الخميس 21 نوفمبر 2024

من كلية أصول الدين.. تجديد الخطاب الدينى.. فى مواجهة داعش

  • 19-4-2017 | 14:19

طباعة

 تقرير يكتبه: مجدى سبلة

 «مش عاوز تدخل الجنة» تلك الجملة هى التى تقف حائلا أمام تجديد الخطاب الدينى، وهى كلمة السر لسماسرة داعش والجماعات التكفيرية لجر الشباب لتفجير نفسه فى كنيسة أو فى جندى من حراس هذا الوطن، باعتناق أفكار من مصادر أخرجها الأزهر من أمهاته ترجع إلى أصول الفكر الذى يدعى السلفية، وهو فكر متشدد لمحمد بن عبد الوهاب «السلفية الوهابية» وابن تيمية وابن قيم الجوزية ومن قبله ابن منده وابن حامد وابن الذاغونى، وهؤلاء جميعًا من غلاة الحنابلة والإرهابيون يعتمدون على هذه المصادر.

وبرغم قيامهم بهذه العمليات القذرة وسفكهم الدماء البريئة، فعلماء كلية أصول الدين بالأزهر يقولون نحن لا نكفر «داعش» أو مرتكبى هذه الحوادث، لأن الأزهر لا يكفر أحدًا نطق الشهادتين، وعلى الرغم من ذلك فهذه الجماعات يتهمون أئمة الأزهر بالكفر وقالوا عنهم «قاتلوا أئمة الكفر» فكيف نقول عنهم إنهم تخرجوا فى الأزهر.. ويقولون نحن قمنا منذ ٣ سنوات بطباعة كتاب «الثقافة الإسلامية» الذى يرد على كل القضايا التكفيرية وناشدنا وزير التربية والتعليم ودعوناه لتدريس هذه المادة لأبنائنا فى المدارس وتحصينهم بهذا الكتاب، الذى يتحدث عن المواطنة وندرسه لطلاب الأزهر منذ ٢٠١٣، ولكن التربية والتعليم رفضت تدريسه.

 ذهبنا إلى كلية أصول الدين بجامعة الأزهر لمعرفة ما تقوم به هذه الكلية على وجه التحديد فى قضية تجديد الخطاب الدينى وقابلنا عميد الكلية الدكتور عبد الفتاح العوارى ووكيلها الدكتور عبد الله عزب فقالوا: 

 بداية الدكتور عبد الفتاح عبد الغنى العوارى، عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، يقول إن الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كثير من لقاءاته الدولية يشيد بدور الأزهر الشريف، ويبين أن الأزهر الشريف هو معقل الوسطية وحينما يطالب الرئيس الأزهر بتجديد الخطاب الدينى فهو يريد المزيد لأن ما يتم فى الأزهر من جهود توضع بين يديه.

ويضيف أن جهود الأزهر الشريف فى التجديد ومحاربة التطرف والإرهاب جهود واضحة على المستوى المحلى والدولى والإقليمى وقد عقد مؤتمرًا عالميًا بعنوان الأزهر فى مواجهة الإرهاب عام ٢٠١٤ بمشاركة جميع الكنائس الشرقية والغربية وناقش جميع المفاهيم المغلوطة التى تنطلق منها جماعات الإرهاب، وتبين من خلال ما تقدم فى هذا المؤتمر من ورقات بحثية بُعد هذه الجماعات عن الفكر الوسطى الذى يربى عليه الأزهر أبناءه والذى يعد ثقافة شائعة عند الشعب المصرى، منذ أن شاء الله وكان الأزهر فى مصر، ولذلك ما يحدث يهدف لأبعاد سياسية ومصالح دول.

ويؤكد العوارى أن هذه الجماعات الإرهابية من أبجديات ثقافتها تكفير الأزهر والاعتقاد لديها أن عقيدة الأزهر فاسدة وأن مناهج الأزهر لا تمثل الإسلام فى شىء لأنهم صوفية أشعرية، كان يلقن هذه الجماعات التكفيرية أفراد مجهولو الهوية من شيوخهم ولا ندرى من أى جامعة تخرجت هذه الجماعات التى تغسل عقول الشباب بالأموال ونحن لا نعرف عن مشايخهم شيئا، وفى فترة للأسف مُكن لهذه الجماعات المتطرفة فأصبحت لها قنوات إعلامية تبث من خلالها سمومها، التى وصلت القرى والنجوع والكفور والعزب فابتلى الشعب المصرى مع التضييق على الأزهر.

