لعبت التكنولوجيا الحديثة دورا مهما فى كل ما يتعلق بفن الموسيقى بما لها من إمكانيات غير محدودة أتاحتها له من خلال البحث عن آفاق جديدة غير مطروقة من قبل.
وفى البداية أود أن أوضح أن الفرق بين النغمة الموسيقية التى نسمعها من آلة موسيقية، أو من صوت بشرى (مغنى – مغنية –
كورس )، وأى صوت آخر، هو أن النغمة الموسيقية صوت منتظم الذبذبات ويمكن قياسه بمنتهى الدقة، فمثلا نغمة (دو) الوسطى الموجودة فى منتصف البيانو ترددها (250 ) ذبذبة فى الثانية ، وجوابها أى نغمة (دو) التى تليها فى الحدة عدد ذبذباتها (512) ذبذبة فى الثانية، بينما النغمة التى يقوم بإصدارها عازف الأوبرا قبل بداية أى حفل للأوركسترا السيمفونى ليقوم العازفون
بضبط آلاتهم الموسيقية على تلك النغمة، التى هى نغمة (لا) La وعدد ذبذباتها 440)) ذبذبة فى الثانية0 وهكذا نرى أن الصلة وثيقة بين الموسيقى والعلم. وفى العصر الحديث فإن الآلات الموسيقية والأصوات البشرية يؤدون أدوارهم التى اعتادوا على أدائها، ولكن بالإضافة إلى ذلك فقد ظهر اتجاه جديد بعد أن تم قياس وتحديد عدد الذبذبات فى الثانية لكل نغمة، وبذلك أصبح لدينا الأرقام الدقيقة لكل النغمات التى تم قياسها وتحديدها بعدد ذبذباتها فى الثانية، فظهرت فكرة توليد النغمات من خلال إصدار أرقام الذبذبات التى تم قياسها من قبل بمنتهى الدقة، فولدت أولا كهربائيا ثم تم توليدها بعد ذلك إلكترونيا.
وهكذا فتحت أمام المؤلفين الموسيقيين فى كل البلاد آفاقا جديدة لا حدود لها، والمؤلفون الموسيقيون الرواد الذين قدموا الموسيقى الإلكترونية هم: مؤلف الموسيقى الألمانى شتوكهاوزن ( 1928 - ؟ ) ، ومؤلف الموسيقى الإيطالى لوتشيانو بيرو (1925 - 2003) مؤلف الموسيقى الأمريكى جون كيج (1912 -1992 )، ومؤلف الموسيقى الفرنسى بيير بوليز(1925 -2016). والجدير بالذكر هنا أن فن السينما قد أفاد من هذه الاكتشافات أكبر فائدة ، فقد أمكن الحصول إلكترونيا على نغمات لم تسمع من قبل، وتم استخدامها فى أفلام غزو الفضاء، أو ارتياد عوالم فى أعماق البحار، أو أماكن مجهولة وجد أبطال الفيلم أنفسهم فيها.
هذا ما أفاد منه فن السينما من الموسيقى الإلكترونية، بالحصول على نغمات لم تسمع من قبل، تم توليدها إلكترونيا، طالما أن أرقام الذبذبات صارت متاحة. وكذلك فقد تم إصدار برامج سابقة التجهيز، تحتوى على النغمات الطبيعية التى تصدرها الآلات الموسيقية الأوركسترالية وآلات الموسيقى العربية وآلات الموسيقى الشعبية، كل آلة موسيقية بلونها الصوتى الذى يميزها ويعطيها مذاقها الخاص بها ، بالإضافة إلى النغمات المولدة إلكترونيا من خلال عدد ذبذباتها فى الثانية المعروفة من قبل.
وكذلك فقد تم وضع العلوم الموسيقية فى برامج سابقة التجهيز. الجدير بالذكر أن الأصل فى استخدام هذه العلوم الموسيقية وكل تقدم علمى يفيد فن الموسيقى وخاصة الموسيقى الإلكترونية لابد من سيطرة العنصر الإنسانى على أسلوب التعامل معها ، فمثلا عندما يقوم مؤلف موسيقى بتأليف لحن ، بعد ذلك يقوم بإحساسه الإنسانى باختيار اللغة الهارمونية المناسبة لمصاحبة اللحن الذى ألفه، ثم يقوم باختيار الآلات الموسيقية التى ستعزف النغمات التى اختارها فى تآلفاته الهارمونية المصاحبة للحن ، واختيار الآلة الموسيقية المصاحبة للحن يكون لخدمة الموضوع الذى تصوره الموسيقى، فمثلا آلات ( الكمان والفلوت والترومبيت ) كلها فى الطبقة الصوتية الحادة ، فلماذا يختار المؤلف الموسيقى مثلا آلة الكمان ولا يختار الآلتين الأخريين، فآلة الكمان بنغماتها الرقيقة وقدرتها الفائقة على التعبير عن المشاعر الإنسانية تؤهلها للقيام بهذا الدور ، بينما آلة الفلوت وهى تصنف كآلة نفخ خشبية ، رغم أنها تصنع من المعادن منذ سنوات بعيدة، فهى على سبيل المثال تصور مشاهد من الطبيعة ، بينما آلة الترومبيت، وهى آلة نفخ نحاسية، يمكنها أن تعبر عن مشاعر القوة أو الغضب، أو الموضوعات ذات الطابع العسكري، وعلى سبيل المثال وجدنا ذلك فى الافتتاحية التصويرية (1812 ( لمؤلف الموسيقى الروسى بيتر إيليتش تشايكوفسكى ( 1840 -1893)، والقصيدين السيمفونيين (بورسعيد) و(6 أكتوبر) لمؤلف الموسيقى المصرى رفعت جرانة (1924-2017) ، و(بانوراما العبور) لمؤلف الموسيقى المصرى المعاصر عمر خيرت ( 1948) أطال الله فى عمره.
والخلاصة أن كل هذه العلوم الموسيقية عناصر بين يدى المؤلف ليعبر من خلالها عن مشاعره الإنسانية ، ويتوصل إلى أسلوبه الموسيقى الذى يميزه عن غيره من المؤلفين.
والأورج الكهربائى يتم تخزين أصوات الآلات الموسيقية الطبيعية فيها ، وذلك بعد أن أمكن الحصول عليها من خلال برامج سابقة التجهيز، المسجل عليها أصوات الآلات الموسيقية المختلفة، واستخدام هذه البرامج أدى فى كثيرمن الأحيان إلى الاستغناء عن الاستعانة بالعازفين على الآلات الموسيقية المختلفة لتوفير نفقات التسجيل، مما أثر على سوق العمل الموسيقى، وهذا يستدعى سن القوانين التى تحمى الموسيقيين العاملين فى سوق العمل الموسيقى لأن هذا هو عملهم، وهذا دور نقابة الموسيقيين التى يجب أن تقوم بحماية مصالح أعضائها.
وبالإضافة إلى تسجيل أصوات الآلات الموسيقية فى آلة الأورج الكهربائى ، فإنه يتم أيضا تسجيل الموازين الموسيقية المختلفة البسيطة منها والمركبة لتصاحب عزف الألحان المؤداة. وبهذا تكتمل كل العناصر بين يدى المؤلف ليبدع مؤلفاته، من خلال كل تلك البرامج سابقة التسجيل.
واستوديوهات التسجيل حظيت بتقدم مذهل فى الإمكانيات التى أتيحت لها، من نظام التسجيل على ( تراكات ) وهذا أتاح إمكانيات لم تكن معروفة من قبل، فبعد أن كان كل أعضاء الفرقة الموسيقية يجتمعون معا فى الماضى فى التدريبات التى كانوا يقومون بها لعزف مقطوعة موسيقية أو أغنية، ثم تسجيلها، صار الأمرالآن مختلفا تماما، فالذى يحدث أن كل عازف يحضر إلى الاستوديو منفردا ويقوم بتسجيل الجزء الخاص به، وبعد أن ينتهوا جميعا من التسجيل، يقوم مهندس الاستوديو بتجميع كل ذلك ويجهز العمل الذى تم تسجيله فى صورته النهائية هذا إذا كان المؤلف مقطوعة موسيقية، أما إذا كانت أغنية، فبعد أن يقوم جميع الموسيقيين بتسجيل اللحن، يحضر المطرب أو المطربة إلى الاستوديو ويضع سماعة على أذنيه ويسمع اللحن ثم يقوم بتسجيل صوته على التراتك الخاص به. وهكذا يتم الحصول على المقطوعة الموسيقية أو الأغنية لإذاعتها للجمهور.
وفى الاستوديوهات أيضا هناك جهاز لتحلية الصوت، فما هى وظيفة هذا الجهاز؟ إنه يستخدم عندما يخطئ أحد المطربين أو المطربات فى أداء اللحن، فيقوم مهندس الاستوديو باستخدام جهاز تحلية الصوت لتصحيح الخطأ (النشاز) الذى حدث من المطرب أو المطربة، فيبدو الأمر وكأن شيئا لم يكن، وهكذا يتم خداع لجماهير.
وهكذا نجد أنه قد تم الاستفادة من التقدم التكنولوجى فى كثير من الأحيان، ولكن الذى لا يمكن إنكاره، هو أن استخدام الموسيقى الإلكترونية بإسراف قد أضر الموسيقى العربية، وأفقدها الكثير من جمالياتها، فلا شيء يعوض الاستمتاع بسماع آلات الموسيقى العربية الطبيعية، ولكن استخدام كل التقدم التكنولوجى المتاح بوعى وفهم هو ما يحقق الفائدة المرجوة.