الأربعاء 24 ابريل 2024

سؤال الهُوية في فكر طه حسين

فن11-10-2020 | 21:11

يمثل طه حسين علامة فارقة وبارزة في تاريخ الأدب العربي، ومفكرًا تنويريًا حمل مشعل الثقافة والتنوير،وحركت أفكاره المياه الراكدةفي نهر الثقافة المصرية والعربية، فقد كان صاحب رؤى ثقافية عميقة في العديد من القضايا، ولعل أبرزها قضية الهُوية المصرية،ولقد أضاءات مؤلفاته ملامح المشهد الثقافي المصري حتى اليوم،وتألقت عناوين مؤلفاته مثل، مرآه الضمير الحديث،تقليد وتجديد،ومستقبل الثقافة في مصر،والذي يعتبر أهم كتبه التي عرض فيها بجرأة كبيرة قضية من أهم القضايا الشائكة التي شغلت أذهان المفكرين على مر العصور، وهي قضية الهوية الثقافية المصرية،وطرح سؤالا في غاية الأهمية مَن نحن؟، وبمعنى آخر مَن هو المصري؟


ويجب أن نلفت الانتباه إلىأن طه حسين قد استخدم كلمتي "العقل المصري" كناية عن المصري عموما،فعبر الأخذبعينالاعتبار العقل الشرقي والعقل الغربي،يتساءل طه حسين عما إذا كان العقل المصري شرقي التصور، أم هو غربي التصور؟، وكان قبل ذلك قد تساءل كذلك أمصر من الشرق أم من الغرب؟.. ويجيبنا عن هذا بالعودة إلى التاريخ المصري،ليعلن أنه لم يكن بينه وبين الشرق البعيد المتصل بالصين واليابان والهند صلات مستمرة ومنظمة من شأنها أن تؤثر في تفكيرها؛أما الشرق الذي يتأثر به التاريخ المصري فهو من وجهة نظره ذلك الذي تندرج فيه أمثال البلدان القريبة إلى مصر، مثل فلسطين والشام والعراق، وحين يصل طه حسين إلى التاريخ الإسلامي يعلن أن مصر كانت من أسبق الدول الإسلاميةإلى استرجاع شخصيتها القديمة التي لم تنسها يومًا من الأيام، والتاريخ يحدثنا بأنها قاومت الفرس والمقدونيين والرومان الغربيين والشرقيين،إلىأن أخذ بوجهها الحكم العربي،فهي لم تفق على ترحيب به أو على حياد منه، بل إن هذا العهد لم يبرأ من السُخط، وهي كذلك لم تهدأ ولم تطمئن إلا حين أخذت تسترد شخصيتها المستقلة في عهد أحمد بن طولون. 


ويخلص طه حسين إلى نتيجة مفادها أنه بقدر ما أخفقت المسيحية في عهود العقل الأوروبي ولم تخرجه عن يونانيته الموروثة،فيجب أن يصح أنالإسلام لم يغير العقل المصري، وهنا لا أتفق مع طه حسين في تلك المقولة، لأن الإسلام والفتح العربي لمصر أثرا في العقل المصري والشخصية المصرية، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك؛ وبناء على تلك النتيجة، يرى طه حسين أننا يجب أن نضع مركز الثقل في قضية الهوية المصرية في مصر القديمة الخالدة الفرعونية.


وإذاأردناأن نفهم موقف طه حسين من قضية الهُوية المصرية يجب أن نشير إلى ما يأتي: 


الهُوية الثقافية لمصر والعودة إلى تاريخ العقل المصري القديم(الفرعوني)، في البداية  حاول طه حسين أن يضع خارطة طريق لمستقبل الثقافة في مصر، وبعد أن انتهى من إظهار قوة الثقافة ودورها المحوري في المجتمع، قام بالتمييز بين ثقافتين: ثقافة الشرق وثقافة الغرب، ويظهر هذا من خلال مقولته الشهيرة "أمصر من الشرق أم من الغرب؟"، وهو لا يريد كما يقول الشرق الجغرافي والغرب الجغرافي وإنما الشرق الثقافي والغرب الثقافي.

ويدعو طه حسين في هذا السياق للاهتمام بالبعد البحر متوسطي في التكوين الثقافي المصري، والحث على تعزيز التواصل مع الشمال والغرب. ويجب أن نلفت الانتباه هنا أن طه حسين لم ينطلق في هذا الموقف من أي عداء للعروبة،وإنما قصد الأخذبأسباب التقدم وعوامل القوة الشامل، وكان لديه من الثقة بعراقة وثراء الهُوية المصرية والعربية ما يحول دون الخوف من التواصل مع الآخر لفقد هُويتنا.   


الحضارة اليونانية ومشروعية الثقافة الغربية لمصر:


 ربط طه حسين بين الحضارة اليونانية ونمط التفكير المصري القديم،وهذا لم يكن اعتباطًا أو "خبط عشوائي"،لأن الهدف من هذا الربط إعطاء المشروعية لدعواه وهي انتماء مصر ثقافيا وفكريا إلى الغرب،وأكد على وجود تلك الصلات بين مصر والثقافة اليونانية بقوله"من إضاعة الوقت وإنفاق الجهد من غير طائل أن نفصل ماكان من العلاقات بين مصر والحضارة اليونانية في عصر ازدهارها".


ويعتبر طه حسين تلك العلاقة التي تربط بين مصر واليونان مسلّمة من المُسلّمات بمعنى أنها مثبتة مسبقا و لاشك فيها، من هنا نرى أن الهُوية الثقافية لمصر ليست شرقية كما هو شائع، بل ثقافة غربية،بدأها العقل المصري والعقل اليوناني في العصور القديمة،وكان بينهما تعاون وتوافق وتبادل مستمر للمنافع في الفن و السياسة والاقتصاد.


وفي هذا السياق يشير طه حسين إلىأنالأوروبي مثالٌ متحضرٌ ينبغي السير على خطاه، ويدعو مباشرة إلى الانسياق نحو الحداثة الأوروبية بوصفها بأفضل ما أنتجت البشرية، طالبا أن نسير سير الأوروبيين،ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا،ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها؛ ومن هنا يرى أنناإذاأردناالاستقلال العقلي والنفسي الذي لا يكون إلا بالاستقلال العلمي والأدبي،فنحن نريد وسائله بالطبع، ووسائله أن نتعلم كما يتعلم الأوروبي، ونشعر كما يشعر.


 نقد الهُوية عند طه حسين: 


يجب أن نشير هنا إلىأن طه حسين لم يراعِ شروط البحث العلمي في بحثه عن الهوية الثقافية المصرية،وأنه آمن بالنتيجة قبل أن ينظر في الأسباب، ولهذا جاءت محاولات إلصاقه لمصر في العالم الغربي محاولات مفتعلة أشبه بالتبرير لا بالتحليل؛ فقد انتقى الكثير من الوقائع ليدلل على وجهة نظره، متجاهلا غيرها، مع أن غيرها أقرب وأقوى،فمثلا حينما قارن بين الاحتلالين الفارسي واليوناني،مؤكدا أن مصر لفظت الفرس وانسجمت مع اليونان، وتجاهل أن مصر قد انسجمت مع الفتح العربي،وصارت أهم حاضرة من حواضر الخلافة. 


وخلاصة القولإن طه حسين قد اعتمد في تشخيصه لقضية الهُوية الثقافية المصرية عن طريق التدرج،إذ انطلق أولا من الحديث عن الموضوع نفسه، وهي الثقافة بإظهار قيمها الناتجة عن نتائجها الإيجابية داخل المجتمع،كما أوضحأن الهُوية المصرية فرعونية في التاريخ القديم ولا يجب أن ننسى ذلك،وإذا نسينا ذلك فيجب ألا نهدم أبو الهول والأهرامات وتلك الآثار الشاهدة على فرعونية الهُوية المصرية القديمة؛ وفي العصر الحديث يجب أن نتبع الحضارة الغربية في كل شيء في المأكل والملبس والمشرب، وأن نسير وراء الأوروبيين ونتبع سبيلهم إذاأردناالتقدم والرقي الحضاري.


    Dr.Randa
    Dr.Radwa