ويقول العوارى لو أن الدولة منذ ٣٠ عامًا وقفت بجوار الأزهر ودعمته وفتحت المنابر الإعلامية للوسطية الأزهرية وكلفت الأزهر أن يقوم بتدريس مادة التربية الدينية الإسلامية وكلفت رجال الكنيسة الوطنيين بتدريس مادة التربية الدينية المسيحية فى المدارس على أيدى المتخصصين ما اختُطِف شبابنا.

ويوضح أن الأزهر الشريف يدرس به ما لا يقل عن ٣ ملايين طالب فى مراحل التعليم المختلفة الجامعى وما قبل الجامعى، وأتحدى الدنيا كلها أن يكون هناك أمير جماعة أو إنسان فجر نفسه من خريجى الأزهر إلا ما شذ والشاذ ليس قاعدة، فالتفجيرات يقوم بها إما صاحب مؤهل متوسط أو سمكرى أو ممتهن لحرفة وصناعة وقادتهم من خريجى جامعة أسيوط وعين شمس والقاهرة أو فى إحدى الجامعات غير المحصنة ثقافيًا بثقافة الأزهر، ولذلك حينما وضعت المشيخة بتعليمات من فضيلة الإمام الأكبر منهج وهو كتاب الثقافة الإسلامية، ناشدنا وزير التربية والتعليم ودعوناه لتعميم الفكرة على أبنائنا فى المدارس وتحصينهم بهذا الكتاب الذى يتحدث عن المواطنة وهى فى الأزهر مادة منذ ٢٠١٣ ولكن التربية والتعليم رفضت تطبيقها.

ويشير العوارى إذا كان الأزهر قد أخذ من التربية والتعليم مادة المواطنة كمادة مستقلة تدرس لطلابنا فى المرحلة الثانوية فلماذا لم تأخذ التربية والتعليم بجوار مادة التربية الدينية مادة الثقافة الإسلامية أو تضمن الكتاب الموضوعات التى تدعو إلى التعايش والحب والتآلف والتسامح، تلك الثقافة التى عاشت عليها أجيالنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا والتحمت فيها اللُحمَة الوطنية والنسيج الوطنى ورأينا القسيس يصعد المنبر من أجل الدفاع عن مصر.

ويقول عميد أصول الدين كثير من الإعلاميين يشنون حربًا ضد الأزهر الشريف وهى هجمة غير مبررة وأصحابها يحملون حقدًا دفينًا وليس لهم أى مبرر فيما يقولون، ويتساءل العوارى من منح هؤلاء الحق فى تفسير كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسى لدرجة جعلتهم يقولون أن ما أنشأه الرئيس من مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب هو إنهاء لدور الأزهر ولا أعرف من أين أتوا بهذا الكلام، فالرئيس يقدر دور الأزهر ويحب الأزهر ويجل شيخه وعلماءه، والإمام والعلماء يضعون أيديهم فى يد الرئيس عبد الفتاح السيسى وفى يد سائر مؤسسات الدولة الوطنية من الجيش والشرطة والمؤسسة التشريعية لتتضافر الجهود لتكوين حائط سد منيع نحمى به أمتنا ودولتنا واستقرار وطننا.

وشدد على أنه من الضرورى أن يعلم العالم كله أن مصر كنانة الله فى الأرض وأنها محفوظة بحفظ الله وبما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول قال «إذا فتح الله عليكم مصر» إذن الفاتح هو الله ومادام الله هو الفاتح لمصر، فمصر فى معية الله الذى قال «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».

 ويقول الدكتور عبد الله محيى الدين عزب وكيل كلية أصول الدين بالقاهرة إن الخطاب الدينى يشمل تفسيرات النص الدينى عند المذاهب المختلفة، وعندما نتحدث عن تجديد الخطاب الدينى لدينا خطوط حمراء للنصوص ولا يصلح معه التجديد لأنه وحى من عند الله تعالى لكن التجديد يكون فى فهم النص الدينى بمعنى أننا نحاول فهم النص بما يتوافق مع الظروف والأحداث الجارية حولنا خاصة إذا سمحت اللغة والاصطلاح والعرف والسياق والسوابق واللواحق.

