في
تاريخنا الصحفي
كثير من
الأمور “المتلازمة” أو
التوأمة. ونتذكر
هنا “الأخوين
سليم وبشارة
تقلا اللذين
أنشآ جريدة
الأهرام بين
عامى 1875 و 1876 ،ونتذكر
أسرة جرجي
زيدان منشئ
الهلال - ودار الهلال-
عام 1892 والتى صدرت
عنها “غير
الهلال” مجلات:
المصور والاثنين
والدنيا. والكواكب.. وحواء..
وإذا ذكرت
روزاليوسف تذكرنا
فوراً السيدة
فاطمة اليوسف
وابنها إحسان
عبد القدوس..
ثم نجد
جريدة المصرى
التى أنشأها
الثلاثى: محمود
أبو الفتح
ومحمد التابعى
وكريم ثابت..
فى منتصف
الثلاثينيات.. ثم نجد
“التوأم” على
ومصطفى أمين
وإنشاءهما لدار
"أخبار
اليوم" عندما
أصدرا جريدة
أخبار اليوم
فى نوفمبر
1944 ثم
جريدة الأخبار
فى يونيو
1952 وشراءهما
لمجلة آخر
ساعة من
مؤسسها محمد
التابعى.. ثم
إصدارهما لمجلة
الجيل “الجديد”
وشروعهما فى
إصدار صحيفة
أخرى هى
“آخر لحظة”
وهكذا.. أجيال وراء
أجيال من
القوائم الذين
أنشأوا الصحف
المصرية وصاروا
نجوما مازالت
تشع وتضحى..
ولكن
الوضع- مع
جريدة الأهرام-
يختلف إلى
حد ما
منذ انتقل
إليها محمد
حسنين هيكل
من دار
أخبار اليوم
عام 1957.. وكان سعد
بك عبد
النور المحامى
المشهور هو
الوسيط لإتمام
هذه الصفقة
بين ورثة
آل تقلا
ومحمد حسنين
هيكل.. ونعترف أن
جريدة الأهرام
كانت على
وشك الوفاة
بسبب انهيار
توزيعها.. حتى أن
من أهم
أسباب ذلك
تقدم الصحافة
المصرية بإنشاء
جريدة المصرى
القديمة.. وكانت الأكثر
توزيعا فى
مصر والشرق
الأوسط.. ثم إنشاء
جريدتى أخبار
اليوم والأخبار.. والأهم كانت
ثورة 23 يوليو بحاجة
إلى صحيفة
قوية قادرة
على التعبير
عن أهداف
هذه الثورة
بعد أن
عجزت جريدة
“الجمهورية” التى
صدرت باسم
صاحبها ومصدرها
وهو جمال
عبد الناصر
نفسه وذلك
فى ديسمبر
1953..
أي
كان قرار
انتقال هيكل
من أخبار
اليوم إلى
“الأهرام” تنفيذاً
لهذه الرغبة..
من هنا
نقول بكل
ثقة إن
انتقال هيكل
هنا كان
لإنقاذ “الأهرام”
من المصير
الذى كان
ينتظرها.. بل
هو فى
نظرى- ونظر
مؤرخى الصحافة
المصرية- الإصدار
الثانى لهذه
الصحيفة العريقة..
بل هو
“الإحياء” الحقيقى
للأهرام.. ونجح هيكل
فى تحويل
“الأهرام” من مجرد
مبنى صغير
أقيم ليصبح
سكناً فى ناصية
شارعى مظلوم
وشريف باشا-
أمام بار
اللواء الشهير
إلى مؤسسة
عملاقة جعلها
- هيكل- إحدى
أهم 10 صحف فى
العالم كله..
وانتقل بها
من شارع
مظلوم إلى
شارع الجلاء
الذى هو
الترعة البولاقية.. سابقاً..
وبذلك جعلها
“هرمًا حقيقياً
فى شارع
الجلاء الذى
حمل اسمه
الجديد من
بدايات ثورة
يوليو.. منافساً
بذلك مبنى دار
أخبار اليوم
المجاور له
فى شارع
الصحافة.. بمبناها الدائرى
الشهير.
هذه
المقدمة ضرورية
لكى نسأل:
هل كان
هيكل فى
حاجة إلى
أن يكتب
مقالاته فى
جريدة الوفد
المعارضة .. وهو الذى
صار “صوت
سيده” أى
صوت جمال
عبد الناصر
وثورة يوليو
بعد أن
أصبح أكثر
الصحفيين قرباً
من الزعيم..
