الأحد 16 يونيو 2024

ساعة الصفر

تحقيقات9-10-2020 | 11:58

يوسف القعيد


بعد أن تم الاتفاق السرى وغير المعلن على موعد الطلقة الأولى فى حرب السادس من أكتوبر 1973، لم نعرف إلا بعد ذلك بسنوات أن الموعد خضع لعمليات أخذ وعطاء بين القيادتين المصرية والسورية، بين الرئيس أنور السادات والرئيس حافظ الأسد. إلى أن تم الاتفاق على لحظة بدء الحرب كما جرت فى أرض الواقع، سواء فى جبهة قناة السويس المصرية، أو جبهة الجولان السورية.


السؤال الذى يسبق ساعة الصفر، تساؤل لابد منه، هل كنا نتوقع قيام الحرب؟ فى الفترة من صدمة يونيو حتى يقظة أكتوبر لم يكن يشغلنا سوى الحرب، استعادة الأرض المحتلة وغسل العار. كنا نعبر إلى سيناء، التى كانت محتلة، كل يوم بالنظرات، وكان حلم استعادتها وتطهيرها وطرد الغزاة منها حلم كل مصرى، نعم كنا نتوقع الحرب، لكن فى حرب أكتوبر كانت هناك أعظم تجربة للإخفاء والتمويه، انتصرنا بها على العدو الصهيوني.

لأول مرة يتمكن المصريون من إخفاء قرار كان الكل يحلم به، لكن الحلم يتحول إلى علم عندما يكون حلماً قومياً عاماً، لا تعرف أين ينتهى الحلم. وأين ينتهى العلم؟ ونجح التمويه على العدو.


إن خطة التمويه فى حرب السادس من أكتوبر تُدَرس فى كل أكاديميات العالم العسكرية، وعلينا أن نتعلم من الإدارة الدقيقة لحرب أكتوبر كلما واجهنا الصعاب والمشكلات الضخمة التى تعد جزءاً من قدر مصر، حتى لو كانت هذه الصعاب وتلك المشكلات فى حياتنا المدنية، بل ربما كانت الحياة المدنية المصرية فى أمسّ الحاجة لمثل هذا التخطيط المحكم الذى ثبت نجاحه فى حرب السادس من أكتوبر 1973.

وساعة الصفر فى تلك الحرب المجيدة، لم تكن معروفة حتى يوم الثلاثاء الثانى من أكتوبر 1973، ولم يكن قد تم الاتفاق عليها، لأنه وقع خلاف فى المفاوضات السرية المتكتمة بين الفريق أحمد إسماعيل، وزير الدفاع المصرى، واللواء يوسف شقور، قائد الجيش السورى.


موضوع الخلاف أن القيادة السياسية المصرية كانت تفضل بدء العمليات فى الساعة السادسة مساء مع آخر ضوء، لكي تستفيد من مجيء الليل، يحمى عمليات المهندسين فى بناء الجسور، أما القيادة السورية فقد كانت تفضل الساعة السادسة صباحاً مع أول ضوء لكى تستعين بأشعة الشمس فى مواجهة الدبابات الإسرائيلية على هضبة الجولان.


استحكم الخلاف بين القيادتين المصرية والسورية، وسافر الفريق أحمد إسماعيل على، إلى دمشق سراً صباح يوم الثلاثاء 2 أكتوبر، لتسوية مباشرة مع القيادة السورية. ولم يتوصل الطرفان إلى حل، وتدخل الرئيس حافظ الأسد، وتوصل مع القائدين أحمد إسماعيل ويوسف شقور إلى حل وسط، وهو اختيار الساعة الثانية بعد الظهر موعداً للهجوم.


والحل الوسط يعطى القيادة المصرية 6 ساعات عمل قبل الظلام، والذى تريده لحماية بناء الجسور، كما أنه يعطى القيادة السورية 6 ساعات من ضوء الشمس تنجز فيه اندفاعها على الهضبة والشمس وراءها، فى مواجهة مدرعات الجيش الإسرائيلى.


طبعاً اختيار يوم السبت السادس من أكتوبر كان قد حسم من قبل باعتباره يشكل عيداً من أهم أعياد العدو الإسرائيلى، فضلاً عن معتقداتهم الدينية باعتزال العمل تماماً فى هذا اليوم، فما بالك بالمشاركة فى الحرب؟

سيكتب التاريخ الآتى عن أداء المصريين فى حرب السادس من أكتوبر، أنه لأول مرة يتمكن المصريون من إخفاء قرار كان الكل يحلم به، لكن لحظة تحول الحلم إلى علم تجعله حلماً قومياً عاماً، لا تعرف أين ينتهى الحلم، وأين ينتهى العلم؟ ونجح التمويه على العدو، إن خطة التمويه فى حرب السادس من أكتوبر تُدَرس فى كل أكاديميات العالم العسكرية، وعلينا أن نتعلم من الإدارة الدقيقة لحرب أكتوبر كلما واجهنا الصعاب والمشكلات الضخمة التى تعد جزءاً من قدر مصر.


عن تجربتى الشخصية أقول إننى كنت أنتمى للدفعة التى مكثت فى القوات المسلحة تسع سنوات. تم تجنيد الدفعة فى ديسمبر سنة 1965، وظلت حتى أكتوبر 1974، تسع سنوات فى الخنادق لأن الزعيم عبد الناصر قرر بعد نكسة الخامس من يونيو، عدم تسريح مجند واحد من القوات المسلحة إلا بعد تحرير كامل التراب الوطنى، هذه السنوات التسع كانت سنوات التكوين الحقيقى بالنسبة لى، فى القراءة وفى الكتابة وفى المعايشة.


أذكر أنه يوم الخميس الرابع من أكتوبر سنة 1973، صدرت تعليمات للوحدة التى كنت مجنداً بها بتسريح المستبقين فى الخدمة، وكنت واحداً منهم، كان القرار مفاجئاً وليست له مقدمات، وقد قمنا بتسليم عهدتنا التى هى عبارة عن المِخلة المعروفة التى توجد فيها الملابس العسكرية، وأخذنا خطابات لجهات عملنا المدنية. وكان لابد أن يتم التنفيذ فى يوم واحد، ولم أنتبه لكل هذا الاستعجال.


لكن عندما قامت الحرب فى الساعة الثانية بعد ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر، وأعلنت من الراديو المصرى فى الثانية و5 دقائق، وأعادت الروح للمصريين بعد أن سُرِقت بعد الخامس من يونيو 1967، جاءنى استدعاء من القوات المسلحة لإلغاء الإجازة والعودة للالتحاق بوحدتى صباح يوم الأحد السابع من أكتوبر، أدركت على الفور حجم الخداع الرهيب الذى تعرض له العدو الصهيونى.