الجمعة 27 سبتمبر 2024

العرب وسردية المظلومية في نوبل للآداب

فن13-10-2020 | 18:38


حظيت جائزة نوبل للآداب هذا العام باهتمام عربي على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يعود في الغالب إلى نمط معرفي لها صله بتشعبات الابداع، ووعي الثقافات الأخرى، وما يرافقه من توق لإشباع نهم منطقة الابداع، وإنما تفاديا للسؤال المطروح سنويا عن مدى حظوظ الكاتب والشاعر والناقد العربي أدونيس لنيل الجائزة.

أدونيس وهو كاتب عربي سوري،  صاحب مشروع إبداعي متكامل في الانتقال بالشعرية العربية إلى فضاء العصر،  كمجاور موضوعي للحضارة وانعكاس لاعتمالاتها  في واقع الحال العربي.

تجلت الكثير من التناقضات في الشارع الثقافي العربي بمعرض الجدل الدائر نحو أدونيس،  إذ تداخل الموقف الشخصي عن  الموقف من الربيع العربي،  وتصادم مع الوعي الشعري في الوعى العام للجيل الجديد.

كان لموقف أدونيس المرجح من انتفاضات الربيع العربي ردة فعل  من أنصار الأخير بأسقاطه عن مكانة الاستحقاق،  عطفاً على موقفه الداعم لحكومة  بلاده،  في حين يرى آخرون أن أدونيس لديه معرفة تامة بالتناقضات التي طفت على الانتفاضات التلقائية لشباب الربيع العربي،  بفضل الجماعات التي تسلقت هرم الاحتجاجات واحتكرت التعبير عنه بما يلغي ضمنياً الهدف الأساسي لهذه الاحتجاجات ويسلبها اهدافها لصالح  مالات صنع الفوضى وانفجار التطرف. 

هذا الكلام يبدو صحيحاً في مجمله، بالإشارة إلى واقع الحال،  لكن الكثيرين ايضاً يعتبرون أن رغبة أدونيس بالجائزة وانتظارها الدائم،  وهو الذي يكون مرشحا بحظوظ عليا لنيلها على مدى سنوات،  أفقد الأدب الرفيع غايته الاساسية،  وصفته الإنسانية البحتة نحو سقف تسليعي لا يشيء باحترام الطبيعة الحرة للإبداع.

ذلك يقابله اراء اخرى ترى أن مجرد ثبات أدونيس في القائمة السنوية للمرشحين،  هو ثبات يدل على اهميته،  واعترافاً بجدارة استحقاقه الجائزة. 

يؤمن آخرون بتحيز الجائزة الجغرافي والعراقي والسياسي، وأن الإبداع ليس صفة بحد ذاتها تؤهل للحصول على الجائزة وهناك من الشواهد على ذلك في تاريخ  الجائزة الأشهر عالميا.

هؤلاء يثقون بقدر عالي أن لعنة المهد هي من تطارد ادونيس،  ولا فكاك من الجغرافيا التي تطوق هوية الجائزة وتوجهها نحو حاملها.

جائزة نوبل خارج الاعتقاد العربي

غير أن الاعتقاد العربي ينم عن جهل بخبايا وقانون الجائزة،  فهي تحاط بالسرية الشديدة من جهة المرشح والذي قام بالترشيح ،  فملف الترشيح يبقى في طي خزائن الاكاديمية السويدية ولا يُسمح  بالإفشاء حتى  مرور خمسين عاماً من الترشح للجائزة.

ما تتلقفه البيئة الثقافية العربية من نوبل لا يتجاوز السوق السوداء للرواية، التي تزدهر كفعل أبعد عن ثقافة الحفاظ على الملكية الفكرية الخاصة بالكاتب، وتدويل فكرة الطبعات التجارية بعيداً عن التطبيع الحقيقي مع البيئة الادبية.

لكن جائزة الشعر هذا العام مَثَلت عربياً  صدمة  لسوق الرواية السوداء ، وضربة  للذين كانوا  قد وأدوا الشعر اسفل تنظيراتهم  في انحياز مكرور لما تم وسمة بزمن الرواية، والتشعبات الناتجة عن هذه الجدليات التي لا تؤطر الحاضر ولا تستشرف المستقبل.

في حين أن الرواية الحقيقية هي جزء من امتداد أدبي ينبع من بيئة حاضنة تستوعب مجالات الإبداع،  تلك التي يقررها مشروع  حقيقي للارتقاء بالآداب.

انحياز نوبل وافتقار الإبداع

الاتهام الموجه عربياً لجائزة نوبل بالانحياز ليس له ما يسنده في الواقع.  فالمنظومة الثقافية والادبية العربية كرست لمفهوم صناعة الاصنام الثقافية والادبية، التي تدور في فلك اصنام المجال العام،  وابتعدت عن كل ما هو جوهري وإنساني في الحياة،  وابتعدت عن القيم.  هذا المعطى الواقعي  هو من كرس الفشل.

في حين يتواجد المبدعون بحق على الهامش،  اسفل قسوة الحياة وظروفها الوعرة، خارج معادلة  الضوء.

رغماً عن هذا فإن الكثير من الادباء العرب تمكنوا من العدو والنط على  هذه الظروف وانجزوا اعمالاً أدبية ترقى إلى مصاف العالمية. الكاتب الكبير الطيب صالح، صاحب  موسم الهجرة إلى الشمال،  يستحق وبجدارة  نيل الجائزة.. وقائمة الاستحقاق تطول.

فالأدب العربي بما أنجز لا يستحق ما هو عليه  من مواربة  في  عالم اليوم، تكمن الاشكالية أن الأدب يأتي ضمن اولويات متأخرة جداً ، وحتى تلك الجوائز العربية في مجال الأدب عادة ما تأتي سياقاتها خارج التكريم الاعتباري الأدبي. تفرغ القيمة الادبية أو المادية و الاعلامية من كل الرمزيات، إذ يحفل شخصية مانح الجائزة  بهالة اعلامية  أكثر من المبدع وعمله الادبي الفائز. وقبل هذا أن معايير اختيار لجان التحكيم تفتقد إلى المصداقية العلمية والادبية. ليتواجد دائما الابداع والمبدعين خارج سياق الحركة فعل أدبي حق.

 أمام هذه الظروف القاهرة، فان غياب التمثيل العربي وتأثيره في الأدب العالمي، هو غياب اداري تقني، في واقع بلدان كل ما يتواجد فيها يتم تجييره لخدمة السياسة أولاً وادماجه كشأن سياسي لا ثقافي.

هذا النمط من التفكير  خارج الطريقة التي تعمل فيها اليات عالم اليوم. إذ ورد على الموقع الخاص بالأكاديمية السويدية، من يخول لهم ترشيح وتزكية المتقدمين لجائزة نوبل للآداب. وهم اعضاء الاكاديمية، ومن حازوا على الجائزة،  بالإضافة إلى الاكاديميين الذين يعملون في مجال الآداب، والروابط العامة و المؤسسات في البلدان التي تعمل بحق على رعاية الادب، والمنظمات التي تعمل في مجال الادب. وهم محددون من قبل الاكاديمية السويدية ومعترف بهم..

نمطياً يفتقد العرب لمعطيات ولوج أسم عربي إلى الجائزة، لغياب عامل الوصول. عائق اللغة هو حاجز أخير ايضاً، فأعضاء لجنة التحكيم الثمانية عشر  يتحدثون بثلاث عشرة لغة،  بينهم بالطبع ليست العربية.

غياب الاستراتيجيات الثقافية العربية وضعف الادارات الثقافية لم  يحرمنا من بروز الادب العربي عالمياً ، بل ومن تواجد التمثيل اللغوي للعربية في مثل هكذا محافل مهمة .