"قراءة عصرية لبعض الجوانب الإيمانية
والقيم الأخلاقية والإنسانية في لغة سهلة قريبة ميسرة تهدف إلى تقريب المعاني
الأخلاقية وترسيخها في الذاكرة والوجدان وتسهم في تحويلها إلى سلوك وواقع حياتي معاش" .. هكذا لخص
الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، الأسباب التي دفعته لإخراج كتاب "حديث
الروح"، الذى جاء ضمن الكتب الأكثر مبيعًا في عام 2019/2020 بين مطبوعات دار التحرير
للطباعة والنشر.
الكتاب ضم عددًا من الموضوعات الدينية حول القيم
والأخلاق من بينها: " قيمــة العدل، حقيقــة الزهد، الحيــاء خير كله، الصبر الجميل،
حق الوالدين، أزمة الأخلاق والقيم، وعاقبة الشذوذ والانحراف، محكمة العدل الإلهية،
الإمام العادل، المكر السيئ، الخيانة والنفاق".
فتحت عنوان "قيمــة العدل": قال
الدكتور مختار جمعة "العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق، ونصبه للحق، فـلا تخالفه
في ميزانه، ولا تنازعه في سلطانه، والعدل الذي ننشده هو العدل على كل المستويات، على
مستوى الفرد، وعلى مستوى المجتمع بكل أركانه ومؤسساته، فالإنسان مطالب بالعدل بين أبنائه
وفي أسرته وسائر جوانب حياته، كما أن على كل مسئول على أي مستوى كان أن يعدل فيما ولاه
الله إياه، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): " مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ
عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أَتَى اللهَ مَغْلُولًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ
إِلَى عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ "(مسند أحمد).
وتابع وزير الأوقاف:"على أن تحقيق العدل
الإداري بين المرؤوسين وبين المتعاملين يعمق الولاء والانتماء الوطني، أما ظلم الناس
وتقديم الولاء على الكفاءة فيولد الاحتقــان المجتمعي ويضعف الولاء الوطني، ويؤدي إلى
الشقـاق المجتمعى".
وفى حديثه عن حقيقــة الزهــد، قال الدكتور
محمد مختار جمعة: "يرتبط الزهد في أذهان البعض بجوانب شكلية لا علاقة لها بحقيقته،
وقد يتوهم بعض الناس خطأ أن الزهد رديف الفقر أو حتى الفقر المدقع، فالزاهد في تصور
البعض شخص بالضرورة قليل المال، وربما قليل الحيلة، وربما رث الثياب أو مخرقها، صوته
لا يكاد يبين، ويده لا تكاد تلامس مصافحها، ثم تطور الأمر إلى سلبية أشد بهجر العمل،
وربما ترك الدراسة العلمية أو عدم الاكتراث بها، والخروج من الدنيا بالكلية إلى عالم
أقرب ما يكون إلى الخيالات الخاطئة منه إلى دنيا الواقع، في تعطيل مقيت وغريب وعجيب
وشاذ للأسباب، مع أن ذلك كله شيء والزهد شيء آخر".
وقد قال أهل العلم: ليس الزاهد من لا مال عنده،
إنما الزاهد من لم تشغل الدنيا قلبه، ولو ملك مثل ما ملك قارون، وعَنْ بِشْرِ بْنِ
الْحَارِثِ، قَالَ: قِيلَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: أَيَكُونُ الرَّجُلُ زَاهِدًا
وَيَكُونُ لَهُ الْمَالُ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ كَانَ إِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ وَإِذَا
أُعْطِيَ شَكَرَ.(حلية الأولياء لأبي نعيم)، ولذا كان من دعاء الصالحين: اللهم اجعل
الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا.
وعن التفاؤل والأمل، قال فضيلته :"ما أجمل
الأمل، وما أصعب اليأس، وما أشقه، وما أخطره، اليأس مدمر للنفوس، محبط للآمال، مولد
للكآبة، مثبط للهمم ؛ لذا نهى الإسلام عن اليأس والتأييس، والإحباط والتحبيط، وعدّه
بعض أهل العلم من الكبائر.
وتحت عنوان عاقبة الشذوذ والانحراف قال وزير
الأوقاف في كتابه :" تحدث القرآن الكريم عن شذوذ قوم لوط في مواطن عديدة لتسليط
الضوء على سلوكهم غير الإنساني الذي أطلق عليه القرآن الكريم "الفاحشة" بالتعريف
بالألف واللام، ولم يقل " فاحشة "، وكأن فعلتهم قد صارت علمًا على الفاحشة،
بحيث تتلاشى إلى جانبها أي فاحشة أخرى، حيث يقص علينا القرآن الكريم ما كان من سيدنا
لوط (عليه السلام) مع قومه، فيقول سبحانه:" وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ
الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ
الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا
كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ
أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" (الأعراف: 80 – 82)، وفي سورة العنكبوت ترتفع نغمة التحدي
لدى هؤلاء الشواذ لنبي الله لوط (عليه السلام) إلى درجة طلبهم منه أن يأتيهم بعذاب
الله إن كان من الصادقين، وذلك حيث يقول الحق سبحانه:" وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ
إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ
* أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ
الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ
الله إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ"
(العنكبوت: 28-30) .
