يرى الخبراء في
الموارد المائية والسياسيون أن بيان وزارة الري يوم أمس الخميس، جاء قويا للرد على
تجاوزات ومراوغات الجانب الإثيوبي تجاه مفاوضات ملء سد النهضة، مؤكدين أن إثيوبيا تسعى
لإنشاء "بنك مياه" من أجل بيع الماء للبلاد التي ستعاني من جفاف.
وكانت وزارة الري
أصدرت بيانا أمس، حول الاجتماع الثالث لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وهي المشاورات
التي كانت قد بدأت منتصف الأسبوع الجاري بمبادرة مقدّرة من جمهورية السودان الشقيق،
حيث تم مناقشة ورقة تقدمت بها إثيوبيا تتضمن رؤيتها حول أسلوب ملء وتشغيل سد النهضة.
موقف مصر والسودان
وقد أعربت مصر،
وكذلك السودان، في البيان الصادر عن وزارة الري، عن تحفظهما على الورقة الإثيوبية لكونها
تمثل تراجعًا كاملًا عن المبادئ والقواعد التي سبق وأن توافقت عليها الدول الثلاث في
المفاوضات التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، بل وإهدارًا لكافة
التفاهمات الفنية التي تم التوصل إليها في جولات المفاوضات السابقة.
وأكدت مصر استمرار
تمسكها بالاتفاق الذي انتهى إليه مسار المفاوضات التي أجريت في واشنطن لكونه اتفاقا
منصفا ومتوازنا ويمكّن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية مع الحفاظ على حقوق دولتي
المصب.
وشددت على ضرورة
أن تقوم إثيوبيا بمراجعة موقفها الذي يعرقل إمكانية التوصل لاتفاق، كما شددت مصر على
أن تمتنع إثيوبيا عن اتخاذ أية إجراءات أحادية بالمخالفة لالتزاماتها القانونية، وخاصة
أحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم في 2015، لما يمثله هذا النهج الإثيوبي من تعقيد
للموقف قد يؤدي إلى تأزيم الوضع في المنطقة برمتها.
كما أكدت مصر أهمية
قيام إثيوبيا بالتفاوض بحسن نية أسوة بالنهج الذى تتبعه مصر منذ بدء المفاوضات من أجل
التوقيع على اتفاق عادل يراعي مصالح الجميع.
مصر تسعى لعدم
الصدام
وقال الدكتور هاني
رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن بيان مصر تجاه سد
النهضة اتسم بالقوة البالغة والحزم، مشيرا إلى أن إثيوبيا دائما مواقفها تتسم بالمناورات
والمراوغة، من أجل تنفيذ خطتها لملء السد.
وأضاف رسلان في
تصريحات خاصة لـ "الهلال اليوم"، أن مصر منذ بدء المشاورات عملت على عدم
الصدام مع إثيوبيا واتخذت الأمور بدبلوماسية كبيرة، إلا أن تصريحات آبي أحمد رئيس مجلس
الوزراء الإثيوبي، عملت على تعكير الأجواء، حيث أكد على ملء السد في يوليو المقبل دون
النظر إلى أي مشاورات.
وأوضح أن نية إثيوبيا
من بناء السد أصبحت واضحة، فكانت دائما تستعطف المجتمع الدولي بأنها دولة فقيرة وتريد
بناء السد من أجل توليد الطاقة، إلا أن المساحة التخزينية للسد وصلت إلى 74 مليار متر
مكعب، أي أنها تريد أن تقوم بإنشاء "بنك مياه"، من أجل بيعها للدول التي
يحدث عندها جفاف، مؤكدا أن توليد الطاقة يحتاج ثلث هذه الكمية.
وأشار إلى أن وثيقة
واشنطن حفظت لإثيوبيا حقها وحق مصر والسودان في مياه النيل، إلا أن إثيوبيا عملت على
كسر تلك الوثيقة والتصميم على ملء السد في يوليو المقبل، دون النظر إلى أي مشاورات
أو اتفاقيات.
إثيوبيا وسياسة
المراوغة
وقال الدكتور طارق
فهمي، رئيس وحدة الدراسات الإستراتيجية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، إن بيان
مصر بشأن سد النهضة جاء محكما في أفكاره وفي منهاجيته، مؤكدا على حقوق مصر والتزام
الجانب الإثيوبي في اتفاق المياه.
