الخميس 28 نوفمبر 2024

القراءة الأمنية فى فصل الإرهاب الجديد الخطورة - الامتدادات - المعلومات

  • 19-4-2017 | 14:40

طباعة

بقلم – العميد خالد عكاشة

خطة إرهاب شديدة الخطورة والتعقيد، هى أول ما يمكن أن يتبادر إلى الأذهان بمجرد التدقيق والمتابعة لمسار استهداف كنيستى مارجرجس بمدينة طنطا ومارمرقس بالإسكندرية، والأهم فى ذلك أن هذا المسار لم تكن بدايته صباح يوم «أحد الشعانين” فى التاسع من إبريل الجاري. بل كانت البداية تتسلل فى الظلام خفية وعلنا تحت ستار من الخلط والغموض، وقليلا من الاهتمام من قبل المعنيين بالأمر تحت ذرائع عديدة ومتنوعة. والمقصود هنا بالمعنيين أن الأمر ليس قاصرا حقيقة على أجهزة الأمن وحدها، والتى لا نعفيها من مسؤليتها قطعا، لكن ما نجابهه اليوم وما ترك ليتشكل وسط انشغالنا أو غيابنا، هو مما يستلزم وضعه فى سياقه الصحيح وتقديره حق قدره فى حال توافرت النية لقراءته بالطريقة الصحيحة، التى تضمن له الترجمة الصحيحة الواقعية من دون تهويل أو تهوين ليتسنى لنا الحديث بشأنه.

 

“تنظيم داعش” منذ نشأته فى العراق ثم امتداده لسوريا، ومن ثم بدأ فى تشكيل دولته المزعومة لينتزع قيادة العمل الإرهابى المسلح من «تنظيم القاعدة»، وفق منهجه الذى خطط ودرس كيفية تنفيذه، كان يضع عينيه على أن يرث ويبتلع ولاءات التنظيمات والأشخاص الذين كانوا يدينون للقاعدة بالولاء. لم يكن هذا قاصرا على سوريا أو العراق فقط، بل كان هذا موجها بالأساس للمناطق التى اعتبرها خارج حدود دولته والأراضى التى يسيطر عليها، وهنا لم تكن مصر غائبة عن ذهنية مخططى التنظيم الكبار، بل وقياداته كما فى حال «أبو بكر البغدادي» نفسه (إلى جنود الخلافة فى خراسان وبنجلادش وأندونيسيا، والقوقاز والفلبين واليمن والجزيرة، وسيناء ومصر، والجزائر وتونس وليبيا، والصومال وغرب أفريقيا):

اعلموا أنكم اليوم دعائم الإسلام فى الأرض وأوتاد الخلافة فيها، أذهلتم أمم الكفر بجهادكم وصبركم وثباتكم، علمتم الناس كيف تكون مسالك النصر! بحسن الاجتماع وامتثال الطاعة، وتكوين جماعة المسلمين الكبرى، فى واقع استمرأ الجاهلية الجهلاء، بكثرة الفرقة والبقاء على الشتات).

هذا المقطع من نص كلمة زعيم تنظيم داعش، وقائد دولتهم المزعومة فى خطبته الجامعة والهامة التى أطلقها فى لحظة دقيقة للغاية قبيل الحرب على الموصل، وجاءت بتاريخ ٣ نوفمبر ٢٠١٦م تحت عنوان «الحرب العالمية على الدولة الإسلامية فى الموصل». وهنا نلحظ على الفور أن البغدادى ومن أعد له الكلمة فى التنظيم قد أشار إلى مصر بعنوانين متلازمين ولم يضمهما فى اسم واحد كبقية الدول، عندما ذكر (سيناء، ومصر) وكأنه هنا كان يتحدث لكل منهما على حدة وهو بهذا يوضح أن الفرع السيناوى غير الفرع فى مصر، وهذا قريب من الواقع فعليا، حيث ظل التنظيم قبل أن يبايعه تنظيم «أنصار بيت المقدس» ويتحول اسمه إلى “ولاية سيناء”، يتحدث عن مصر فى بياناته وأحاديثه المعلنة باسم «أرض الكنانة» وكان يعدها حينئذ جسما واحدا لم يخصص سيناء بالذكر وحدها.

ظل تنظيم داعش منذ بداية العام ٢٠١٥م تاريخ مبايعة تنظيم «أنصار بيت المقدس» له وتغيير اسم التنظيم، يراهن على قدرة التنظيم فى سيناء من التمسك بمساحة ـ ولو محدودة ـ من الأرض، وأيضا على قدرات هذا التنظيم على إدارة نشاط مسلح فى سيناء، وفى الوقت نفسه إنفاذ بعض من الخلايا إلى الداخل (القاهرة، ومحافظات الدلتا) لتنفيذ عمليات إرهابية وقع معظمها فى عام ٢٠١٥م، لعل أشهرها إعلاميا (خلية عرب شركس ـ القليوبية). لكن هذا الرهان بدأ ينحسر بصورة كبيرة وخاصة فيما يتعلق بقدرة «ولاية سيناء» على التمسك بمنطقة أو مدينة والتمترس داخلها، فقد كثفت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من ضرباتها وملاحقاتها لعناصر هذا التنظيم لتجهض هذا المخطط إلى حد كبير، ولازالت تحاصر أى شكل من أشكال التمدد يحاول التنظيم تنفيذه استغلالا لطبيعة مدن وقرى شمال سيناء المعقدة، لكن ظل الفشل هو العنوان العام لما منى به تنظيم «داعش» فى صناعة فرع مؤثر له فى سيناء، رغم تعدد المحاولات وتنوعها.

