة من الصراع والتوتر بين الصين وأمريكا ودخول الاتحاد الأوروبي فيها، يعمل بلا شك على إعادة فرز للقوى العالمية ما بعد كورونا، بما يُعيد هيكلة النظام العالمي وترتيب القوى السياسية والاقتصادية فيه وسط عالم يسوده الضبابية وعدم اليقين خلال الفترة المنظورة القادمة.