ويوضح عزب كلمة الخطاب الدينى بأنها كلمة فضفاضة وتحتاج إلى تحديد، لأن الخطاب الدينى يشمل النص وهو الوحى الإلهى ويشمل التفسيرات والأفكار المختلفة والمذاهب المختلفة لفهم هذا النص، وهذه المذاهب بها المعتدل وبها المتطرف والمتشدد والمغالى وبها المفرط جدًا، وبهذا يصبح فهم النص له معايير مختلفة، وهنا يبدأ دور مؤسسة الأزهر بما يتوافق مع الفهم المعتدل الذى يتوافق مع العرف والزمان والمكان والقانون والفطرة والأمن والسلام، وهذا هو دور الأزهر الشريف فى الخطاب الدينى والإشكالية التى تواجهه هى أن فهم النص أصبح له جماعات مختلفة طبقا لما تفهمه كل جماعة.

ويوضح أن الهجمة الشرسة الإعلامية على الأزهر بعد حوادث كنيستى طنطا والإسكندرية ليست فى محلها، لأن الأزهر يعتصر دمًا على هذه التصرفات والأزهر لا يختلف معه ضرب الكنيسة عن ضرب المسجد، مشيرًا إلى أن فكرة اتهام أمهات الكتب التى يقوم الأزهر بتدريسها ليس بها ما يدعو إلى الإرهاب مطلقًا مضيفًا قد يكون بها بعض الآراء الشاذة التى تناسب الزمن الذى تم فيه هذا الرأى أو ذاك، ومثل هذه الآراء لا تدرس أبدًا فى مناهج الأزهر، ولكن يرجع إليها بعض الباحثين والباحثات فى رسائلهم العلمية، فهى تعد آراء البحث فيها تاريخية، لكنهم فى النهاية تربوا على الفكر المعتدل وينبذون هذه الآراء الشاذة لأن هذا يعد فكرًا لشخص ما فى زمن ما ولا يعد فكرًا أو منهجا وربما كان يتناسب مع الزمن الذى انتشرت فيه.

ويؤكد وكيل أصول الدين أن أمهات الكتب التى تدرس فى العقيدة والشريعة لا يوجد بها ما يدعو للإرهاب ولا توجد عملية من العمليات التى تمت ينسب لها واحد من الأزهر سواء كان يدعو إليها أو يرتكبها.

ويتعجب وكيل أصول الدين من إلقاء المسئولية واللوم على الأزهر إزاء كل حادث يجد هنا أو هناك، فى حين أن هناك مؤسسات أخرى تتحمل نفس المسئولية مثل التعليم، والقضاء، والقانون، والثقافة، والإعلام، وكل مؤسسات الدولة، فمواجهة التطرف والإرهاب تحتاج إلى تضافر جهود الجميع وليس الأزهر وحده.

ويوضح عزب أنه بالنسبة لعدم تكفير الأزهر لداعش أو مرتكبى هذه الحوادث فنحن لا نكفر أحدًا نطق الشهادتين، على الرغم من أنهم ضد الأزهر وقالوا عن علمائه إنهم أئمة الكفر بدليل قولهم «فقاتلوا أئمة الكفر» فكيف نقول عنهم إنهم تخرجوا فى الأزهر.

ويضيف على الرغم من أننا لا نكفر أحدًا ممن نطق بالشهادتين، إلا أنهم بحوادثهم وأفعالهم مخلدون فى النار لقوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرًا)، مؤكدًا أن هؤلاء الإرهابيين مرتكبو كبائر ومرتكب الكبيرة والمُصِر عليها إذا مات فأمره مفوض إلى الله وهذا هو رأى أهل السنة والجماعة.

ويشدد وكيل كلية أصول الدين على أن الفكر المتطرف لم يكن الأزهر المسئول عنه لأنه يعمل من خلال قنوات إعلامية منذ ثلاثين عامًا ودخل كل البيوت المصرية والشوارع، وأصبح مثل الفيروس لذلك فإن المهمة صعبة والدليل على ذلك القنوات الفضائية السلفية التى تعمل فى مصر ولم تتصدَ لها الدولة منذ سنوات.