وأضاف فهمي في
تصريحات خاصة لـ "الهلال اليوم"، إن هذا البيان ستكون له تداعيات إيجابية
مباشرة على المواقف الأخرى سواء من دول حوض النيل، أو المواقف الداعمة للموقف الإثيوبي
من الخارج والجهات التي تستقوى بها إثيوبيا في هذا التوقيت.
وأوضح أن موقف
مصر من الاجتماع الذي دار مؤخرا مع إثيوبيا هو الرفض الكامل، لأنه من الواضح أن إثيوبيا
دائما تتبع سياسة المراوغة والعودة إلى خطاب سياسي وإعلامي غير متوازن، مشيرا إلى أن
مصر أكدت قيام إثيوبيا بالتفاوض بحسن نية والاحتكام إلى ما تم من مفاوضات متراكمة في
واشنطن.
وأشار إلى أن مصر
طالبت أثيوبيا بالامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية مخالفة لالتزاماتها القانونية
وخاصة في اتفاق 2015، وهذا يؤكد أن مصر متمسكة بآلية مفاوضاتها المباشرة، والعمل على
دعوه إثيوبيا إلى مراجعة مواقفها.
وأوضح أن المفاوضات
مستمرة ، والتضامن المصري السوداني من الواضح أنه جيد، واعتقد أن موقف المصري يبعث
برسائل إلى إثيوبيا لمراجعة مواقفها المتعنتة في نص الاتفاق.
أكاذيب أثيوبيا
وقال الدكتور نادر
نور الدين، خبير الموارد المائية، إن بيان مصر بشأن إثيوبيا جاء واضحا وقويا للرد على
مراوغات إثيوبيا التي تفتعلها منذ بدء المفاوضات.
وأضاف نور الدين
في تصريحات خاصة لـ "الهلال اليوم"، إن إثيوبيا دائما تلعب على وتر أنها
فقيرة وأن مصر تستولى على مياه النيل وحدها، لذلك ستقوم بإنشاء سد النهضة للحفاظ على
نفسها من خطر المجاعة، إلا أن الإحصائيات أثبتت كذب إثيوبيا، حيث تقوم بزراعة مساحة
تصل إلى 84 مليون فدان، بينما مصر تزرع نحو 8.5 مليون فدان، أي أن إثيوبيا تستهلك مياه
أكثر من مصر، خاصة وأن مصر بلد صحراوية بنسبة 93% أي من البلدان التي تعاني من العطش.
وأوضح أن إثيوبيا
تحصل من بحيرة تانا وحدها والتي ينبع منها النيل الأزرق على مياه أكبر من حصة مصر من
كل أنهار النيل، لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يعرف بكافة الأكاذيب التي تدعيها إثيوبيا
في أي محفل دولي، من أجل السيطرة على مياه النيل.
وكشف نور الدين
أبرز المراوغات التي تفتعلها أثيوبيا منذ بدء المفاوضات، وهي اتفاقية عنتيبي والتي
قادتها إثيوبيا ضد مصر لإلغاء كل الاتفاقيات السابقة لمياه النهر، وكانت مصر قد وافقت
على أغلب النقاط بما فيها إلغاء حق الفيتو وحق الإخطار المسبق قبل بناء سدود المنابع،
ما عدا أربع نقاط فقط وتم تغيير وزير الري المصري بوزير جديد عام ٢٠٠٩، وفي أول اجتماع
لعنتيبي طلب الوزير المصري الجديد إعادة مناقشة كل النقاط التي وافقت مصر عليها من
قبل لأن بعضها رفضته القيادة السياسية وهنا انبرت إثيوبيا ورفضت فتح أي نقاط سبق الاتفاق
عليها وقالوا إن مصر هي التي وافقت عليها وليس الوزير السابق.
وتابع "أن
إثيوبيا نفسها تطلب في المباحثات الجديدة لسد "الخراب" إعادة فتح كل النقاط
السابقة التي سبق ووافقت عليها وإعادة مناقشتها من جديد وذلك استكمالا لسياستها في
استنزاف الوقت وتطويل أمد المفاوضات ثم فرض سياسة الأمر الواقع، وعلى المفاوض المصري
رفض هذا الأمر بشدة وتذكير إثيوبيا بموقفها في اتفاقية عنتيبي وأن ما سبق التوافق عليه
انتهي ولنبدأ من حيث انتهينا فقط.