الأحد 2 يونيو 2024

ارتفاع الأسعار.. غول يلتهم الفقراء

19-4-2017 | 15:26

بقلم –   جمال أسعد

منذ بدء الخليقة ووجود الإنسان وهو يسعى ويكافح ويتعب ويشقى؛ لكى يجد ما يسد رمقه وما يساعده على مواصلة الحياة، فكان الصراع على البقاء عن طريق إيجاد الطعام، حيث كان هذا الصراع بين الإنسان وبين كل قوى الطبيعة بكل مكوناتها، ولذا حكم الأمر فى هذا الصراع مبدأ القوة والضعف فلا بقاء إلا للأقوى أيا كان نوع هذا الأقوى، وصراع القوة هذا هو الذى ساعد على إحداث حالة من حالات التطور. حيث كان المجتمع البدائى لا يحكمه قانون غير قانون القوة. ومع التطور الإنسانى وصل الإنسان إلى تلك النظم الاجتماعية القبلية، التى يشكل فيها رئيس القبيلة القوية دور البديل للدولة قبل أن توجد الأنظمة السياسية التى جاءت، وكانت لكى تنظم الحياة للبشر وتطبق القانون وترسى قيم العدل وتضبط موازين القوة، وتحجم صراع الطبقات الذى كان ومازال وسيظل ملازما للوجود الإنسانى على الأرض، مهما كانت الأنظمة ومهما تعددت القدرات.

 

