ذكرت دار الإفتاء المصرية أن نَشْر الفضائح الأخلاقية على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الانتقام والتشفي - تعليقًا أو مشاركةً أو إعجابًا - حول ما نُشِر؛ فيه إشاعة للفاحشة في المجتمع، وهي جريمة حَذَّر منها الحق سبحانه وتعالى؛ وذلك في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النور: 19]. والآية عامة في الذين يَلتمسون العورات، ويهتكون الستور، ويشيعون الفواحش.
وأضافت دار الإفتاء - في فتوى لها اليوم /الأحد/ - أن الإسلام قد جعل إشاعة الفاحشة مساوية في الوِزْر لفعلها؛ لعِظَم الضرر المترتب في الحالتين؛ فقد أخرج الإمام البخاري في "الأدب"، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «القائل للفاحشة والذي يشيع بها في الإثم سواء»، وقال عطاء رضي الله عنه: «من أشاع الفاحشة فعليه النكال، وإن كان صادقًا».
وأشارت إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رَتَّب على هذه الجريمة عقوبة عظيمة فقال: «أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمةٍ هو منها بريء يشينه بها في الدنيا؛ كان حقًّا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال».
وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوء عاقبة الذين يشنعون على إخوانهم ويُسَمِّعون بهم؛ فقال في الحديث الذي رواه الشيخان: «من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به»، فمَنْ سَمَّع بعيوب الناس وأذاعها، أظهر الله عيوبه وأسمعه المكروه.
ونوهت دار الإفتاء إلى أَنَّ نشر الفضائح الأخلاقية على مواقع التواصل الاجتماعي يتنافى كليًّا مع حَثِّ الشرع الشريف على الستر والاستتار؛ لأنَّ أمور العباد الخاصة بهم مبنية على الستر؛ فلا يصح من أحد أن يكشف ستر الله عليه ولا على غيره؛ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» (رواه مسلم). وفي رواية لابن ماجه: «منْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ».
ونبهت إلى أن الشرع الشريف حَثَّنا على أنَّه من ابتلي بمعصيةٍ فعليه ألا يُخبر بها، بل يُسرها ويستغفر الله منها ويتوب إليه؛ فإن فعلها ثم أَسَرَّ بها إلى شخص آخر؛ فلا يجوز لهذا الآخر أن يكشف سره ليشهر به، ولا يجوز لمن استؤمن على شيء أن يكشفه لغيره؛ قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 34]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» (متفق عليه)، وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا».
ولفتت دار الإفتاء إلى أن ذلك يُعَدُّ من الغيبة المحرمة؛ لأنَّ فيه ذكر للشخص بما يكره أن يُذكر به، قال شيخ الإسلام النووي الشافعي في «الأذكار» (ص 535، ط. ابن حزم): «فأما الغيبة: فهي ذكرك الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو والده أو زوجه أو خادمه أو مملوكه أو عمامته أو ثوبه أو مشيته وحركته وبشاشته وخلاعته وعبوسه وطلاقته أو غير ذلك مما يتعلق به؛ سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزت أو أشرت إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذلك».
وأكدت أن الإسلام أمر أتباعه بأن يتحلوا بالستر وغض الطرف عن عثرات الناس وعدم تتبع عوراتهم وعدم التشهير بهم؛ عونًا لهم على التوبة وإصلاح النفس، ففي الحديث الشريف عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
وأضافت دار الإفتاء أنَّ نشر الفضائح الأخلاقية على مواقع التواصل الاجتماعي يندرج تحت طلب الشُّهْرة المذموم؛ فقد روى البيهقي في "شعب الإيمان"، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «حَسَبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ -إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ- أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ النَّاسُ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ».