وكالات:
قلما مرت الحافلة العامة من هنا، الطرق مليئة بالحفر، المساكن باهظة الثمن، فوانيس الشوارع تنطفئ مبكرا جدا.
لا يكاد يمر يوم دون أن يتلقى رؤساء مجالس المدن و أعضاء المجالس المحلية كمية من الشكاوى من مواطنيهم.
حاول القائمون على معرض "السلطة والملايين، أنا الحاكم اليوم" بمدينة ايرلانجن بولاية بافاريا جنوب ألمانيا إلقاء الضوء على مدى الصعوبة، التي يجدها القائمون على الأمر في المدن الألمانية في تدبير شؤونها حيث يتقمص زوار المعرض دور أحد السياسيين المسؤولين.
هناك عند مدخل المعرض جوال من القطيفة به عشرة ملايين من نقود اللعب، وعلى زائري المعرض اتخاذ قرار عند 12 آلة للصرف الذاتي تمثل أبواب النفقات في موازنة المدينة بشأن مصارف هذه الأموال، بدءا من رصف الطرق وحتى إقامة رياض أطفال.
سيضطر حامل هذه الأموال لاتخاذ عدد كبير من القرارات بدءا من بناء شقق عبر الاستثمار في الثقافة وانتهاء بتطوير المدن.
أوضحت مديرة المتحف بريجيته كورن أن "من يحسن استغلال هذه الأموال سيحصل في نهاية الجولة على وظيفة أمين صندوق، أما من يتعامل مع هذه الملايين بإسراف، فإنه يجازف بالتعرض لثورة من قبل المواطنين".
وتهدف مديرة المتحف من وراء هذه التجربة لعرض "موضوع سياسة المدينة المجرد" بطريقة مسلية ولإظهار كيفية اتخاذ القرارات في المدينة في الإطار الديمقراطي، حيث ينبغي على رواد المتحف، على سبيل المثال، اصطياد نقود معدنية باستخدام سنارة مغناطيسية ثم محاولة إنفاق هذه النقود المعدنية في إزالة حفر الطرق والشوارع "ولكن هذا لا ينجح أبدا تقريبا، حيث يفاجئ الشخص المشارك في التجربة أن نقوده قد انتهت، وأن الطرق والشوارع عادت متهالكة مرة أخرى" حسبما أوضحت كورن التي درست علم السياسة.
يتم إلقاء نقود في آلة الصرف الخاصة بباب "دعم الاقتصاد"، ولا يعرف المشارك ما إذا كانت هناك نقود تسقط مرة أخرى من هذه الآلة و ما هي كميتها "وذلك لنوضح أن هناك استثمارات لا تعرف الحكومة مسبقا ما إذا كانت هذه الاستثمارات مجدية وتستحق ما ينفق عليها أم لا"، حسبما أوضحت مديرة المتحف.
تراهن مديرة المتحف و فريقها ،من خلال هذا المعرض الذي بدأه أصلا متحف مدينة توبينجن الألمانية ثم تم تعديله ليتكيف مع متحف مدينة ايرلانجن على عنصر الفكاهة، وذلك حتى لا يكون موضوع إدارة شؤون المدينة جافا تماما، حيث سيضطر رواد المعرض على سبيل المثال لأتخاذ قرار بشأن التبرع لإدارة الدفاع المدني بالمدينة. فإذا تبرعوا فعلا، فإن لعبة على شكل سيارة إطفاء تكافئهم بزخة ماء.
كما تلقي كل مرحلة من مراحل المعرض الضوء على فترة من الفترات التاريخية لمدينة ايرلانجن حيث تعهد كل مواطن جديد من مواطني الدولة، على سبيل المثال مطلع القرن التاسع عشر، بتقديم قِربة إطفاء جلدية للمدينة.
تأمل بريجيته فون كورن في أن يحس زوار المعرض بعد الجولة مدى تعقد سياسة إدارة شؤون المدينةـ ومدى صعوبة توزيع الأموال بشكل صحيح على أبواب الموازنة.
يرى خبير السياسة إنجولفور بلودورن هذه المبادرة جيدة "حيث يمكن للألعاب ذات الخلفية السياسية، على غرار تجربة ايرلانجن، أن تساهم في تذكير المواطنين بأن ما يسمى بالصالح العام لا يوجد فقط لدى الشعبويين الذين يتحدثون كثيراً عن الشعب الحقيقي، ولكنهم لا يبذلون أي جهد لإيضاح ما يعنيه ذلك فعلا من الناحية العملية".
غير أن بلودورن، الذي درس في ايرلانجن ويرأس حاليا معهد فيينا للتحول المجتمعي والاستدامة، أقر بأنه من الصعب أن يفهم المواطنون التداخلات المعقدة في السياسة بشكل تام، وأن هذا الهدف يحتاج لمزيد من الجهد. أوضح بلودورن أنه لا يستغرب تزايد أعداد المواطنين الحانقين على صناع القرار السياسي، مضيفا: "لقد تعلم مواطنو العصر الحديث أن ينظروا لأنفسهم باعتبارهم محور العالم.. حيث يسمعون عبارة: الزبون ملك، تتردد في كل مكان.. وعبارة: الخلاصة هو أني العنصر الأهم، وعبارة: لأني أشعر بقيمتي".
ورأى بلودورن أنه عندما تغيب المبادئ الجماعية، فلا يمكن مؤاخذة الناس "عندما ينظرون لأنفسهم باعتبارهم المرجع الأخير والوحيد".
يصل زوار معرض "السلطة والملايين، أنا الحاكم اليوم"، الذي يستمر حتى 18 حزيران/يونيو المقبل، في نهاية الجولة إلى سدة الحكم حيث يستطيعون اقتراح مشروع خاص بهم لتنفيذه من أجل مدينة ايرلانجن "ونعتزم إيصال جميع هذه الأفكار إلى عمدة المدينة" حسبما أكدت كورن، مما يعني أن باستطاعة ضيوف المعرض حقا المشاركة في الحكم، ولو بشكل قليل.