وصار مقاله
الأسبوعى- كل
يوم جمعة- المعبر عن
أفكار وأخبار
عبد الناصر..
وكان مقاله
“بصراحة” من
أهم وسائل
الثنائى عبد
الناصر وهيكل
فى بث
أفكارهما معاً..
وفى جس
نبض الجماهير داخل
مصر وأيضاً
فى المنطقة
العربية كلها
.. رغم أن
عبدالناصر كان
قد لجأ
إلى الصحافة
اللبنانية لتكون
معبرة عن
أفكاره واتجاهات السياسة
العربية التى
تحقق أحلامه.
وليس سراً
أن دار
الصياد اللبنانية التى
أنشأها سعيد
فريحة فى
ضاحية الحازمية فى
بيروت وبالذات
بعد إنشائه
لجريدة الأنوار
نشأت الأموال
المصرية الناصرية.. بل
دعمها عبدالناصر بعدد
من الصحفيين المصريين
لتقويتها.. لتصبح صوتا
لمصر.. ولعبد الناصر..
بالذات .
ونعيد
طرح نفس
السؤال: هل
كان هيكل
- بكل تاريخه
وعبقريته وانفراده بأفكار
الزعيم بحاجة
إلى مكان
آخر “بجانب”
الأهرام ليكتب
فيها مقالاته..
فكان الاتفاق
الذى توصل
إليه مع
جمال بدوى
- رئيس تحرير
الوفد أيامها
- لكى يتحقق
أمل هيكل
فى غزو
جريدة الوفد،
التى كانت
أهم وأكبر
صحيفة معارضة
فى مصر
والشرق الأوسط
رغم وجود
جريدتى “التجمع”
اليسارية و
“الشعب” لسان
حال أفكار
وحزب الوسط
لرئيسه إبراهيم
شكرى.. وكان توزيع
جريدة “الوفد
الأسبوعية” قد
حقق قفزات
رائعة وصلت
إلى 800 ألف نسخة
فى العدد
الواحد.
حقيقة
التقى هيكل
مع فؤاد
باشا سراج
الدين فى
المعتقل بعد
أن جمعهما
قرار التحفظ
على 1635
معارضا بقرار
الرئيس أنور
السادات.. ودارت بينهما
حوارات طويلة
تحت ظلال
المعتقل.. ولكنها نفس
الحوارات التى
قربت بين
اليساريين والشيوعيين.. وبين
أقطاب اليمين
والمستقلين وجمعت
مثلا بين
اليسارى صلاح
عيسى الذى
سبق أن
كتب كتابا
هاجم فيه
سراج الدين
كثيرا وكان
من مؤيدى
الصحفيين اليساريين وفى
مقدمتهم الرائع
محمد عودة
الذى أصدر
كتاباً عما
قاله سراج
الدين وما
لم يقله
عنوانه “الباشا
والثورة” صدر
فى أكتوبر
1977 عندما
فكر السادات
فى إعادة
الأحزاب السياسية للعمل
من جديد
وكان الوفد
وسراج الدين
من هذه
المخططات.
فهل
كان هيكل
“يأمل” فى
الكتابة فى
الوفد فى
التسعينيات ليواصل
مخططه القديم
ضد حزب
الوفد.. وضد سراج
الدين نفسه!!
أى يخترق
الحزب من
الداخل.. بالكتابة فيه
بعد أن
حققت الجريدة
تلك القفزة
الجديدة فى
عالم الصحافة، منذ
صدرت الوفد
الأسبوعى فى
مارس 1984 ثم صدرت
الوفد اليومية
فى مارس
1987 وتقدم
صحافة جديدة
أصبح لها
قراؤها - داخل وخارج
مصر .. أم كان
هيكل “يأمل”
فى إعادة
كتابة مقالاته..
ولكن فى
أكبر صحيفة
معارضة هى
الوفد؟!
لا
أستبعد ذلك،
وقد عاصرت
تلك الحكاية
كلها بل
كنت طرفا
فيها خصوصا
وأننى شخصيا
أحد الثلاثة
الذين أنشأوا
هذه الصحافة
الوفدية. ودعونى
أرويها لكم
بعد أن
أصبحت جزءا
من تاريخ
الصحافة المصرية
المعاصرة.. إيه الحكاية؟!
أغلب
الظن أن
زميلى ودفعتى
بقسم الصحافة
مع الراحل
العظيم مصطفى
شورى وكان
من أصحاب
الرأى المستنير، كان
يهدف إلى
ذلك لكى
يجذب إلى
الوفد قطاعات
كانت تهوى
وتعشق مقالات
هيكل.. فاقترح عليه
أن يكتب
مقالا- قد
يصبح أمراً
أسبوعيا - فى جريدة
الوفد دون
أن يحسب
رد فعل
الباشا سراج
الدين رئيس
الوفد وزعيمه
فقد كان
جمال بدوى
بدأ نشاطه
السياسى عضوا
بجماعة الإخوان
" الإرهابية"
منذ كان
طالبا بالمدرسة الثانوية..
وهو من
مواليد مدينة
بسيون بالغربية ولم
تكن له
أى جذور
وفدية. وبالطبع
نتذكر الصراع
بين الوفد
والإخوان منذ
رفض النحاس
باشا اشتراك
حسن البنا
المرشد الأول
ومنشئ تنظيم
الإخوان.. لأن الإخوان
كانوا يعملون
على السيطرة
على الشارع
المصرى طوال
الثلاثينيات والأربعينيات وكم
نشبت معارك
سياسية - بل واشتباكات
فى الشارع
المصرى - ووصل الأمر
إلى محاولة
الاستيلاء على
العمل السياسى
فى جامعات
مصر، ومازلنا
نتذكر المعارك
التى كان
يقودها “الإخوانى” حسن
دوح ويقودها
من الوفد
الدكتور محمد
بلال ومصطفى
موسى زعيم
الطلبة الوفديين بالجامعة
ودور القمصان
من الإخوان
والوفد معا
فى هذا
الصراع الرهيب
للسيطرة على
الشارع السياسى
المصرى على
امتداد نصف
قرن.
وكان
جمال بدوى
ذكيا - وموفقا - فى
خطوته هذه
إذ استطاع
أن يقنع
فؤاد باشا
زعيم الوفد
بالموافقة على
هذه الفكرة
دون أن
يعرضها بنفسه
على قيادات
الهيئة العليا
للوفد وكبار
شخصياته.. ولكن حدث
أن سافر
جمال بدوى
مرافقا للرئيس
حسنى مبارك
فى زيارته
للصين ضمن
رؤساء تحرير
الصحف المصرية..
وكلفنى الزميل
جمال بدوى
بمتابعة الأمر..
واستلام المقال
من الأستاذ
هيكل ونشره
فى جريدة
الوفد.. وتسلمت مقال
الأستاذ هيكل
وقمت بإعداده
للنشر.. بصفتى
مديراً لتحرير
الوفد.
وفجأة
اتصل بى
فؤاد باشا
وطلب منى
بإيقاف نشر
المقال والاتصال بالأستاذ
هيكل للاعتذار لسيادته
عن عدم
نشر المقال..
وشرح لى
الباشا أسباب
التراجع عن
هذا النشر..
قال لى
فؤاد باشا
إن كبار
الوفديين اعترضوا ورفضوا بشدة أن تصبح جريدة الوفد
مكاناً لنشر
أفكار ومقالات
الأستاذ هيكل
وهو الرجل
الذى ساهم
- بدور كبير-
فى عداء
عبدالناصر لحزب
الوفد وقياداته .. بل
كان -أيضا
-وراء قرار
مجلس قيادة
الثورة بزعامة
جمال عبدالناصر بحل
الأحزاب وفى
مقدمتها حزب
الوفد فى
يناير 1953 ثم كان
وراء “شن”
حملات عنيفة
ضد قيادات
الوفد القديمة
منذ تولت
قيادة الوفد
الحزب العريق
تحت قيادة
مصطفى النحاس
واستمر هذا العداء
ضد كل
باشوات الوفد..بل واعترض
هيكل شخصياً
على عودة
حزب الوفد
“الجديد” عام
1978 ونال
فؤاد سراج
الدين وابراهيم فرج
والدكتور وحيد
رأفت وعبدالفتاح حسن
باشا الكثير من هذه
الحملات.. بالذات فى
.. الوفد الجديد.
وتساءل
كبار الوفديين .. هل
نسينا كل
هذا العداء
من الأستاذ
هيكل ضد
الوفد ورجالاته وأفكاره..
وأن تصبح
صفحات جريدة
الوفد منبراً
يبث من فوقه
الأستاذ أفكاره.. هل
نسينا ؟!
واستجاب
الباشا سراج
الدين لوجهة
نظر قيادات
الوفد ومفكريه
ومنهم أحمد
أبوالفتح رئيس
تحرير المصرى
القديم لسان
حال حزب
الوفد، وأيضا
إحسان عبدالقدوس الذى
كان يكتب
مقالا أسبوعيا
على صفحة
كاملة من
جريدة الوفد..