ويوضح أن السلفية هى سلفية علمية وسلفية جهادية والسلفية الجهادية هى التى تكفر كل من يخالفها فى الرأى وهذه موجودة منذ عهد الرئيسين الراحلين عبد الناصر والسادات وترى وجوب قتل واستحلال دم كل من يخالفها وهذه هى التى خرجت منها داعش وهذه الجماعات هى سبب الفكر المتطرف والمتشدد.

ويشير إلى أن أصول الفكر السلفى المتشدد ترجع إلى محمد بن عبد الوهاب وهى السلفية الوهابية وتمتد إلى ابن تيمية وابن قيم الجوزية ومن قبله مثل ابن منده وبن حامد وابن الذاغونى، وهؤلاء جميعًا من غلاة الحنابلة، فالإرهابيون يعتمدون على هذه المصادر حتى الآن ويحصلون على أفكارهم المتشددة من خلالهم فهم يستندون فى استهدافهم للكنائس مثلًا على تفسير الحديث الذى يقول «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»، فى حين أن المقاتلة هنا بمعنى المفاعلة أى أقاتل من يقاتلنى ولا أقتله وأنه لا يجوز الاعتداء إلا بعد الاعتداء، والمقاتلة هنا ليست بمعنى القتل ولديهم مفهوم أنهم يقتلون كل من يخالفهم حيث إن النصارى لا يقولون الشهادتين.

ويضيف أن هذه الجماعات تعتبر مؤسسات الدولة من الأزهر والشرطة والقضاء والجيش أئمة كفر ويكفرون الحكم برمته، فهم يستندون لتفسير مغلوط ومتطرف وهو القتل.

ويشيد عزب بدور مرصد الأزهر وما يقوم به المرصد من توزيع مطبوعات عن صحيح الإسلام، ولكن للأسف هناك قنوات خاصة تأخذ موقفًا من الأزهر، مضيفًا لدينا لجان يشرف عليها المركز الإعلامى والمرصد بالأزهر الذى يقوم بدوره من خلال الرد عليها بكل لغات العالم، بهدف التجديد وتصحيح المفاهيم وربط النصوص بالواقع وهناك لجنة من الأوقاف ومجلس الشعب والأزهر لتجديد الخطاب الدينى، ومن ناحية أخرى تقوم هيئة كبار العلماء وهيئاتها المعاونة بدراسة كل القضايا الساخنة مثل قضايا الإرهاب وقضايا تعامل المسلم مع الآخر، سواء كان نصرانيا أو يهوديًا وبيان حرمة دم المسيحى.

ويؤكد «عزب» أن الأزهر قام بطباعة كتيب الثقافة الإسلامية الذى يتضمن كل هذه القضايا ونطالب أن تستعين به المدارس والجامعات المصرية التى لم تقُم بتدريسه حتى الآن وأن كتب الفقه والتوحيد فى التعليم الأزهرى ليست ضمن خطاب التجديد، حيث إن الأزهر قام برفض ونبذ الآراء الشاذة والمتشددة لبعض الحنابلة والغلاة، فالأزهر هو فى الحقيقة رمانة الميزان.

ويوضح أن مناهج السلفية الجهادية لديها ما يجعل الشباب الصغير يبادر بالانضمام إليها واعتناق أفكارها وجملتهم الشهيرة لهؤلاء الشباب «مش عاوز تدخل الجنة» ويشمل عرض الجنة كذلك عرض الخروج من الفقر بعرض الأموال عليه وتصل نسبة الإقناع أنهم يلقنون الشاب الشهادة مقابل هذه العروض لذلك تجدهم شبابًا فى سن ما بين العشرين والخمسة وعشرين عامًا ويستبيحون دم هؤلاء الشباب كفدية بهدف وصولهم إلى مقاومة الحاكم ويحدثون غسيل مخ للشباب، وفى الغالب لا ينتمى هؤلاء الشباب التكفيريون للأزهر.

ويطالب وكيل أصول الدين، وزارة الأوقاف برقابة صارمة على الدعوة فى المساجد والزوايا ومراقبة الفيس بوك على سبيل المثال، حيث تواجه السلفية الوهابية منهاج الأزهر الأشعرى الوسطى، ولذلك فإن الذين يدعون السلفية يقولون على الأشعرية إنهم مبتدعة، ولذلك أساتذة الأزهر لا يدرسون مادة العقيدة فى العديد من الدول العربية خاصة دول الخليج.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة