قال الشاعر أحمد الشهاوي: إن نيلُ جائزةٍ أدبية ما لا يعني أن من نالها هو الأفضلُ من سواه،
أو أنه أسبقُ منه إبداعيًّا؛ ولكن يعني فقط أن ذائقةَ بعض أعضاء اللجنة لم تستسغْ
نصَّك، ولم تصل بعد إلى المرتبة التي تؤهلُها لاستقبال نتاجك الشِّعري أو الروائي،
أو أنَّ هناك انحيازًا إلى تيارٍ أو اتجاهٍ أو عقيدةٍ أو قوميةٍ أو دولة، وهذا
الأمر ينسحبُ على كل الجوائز في مصر، أو في البلدان العربية، أو في أكبر الجوائز
العالمية، فهناك ضغوطٌ تُمارَسُ على أعضاء لجان الجوائز، وثمة تبادلٌ ظاهر للمصالح،
واتفاقاتٌ سرية من تحت الطاولات مع دور النشر التي يتقدَّم أصحابها – خُصوصًا في
الرواية – لنيل الجائزة ؛ لأنَّ الرواية إذا ما فازت يعني بيع ملايين النسخ من العمل الفائز، وأرباح
طائلة للناشر من خلال أرقام التوزيع، وحقوق بيع الترجمة إلى اللغات المختلفة.
وأضاف الشهاوي في تصريحات خاصة لـ"الهلال
اليوم": أن هناك أسماء كثيرة في العالم تستحقُّ نيل أكبر الجوائز، لكن هناك
أسباب كثيرة إجرائية، وخارج الكتابة وراء عدم الفوز، أبرزها التسويق للكاتب أو الشَّاعر،
وترجمات إنتاجه الإبداعي، وتقديمه داخل بلده وخارجه بالشكل الذي يؤهلُه للمنافسة
بقوَّةٍ، وهناك أسماء كانت بيننا وغيَّبها الموتُ، ورحلت، وكانت تستحقُّ نيل جائزة
نوبل في الآداب، وهي جائزة سنوية تُمنح
منذ سنة 1901ميلادية.
وواصل "الشهاوي": ولو استعرضنا قائمة
الذين نالوا جائزة نوبل في الآداب، سنجد من بينها أسماء لم تكُن تستحق الترشيح من
البداية، وليس الفوز بها، فهناك أسماءٌ نُسيت وطواها الزمن، ولا يصدِّق المرءُ أنها
نالت جائزة نوبل، فمن المفترض حسب ألفريد نوبل صاحب الجائزة أن يفوز بها من قدَّم
"خدمةً كبيرةً للإنسانية من خلال عملٍ أدبيٍّ، وأظهر مثالية قوية"، ولكنَّنا
لا نجد هذا الشرط يتحقَّق في كل عام، إذ هناك سقطاتٌ وتجاوزاتٌ وتحرُّشات جنسيةٌ وتهاونٌ
في حقِّ الجائزة، وحقِّ المرشَّحين الكبار عالميًّا، ويغطِّي أدبهم مساحة كبيرة من
كوكب الأرض.
فماذا يفسِّرُ المرءُ فوز ونستون تشرشل "30
من نوفمبر 1874 - 24 من يناير 1965 ميلادية"، لخطاباته السياسية، وهو ليس
شاعرًا ولا روائيًّا، إنه رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، ويمارس
رسم المناظر الطبيعية في أوقات الفراغ، نال الجائزة عام ١٩٥٣ميلادي، والخطاب
السياسي ليس ضمن الأجناس الأدبية، لكنها السياسة التي تفرض سطوتها على الجائزة، فهو رئيس الوزراء الوحيد
الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب. أيضا المغني والملحن الأمريكي بوب ديلان، نال
جائزة نوبل في الآداب بصفته شاعرًا؛ مما أغضب العالم بسبب هذا المنح غير المستحق،
في حين أن هناك شعراء كبارًا لم ينالوها. وهو أيضًا أول موسيقي يفوز بها،
والموسيقى ليستْ جنسًا من أجناس الآداب؛ ولكن الأكاديمية السويدية التي تمنح
الجائزة كان لها رأي آخر إذ رأت أنه يستحق الجائزة "لأنه خلق تعبيراتٍ شعريةً
جديدةً ضمن التقليد العظيم للأغنية الأمريكية". في حين أنَّ ديلان الفائز رأى
الأمر مستحيلا، حيث أشار إلى أن "احتمال حصوله على الجائزة كان بالنسبة له
مثل احتمال صعوده إلى القمر". وفي خطابه في الأكاديمية السويدية باستكهولم
"سرق عشرين جملة أخذها من كتابٍ
مدرسيٍّ"، أي أنه لم يستطع كتابةَ خطابٍ متماسكٍ، من المفترض أن يكتبهُ يكتبه
شاعر!. وحتى بعض كلمات أغنياته التي كتبها، وتُنسب إليه "استعارها" من
مصادر مختلفة.
وأختتم الشهاوي بقوله: "هذا الفساد
المستشري والصارخ، يتكرَّر - للأسف - في كل الجوائز، وما نوبل إلا المثال الأبرز؛ لأنَّها
الأشهر والأهم عالميًّا ؛ ولذا فهي تحت بصر العالم. قابلتُ شعراءَ كثيرين في
الولايات المتحدة، وكندا، وأمريكا اللاتينية، والبلدان الأوروبية خلال حياتي، ووجدتُ
كثيرين منهم يستحقون نيلَ جائزة نوبل في الآداب، لكنَّ أغلبهم سيموتُ دون أن يحصلَ
على شئٍ، لكن الأكيد أنه سيترك نتاجًا يستحق أن يُقرأ، وأن يُدرَّس. ومن المؤكد أن
محمود درويش كان يستحقُّ جائزة نوبل في الآداب، ومن المؤكَّد أيضًا أن أدونيس أهم
من شعراء كثيرين نالوها، لكنَّ لا أحد يهتم بما ينتجه المبدعون العرب لضعفهم
السياسي، وتهافتهم، وهوانهم الذي هم فيه سادرون.أحمد الشَّهاوي لـ"الهلال اليوم":
المصالح والاتفاقات السرية تحكيم الجوائز الأدبية