تتجاوز الحاجة إلى النوم مجرد تجديد مستويات الطاقة لدينا كل 12 ساعة. وتتغير أدمغتنا في الواقع عندما ننام لإزالة المنتجات الثانوية السامة للنشاط العصبي الذي خلفه طيلة النهار.
ومن الغريب أن الأبحاث التي أُجريت على الفئران كشفت أن نفس العملية تبدأ في الحدوث في الأدمغة التي تعاني من الحرمان المزمن من النوم أيضا، باستثناء أنها بدأت في زيادة السرعة.
ووجد الباحثون أن قلة النوم المستمرة تجعل الدماغ ينظف قدرا كبيرا من الخلايا العصبية والوصلات المشبكية، وقد لا تتمكن استعادة النوم من عكس الضرر.
وفي عام 2017، قام فريق بقيادة عالمة الأعصاب ميشيل بيليسي من جامعة ماركي بوليتكنيك في إيطاليا، بفحص استجابة أدمغة الثدييات لعادات النوم السيئة، ووجدت تشابها غريبا بين الفئران التي تستريح جيدا وتلك التي لا تنام.
ومثل الخلايا في أي مكان آخر في الجسم، يتم تحديث الخلايا العصبية في الدماغ باستمرار من خلال نوعين مختلفين من الخلايا الدبقية، وهي الخلايا الداعمة التي تسمى غالبا صمغ الجهاز العصبي.
والخلايا الدبقية الصغيرة هي المسؤولة عن إزالة الخلايا القديمة والبالية من خلال عملية تسمى البلعمة، والتي تعني "الالتهام" باللغة اليونانية.
وتتمثل وظيفة الخلايا النجمية (أكبر أنواع الخلايا الدبقية العصبية) في تقليم نقاط الاشتباك العصبي (الوصلات) غير الضرورية في الدماغ لتحديث وإعادة تشكيل أسلاكه.
وعرف الباحثون أن هذه العملية تحدث عندما ننام لإزالة البلى العصبي الذي يحدث في اليوم، ولكن يبدو الآن أن الشيء نفسه يحدث عندما نبدأ في الحرمان من النوم.
ولكن بدلا من أن يكون هذا أمرا جيدا، فإن الدماغ يسرف في عملية التنظيف، ويبدأ في إيذاء نفسه في الواقع.
وأشار العلماء إلى أن الأمر أشبه بالقمامة التي يتم التخلص منها من المنزل، أثناء النوم، بينما عند الحرمان من النوم وقضاء عدة ليال في المعاناة من الأرق، فإن العملية تشبه دخول شخص ما إلى منزلك ويقوم بالرمي العشوائي للتلفاز والثلاجة وكلب العائلة.
وصرحت بيليسي لموقع "نيو ساينتست": "أظهرنا لأول مرة أن أجزاء من نقاط الاشتباك العصبي تلتهمها الخلايا النجمية، حرفيا، بسبب قلة النوم".
ولمعرفة ذلك، صور الباحثون أدمغة أربع مجموعات من الفئران:
- تركت مجموعة أولى للنوم لمدة 6 إلى 8 ساعات (مرتاحة جيدا)
- استيقاظ المشاركين في المجموعة الثانية بشكل دوري من النوم (الاستيقظ تلقائيا)
- المجموعة الثالثة بقيت مستيقظة لمدة 8 ساعات إضافية (محرومة من النوم)
- ظلت المجموعة الأخيرة مستيقظة لمدة خمسة أيام متتالية (يعانون من الحرمان المزمن من النوم)
وعندما قارن الباحثون نشاط الخلايا النجمية عبر المجموعات الأربع، حددوا في 5.7% من نقاط الاشتباك العصبي في أدمغة الفئران المستريحة جيدا، و7.3% في أدمغة الفئران المستيقظة تلقائيا.
وفي الفئران المحرومة من النوم وذات الحرمان المزمن من النوم، لاحظوا شيئا مختلفا، حيث زادت الخلايا النجمية من نشاطها لأكل أجزاء من نقاط الاشتباك العصبي مثل الخلايا الدبقية الصغيرة التي تأكل الفضلات، وهي عملية تُعرف باسم البلعمة النجمية.
وفي أدمغة الفئران المحرومة من النوم، وجد الباحثون أن الخلايا النجمية نشطة في 8.4% من نقاط الاشتباك العصبي، وفي الفئران التي تعاني من الحرمان المزمن من النوم، أظهرت 13.5% من نقاط الاشتباك العصبي نشاط الخلايا النجمية.
ووفقا لبيليسي، فإن معظم نقاط الاشتباك العصبي التي تم تناولها في مجموعتي الفئران المحرومة من النوم كانت أكبر، وتميل إلى أن تكون الأقدم والأكثر استخداما "مثل قطع الأثاث القديمة"، وهو على الأرجح شيء جيد.
ولكن عندما فحص الفريق نشاط الخلايا الدبقية الصغيرة عبر المجموعات الأربع، وجدوا أن النشاط زاد في المجموعة التي تعاني من الحرمان المزمن من النوم.
وهذا مصدر قلق، لأنه تم ربط نشاط الخلايا الدبقية الصغيرة الجامح بأمراض الدماغ مثل مرض ألزهايمر وأشكال أخرى من التنكس العصبي.
ويبقى العديد من الأسئلة، مثل هل تتكرر هذه العملية في أدمغة الإنسان، وهل الحصول على النوم الجيد يمكن أن يتفادى الضرر.