الأحد 16 يونيو 2024

صفية

22-4-2017 | 10:16

إسلام الحادي - قاص مصري

همست صفية تستغيث فقمت مسرعا إلى الصلاة...

   صفية لحظات متفردة وضوء يضوي بداخلي، حزنت يا صفية عندما أخطأت بجدول الضرب ولم أعرف الناتج فعاقبني المدرس بالضرب على ظهر يدي في صباح شتائي بارد وبدت يدي زرقاء، لمعت عيناها وداعبت شعر رأسي وعاتبتني لأنني ضربت الولد الضعيف وقالت لي إنها ستظل معي دائما.

   متى ستأتين يا صفية؟! كانت بعيدة جدا ولكنني أراها بوضوح أحاول أن أرفع صوتي قدر الإمكان، سألتها وبدت عيناها زائغتين ومحمرتين قليلا، فقالت: عندما تكون الدموع سهلة وحارة أن ترى طفلا يبكي فتبكي مثله، وعندما تشعر بكل من هم حولك وتنسى قلقك الدائم وسعيك المتواصل للشعور بالرضا.

   تعجبت كثيرا عندما وقفت ونظرت من النافذة ناحية البحر وجدتها تقف، تنظر إلى القمر. كان ظلها يتأرجح وشعرها المنسدل يغطي آخر فقرات ظهرها تنادي بهمس وأسمعها تميل من مرور النسمة وتداعبها ثم تعرج ناحية القمر. ماذا تفعلين يا صفية؟! شعرت بالجوع فصعدت إلى أعلى.

   زاد أرقي وأصبح نشيجي مسموعا غفوت ولم أنم قرير العين.. بكيت لبكاء الطفل فأين أنت؟!

   شعرت وكأن العمر يمضي سريعا عندها ظللت أرنو إلى أعلى أنتظر مغازلتك لضوء القمر.. كنت ومازلت أبحث عنك في ورقة خريفية مبتلة ملقاة في أودية سحيقة، أو قصاصات من مشاهد متقطعة عالقة بجدار القلب، وحين تحولت الغاية وتشكلت في نظرة منك، أو تستحيل الرغبة في الابتسامة العذبة غير المكسورة أو غير المصطنعة من شفتيك ويتماوج الحلم كالفراشات الملونة أمام عينيك فتنسجين بيدك طوقا من الياسمين تعلقينه برقبتي.

    يا صفية أشعر بالسعادة والدوار وأغتسل بماء الصبا وأصفف شعري وأخفي فيه معالم البياض، هل تعلمين؟! حزنت ونسيت أن أنسى بأن الرداء تطاير وتعريت أمام الجميع وظللت أنت صفية، طالعتني وجوه طالها الموت، ووجوه قادمة للحياة، وأفلام سينمائية جلسنا أمامها طويلا، وحصص تعليمية ومدرسون ومدرسات، وجدران وطلبة وطالبات، والجو حار وبارد ومعتدل وأعياد ومراجيح وصواني للحلويات، وحزن غير مبرر وسعادة لا بد أن تكون مبررة وأنت كما أنت بغموضك الشهي وسحرك الغامض ربما لم نجتمع لحكمة ما أو ربما إذا اجتمعنا اجتماعا مؤقتا لم أصفك الآن بغموضك الشهي أو بسحرك الغامض.

يا صفية هل تعلمين لماذا أشعر بالسعادة والدوار؟!

    لأنني سأقول لك حكايات ونتمدد على العشب الأخضر ونستمع إلى ألحان عذبة ونطوف بالذكريات أركان العمر الخضراء وتظل الحكايات متجددة ليس بها رتابة أو ملل.

صفية هل قرب رحيلك؟!

   عند هذه اللحظة وعند النفق المظلم وأنا أدور حول ذاتي وأصطدم بالظلام، أمر بدوائر مغلقة وأرى بصيصا من النور يقترب مني شيئا فشيئا وأرى أناسا راحلين ينادونني من بعيد بحلل بيضاء ووجوه بلا ملامح يغوصون في بحر مياهه حمراء يمسكون بحبل سميك يشخصون بأبصارهم إلى أعلى، شعرت بأنني أطير في فراغ وأنني سأهبط وأقف إلى جوارهم.

صفية حمدا لله أنك جئت ماذا يفعل هؤلاء؟!

    جلست عند رأسي وداعبت شعري ثم نامت فوقي وبدأت تتسلل من أطراف أصابعي.. صفية لا أشعر بأقدامي.. لم ترد وواصلت انسحابها صعدت حتى بطني.. قلت بصعوبة صفيييية شعرت بها حتى حلقي وبعدها ضاع صوتي وتلاشى.. أخذتني من يدي ووضعنا أقدامنا على سلم واصل للسماء وعرجنا...