اعتبر رئيس الحكومة اللبنانية السابق زعيم (تيار المستقبل) سعد الحريري، أن لبنان أصبح رهينة أجندات خارجية بصورة تفوق طاقته، مشيرا إلى أن اعتذار الدكتور مصطفى أديب عن عدم الاستمرار في تشكيل الحكومة الجديدة، كشف النقاب عن نموذج صارخ لفشل الساسة اللبنانيين في إدارة الشأن العام ومقاربة المصلحة الوطنية.
وقال الحريري - في بيان اليوم السبت - : "اللبنانيون يضعون اعتذار رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب عن عدم مواصلة تشكيل الحكومة اليوم، في خانة من قاموا بعرقلته، والذين لم تعد هناك حاجة لتسميتهم، فقد كشفوا عن أنفسهم في الداخل والخارج ولكل من هب من الأشقاء والأصدقاء لنجدة لبنان بعد كارثة انفجار الميناء البحري التي لحقت بالعاصمة بيروت".
وأضاف: "نقول إلى هؤلاء الذين يصفقون اليوم لسقوط مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنكم ستعضون أصابعكم ندما لخسارة صديق من أنبل الأصدقاء، ولإهدار فرصة استثنائية سيكون من الصعب أن تتكرر لوقف الانهيار الاقتصادي ووضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوب".
وتابع الحريري: "مبادرة ماكرون لم تسقط، لأن الذي سقط هو النهج الذي يقود لبنان واللبنانيين إلى الخراب، ولن تنفع بعد ذلك أساليب تقاذف الاتهامات ورمي المسئولية على الآخرين ووضع مكون رئيسي لبناني في مواجهة كل المكونات الأخرى".
وأكد الحريري أن المبادرة التي كان قد تقدم بها قبل أيام استهدفت "فتح ثغرة في الجدار المسدود" وتسهيل تشكيل الحكومة الجديدة لمنع سقوط لبنان في المجهول، والاستثمار المسئول في المبادرة الفرنسية، غير أن الإصرار على إلقاء لبنان رهينة أجندات خارجية أصبح أمرا يفوق طاقة الجميع على التوصل لحلول وتقديم التضحيات.
وقال: "وهذه مناسبة لا توجه بالتحية إلى الرئيس ماكرون، والذي بذل جهودا غير مسبوقة لجمع القيادات اللبنانية على كلمة سواء".. مشيرا إلى أن الزيارتين اللتين أجراهما الرئيس الفرنسي إلى بيروت والتزامه دعم لبنان وإعادة إعمار العاصمة ووقوفه إلى جانب المنكوبين جراء انفجار ميناء بيروت البحري، ستبقى عنوانا للصداقة الحقيقية وعمق العلاقات بين الشعبين اللبناني والفرنسي، مهما عصفت بلبنان رياح التخلي عن المسئوليات الوطنية.
وأعرب الحريري عن تقديره للدكتور مصطفى أديب، لتحمله مسئولياته "بكل جدارة والتزامه حدود الدستور والمصلحة الوطنية حتى اللحظة الأخيرة".
وكان مصطفى أديب سفير لبنان لدى ألمانيا قد كُلف بتشكيل الحكومة الجديدة في 31 أغسطس الماضي، في ضوء "خريطة طريق" قدمتها فرنسا، وتقوم على تأليف سريع للحكومة في غضون 15 يوما وإجراء إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية عاجلة في سبيل إنقاذ لبنان من التدهور الشديد الذي يعاني منه، وتوافقت عليها جميع القوى السياسية والتكتلات الممثلة لها داخل مجلس النواب.
وتقدم صباح اليوم مصطفى أديب باعتذار عن عدم مواصلة مهمة تشكيل الحكومة، في ضوء تراجع عدد من القوى السياسية عن التزاماتها وتعهداتها التي كانت قد قدمتها له وقطعتها أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي تمثلت حينها في عدم التدخل في تشكيل الحكومة أو تسمية الوزراء، وتمكين "أديب" من تأليف حكومة من الاختصاصيين (الخبراء) المستقلين عن القوى والتيارات والأحزاب السياسية للشروع في إجراء الإصلاحات.
وكان مسار تشكيل الحكومة الجديدة قد واجه عقبة كبيرة تمثلت في إصرار حركة أمل وحزب الله على الاحتفاظ بوزارة المالية في الحكومة التي كُلف مصطفى أديب بترؤسها وتشكيلها، وذلك عبر تسمية الثنائي الشيعي للوزير الذي سيشغل الحقيبة، إلى جانب المشاركة في تسمية ممثليهما في الحكومة من خلال تقديم لائحة أسماء لـ "أديب" ليختار منها وزراء الطائفة الشيعية.
وفي المقابل، تمسك رئيس الوزراء المكلف – قبل اعتذاره عن عدم مواصلة مهمته - بمبدأ "المداورة" في الحقائب السيادية والأساسية والخدمية بين مختلف الطوائف، إلى جانب تشكيل حكومة مصغرة من الاختصاصيين (الخبراء) المستقلين عن القوى والتيارات والأحزاب السياسية.
وكان القادة والزعماء السياسيون اللبنانيون قد تعهدوا أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار بيروت أول شهر سبتمبر الحالي، أن تتشكل الحكومة الجديدة للبلاد برئاسة "أديب" في غضون فترة وجيزة لا تتجاوز 15 يوما، وأن تتألف هذه الحكومة من وزراء يتسمون بالكفاءة، وأن تحظى بدعم كافة القوى السياسية اللبنانية، إلى جانب موافقتهم على "خريطة الطريق" الفرنسية المقترحة لإنقاذ لبنان والتي تتضمن المداورة في كافة الوزارات وعدم استئثار أي طائفة بأي حقيبة وزارية.