تحليل يكتبه: أحمد أيوب
فرضت علينا الضرورة الأمنية أن نلجأ إلى إعلان حالة الطوارئ، فالإرهاب يحصد الأرواح والتنظيمات الإجرامية تملك مساحة من حرية الحركة فى مواجهة أجهزة أمنية مقيدة بقوانين وضوابط لا تسعفها فى التصدى القوى السريع الذى يتناسب مع جرائم هؤلاء.
لا يختلف أحد على أهمية الطوارئ فى هذا الشأن، فأمن الوطن مقدم على ما سواه، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ومفاسد الإرهاب زادت عن حدها وأصبحت خطرا لا يمكن الصبر عليه أكثر من هذا، فعندما يتعرض أمن البلاد ونظامها العام للخطر فلا مجال للحديث عن الحريات والحقوق الشخصية، بل تؤجل كل الحقوق من أجل حق الوطن لنحميه من الخطر.
وخطر بخطر لا يمكن الصمت على ما يفعله بعض التجار والأباطرة فى السوق من تلاعب بالأسعار وإتجار بقوت الغلابة واحتكار بلا حدود، هؤلاء ليسوا أقل خطرا من الإرهابيين والمجرمين، والتصدى لهم لم يعد تكفى له القوانين العادية المترهلة الضعيفة، فالأباطرة ومافيا الأسواق لا تصلح معهم سوى القوانين الاستثنائية.
بالتأكيد لا يمكن أن نطالب بأسعار جبرية، فليست هذه مطلوبة أو ممكنة الآن فى ظل اقتصاد السوق، كما لا يمكن أن نحرض على حرمان التجار من الكسب الحلال والتعامل بآليات العرض والطلب المشروعة، فلسنا ضد الأرباح المشروعة.
لكن ما نريده مواجهة المستغلين الانتهازيين المتربحين الذين لا يراعون أحوال الشعب ولا ظروف البلد، من يمكن أن نطلق عليهم «تجار الحرب» فمصر الآن تواجه حروبا وليست حربا واحدة، تواجه حربا إرهابية، وتتعرض لحرب اقتصادية، وتضييق سياسى وخناق مائى، وكل هذه حروب تستحق أن نلجأ إلى الطوارئ لنحمى أنفسنا من خطرها الذى يهدد أمن مصر القومى بشكل مباشر، وحالة الأسواق وجنون الأسعار أخطر ما يهدد أمننا القومى الآن، الأسعار تخنق المواطنين، والنسبة الغالبة منها ليست أسعارا عادية ولا زيادات حقيقية وإنما ألاعيب تجار منحرفين لم تردعهم أخلاق أو مشاعر وطنية،
بسبب هؤلاء سجلت الاسعار أعلى معدل للتضخم فى تاريخها، فالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء سجل ارتفاع معـدل التضخم السنـوى فى أسعار السلع الاستهلاكية خلال شهر مارس٢٠١٧ إلى ٣٢.٥٪ مقارنـة بشهر مارس ٢٠١٦.
ارتفاع ليس منطقيا ولا يوجد ما يبرره، صحيح أن ارتفاع الدولار يمكن أن يتسبب فى ارتفاع الأسعار للسلع المستوردة أو التى تدخل فى تصنيعها خامات ومواد مستوردة، لكنه ارتفاع له حدود، أما الارتفاع المجنون الذى يحدث فى الأسواق المصرية دون توقف ودون سقف ويطال كل السلع دون ضوابط، فهو ارتفاع تآمرى مشبوه ورائحته مفضوحة، شيطنة مقصودة للأسواق بفعل فاعل هدفه عند البعض استغلال الظروف الحالية للتربح، وهدفه عند آخرين انتقامية سياسية لإشعال الغضب الشعبى ضد الرئيس شخصيا والحكومة، وهؤلاء لا يصلح معهم إلا الردع بكل قوة، لانهم يحاربون الدولة أو على الأقل يشاركون فى الحرب عليها ويفسدون بأفعالهم اللاأخلاقية كل محاولات الحكومة لكبح جماح الأسعار أو حماية الفقراء، فأمام جشع هؤلاء وألاعيبهم لم يعد يفيد ضخ التموين لسلع بأسعار مخفضة، ولا حتى تدخلات المؤسسات الوطنية الأخرى دعما للغلابة، فالقوات المسلحة قدمت طوال السنوات الماضية نموذجا فى الدعم للفقراء والمهمشين وسكان المناطق الفقيرة والعشوائية بسلع منخفضة الأسعار وبكميات ضخمة، لكن أيا كان هذا الجهد الوطنى المحمود فلن يصلح فساد أسواق يتعامل معها ٩٠ مليون مواطن والحل الوحيد هو ضبط الأسواق ومواجهة المفسدين المتلاعبين بكل قوة لردعهم.