لم يركن «تنظيم داعش» إلى هذا الفشل على أرض سيناء، ولم يستسلم لهزيمته على أرض الكنانة بل قام بالتغيير من تكتيكات تحركه ونشاطه، وبدأ التنظيم فى اعتماد نهج (تجنيد الخلايا الصغيرة) عن بعد عبر التواصل الإلكترونى، وهذا النهج يبرع فيه التنظيم الأم ولديه المحترفون والمتخصصون فى هذا المجال الذين نجحوا فى تحقيق نتائج مماثلة بالأخص على ساحة الدول الأوربية. ووفق هذا السياق بدأ التنظيم ينسج العديد من الاتصالات عبر «شبكات الإنترنت» و«التطبيقات» الذكية الجديدة، مع العديد من الأشخاص بمحافظات مصر المختلفة، وكان التركيز فى هذه المرحلة على من له سابق ارتباط بجماعة الإخوان أو بالتيار السلفي، حتى يكون هذا العنصر الموجود بداخل مصر قادرا على استكمال تجنيد خلية محدودة العدد من نظرائه والمنتمين لنفس النوع من الاتجاه الفكري، وما كان يحرص التنظيم على تنبيه عناصره إليه هو تفضيل العمل على ضم الأشخاص صغيرى السن، والذين ليس لديهم سابقة نشاطات تلفت أنظار الأمن إليهم. وهذه من الآليات التى أثبتت نجاحها فى أكثر من دولة أوربية خاصة فى (فرنسا، ألمانيا، بلجيكا)، بما توافر من معلومات حول طبيعة ارتباطات الخلايا التى نفذت عمليات باريس وبروكسل وبافاريا، وهذا مما جعل «تنظيم داعش» يكرر التجربة فى مصر وفى تونس لصناعة تلك الخلايا المرتبطة به عن بعد.

هذه الخلايا الجديدة والتى حرص «تنظيم داعش» على أن تكون ذات طابع عنقودى شديد السرية والانغلاق، بدأت تضع أقدامها على ساحة النشاطات الإرهابية فى منتصف العام ٢٠١٥م وما بعدها، وبدأت تنشط بصورة كبيرة بعيدا عن لفت الأنظار طوال العام ٢٠١٦م. لكن أعين الأمن لم تكن بعيدة تماما عما يجرى، ورغم تعقيد مواجهة تلك الخلايا بتركيبتها الجديدة تلك، إلا أن الأمن الوطنى استطاع بمجهود معلوماتى مكثف أن يصل لبعض من تلك الخلايا ويوقع بها، بل ويتم إجهاض قائمة من الاستهدافات كانت تخطط لها. لم تحظ تلك الضربات الأمنية بالضوء الإعلامى أو انتباه الرأى العام لها، فى ظل انشغال الجميع بما كان يدور فى سيناء حينئذ، حيث كانت هى «عنوان الإرهاب» الذى يتابعه المصريون. ولأن خبر الإيقاع بخلية من هذا النوع كان لا يتعدى سطورًا محدودة ظل عدم القدرة على التفسير هى الحالة الغالبة، ففى أشهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر من العام ٢٠١٦م استطاع الأمن الوطنى أن يداهم مقرات ٦ خلايا ويلقى القبض على معظم عناصرها، وبالنظر إلى محدودية عدد أعضائها وفى البعض منها كان هناك هاربان لم يحدث الربط بأن هناك نشاطا منسقا ما بين بعضه البعض، الخلايا كانت موزعة ما بين (القاهرة ـ عين شمس، المطرية، الألف مسكن، جسر السويس)، ومحافظات الدلتا (القليوبية، المنوفية، الغربية)، وفى الصعيد محافظات (المنيا، أسيوط).

