يكاد شم النسيم أن يكون أحب أعياد المصريين إلي قلوبهم، وهو لهذا يرتبط بذكريات عديدة في النفوس. والأحداث التالية وقعت لطائفة من نجومنا وكواكبنا في يوم عيد الربيع، يوم شم النسيم!

***

كانت تحية كاريوكا منذ 17 عاماً ممثلة مبتدئة تؤدي دور راقصة في فيلم «أحلام الشباب» الذي تولي بطولته فريد الأطرش. وكان دورها في الفيلم دور فتاة تنتزع منها البطلة حبيبها فتغضب وتذهب إلي إحدي الحفلات لتعطي البطلة درسا قاسيا. كان الدور يقتضي أن تهجم تحية علي البطلة وتشبعها ضربا، وكان تصوير هذا المشهد يجري ليلة شم النسيم، وكانت تحية قد اتفقت مع بعض صديقاتها وأصدقائها علي أن يوافوها في الاستديو لتصحبهم بعد انتهاء التصوير في الصباح المبكر إلي حديقة مينا هاوس. وجاءت الصديقات في اللحظة التي بدأ فيها تصوير مشهد الخناقة، وخلال التصوير فقد المخرج السيطرة علي المشهد، وشاهدت تحية فتاة من الكومبارس تهجم عليها متنمرة فصاحت تستغيث، وانقلب الأمر إلي «خناقة» حقيقة أسفرت عن إصابات عديدة نقلت بسببها تحية إلي الإسعاف هي وأغلب صديقاتها واقتيدت الفتاة الكومبارس إلي نقطة بوليس الهرم. وفي التاسعة من صباح شم النسيم غادرت تحية الإسعاف إلي نقطة البوليس لتشهد في صالح الفتاة ليفرجوا عنها.

وكان صلاح أبو سيف يخرج فيلم «الأسطي حسن» وقرر أن يواصل العمل في يوم الأحد السابق لشم النسيم حتي يتيح للعاملين في الفيلم فرصة ليشموا النسيم مثل سائر خلق الله في اليوم التالي. وانتقل صلاح أبو سيف بأسرة الفيلم إلي أحد شوارع القاهرة لالتقاط بعض المشاهد وكان الأطفال في هذا اليوم يستقبلون العيد «بالبمب» وبينما كانت هدي تقف أسفل أحد المنازل انتظارا لالتقاط المشهد هاجمها الأطفال بكميات وفيرة من البمب فاستغاثت صائحة:

- قنبلة . قنبلة. ثم أغمي عليها قبل أن يسرع بعض العمال ويحملوها إلي بيتها وقضت هدي في الفراش يومين كاملين ومعها العاملون في الفيلم الذين استنشقوا النسيم بجوار فراشها.

وفي عام 1949 أعلن أحد ملاهي شارع الهرم عن حفلة تنكرية ليلة شم النسيم، وكان العمل أيامها يجري في تصوير فيلم «ست الحسن» الذي قام ببطولته كمال الشناوي. واتفق كمال وبعض نجوم الفيلم علي أن يقضوا السهرة في هذا الملهي بملابس الفيلم والمكياج واللحي المستعارة وفي نفس هذه الأيام كان البوليس السياسي يبحث عن بعض الشبان الهاربين من وجهه، والتقي رجال البوليس السياسي بكمال الشناوي وزملائه في شارع الهرم وهم يرتدون الملابس العربية التاريخية التي يظهرون بها في الفيلم، كان كمال الشناوي بقامته المديدة، ومشيته الرشيقة التي تخالف كثيرا ما جري عليه الأعراب في مشيتهم، ووجهه الحضري المتمدين الناعم الذي يبعد تماما من المسحة التي عرف بها «مشايخ العرب» في باديتهم والذين تكسو وجوههم صلابة وخشونة وحدة في التقاطيع وجفاف في الجلد ونظرات فيها قوة وبأس. وزادهم ارتيابا الأصباغ الكثيفة علي وجوههم وكان هذا دليلا آخر لدي رجال البوليس علي أن هذه الجماعة هي ضالتهم التي يبحثون عنها واستوقفوهم ليستفسروا عن شخصياتهم، وخطر لكمال الشناوي أن يستعمل اللغة العربية الفصحي. ودقق أحد رجال البوليس النظر في وجهه فرأي الأصباغ المستعملة في المكياج ومد يده فجذب «لحية» كمال المستعارة فخرجت في يده وتصايح رجال البوليس : «اقبضوا عليهم».

ولولا أن جاء ضابط البوليس الذي يرأسهم وعرف كمال الشناوي لاقتيد كمال ورفاقه إلي السجن ليقضوا فيه شم النسيم.

***

وكانت كوكا تعمل في فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» وكانت أغلب مناظر الفيلم تلتقط في الصحراء مما دفع المنتج إلي أن يقيم عدة خيام في منطقة التصوير ليعيش فيها العاملون في الفيلم توفيرا للوقت والمال. وفي اليوم السابق لشم النسيم أعلن منتج الفيلم أنه سوف يقيم احتفالا طيبا بمناسبة شم النسيم في الصحراء للعاملين في الفيلم جميعا. وفي الليلة ذاتها هبت علي الخيام عاصفة شديدة أثارت هلعا وخوفا وحملت المعدات والخيام ففرقتها في الصحراء، وقضت أسرة الفيلم اليوم كله، يوم شم النسيم في البحث عن المعدات المفقودة في الصحراء.

***

وكان فريد شوقي يعمل في فيلم «أشكي لمين» عندما جاء شم النسيم واتفق العاملون في الفيلم علي أن يسافروا إلي الإسكندرية ليلتقطوا بعض المشاهد الخاصة هناك وليقضوا شم النسيم. وقرر فريد شوقي أن يسافر بسيارته «السكندهاند» التي كان قد اشتراها منذ أسبوع واحد، ووقفت السيارة علي بعد كيلومتر واحد من الرست هاوس فتركها فريد واتجه إلي الرست هاوس علي قدميه ليبحث عن ميكانيكي. وعاد مع الميكانيكي لقضي معه اليوم كله إلي جانب السيارة التي أبت أن تسير، ومن يومها قرر فريد ألا يشتري سيارة «سكندهاند» اطلاقا.

الكواكب عدد 350 - 15 أبريل 1958