بدأ المتظاهرون اللبنانيون في التوافد على وسط العاصمة بيروت، في إطار الدعوات للاحتجاج تنديدا بالتدهور الشديد في الأوضاع المعيشية والاقتصادية بلبنان، في حين كثف الجيش والقوى الأمنية من تواجدهم في محيط ساحات التظاهر تحسبا لوقوع أية اضطرابات أو أعمال شغب محتملة.
وحمل المتظاهرون أعلام لبنان ولافتات تتضمن مطالب بتحقيق استقلال القضاء وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وإسقاط الطبقة السياسية، وكذلك الحكومة الحالية مُحملين إياها مسئولية الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يشهده لبنان، مشيرين إلى أن الأوضاع المعيشية بلغت مستوى الفقر المدقع وعدم القدرة على توفير الحد الأدنى من مستلزمات المعيشة، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة وغلاء الأسعار لاسيما السلع الأساسية بوتيرة كبيرة في غضون الشهور القليلة الماضية.
وتمركزت قوات مكافحة الشغب وعناصر جهاز قوى الأمن الداخلي (الشرطة) في الشوارع الجانبية لساحتي "الشهداء" و "رياض الصُلح" بوسط بيروت وخلف الجدران الأسمنتية التي تفصل الشوارع عن السراي الحكومي (مقر الحكومة) تساندها وحدات القوات المسلحة، وذلك منعا لحدوث أي أعمال شغب أو مصادمات خلال الاحتجاجات.
وبدا لافتا أن جانبا كبيرا من المتظاهرين هم من الفئات العمرية الشبابية، كما شوهدت عائلات وأسر مشاركة في الاحتجاجات ومعهم أطفالهم يحملون الأعلام اللبنانية واللافتات التي تتضمن شعارات انتفاضة 17 أكتوبر الماضي.
وأكدت مجموعات من المتظاهرين أن نزولهم إلى الشوارع يأتي في سياق المطالب المعيشية والاجتماعية والاقتصادية إلى جانب الدعوة إلى نزع سلاح حزب الله، واصفين إياه بالسلاح غير الشرعي ومطالبين بحصر السلاح في لبنان بيد المؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية التابعة للدولة، محملين الحزب المسئولية عما وصفوه بـ "العزلة الدولية التي يتعرض لها لبنان" وإقحام البلاد في الصراعات والنزاعات الإقليمية المتعددة بما يخدم الأجندة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط ويتعارض مع المصلحة اللبنانية الداخلية.
وفي المقابل، قالت مجموعات أخرى من المتظاهرين إن نزولهم يقتصر حاليا على مطالب تحقيق الإصلاحات السياسية والمعيشية والاقتصادية، بوصفها أولوية ملحة، في ظل التراجع الكبير للقدرة الشرائية للبنانيين وفقدانهم وظائفهم وارتفاع معدلات التضخم جراء انهيار سعر الصرف الليرة أمام الدولار الأمريكي، معتبرين أن طرح مسألة نزع سلاح حزب الله في هذا التوقيت تستهدف إحداث انقسام مقصود وشرخ في أوساط المتظاهرين والاحتجاجات التي تنطوي على مطالب محقة.
واعتبر عدد كبير من المتظاهرين أن الحكومة الحالية حظيت بالفرصة والمهلة الزمنية الكافية لإحداث تغيير إيجابي في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، غير أنها لم تنجح في تحقيق أي إصلاحات أو إيقاف الانهيار المالي والاقتصادي والتراجع المعيشي، الأمر الذي يتعين معه إسقاط الحكومة.
من ناحية أخرى، جابت مسيرات للمحتجين يحملون لافتات تؤكد الاستمرار في انتفاضة 17 أكتوبر والتنديد بالتدهور المعيشي والاقتصادي، الشوارع المؤدية إلى ساحات التظاهر وسط بيروت، كما استمر تدفق المتظاهرين القادمين من مختلف مناطق لبنان على وسط العاصمة.
وفسّر متظاهرون تأخر وصول الأعداد الكبيرة من زملائهم القادمين من المحافظات المختلفة إلى وسط بيروت، بوجود حواجز عسكرية وأمنية متعددة أقامها الجيش وقوى الأمن الداخلي على الطرق السريعة والأوتوستردات لتفتيش الحافلات التي تقل المتظاهرين للتأكد من عدم دخول أسلحة أو أدوات تستخدم في أعمل شغب إلى مناطق الاحتجاجات؛ الأمر الذي يبطىء وتيرة وصول المتظاهرين.
وبدا لافتا قيام الجيش اللبناني، إلى جانب انتشاره المكثف في نطاق ومحيط ساحات التظاهر، بوضع وحدات أمام مدخل منطقة "الخندق الغميق" القريبة من ساحة "رياض الصُلح"، والتي تعد معقلا للثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، منعا لحدوث أي اشتباكات مع المتظاهرين، لاسيما في ضوء الأحداث والوقائع خلال احتجاجات سابقة حيث كان يتعرض المحتجون لهجمات واعتداءات منظمة من قبل مجموعات "الخندق الغميق".