الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

تحقيقات

التكنولوجيا وواقع الرقمية مع بدايات القرن 21

  • 13-10-2020 | 21:23

طباعة

أصبغت الثورة الرقمية الواقع المعاش والمفترض، أغلب المنجزات البشرية في مختلف ميادين العلم والتكنولوجيات، بالعديد من الملامح والخصائص الجديدة، ومع ذلك بقى السؤال؛ ﺇلى أي مدى حققت الرقمية ما حققته وما المتوقع مستقبلا؟


ربما من المناسب أن نقترب من بعض تلك المعطيات مرورا سريعا يشير ولا يتعمق فيما حققته الرقمية مع بدايات القرن ال21 كما في العديد من مجالات النشاط البشري:


.. مجال الإبداع الرقمي.. لعله أقرب المجالات ﺇلى المبدعين وسبب تعلق الكثير من المثقفين بالتقنية الرقمية الجديدة، هناك مجموعة من الملاحظات: بزوغ النصوص الرقمية الأقرب ﺇلى النصوص الروائية والقصصية والشعرية، حيث ظهرت بداية خجولة وقليلة العدد، كما ظهرت جهود من البعض في مجال الإبداع للطفل، ولعله تفوق ونشط أكثر من إبداعات الكبار. 


لقد تأسس اتحاد كتاب الإنترنت العرب (وكنت ضمن المؤسسين العشرة له) من أجل الترويج للإبداع الجديد، ومع ذلك لم يكن الرواج للفورم الرصين من القصة والرواية والشعر الرقمي، بل ما راج فيما بعد قي الأسواق وعلى مواقع التواصل، تلك الألعاب والفيديوهات التي تعاملت مع حواس الأطفال والشباب مع فرط الخيال غير المنضبط..


والآن، (في 2020م) يمكن الإقرار بقلة المنتج الإبداعي الرقمي الرصين، والمرجو هو المزيد من الإنجاز.


في مجال الحروب الحديثة، لعل أبرز ما تجلى في حروب القرن ال21 رواج توظيف الروبوتات، التي يبدو أنها أعطت وستعطي دوراً جديداً ومتعاظماً لفكرة الإنسان الآلي في هذا القرن الحادي والعشرين، وقد أعطى الباحث في مجال الحروب الحديثة الفرنسي (كريستيان ماليس).. حيث كتب في كتابه (الحرب والاستراتيجيات في القرن الحادي والعشرين) حيث يناقش التبدّل الكبير على صعيد التكنولوجيات والمفاهيم المتعلّقة بالحرب والاستراتيجيات في هذا القرن  بسر رواج التكنولوجيات الحديثة، هنا وكل ما قيل عن أن السلام سيعم العالم بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي وكتلته لم يكن صحيحاً وأن العالم لم يدخل في حالة من السلام بعد. 


ولا يتردد المؤلف في القول إن الأسلحة الجديدة التي تستخدم ثمرات التكنولوجيا الرقمية بدلّت بشكل جذري الكثير من المعطيات، هكذا مثلاً لن يكون الانتصار في ساحة المعركة مرهوناً بشجاعة المحاربين وجسارتهم في اقتحام مراكز العدو ومواقعه، ولكن بالعتاد التكنولوجي، ويرى ماليس أن الأنظار ينبغي أن تتوجّه نحو الفضاء الذي سيكون «مسرح العمليات الحربية الجديد مستقبلاً» وفيه ستقوم عمليات «الردع»! ولا يتردد في القول إن «القوات الفضائية» ستكون بمثابة رأس الحربة الحقيقية في الحروب الحديثة، والإشارة أن «الروبوت» سيلعب دوراً مهماً ومركزيا في مجال الردع، بل يؤكّد أنها بدأت تأخذ دورها في الحروب، كما تدل الحرب الأمريكية الأخيرة في العراق التي شارك فيها 10 آلاف روبوت.


لقد أصبح التليفزيون أكثر أشكال الترفيه تأثيرا حتى لعب دورا في الحروب، وهناك ما سمى بالحروب التليفزيونية.. وهو ما جعل المفكر "بودريار" يقول: "إن الحرب لم تحدث في الخليج"، وهو يعنى أن الصور التي شاهدها الناس ليست هي الصور الحقيقية للحرب في الخليج فضلا عن حالة الشعور بالظلم التي شعرت بها بعض الشعوب بسبب صور التليفزيون التي تنقل صور الحياة عند شعوب أخرى.


مجال السياسة..  كانت بشائر المتغيرات في القرن ال21 وتوظيف التقنية الرقمية، ما وضح بذكاء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعها المختلفة للترويج للمرشح الرئاسي الجديد للولايات المتحدة الأمريكية (أوباما).. وبفضلها أنجز أعلى معدل أصوات بين كل المرشحين للرئاسة طوال تاريخ الانتخابات الأمريكية.