واذا كان قانون الطوارئ الذى تم تفعيله بإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى حالة الطوارئ الأسبوع الماضى قد استند إلى الحرب الحقيقية التى تواجهها الدولة، فما يحدث فى الأسواق حاليا حرب فعلية وخطيرة يقودها لوبى الكبار والمتآمرون من التجار الذين يتعاملون وكأنهم على قلب رجل واحد لأن المصلحة واحدة، ولن يثنيهم عن هذا التوجه مطالبات الحكومة لهم بالرشد التجارى، ولن تقنعهم اتفاقيات أو حوارات، لن تردعهم سوى إجراءات حاسمة كما نفعل مع الإرهابيين والخارجين على القانون، وقانون الطوارئ فيه من الصلاحيات التى يمكن أن تطبق فى مواجهة هؤلاء المستغلين لردعهم أو الحد من جبروتهم السوقى، ودون أن يمس الاقتصاد الحر بسوء، فالجشع والطمع ليس من اقتصاد السوق، والتربح الحرام واستغلال الظروف ليس من اقتصاد السوق، من يخفى السلع فى مخازن سرية طمعا فى تعطيش السوق وزيادة الأسعار لا يصلح معه مجرد أن تصادر السلع أو تفرض عليه غرامات وإنما لابد من عقوبات تقيد حريته كى يتعظ، ويعلم أن قوت الناس ليس مجالا للتلاعب،
قانون الطوارئ ينص صراحة على أنه يجوز إعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن أو النظام العام فى أراضى الجمهورية أو فى منطقة منها للخطر سواء كان ذلك بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات فى الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء، وما يحدث فى الأسواق بشهادة الجميع ينطبق عليه كل هذه الأوصاف بل وأكثر منها، فالأسواق أصبحت ساحة معركة ضد الدولة تمارس فيها كل أساليب الضغوط الاقتصادية التى تعرض الأمن العام فى البلاد لأزمة حقيقية، بل وقد يصل خطرها إلى الاضطراب الذى يستحق تدخلا سريعا وحاسما.
وحسب قانون الطوارئ أيضا يجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق والصلاحيات التى تملكها السلطة لفرض الأمن على أن يعرض هذا القرار على البرلمان فى أول اجتماع له، وهذه الصلاحية يمكن الاستفادة منها فى وضع إجراءات يمكن أن تتخذ ضد التجار المتلاعبين فى الأسواق.
فمن يحرض التجار أو يدفعهم لرفع متكرر للأسعاردون مبرر بمجرد أن يجد فى مواجهته قانون طوارئ يحيله إلى محاكم أمن الدولة وإجراءات محاكمة عاجلة وأحكام رادعة ستغل يده عن أى قرار لا يراعى المواطنين أو ظروف البلد.
تبقى كلمة أخيرة فالمؤكد أن غالبية التجار فى السوق يحترمون ظروف البلد ويراعون ضمائرهم فى تحديد الأسعار، لكن القلة المتحكمة هم من يدير المؤامرة الحارقة للأسواق، يفرضون أسعارا لا يستطيع أن يخالفها الصغار، يحاصرون السوق بألاعيبهم وسطوتهم، ونحن الآن فى مرحلة صعبة تتطلب التكاتف وليس التصارع، تحمل المسئولية وليس التربح من ظروف البلد، والأهم أن هذه الظروف تفرض علينا الوقوف خلف القيادة السياسية وقواتنا المسلحة والشرطة لمواجهة المخاطر التى تهدد البلاد، وهذا فى حد ذاته يستوجب أن نخلص المواطن من الأعباء التى تثقل كاهله، وأهمها الأسعار العشوائية التى يفتعلها المتأمرون على المصريين. فهل يفعلها رئيس الوزراء ويوسع دائرة الطوارئ لترحمنا من جشع المستغلين من التجار.