أول
من فتح بابًا جديدًا في الأدب العربي هو باب الأدب المسرحي الذي لم يعرفه
العرب من قبل"، كما قال عنه عميد الأدب العربي طه حسين، وترجمت أعماله إلى
العديد من اللغات، إنه الأديب الراحل توفيق الحكيم الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده.
ولد
توفيق إسماعيل الحكيم بالإسكندرية في التاسع من أكتوبر في العام 1897، لأب من أصل
ريفي يعمل في سلك القضاء في مدينة الدلنجات بمحافظة البحيرة، وأم تركية أرستقراطية
كانت ابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين -هناك رواية أخرى للدكتور إسماعيل أدهم
والدكتور إبراهيم ناجي في دراستهما أرَّخا فيها مولده عام 1903 بضاحية الرمل في
مدينة الإسكندرية- كانت والدته تتفاخر بأصلها التركي، وكانت تقيم العوائق بين
توفيق وأهله من الفلاحين وتعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال.
مزج
الحكيم في أعماله بين الرمزية والواقعية على نحو يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد
أو غموض، واتخذ هذا الاتجاه الرمزي مع عدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في
الغموض؛ مثل "أسطورة إيزيس" التي استوحاها من كتاب الموتى لدى الفراعنة،
و"عودة الروح" كشرارة أوقدتها الثورة المصرية، ودمج فيها حياته في
الطفولة والصبا بتاريخ مصر؛ كما تجلت قدرته على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف
الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان، كشف عن حُسن اختيار للقالب
الفني الذي يصب فيه إبداعه، سواء في القصة أو المسرحية؛ إضافة إلى تنوع مستويات
الحوار لديه بما يناسب كل شخصية من شخصياته، ويتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي؛
كذلك الدقة والتكثيف الشديد وحشد المعاني والدلالات وبراعة التصوير.
مرت
كتابات الحكيم بثلاث مراحل حتى بلغ مرحلة النضج؛ أولها الفترة الأولى، وكانت
عباراته فيها قليلة، واتسمت بشيء من الاضطراب حتى بدت أحيانًا مهلهلة فضفاضة إلى
حد كبير، ولجأ فيها إلى اقتباس الكثير من التعبيرات السائدة، وفي هذه المرحلة كتب
مسرحية "أهل الكهف"، وقصة "عصفور من الشرق"، و"عودة
الروح"؛ في الثانية حاول العمل على تطويع الألفاظ للمعاني، وإيجاد التطابق
بين المعاني في عالمها الذهني المجرد والألفاظ التي تعبر عنها من اللغة.. ثُم
التمكن من اللغة والإمساك بناصية التعبير الجيد، مثل أعماله "شهرزاد"، "الخروج
من الجنة"، "رصاصة في القلب"، و"الزمار"؛ وفي الثالثة
عكست كتاباته قدرته على صياغة الأفكار والمعاني، وخلال هذه المرحلة ظهرت مسرحياته
"سر المنتحرة"، و"نهر الجنون"، و"براكسا"،
و"سلطان الظلام".
وبالرغم
من الإنتاج المسرحي الغزير للحكيم، لكن عددًا قليلًا من مسرحياته هو الذي يمكن تمثيله
على خشبة المسرح، وكان معظم مسرحياته من النوع الذي يمكن أن يطلق عليه
"المسرح الذهني"، الذي كتب ليُقرأ ويرى القارئ من خلاله عالمًا من
الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة ويسر؛ وحرص على تأكيد تلك
الحقيقة في العديد من كتاباته، وفسر صعوبة تجسيد مسرحياته وتمثيلها على خشبة
المسرح "إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارًا تتحرك في
المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز.. لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح،
ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة".
رحل
الحكيم عن عالمنا في السادس والعشرين من يوليو عام 1987 عن عمر ناهز الثامنة
والثمانين عامًا.