مجال الإعلام.. عبرت التقنية الرقمية عن نفسها في مجال الإعلام في أشكال مختلفة ومن ثم إضافة جديدة.. ففي التليفزيون بدأ التواصل والاتصال بين المشاهدين ومقدمي البرامج كما في برامج (التوك شو).. أيضا شاركت التقنية الجديدة في مجال الصحف والمجلات الرقمية باﻹضافة ﺇلى دورها المهم مع الصحف الورقية.. وأصبح هناك الشكل الصحفي الجديد في كل عناصر التحرير الصحفي... كما لم تخل البرامج الإذاعية والنشاط الإذاعي عموما من توظيف التقنية الرقمية.


مجال جديد.. يدعى "الترجمة الذاتية" وهو موضوع جديد بدأ في الرواج خلال العقد الأخير ببعض الدول الأوروبية وأستراليا، وهناك من المتخصصين في التقنية الجديدة من المصريين من يروج لهذا المفهوم الجديد.. حيث لم تعد السيرة الذاتية مجرد رصد لبعض التواريخ الشخصية، بل جملة أحداث وأقول حققت الذات في تلك اللحظة التي يتناولها كاتب السيرة.. وفيها يستخدم الصورة والصوت واللون والحركة والكلمة معا في مزيج متكامل.


مجال غلبة الصورة.. الصورة وواقع الأدب الافتراضي الجديد.. الآن بلغت تكنولوجيا الإعلام البصرية ذروتها، ونظرا لشموليتها وشيوعها شاع مصطلح "ثقافة الصورة"، كما تميزت بتعزيزات ب"الصوت" و"اللون" و"الرسم" ثم "الحركة"، أما وقد باتت الصورة سريعة الوصول ﺇلى المتلقي بدرجة هائلة، محملة بكم من المعلومات الغزيرة، ليس أوضح مثال لتلك الحقيقة من القنوات الفضائية والشبكات الإخبارية، وهو ما دعا البعض للقول إن تلك الميزات الهائلة، سبب للتخوف على هوية الشعوب والجماعات الضعيفة والصغيرة، مع ضرورة العمل على حماية ثقافتها - هويتها.


مجال شعبية الثقافة وسقوط النخبة.. حيث "صار الجميع سواسية في التعرف على العالم واكتساب معارف جديدة، والتواصل مع الوقائع والثقافات بواسطة الكمبيوتر،  بمعنى أن النخبة فقدت دورها في القيادة والوصاية وتلاشت تبعاً لذلك رمزيتها التي كانت تملكها من قبل، ولم تعد الثقافة تقدم رموزاً فريدة لا في السياسة ولا في الاجتماع ولا في الفن والفكر، وتلاشت الرمزية وحلت محلها (النجومية).



مجال سلبيات التقنية الجديدة نظرا لفرط الارتباط بها.. نظرا لهيمنة الصورة الافتراضية، انتهت بعض الدراسات ﺇلى اكتشاف مرض إدمان الإنترنت، وكمثل إدمان مشاهدة التليفزيون.. أو ألعاب الفيديو وغيرها، وإن بدت مختلفة.



إجمالا هناك التخوف من أن تحل الآلة محل العامل (حيث التكنولوجيا المتقدمة) – المعلومات أصبحت سلعة مباحة – انخفاض في تكلفة خدمة المعلومات – حرية التداول وتهميش الاحتكار – التركيز على الترفيه – يقول "بليك" إن مقولة "مكلوهان" بوجود القرية العالمية (في الستينيات) لم يعد لها وجود منذ التسعينيات، حيث تحول العلم إلى مجموعة بنايات بها شقق وبها أناس لا علاقة بينهم، كذلك هيمنة ثقافة المظهر والشكل والإبهار والاستعراض على حساب ثقافة الجوهر والمضمون والقيمة والعمق؛ حيث تتحول الصورة ﺇلى واقع بدلا من أن تعكس الواقع، هيمنة الصورة في صورتها السلبية، يعد معاكسا للإبداع، وما أحوجنا إليه في حياتنا اليومية، ذلك نظرا لهيمنة ثقافة الكثرة والنقل والمحاكاة عن غيرنا، هيمنة ثقافة صناعة النجوم، وما يستتبعها من أساليب غير أخلاقية، رواج ما يعرف بجرائم الصورة (جرائم الإنترنت) وهى تقوم على الخداع واستخدام الصور المزيفة أو حتى الحقيقية لوقوع الضحية.



مجال اصطلاحي أدبى جديد.. ويمكن في هذا السياق تقديم تعريفات مبدئية قدمتها الناقدة للمصطلحات التي شاعت بتوظيف جهاز الحاسوب، للتمييز بينها، ولتوضيح أوجه اختلافها عن بعضها، ثم محاولة تصنيفها.



#الأدب الرقمي هو: الأدب الذي يُقدَّم على شاشة الحاسوب التي تعتمد الصيغة الرقمية الثنائية (0/1) في التعامل مع النصوص أيًّا كانت طبيعتها.


#الأدب السمعي والبصري هو: الأدب الذي يدعمه مؤلفه بالصوت والصورة والرسوم التي تمثّل الكلمات، بحيث لا يُقرأ النص فقط، إنما يُسمع ويُرى ويُشاهد أيضًا، مما يشكّل تعضيدًا للمعنى وتوجيهًا له أيضًا. ويمكن أن نجد أدبًا سمعيًا، وهو الذي يوظف الصوت فقط، وأدبًا بصريًا، وهو الذي يوظف الصورة فقط.


#أما الأدب التفاعلي فهو: الأدب الذي يوظّف معطيات التكنولوجيا الحديثة، خصوصًا المعطيات التي يتيحها نظام (النص المتفرع- Hypertext)، في تقديم جنس أدبي جديد، يجمع بين الأدبية والإلكترونية. ولا يمكن لهذا النوع من الكتابة الأدبية أن يتأتّى لمتلقيه إلا عبر الوسيط الإلكتروني، أي من خلال الشاشة الزرقاء؛ ويكتسب هذا النوع من الكتابة الأدبية صفة التفاعلية بناء على المساحة التي يمنحها للمتلقي، والتي يجب أن تعادل، وربما تزيد على، مساحة المبدع الأصلي للنص، مما يعني قدرة المتلقي على التفاعل مع النص بأي صورة من صور التفاعل الممكنة.


يمكن أن نفصل بسهولة بين هذه الأنواع، وأن نصنفها إلى أنواع تقليدية وأخرى تجديدية؛ فالأدب الذي لا يمثل إلا نسخة إلكترونية في مقابل النسخة الورقية للعمل نفسه أصبح نمطًا تقليديًا وكلاسيكيًا من أنماط النصوص الأدبية المقدمة عبر الوسيط التكنولوجي؛ وكذلك الحال مع الأدب السمعي والبصري، الذي يكتفي بتوظيف المعطيات السمعية والبصرية، من صوت وصورة، ثابتة ومتحركة، دون أن يترك مساحة للمتلقي كي يقوم بأي إجراء تفاعلي مع النص. والمواد السمعية والبصرية الموجودة فيه لا تقدم أكثر من توضيح أو دعم أو تأكيد للفكرة النصية التي يريدها المبدع، والموجودة في العمل كتابة، في حين يجب على المتلقي استقبال تلك الفكرة المكتوبة نصيًا، وقبول تأكيداتها السمعية والبصرية التي يلجأ المبدع إليها لتثبيتها في ذهنه أكثر، دون أن يعيَ كل منهما أن هذا قد يصادر حرية المتلقي في فهم النص بالطريقة التي يرغب بها.


أما النوع التجديدي فهو ما اصطُلح على تسميته بالأدب التفاعلي، وهو الذي يعتمد إلى حد كبير على الحالة التفاعلية القائمة بين العناصر الثلاثة الرئيسية المكونة للعملية الإبداعية (المبدع- النص- المتلقي). والتي تترك لمتلقي النص مساحة لا تقل عن مساحة مبدعه ليسهم من خلالها في بناء معنى النص الذي لا يكون نهائيًا، ولا مكتملاً، إنما في حالة حركة وتجدد ونماء دائمة.



مجال التعليم عن البعد.. والمقصود هو إتمام العملية التعليمية بينما الطلبة في منازلهم وكذلك المعلم أو أستاذ الجامعة، ولقد مررنا بتلك التجربة الآن، وما زلنا نتابعها في مصر بدهشة، حيث تعتبر من النجاحات التي تحققت وسط أجواء جائحة كورونا (كوفيد 19) وتم تحقيق منجز رقمي جديد لم يتوقعه أكثر المتفائلين في مجال التعليم بمصر، ونجحت التجربة، ولا يبقى سوى تقييم التجربة على جميع المستويات والبحث عن سبل لتطويرها والاستفادة بأكبر قدر من ورائها، لعلنا نجيب عن السؤال: ماذا سنفعل بالوقت الذى توفر لدينا؟ وكيف نتطور جسديا ونتريض ولا نكتفى بالبقاء أمام اجهزة الكمبيوتر .. وغيره؟


وهناك مجالات عديدة لا تنتهى يمكن رصدها والبحث عما تحقق منها وما لم يتحقق.. (السرقات والهاكرز في الأدب والتجارة والعلوم).. (مستقبل الكلمة والقراءة).. (قصور التعريف بالمواقع المهمة والموسوعات مثل مكتبة المختار وغيرها).. (عدم توافر مرصد فاعل لمواقع الإنترنت المهمة في العالم العربي، وغيره.


 

    الاكثر قراءة