ومع وجود الدولة والنظم السياسية بجميع مصادرها الفكرية والأيديولوجية كانت المهمة الأولى والأهم لتلك الدول ولهذه الأنظمة هى تنظيم العلاقة بين الدولة وبين المواطن وتحقيق الحد الأدنى للمعيشة الإنسانية من خلال توفير فرص العمل والمشاركة فى عائد الدخل القومى، بما يضمن للمواطن الحصول على أساسيات الحياة الإنسانية والتى تضمن ما يسمى بحد الإعاشة، ولا نتكلم هنا عما يسمى بحد السعادة. ولذا نجد أن التقييم الأساسى والمبدئى لأى نظام سياسى ومقياس نجاحه هو توفير هذا الحد الأدنى للمواطن، وهو ما يعنى أن يتوازى الدخل مع متطلبات الحياة الأساسية. فما بالك لو لم تكن هناك فرص عمل تستوعب نسبة البطالة؟ وما بالك لو كانت نسبة الفقر قد تجاوزت أكثر من ٥٠٪ فى محافظات مثل محافظتى أسيوط وسوهاج؟ وما بالك لو أن الدخول ليس لطبقة الفقراء فحسب ولكن دخول الطبقة المتوسطة وما فوقها لم تعد تساير ولا تتوافق مع ذلك الغول المفترس المسمى ارتفاع الأسعار؟ فارتفاع الأسعار قد أصبح الشغل الشاغل للجميع، فالكل يعانى والجميع يشكو. فما الأسباب لهذا المرض الخطير؟ بالطبع لا أحد ينكر تلك المشكلة الاقتصادية الموروثة والمتفاقمة، والتى ظلت العديد من الأنظمة السياسية ترحلها دون حل غير الكذب والتدليس وعدم الأمانة السياسية، خاصة فى ظل تفاقم وتزايد وتصاعد عجز الموازنة العامة عاماً بعد الآخر، مع تصاعد غير مبرر فى أحيان كثيرة لتزايد المصروفات، فى ظل تقاعس وفشل ذريع فى تعظيم موارد جديدة للإيرادات اعتمادا على الإيرادات الريعية مثل عائد قناة السويس وعائد السياحة وتحويلات العاملين بالخارج. فما بالك وبعد الفوضى الأمنية والاقتصادية المقصودة والمرتبة بعد ٢٥ يناير ٢٠١١ والتى كانت من نتائجها تدهور احتياطى النقد الأجنبى من ٣٧ مليار دولار إلى أقل من ١٥ مليار دولار، ومازاد الطينة بلّة تلك المشكلة الاقتصادية العالمية التى اجتاحت العالم منذ عام ٢٠٠٨ وحتى الآن، فهذا وذاك أوقف عائد السياحة وأثر على عائد قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج، إضافة إلى غلق بعض المصانع الخاصة ناهيك عن تدهور الصناعات الأساسية التى كانت تدر دخلاً مقدراً لحصيلة القطاع العام مثل صناعة الحديد والصلب وصناعة الغزل والنسيج، إضافة إلى التخلص من القطاع العام لصالح أساطين وأرزقية النظام ما قبل ٢٥ يناير، وخير دليل القضية التى يحاكم فيها أحمد عز والتى تقدر الغرامة فيها فى الكسب غير المشروع بمليار جنيه. كل هذا وغيره كثير زاد وراكم العجز فى الموازنة ولغياب الإنتاج الذى يجب أن يسد حاجة الاستهلاك المحلى ويحقق فائضاً يتم تصديره أصبحنا نستورد من الخارج كل مسلتزمات الحياة والإعاشة، نظراً لتخلف الزراعة المصرية التى علّمت الدنيا الزراعة، وذلك بعد الاعتماد على المحاصيل الاستهلاكية على حساب المحاصيل الأساسية. ولذا ولغياب الرؤية السياسية التى تنتج وتبدع رؤى اقتصادية كان الاعتماد على القروض الداخلية والقروض الخارجية؛ حتى وصل فى الموازنة الجديدة حجم الدين الخارجى حوالى ٦٧.٥ مليار دولار والدين الداخلى سيصل إلى ٣.٣ تريليون جنيه، أى أن إجمالى الدين الخارجى والداخلى بالعملة المصرية حوالى ٤.٥ تريليون جنيه أى أن هذه القروض قد وصلت نسبتها إلى الناتج المحلى حوالى ١٤٠٪ والأهم والأخطر هو أن فوائد الديون فى الموازنة الجديدة ستصل إلى ٣٨٠ مليار جنيه. نعم لكل هذا ولمواجهة تلك المشكلة العويصة والموروثة كان قرار التعويم الكلى للجنيه المصرى، والذى وصل بالجنيه إلى حد أن الدولار قد أصبح يقترب من عشرين جنيها، بما يعنى أن القيمة الحقيقية للدخول بشكل عام قد انخفضت إلى أكثر من ٥٠٪ من قيمتها الأصلية. هذا لو كانت الأسعار فى مكانها، ولكن بالطبع فإن زيادة قيمة الدولار الذى قد تحول إلى سلعة تخضع للعرض والطلب قد زاد لهيب ميزان الأسعار، ليس أسعار السلع المستوردة فحسب، ولكن حتى السلع المنتجة محلياً قد زادت بشكل لا علاقة له لا بعرض ولا بطلب؛ حتى قد وجدنا أن نسبة التضخم تصل ولأول مرة الشهر الماضى إلى ٣٣٪ هنا فلاشك فإن عملية التعويم الكلى كانت أساسية ولا مفر منها للحكومة حتى تتم الموافقة على قرض لـ ١٢ مليار دولار من صندوق النقد الدولى؛ حيث إن شروط هذا الصندوق والذى لم تر الحكومة حلا آخر غير هذا القرض من هذا الصندوق، مع العلم أن شروط الصندوق لم تكتف بشرط التعويم هذا، ولكن كان ومازال هناك