أما قيمة العدل التي طالما شغلت فكر العامة
والخاصة ققال عنها فضيلته: "العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق، ونصبه للحق، فـلا
تخالفه في ميزانه، ولا تنازعه في سلطانه، وقد قالوا: إن الله (عز وجل) ينصـر الدولة
العادلة ولو كانت كافرة، ولا ينصـر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة، وأن المُلْكَ قد
يـدوم مع العـدل والكفـر، ولا يـدوم مع الإسـلام والظلـم.
وتابع جمعة:"على أن تحقيق العدل الإداري
بين المرؤوسين وبين المتعاملين يعمق الولاء والانتماء الوطني، أما ظلم الناس وتقديم
الولاء على الكفاءة فيولد الاحتقــان المجتمعي ويضعف الولاء الوطني، ويؤدي إلى الشقـاق
المجتمعي، وعاقبة الظلم هي الهلاك والدمار في الدنيا، والسخط وسوء العاقبة يوم القيامة،
حيث يقول الحق سبحانه في شأن الظالمين:" فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا
ظَلَمُوا " (النمل: 52)، ويقول سبحانه:" فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ
مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ " (القصص:
58)، ويقول تعالى: "وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا
وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي
الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ " (يونس: 13).
وتحدث وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة عن الحياة الدنيا، مستشهدا بكلام وأحاديث العلماء والأدباء والحكماء عن الدنيا قائلا "تحدث العلماء والأدباء والحكماء والشعراء عن الدنيا حديث عارف بها ، خبير بطبيعتها ، فقال بعضهم : من طلب الراحة في الدنيا- أي الراحة التامة الكاملة الدائمة - طلب ما لم يخلق، ومات ولم يرزق ؛ لأن الله (عز وجل) يقول : "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ" (البلد : 4).
، ويقول أبو البقاء الرندي :
لكل شيءٍ إذا ما تم نقــــــصانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأيامُ كما شــاهدتها دُولٌ
مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمــانُ
ويقول البارودي :
إذا أحسَنتَ يومًا أساءت ضُحى غـدٍ
فَإِحْسَانُهَا سيْفٌ عَلَى النَّاسِ جَائِرُ
تـــــربُّ الفتى حتَّى إذا تــــــمَّ أمرهُ
دَهَتْــهُ كَــما رَبَّ الْبَهِيمَــــة َ جَازِرُ
ويقول خامس الخلفاء الراشدين عمر بن العزيز (رضي الله عنه) في إحدى خطبه : أيها الناس ، إنكم لم تُخْلَقوا عبثًا ، ولم تخلقوا سدًى ، وإن لكم معادًا يحكم الله بينكم فيه ، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء ، وحُرم جنة عرضها السماوات والأرض ، واعلموا أن الأمان غدًا لمن خاف اليوم ، وباع قليلاً بكثير ، وفانيًا بباق ، حتى يرد على خير الوارثين ، ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديًا ورائحًا إلى الله ، قد قضى نحبه ، وبلغ أجله ، ثم تغيبونه في صدع- أي شق- من الأرض ، ثم تدَعونه غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب ، وفارق الأحباب ، وواجه الحساب ، غنيًا عما ترك ، فقيرًا إلى ما قدّم .
ويقول الإمام الحسن البصري (رحمه الله ) : يا ابن آدم ، بِع دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا ، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعًا ، يا ابن آدم ، إذا رأيت الناس في الخير فنافسهم فيه ، وإذا رأيتهم في الشر فلا تغبطهم عليه ، الثواء هنا قليل ، والبقاء هناك طويل ، أمتكم آخر الأمم وأنتم آخر أمتكم" هيهات هيهات ، ذهبت الدنيا بحاليها ، وبقيت الأعمال قلائد في أعناق بني آدم ، فيا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة ، أما إنه والله لا أمة بعد أمتكم ، ولا نبي بعد نبيكم ، ولا كتاب بعد كتابكم ، أنتم تسوقون الناس ، والساعة تسوقكم ، وإنما ينتظر بأولكم أن يلحقه آخركم . ويقول عبد الحميد الكاتب : إن الله تعالى جعل الدنيا محفوفة بالكره والسرور , وجعل فيها أقسامًا مختلفة بين أهلها ، فمن دَرَّتْ له بحلاوتها وساعده الحظ فيها ، سكن إليها ، ورضي بها ، وأقام عليها ، ومن قرصته بأظفارها ، وعضته بأنيابها ، قلاها نافرًا عنها ، وذمها ساخطًا عليها ، وشكاها مستزيدًا لها .
ويقول رب العزة (عز وجل) في محكم التنزيل : " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " (يونس : 24) ، ويقول سبحانه : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ " (فاطر : 5) فعش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزىٌّ به ، ومن لم يتعظ بتخطف الموت من حوله فلا واعظ له.