الخلية التى كانت تسقط فى يد الأمن هى مجموعة تتكون ما بين (٥ إلى ٨ أشخاص)، ونطاق السرية التى كان «تنظيم داعش» يحرص على تدريب أتباعه عليه عن بعد كان يضع تلك الخلايا فى نطاق منغلق، ولا علاقة نهائيا ولا معلومة يعلمها أحد من تلك الخلايا عن الأخرى، والتنظيم الأم كان يكتفى بالتواصل مع عضو واحد فقط من كل خلية بطرق اتصال معقدة هربا من تتبع الأمن، ويكلف هذا العضو بنقل كافة توجيهات وخطط التنظيم لباقى أعضاء الخلية الذين فى بعض الأحيان كانوا يحملون درجة قرابة أو نسب لبعضهم البعض. من ضمن أعضاء تلك الخلايا والذى ألقى عليه الضوء مؤخرا (محمود شفيق) الانتحارى الذى نفذ «تفجير البطرسية» فى نهاية العام ٢٠١٦م، حيث كان أحد أعضاء الخلايا التى تم الإيقاع بها فى الدلتا لكنه استطاع الهروب قبل المداهمة الأمنية لخليته، ولذلك كان الأمن الوطنى يضعه قيد الملاحقة قبل تنفيذ عملية البطرسية وكان يسعى لمعرفة موقع هروبه الجديد. ولأن شفيق عنصر مدرب ومستكمل الإعداد فقد تم توجيهه من قبل التنظيم الأم أن يلتحق بخلية أخرى لم يكن أمرها قد انكشف بعد، وهذه الخلية التى كان يقودها (مهاب مصطفى السيد) هى التى بمجرد التحاق (محمود شفيق) بصفوفها قامت بالتخطيط وتنفيذ «تفجير البطرسية» ديسمبر ٢٠١٦م.

المثير أنه ما تم الكشف عنه بعد العملية الإرهابية وقدرة جهاز الأمن من الوصول إلى تحديد شخصية شفيق، أن الأمن الوطنى كان يلاحق تلك الخلية قبل أسابيع من تاريخ تنفيذ العملية الإرهابية، وكان قد كون عنها معلومات أولية غير مكتملة وهذا ما مكنه من كشف والقبض على أعضائها بعد ٧٢ ساعة من «تفجير البطرسية». تظهر تلك الخلية بعد إلقاء القبض عليها وبها كافة الملامح التى أشرنا إليها بعالية فيما يتعلق بخصائص ومكونات الخلية، من حيث العدد خلية البطرسية تتكون من (٦ أشخاص) أربعة منهم على درجة من القرابة فيما بينهم، ضمنهم زوجة (مهاب مصطفى السيد) المتهمة أمام القضاء فى العملية الإرهابية، وكافة أعضاء الخلية لا يعلمون شيئا عن أى خلايا أخرى لها علاقة بـ”تنظيم داعش” وهم فى الأصل يمارسون النشاط الإرهابى للمرة الأولى، البعض منهم تبين أنه كان مجرد عضو فى الإخوان وآخر كانت له ميول سلفية والباقون دخلوا هذا التوجه للمرة الأولى فى حياتهم. الأكثر إثارة ولفتا للانتباه أن أعضاء تلك الخلية ذاتها لم يكن يعلمون أن (مهاب مصطفى السيد) سوى أنه قائد خليتهم، فى الوقت الذى كان مهاب الذى يعمل طبيبا ويبلغ من العمر ٣٠ عاما هو المنسق العام للعديد من الخلايا وهو الذى كان يدير خلايا الصعيد عن بعد، وهو حلقة الاتصال الأعلى ما بين «تنظيم داعش» وما بين تلك الخلايا التى نفذت «تفجير البطرسية» بواسطة (خلية الزيتون)، و(خلية أسيوط) التى استطاع الأمن القضاء عليها قبل أيام من تنفيذها عملية إرهابية فى مدينة أسيوط، كانت تستهدف أيضا منشأة كنسية فى فترة الأعياد تزامنا مع عمليتى طنطا والإسكندرية. ومما توافر أيضا من معلومات عن (مهاب مصطفى السيد) أنه هو من نسج العلاقة ما بين القيادات الإخوانية الموجودة بقطر، وبين عمل هذه الخلايا بداخل مصر، فعندما أعلن الأمن المصرى عن سفر المذكور إلى الدوحة فى فترة مبكرة على تشكيل تلك الخلايا وأورد تواريخ السفر والوصول من واقع سجلات (إدارة الجوازات)، لم تستطع السلطات القطرية حينها نفى تلك المعلومات، بل اضطرت إلى تأكيدها فى بيان رسمى أذيع مباشرة بعد عملية البطرسية، لكن الدوحة أنكرت معرفتها بسبب زيارته وعلمها بمن قابل من شخصيات داخل قطر، وهو تفسير باهت ومتهالك بالطبع، حيث يقبع القيادات الإخوانية هناك تحت مظلة حماية ومراقبة الاستخبارات القطرية، التى لا يتصور عدم علمها بما دار فى اجتماع مهاب مع القيادات الإخوانية، بل ويمكن تصور تدخلها بالتوجيه والتكليف أيضا بالنظر إلى التمويل الذى عاد به (مهاب مصطفى السيد) من هناك، ليبدأ به إنشاء تلك الشبكة من الخلايا العنقودية، ومن ثم تحمل نفقات أعضائها وتكاليف تنفيذ تلك العمليات التى تم تنفيذها فى شهور معدودة.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة