الأحد 24 نوفمبر 2024

تحقيقات

انتصار أكتوبر الجذور والثمار

  • 7-10-2020 | 21:28

طباعة

تحول انتصار أكتوبر إلى شجرة عملاقة وارفة الظلال.. يخطئ من يتوقف فقط أمام الشكل الخارجى لتلك الشجرة.. والتى تستند إلى مجموعة من الجذور القوية.. التى عملت على ترسيخ وتثبيت شجرة الانتصار فى عمق أعماق (الوطنية المصرية).. ولم تكتف شجرة العبور الباسقة.. بقوة الجذور وجمال المنظر.. ولكن امتد عطاؤها ليشمل العديد من الثمار المهمة.. والتى ما زال بعضها – وسيظل دومًا – يثرى العقل.. ويشجى الوجدان.. لدى الضمير الجمعى عند كل المصريين.. وما بين الجذور والثمار نتوقف بالرصد والتحليل.. أمام أهم ملامح شجرة الانتصار العظيم.


أولًا: نستطيع أن نؤكد بيقين أن الشعب المصرى العظيم كان صاحب الخطوة الأولى والحاسمة.. فى الطريق إلى انتصار أكتوبر وذلك من خلال مظاهرات التاسع والعاشر من يونيه ١٩٦٧.. تلك المظاهرات التى رفضت قرار عبد الناصر بالتنحى.. وألزمته بتحمل مسئولية إزالة آثار العدوان.. ولذلك كان قراره الأول بعد قبول المسئولية تغيير قيادات القوات المسلحة.. والانحياز لمعيار الكفاءة فقط.. فجاء بالعظيمين الفريق محمد فوزى.. والفريق عبد المنعم رياض.. ليتولى فوزى مهمة القائد العام.. ورياض مهمة رئاسة الأركان.. لتبدأ الرحلة المستحيلة.


ثانيًا: رفع عبد الناصر شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.. ولذلك بدأت حرب الاستنزاف بعد (اللا وقت ).. وذلك فى الثلاثين من يونيه١٩٦٧.. بمعركة رأس العش.. التى منعت العدو الصهيونى من احتلال مدينة بورفؤاد.. التى ظلت محررة طوال الوقت.. حتى تم تحرير كل سيناء بعد العبور العظيم.. واستمرت حرب الاستنزاف أكثر من ثلاث سنوات ونصف.. وشهدت الآلاف من العمليات العظيمة.. التى ما زال الكثير منها يتم تدريسه فى الأكاديميات العسكرية الدولية.. على اعتبار أنها العمليات (النموذج).


ثالثًا: فى الساعات الأولى من حرب أكتوبر ١٩٧٣.. استطاع جيش مصر العظيم.. أن يفتح أكثر من ثمانين ثغرة فى خط بارليف الرهيب.. أقوى خط دفاعى فى تاريخ الحروب العالمية.. والذى أكد خبراء العسكرية فى الشرق والغرب.. أن فتح ثغرة واحدة فى هذا الخط الرهيب – الذى وصل ارتفاعه إلى ٢١ مترًا وعرضه إلى ١٢ مترًا – تحتاج إلى قنبلة نووية صغيرة.. ولكن هذا الخط المرعب انهار تمامًا تحت أقدام الفكرة العبقرية.. والتى قدمها المقدم باقى زكى يوسف.. والتى استلهمها من عمله فى مشروع السد العالى.. وتنطلق الفكرة من استخدام طلمبات (ماصة كابسة).. تأخذ المياه من قناة السويس.. وتضخها بقوة على خط بالريف.. لتنهار رماله فى مياه القنال، واستطاعت تلك الفكرة العبقرية أن تفتح أكثر من ثمانين ثغرة فى خط بارليف فى أقل من ثمانى ساعات.. ليستطيع أكثر من ثمانين ألف ضابط وجندى.. من جيش مصر العظيم الاندفاع بقوة وسهولة إلى الشاطئ الشرقى للقناة.. بعد ساعات قليلة من بداية العبور.. لتعمل هذه الحشود الباسلة.. التى عبرت أكبر مانع مائى.. وحطمت الخط الرهيب.. على تثبيت الجذر الأقوى فى شجرة الانتصار العظيم.


رابعًا: لم يكن خط بارليف مجرد جبل رملى منيع.. ولكنه احتوى على ٣١ نقطة حصينة.. استطاع جيشنا العظيم إسقاط تسع وعشرين منها.. حتى يوم ٨ أكتوبر ١٩٧٣.. وجاء هذا السقوط السريع لتلك النقط الحصينة – والتى تمثل كل منها قلعة حربية منيعة – نتيجة الخبرات والمعلومات التى تحصل عليها جيشنا الباسل خلال حرب الاستنزاف.. حيث تم خلال عام ١٩٦٩ الإغارة على النقطتين الأقوى.. وهما نقطة لسان التمساح أمام الإسماعيلية فى ١٩ أبريل ١٩٦٩.. ونقطة لسان بورتوفيق فى قطاع السويس يوم العاشر من يوليو ١٩٦٩، حيث تم اقتحام النقطتين.. وقتل كل من فيهما من ضباط وجنود العدو.. حيث تم قتل أكثر من أربعين فى نقطة لسان التمساح.. وقتل أكثر من خمسين فى نقطة لسان بورتوفيق.. والأهم معرفة كل التفاصيل عن تلك النقاط الحصينة.. مما أدى إلى سقوطها السريع والمتوالى خلال الساعات الأولى من حرب أكتوبر.


خامسًا: لم يكن عبور قناة السويس سهلًا أو بسيطًا.. خاصة مع اختيار العبور منتصف النهار.. عكس كل الحروب التى تبدأ إما مع أول ضوء أو آخر ضوء.. فالأمر يحتاج إلى حساب دقيق للمد والجذر لمياه القناة.. مع تمهيد مدفعى قوى وعنيف.. وكانت حرب الاستنزاف قد شهدت (البروفة الجنرال) لعملية العبور الكبير.. وذلك خلال عملية الهجوم على النقطة الحصينة.. فى لسان بور توفيق.. يوم العاشر من يوليو ١٩٦٩.. حيث تقع النقطة على رصيف مرتفع عن مياه القناة.. ومحاطة بمخلفات كثيرة من الحجارة والحديد.. إضافة إلى الألغام.. مما جعل قائد الكتيبة المكلفة بالإغارة على تلك النقطة الرائد أحمد شوقى الحفنى.. يقرر أن يكون العبور بالقوارب فى الرابعة عصرًا.. مع حساب شديد الدقة للمد والجزر.. حيث اختار أقصى درجات المد.. حتى تكون المياه قريبة من مستوى الرصيف.. مع التأكيد على وجود تمهيد مدفعى قوى وعنيف للمدفعية.. لكى يختبئ جنود العدو فى خنادقهم حتى يتم العبور.. وقد عبر ١٤٠ ضابطا وجنديا.. على متن عشرة قوارب.. واستطاعوا تدمير خمس دبابات.. وقتل أكثر من خمسين ضابطا وجنديا من قوات العدو.. والعودة بأسير.. وبعد النجاح الكبير لتلك العملية.. تقرر نقل الرائد أحمد شوقى الحفنى إلى غرفة العمليات الرئيسية بالقوات المسلحة.. لتصبح خطته.. الخطة الرئيسية للعبور العظيم فى أكتوبر ١٩٧٣.. ولكن على طول الجبهة.. مع إضافة الضربة الحيوية إلى التمهيد المدفعى.


سادسًا: لم يجد العدو الصهيونى وسيلة لوقف الضربات العنيفة والمتلاحقة ضد قواته شرق القناة.. إلا الإغارة على المدنيين فى العمق المصرى (مدرسة بحر البقر – مصنع أبو زعبل – محطة كهرباء سوهاج.. إلخ).. ومن المعروف أن العدو الصهيونى متفوق بشكل كبير فى سلاح الطيران.. ويطلق عليه الذراع الطولى.. مما دفع عبد الناصر إلى القيام بزيارة سرية إلى الاتحاد السوفييتى فى يناير ١٩٧٠.. ليضع السوفييت أمام خيارين.. إما إمداد مصر بحائط الصواريخ الذى يقطع الذراع الطولى للصهاينة وإما أن يعود للقاهرة يسلم الحكم لمن يستطيع التفاهم مع الأمريكان.. الذين يلحون على إعادة سيناء كاملة السيادة إلى مصر.. مقابل صلح منفرد مع الصهاينة.. ورضخ السوفييت ووافقوا على إعطاء مصر صواريخ سام ٦ لتشهد مصر ملحمة وطنية شارك فيها الضباط والجنود.. مع عمال شركات المقاولات.. وانتهت هذه الملحمة رغم القصف المجنون لطيران العدو.. بإنشاء حائط الصواريخ فى الثلاثين من يونيه ١٩٧٠.. ليبدأ بعده مباشرة أسبوع تساقط الطائرات.. وظل هذا الخط العملاق صامدًا ومرعبًا ليقطع الذراع الطولى للصهاينة.. طوال أيام معركة العبور.. حيث استطاع حائط الصواريخ تأمين حركة قواتنا بعمق من ١٥ – ٢٠ كيلو مترا داخل سيناء.


سابعًا: الغالبية العظمى من العمليات الكبيرة خلال حرب الاستنزاف تمت يوم (السبت).. ومنها الهجوم على رمانة وبالوظة.. ودخول ميناء إيلات أكثر من مرة – والإغارة على مطار الطور عدة مرات.. إلخ، وقد أطلق العدو على إحدى هذه العمليات (السبت الحزين).. حيث تعرضت قواته ما بين منطقتى الكاب والتينة.. بالقرب من بورسعيد لخسائر فادحة.. فى نهاية شهر مايو ١٩٧٠.. وكانت هذه العملية الجسورة.. ردًا على الغارة الخسيسة لطائرات العدو على مدرسة أطفال بحر البقر.


ثامنًا: طوال حرب الاستنزاف كانت البوارج والغواصات الحربية المصرية.. تقوم بأعمال الصيانة فى ميناء بور سودان بالسودان الشقيق.. أو فى إحدى موانئ الهند.. وعندما صدرت الأوامر بوضع الخطط النهائية للمعركة الفاصلة.. والتى كان مقدرًا لها ربيع عام ١٩٧١.. اقترح اللواء بحرى أشرف رفعت – رئيس أركان القوات البحرية – على قائد القوات اللواء محمود عبد الرحمن فهمى.. القيام بغلق باب المندب.. جنوب البحر الأحمر.. مع بداية العمليات.. لمنع تدفق أى إمدادات للعدو الصهيونى وجاء هذا الاقتراح استثمارًا للدور الحضارى العظيم.. الذى قامت به مصر – لدعم ثورة اليمن فى ١٩٦٢.. وفى مساندة حركة التحرر فى جنوب اليمن.. ومع بداية معارك أكتوبر ١٩٧٣.. كان إغلاق باب المندب أحد أهم أوراق الضغط على العدو الصهيونى.


تاسعًا: كتب الفريق محمد فوزى وزير الحربية الأسبق فى مذكراته (حرب الثلاث سنوات).. أن الرئيس السادات قد أفرج عنه فى عام ١٩٧٤ – بعد أن كان مسجونًا فيما سمى قضية مراكز القوى فى مايو ١٩٧١ – واستقبله فى استراحة القناطر الخيرية.. وسأله (بذمتك يا فوزى عبد الناصر كان ناوى يحارب ).. فأجاب الفريق فوزى بأن الرئيس عبد الناصر قد راجع قبل رحيله مباشرة.. التعديل النهائى للخطة (جرانيت ).. والتى كانت مرحلتها الأولى تقف عند السيطرة على منطقة المضايق.. لينسحب العدو إلى خط الدفاع الأخير فى سيناء عند العريش.


عاشرًا: استلزمت كل تلك الجذور الجبارة القوية.. وجود خطة خداع استراتيجى على أعلى مستوى.. وقد نجح الرئيس السادات فى قيادة كل مؤسسات الدولة.. للمشاركة فى هذه الخطة.. وقام الدكتور محمد عبد القادر حاتم والذى كان نائبًا لرئيس الوزراء ووزير الإعلام بدور شديد الفاعلية فى هذا الأمر.. ورغم ما أعلنه قادة الكيان الصهيونى منذ عدة أيام، من أن خطة الحرب كانت لديهم قبل بدء العمليات.. ورغم ما أعلنوه منذ عدة سنوات من أن عميلًا مصريًا.. قد أعطاهم موعد الحرب قبل بداية العمليات بساعات.. إلا أن كل هذا الهراء.. ليس إلا (حلاوة روح).. وذلك لأن خطة الخداع الاستراتيجى قد شلت حركتهم.. ليجدوا أنفسهم فى شبكة مصرية عملاقة.. مدفع المياه – حائط الصواريخ – بسالة الجندى المصري.. إلخ، وإذا كانت كل تلك الجذور هى التى تحافظ على وجود شجرة الانتصار قوية.. ناضرة وارفة الظلال.. فما هى ثمار تلك الشجرة ؟


أولًا: تمثل عمليات تنمية سيناء أهم ثمار شجرة الانتصار.. حيث تم إهمال سيناء لسنوات طويلة.. كما أن ضغوطات الملف الصهيوأمريكى تهدف إلى ترك سيناء ساحة خالية.. ولكن عمليات التنمية التى بدأت وبقوة خلال السنوات منذ تولى الرئيس السيسى تهدف إلى الإعمار بالزراعة والصناعة وبناء المساكن.. وستجلب حتمًا الأمن والأمان.. وذلك لأن الإعمار – كما تعلمنا فى قرانًا يطرد العقارب والثعابين.. ويطرد أيضًا الصهاينة والإرهاب.

ثانيًا: تحولت فكرة إغلاق باب المندب.. التى ولدت فى حرب الاستنزاف وتم تنفيذها فى حرب أكتوبر.. إلى فكرة أكثر اتساعًا وشمولًا.. لحماية الأمن القومى المصرى وذلك من خلال إنشاء (أسطول الجنوب ).. الذى تم إنشاؤه منذ ثلاثة أعوام ويعمل على حماية الأمن القومى المصرى فى البحر الأحمر.. ويعمل أيضًا على حماية حقوق مصر الاقتصادية فى تلك المنطقة.


ثالثًا: من أهم ثمار شجرة انتصار أكتوبر.. لجوء مصر إلى فكرة تنوع مصادر السلاح.. فطوال فترة الاحتلال الإنجليزى لمصر.. كان السلاح إنجليزيًا.. وبعد ثورة يوليو رفض الغرب إعطاء مصر السلاح.. فأصبح سلاحنا سوفييتيًا.. وبعد حرب أكتوبر تحولنا إلى السلاح الغربى وخاصة السلاح الأمريكى.. وبعد ٣٠ يونيه ٢٠١٣. أصبح لدينا قدرة على اتخاذ القرار وتنوع فى مصادر السلاح.. فالطائرات أمريكية.. والصواريخ روسية.. والغواصات ألمانية.. وحاملات الطائرات فرنسية.. وبعض أسلحة الحرب الإلكترونية صينية.. إلخ.. مما جعل الجيش المصرى يحتل المكانة التاسعة بين كل جيوش العالم.


رابعًا: لم يرض بعض الشعب المصرى عن اتفاقية كامب ديفيد ١٩٧٩.. لأنها لم تعط الجيش المصرى حق التواجد على كل شبر من سيناء.. وجاءت عمليات مطاردة الإرهاب والإرهابيين بعد ٣٠ يونيه ٢٠١٣ – لتجعل الجيش المصرى موجودًا بكل عتاده.. على كل سنتيمتر من أرض سيناء.. وحتى لو كان ذلك يتم من خلال بنود الاتفاقية.. إلا أنه يمثل أحد أهم ثمار انتصار أكتوبر العظيم.. والأهم أن هذا الوضع الطبيعى يحظى بالرضا الكامل من كل الشعب المصري.


خامسًا: من أهم ثمار شجرة انتصار أكتوبر.. ذلك التوافق العربى العظيم.. الذى حدث خلال الحرب.. وجعل ثمانى دول عربية تدفع ببعض قواتها لتشارك فى الحرب على الجبهتين المصرية والسورية.. واستمر هذا التوافق عدة سنوات بعد الانتصار.. وأصبح الشعب العربى من المحيط إلى الخليج يحلم بذلك التوافق العربى العظيم الذى حدث خلال حرب أكتوبر وفى النهاية نؤكد أن تلك الجذور العملاقة.. ستجعل شجرة انتصار أكتوبر ورافة الظلال.. ويانعة الثمار.. والنموذج الأمثل الذى يجب أن نحتذيه فى معالجة كل قضايانا.. كما ستدفعنا إلى تعظيم الثمار والحفاظ عليها.


    الاكثر قراءة