وأيضا مصطفى
أمين صاحب
دار أخبار
اليوم الذى
عانى شخصيا
من تدخلات
هيكل وإقناعه
لجمال عبدالناصر لمنع
الإفراج عن
مصطفى أمين
بعد اتهامه
الظالم بأنه
كان يعمل
جاسوساً للأمريكان رغم
إلحاح سعيد
فريحة ومحمد
أحمد محجوب
رئيس وزراء
السودان.. وأيضاً الفنانة
أم كلثوم، وبسبب
مواقف الأستاذ
هيكل عاش
مصطفى أمين
فى السجن
حوالى 10سنوات وعاش
توأمه على
أمين فى
المنفى بين
لندن وبيروت
طوال هذه
السنوات كلها..
ولم
تكن قيادات
الوفد وحدها
التى اعترضت
على أن
يكتب هيكل
فى الوفد
بل كانت
كل قيادات
ولجان الوفد
فى المحافظات وبالذات
فى بورسعيد
والإسكندرية والغربية وأسوان
والبحيرة.. والجيزة .. ومن الذين
قادوا هذه
المعارضة الراحل
على سلامة
القطب الوفدى
الشهير وسكرتير
عام مساعد
الحزب ورئيس
اللجنة العامة
فى محافظة
الجيزة..
واقتنع
فؤاد باشا
بوجهة نظرهم
وتناسى حواراته
الطويلة مه
الأستاذ هيكل
وابراهيم شكرى
وهم فى
معتقل الرئيس
السادات إلى
أن أفرج
عنهم الرئيس
حسنى مبارك
فى بداية
حكمه..
وكلفنى الباشا
سراج الدين
بالاعتذار للأستاذ
هيكل.. وكانت مهمة
صبعت للغاية..
ولكن الأستاذ
قال لي.:
تعرف.. كنت أتوقع
اعتذار الوفد
عن عدم
النشر.. فهل
كان رد
الأستاذ نابعاً
من مصادر
معلوماته أم
أنه كان
يتوقع ذلك
لسابق معرفة
بالمعارك القديمة
بينه وبين
الوفد؟..
المهم
.. عاد جمال
بدوى من
رحلة مع
الرئيس مبارك
للصين.. وما أن
عرف بالقصة
حتى ذهب
للقاء الباشا
فى قصره
بجاردن سيتى،
ولما لم
يقتنع قدم
جمال استقالته من
رئاسة تحرير
جريدة الوفد
.. وهى الاستقالة الأولى
ولكن لأن
جمال كان
من أفضل
من يفكر..
وأن يخطط
فقد قبل
مساعى بعض
شخصيات الوفد
وفى مقدتهم
ابراهيم باشا
فرج- وكان
يحب جمال
بدوى- وتراجع
عن استقالته.. واستمر
بعدها لسنوات
عديدة رئيسا
لتحرير الوفد
إلى أن
نشبت بينه
وبين الباشا
معركة أخرى
قدم بعدها
استقالته الثانية
من الوفد
وفضل الابتعاد وقبلها
الباشا هذه
المرة، لأصبح
انا رئيسا
لتحرير الوفد
وشاركنى فى
هذه المهمة
لشهور قليلة
الزميل سعيد
عبدالخالق، قبل
أن أنفرد
برئاسة التحرير
وحدى .
تلك
هى قصة
مقال هيكل
الممنوع نشره
فى الوفد
كما حدثت
أذكرها للتاريخ..
وأنا مع
قرار المنع..
إذ لم
يكن مقبولاً
أن تفتح
جريدة الوفد
صفحاتها لنشر
مقالات للأستاذ
وهو فى
نظرى ونظر
كل الوفديين أول
وأكبر الذين
عملوا على
هدم الوفد
منذ الأيام
الأولى.. لثورة يوليو.
ويبقى
السؤال: هل
كان الأستاذ
يسعى للعودة
إلى الكتابة
بعد أن
توقف عن
نشر مقالاته
فى الأهرام..
أم كان
يهدف إلى
اختراق هذه
الصحافة الجديدة..
وهى “المعارضة هذه
المرة” ليستفيد
من انتشارها التوزيعى..
تلك
وغيرها رحلت
مع رحيل
كل أقطابها:
فؤاد سراج
الدين وهيكل
وجمال بدوى..
ولكننى رويتها كما حدثت بالضبط وكنت الطرف الذى وضع نهايتها على غير ما توقع هيكل نفسه وأيضا جمال بدوى رحمهم الله جميعاً.