الجمعة 17 مايو 2024

الفتنة نائمة

21-4-2017 | 13:18

سامر محمد إسماعيل

شاعر وقاص ومخرج وكاتب مسرحي، ولد في دمشق (1977) وتخرج في كلية الآداب والعلوم الإنسانية/ قسم الصحافة بجامعة دمشق (2003)، كتب سيناريوهات سينمائية لأفلام روائية طويلة وقصيرة. وصدر له ديوان "متسوّل الضوء" الفائز بجائزة الشعر في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية (2008)، وديوان " أطلس لأسمائكِ الحُسنى" (2015). وكتاب "الكتابة ضد البروشور: الاتجاهات الحديثة في المسرح السوري المعاصر".

ها نومكِ الطفيف..

وها قدماكِ مغروستان في شجر السرير

وها يداكِ مترعتان بالتلويح والكمائن..

أمر من خلالكِ إلى خلالي..

وأحصي الهواء بيني وبين زفيركِ المهرج

أنتِ المدهونة بالأشياء والأمتعة

المائلة على ظل يلازمكِ

ويطعن فيكِ قضيب غواياته

عباد شمسٍ يلاصق قمراً أغمضتهُ عليكِ

يا ترجيع نايات الحديد

يا كبداً تمشي الهوينا

على أديم الغرق..

يا غباراً يقتل كلما كشّف عن عورته

الفتنة نائمة..

والقتل إلى جوارها

يسند ساعده على خصرها اللحم..

يفركُ أذنيها بزيت الغنج

ويوسد جذعها بغربانه..

فتهذي..

الفتنة نائمة..

تهنهن أمواتها القدامى

وتغرف من عسل الكلام..

نحنحته.. تلمظه المرير المفوّه بالكارثة.

المحلى بالنعاس.

-أعرني أيها الفتكُ أشياء صيدكَ

وافتح لي مكنون خزائنكَ الطرائد..

أطعني في جهاتك المديدة

مكّني من الجلوس والاستدارة..

وفُك أزراري بأسنانك..

تعوي الفتنة في نومها..

 تتشبث بساعاتها الرملية

تمصُّ أصابعها المطلية بالكحل

تغفُّ على توابل ركبتيها المنقوعتين بالدم

تخبز مزهرياتها بقدمٍ

وتشوي بالأخرى نهاراتها الدامغة..

الفتنة تتقلب ذات اليمين وذات الزوال

تنهض كفيلم من الرعب

إلى شاشة المعنى

تتورد وتحملق في وهم المكان

-هذا أنا سيدكِ الرابض لخدمة نومكِ المعافى

وأنا أيضاً سادنكِ المنقوش على لوح فخذكِ المضيء..

والفتنة نائمة..

أوقاتها الفاليوم

أحلامها دواجنٌ بشريةٌ

يحكّون لها ظهرها الفسيح

بمغناطيس الطاعة المخضّب

فتصرخ من نشوة وذهول.

يتمتمون في آذانها حنيناً أبيض.

يرتقون لها ثوبها المعضوض من أكتافه

يسوون رقبتها على وسادة الأسماك

الأسماك حتفها الغريق في أمواجه

الفتنة نائمة..

والقتل في جوارها تمائم وسحاقيات..

يرفعن نحرها نحو نصلٍ يكاد يذبحها

لكنها كلما تقلدته

 قلّد خصرها ومال إلى رقصها

لاهي ميتة.. ولا هو يتعب من لبوسها

فمها مسرنم وجفونها أجنحة مقصوصة..

الفتنة نائمة وسادنها يغطُ في نواحيها..

يمدحُ لغو خنصرها

يرتوي من بعضها..ببعضها الآخر..

يحنّي لها بنصرها بألسنةٍ من الليمون..

ويشير عليها بسبابتها

-هذا أنتِ..يقول في بال حاله

 ثم يمضغ أصابع قدميها

يطقطق لها سلاميات رجليها..

يخنقها بصفَنه ودرعه

ثم ينقضُّ على أحوالها

يطوّع تقلبات طقسها

ويدهده أعطافها..

الفتنة  ترى ما يخيل أنها

تتكور على أزيائها اللدنة

ترفض جسدها الممغنط..

تتحول من كسائها القديم

نحو حريرها المكهرب

تنمو في النوم..

تتوسل خدماً يوثقون أيديها إلى صراخها المخنّث

تنجبهم..

تنجبهم جميعاً من منيّها المعطر

ثم تقتلهم في ظنها..

حولها حبور وعرائس من صور متحركة

موائد وخيول تسبِّح باسمها

أحصنة مبقورةٌ وأجنّةٌ من حبر خالص

فاكهة الأشكال هي

سيدةٌ محرومة من المديح

 مستترة كضمير..

أو كمضافٍ إلى اسمها

مدنٌ منسوبةٌ إليها

كأنها رجلٌ تقتات عليه

كلما مسّها بردٌ تقمصته..

وكلما تدفأت عليه هصرته

وافترعت نوعه

صفراء..صفراء

مريضةٌ فيه..

منذورةٌ لغبش عينيه

عندما تنفست روحه

وأرخت عليه جدائل غاباتها

ترنمت بقصبة ساقيه

وعزفت عليها شوقها القديم..

إلى أعطافه..

الفتنة تصحو كأنها خدرٌ متواصل

ترعفُ تدوي كوحشٍ له  ألف فمٍ رضيع

تكزُّ على رسغيها

تنزع صوتها من خرسه

وتغني:

دُم لي كأبٍ يا أبي

حرّكني بالهطول

راودني عن نفسي

وئدني في بدنكَ الخشن

كي أمنحكَ غِماري

وأنقذ نفوسكَ من نفوسي

أنتَ القتلُ وأنا بارقة أمومتكَ

عندما تنسل من روحي

لوعة حليبكَ

وحسرة فطامي .