شروط لابد من تطبيقها، فكان منها رفع دعم الطاقة والكهرباء والمواصلات، مثل رفع تذكرة المترو وتطبيق ضريبة القيمة المضافة والضريبة العقارية واستهداف تحصيل أكثر من ٦٠٠ مليار جنيه من كل أنواع الضرائب التى يدفعها كل المواطنين غير أصحاب المهن المتهربين دائما من الضرائب، ناهيك عن قانون الخدمة المدنية الذى حجّم الدخول للعاملين مؤقتا لحين الاستغناء عن العدد الأكبر من العاملين بالدولة، نعم لكل هذه الأسباب صلة مباشرة بانتشار غول الأسعار هذا. ولكن بالطبع هناك أسباب أخرى منها السياسات الخاطئة التى تتبعها الحكومة المفتقدة لرؤية واضحة للإصلاح. فساد المسئولين فى الجمعيات التعاونية الذين يخفون السلع لتباع فى الأسواق ومحالات البقالة. عدم وجود رقابة على الزيادة فى الأسعار، فكل تاجر يرفع السعر ويقلده بقية التجار، كما يقوم تجار السوق السوداء بتخزين البضائع ثم رفع سعرها بحجة نقصها فى السوق. غياب الرقابة الحكومية على الأسواق بشكل دورى وعدم محاسبة التجار فى حالة تحكمهم فى الأسعار، بالإضافة إلى جشعهم ورغبتهم فى تحقيق أكبر مكسب من وراء ارتفاع الأسعار، إذن فما هو الحل وهل هناك حلول خاصة أن السيسى مهتم ومهموم بالمواطن خاصة المواطن الفقير وغير القادر، حتى إننا نجد السيسى لا يخلو له حديث فى أى مناسبة بغير أن يتحدث عن معاناة الفقراء وعن مشكلة ارتفاع الأسعار وعمليات الاحتكار غير المبرر لهذه الظاهرة التى تمثل خطرا متراكما ومستقبليا، وهنا لانعلم لماذا هذا التقاعس من الحكومة فى مواجهة هذه الظاهرة غير التصريحات الإعلامية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، ولا تحل مشكلة بل تراكم حالة من حالات اليأس وغياب الأمل فى أى حل، بما يؤثر على الانتماء للوطن بشكل عام خاصة عندما لا تستطيع أى حكومة السيطرة على مثل هذه المشكلة. فلماذا لا توجد بورصة للأسعار لتحديد السعر ومحاسبة من يخالف الأسعار بأن تقوم المؤسسات الحكومية وجهاز حماية المستهلك بدور الرقيب على السوق، وأن تحدد الربح كما تفعل بعض الدول بتحديد ربح للتجارة مثل ٢٠٪ للملابس و٢٥٪ للسلع الغذائية؟ لماذا لا تعمم المنافذ الحكومية لتوزيع السلع الأساسية بأسعار مخفضة، والأهم هو وصول السلع مخفضة السعر إلى المستحقين الفعليين، حيث إن عملية توزيع الشوارع هذه لا تليق بمدير على المعاش أن يقف وسط الدلالة للحصول على كرتونة الجيش، لماذا لاتوزع مثل هذه السلع على البطاقات التموينية حفظا لكرامة البشر خاصة من أصحاب المعاشات الذين أدوا أدوارهم فى خدمة الوطن ولم تعد الحياة متاحة لهم كما يجب؟ لماذا لا نزيد الإنتاج لتوفير السلع للمواطنين؟ لماذا لايصدر قانون من البرلمان بضبط الأسعار لعدم وجود قانون حكومى؟ لماذا لا يتم ترشيد الاستهلاك فى سلع كثيرة ولكثير من العادات الموروثة غير الملائمة لمواجهة هذه المشكلة؟ لماذا لا تفعل المسئولية المجتمعية للمستهلك؟ وأين التسعيرة الاسترشادية أو الجبرية إذا لزم الأمر؟ ألسنا نعيش حالة حرب فى ظل تلك المواجهة الخطيرة للإرهاب؟ نعم هناك أخبار عن منح العاملين بالدولة علاوة اجتماعية وهذا حسن وخير من عدمه، نعم هناك علاوة١٠٪ لأصحاب المعاشات وهذا لايسد قيمة العجز فى قيمة الدخل ولايواجه ارتفاع الأسعار. فلماذا لانبحث عن مصادر إيرادات أخرى فهذا فهو الحل الاقتصادى الأمثل بديلا للقروض والمزيد من القروض. فأين الضريبة على الأوراق المالية ولماذا التأجيل؟ فهل هؤلاء غير قادرين على دفع هذه الضريبة المعمول بها فى كل بورصات العالم؟ وأين مساهمة الأغنياء والقادرين ورجال الأعمال الذين يستفيدون بما يسمى بالتسهيلات الاستثمارية من كل نوع خاصة الإعفاءات الضريبية؟” الأمر مهم ويخص حياة المواطنين، والأهم يهم الفقراء وغير القادرين من الشعب الذى يحب هذا الوطن، هذا الشعب الذى لا مكان له غير هذا الوطن ولا مأوى له غير هذا الوطن، هذا المواطن الذى يتحمل هذا الوطن وهو الذى يدفع دائما فى الحروب والملمات والكوارث. هذا المواطن يا سيادة الرئيس هو الذى خرج فى٢٥/ ٣٠وهو الذى فوّضك فى ٢٥/٧/٢٠١٣ وهو الذى انتخبك رئيسا وهو الذى مازال يعانى ويدفع ويتحمل، فهل من نظرة سريعة؟ وهل من حل علمى وسياسى واقتصادى وموضوعى؟ هل من حلول تساوى بين الجميع فى دفع الثمن لهذا الوطن؟ أم كتبت على الفقراء فقط أن يدفعوا دائما الثمن بمفردهم؟ انتبهوا حتى تظل مصر وتصبح بحق ملكاً للمصريين.