السبت 1 فبراير 2025

فن

ذكريات وحكايات الزعيم تقصها المقتنيات

  • 15-10-2020 | 12:47

طباعة

فى تلك المنطقة المميزة بحي المنيرة فى وسط القاهرة بالقرب من حي السيدة زينب عاش زعيم الأمة سعد باشا زغلول، حيث منزله الذى تحول بعد وفاة زوجته أم المصريين السيدة صفية هانم زغلول إلى متحف يجسد حكاية شعب, ليظل شاهداً على أعظم قصة حب للوطن، حيث تدفقت الأحلام من قاعات ذلك المنزل التى تريد تحقيق الحرية للوطن المغتصب من قبل الاحتلال الإنجليزى, فشهدت جنباته أول خروج للمرأة عن المألوف والتقاليد فى ذلك الوقت، وهروبها من سجن الحرملك.

وفى جولة لـ "الهلال" بالصور داخل بيت الأمة حاولنا رصد تاريخ أمة رفضت الخضوع للاحتلال تحت قيادة زعيم من أعظم زعمائها.

 فنلاحظ أن المنزل على حالته لم يتغير فيه شيء سوى دهانات الحوائط وتغيير الستائر فقط, فهو مبنى على الطراز الفرنسي, ولكن الأثاث الذى جاء كله من باريس ما عدا غرفة الحرملك كما هو, أجريت عليه  بعض الترميمات فقط.

بداية الجولة

بعد العبور من بوابة التفتيش الأمنى تجد نفسك فى حديقة مكسوة بالأشجار والنخيل يتوسطها تمثال لسعد باشا زغلول نحته المثال الفنان محمود مختار تحيط بالمنزل من كل جوانبه، أضفت عليه مزيداً من الرسوخ والازدهار بالرغم من مرور كل تلك السنوات.

داخل المتحف.. كريستالات وحكايات

 بمجرد أن تدلف إلى داخل بهو المنزل تجد قاعة خُصصت للطعام منقوشة جدرانها يدوياً بالزيت لذلك لا تزال محتفظة بطلائها كما هو فتتوسطها طاولة الطعام التى صنعت من أرقى أنواع الخشب "الخشب الماهوجنى" ويحيطها كراسي خشبية حيث كان يجلس زعيم الأمة على رأس المائدة وزوجته ورفيقة مشوار كفاحه السيدة صفية زغلول تجلس على يساره، وعلى يمينه يجلس سعيد ورتيبة ابنا أخت الزعيم حيث توليا تربيتهما, فرتيبة هى والدة عملاقي الصحافة  مصطفى وعلى أمين مؤسسي "أخبار اليوم العريقة", حيث عاشا لبعض الوقت فى هذا المنزل لصلة القرابة التى تربطهما مع سعد باشا زغلول؛ وفى ركن من أركان الغرفة تطالعك طاولة صغيرة لشرب الشاى والقهوة، فقد كان من المتعارف تجاذبهما لأطراف الحديث حولها أثناء تناول القهوة.

تلك الطاولة بجانب باب يخرج بك إلى جزء منفصل من البيت يسمى السلاملك يحتوى على ثلاث غرف, غرفة تسمى بـ "غرفة استقبال الوفود" حيث كان يلتقى الوفود العربية والأجنبية بها, والحجرة الأخرى "المكتبة" حيث تحوى 4800 كتابًا تقريبًا , والحجرة الثالثة حجرة المكتب الصيفى. ولا يمكنك ترك غرفة الطعام دون أن يثير انتباهك تلك الخزانة الخشبية التى يلمع داخل زجاجها مجموعة من الأكواب الكريستالية النفيسة التى لا تزال باقية لتحكى رشفات من تاريخ الزعيم.

وفى الجهة المقابلة لغرفة الطعام غرفة أخرى شهدت على التاريخ العظيم الذى مرت به مصر وأهلها من أحداث غيرت مجرى التاريخ كان نساء مصر هن السبب فى تعديل ذلك المجرى الذى تدفق بثورة 1919، وهى غرفة الصالون الصغير والتى كانت مخصصة لاستقبال السيدات من ضيوف السيدة صفية زغلول من ضمنهن هدى شعراوي وأم كلثوم, وتغطي حوائط الغرفة العديد من اللوحات التى تضم شخصيات مختلفة, على رأسها لوحة للزعيم سعد زغلول وبجانبها لوحة أخرى لـ مصطفى باشا فهمى والد صفية زغلول.

والذى كان رئيساً لوزراء مصر 14عامًا، ولوحة لوالدة صفية هانم زغلول , السيدة أسائش هانم.

الصالون الكبير

ثم يلى تلك الغرفة، غرفة الصالون الكبير والتى كانت مخصصة لاستقبال ضيوف سعد باشا من الرجال, الغرفة لا تخلو من لوحة للسيدة صفية سعد زغلول كشأن كل غرف المنزل، وفى هذه الغرفة صورة فوتوغرافية معلقة على الجدار لها بجانب صورة للزعيم سعد باشا زغلول، بجانبها سجادة عليها صورة الزعيم مهداة من ملجأ للأيتام الأرمن فى الإسكندرية بعد وفاته بأربعين يوماً لتعبر عن حب الزعيم من كل الفئات حتى غير المصريين.

ويصل الزائر بعد ذلك إلى حجرة مكتب سعد باشا الشتوى التى لها مدخل خاص بها منفصل عن المنزل تتوسطها مرآة من الزجاج البلجيكى, وتتزين حوائطها بلوحات لزعماء الوفد ولزعيم الأمة.

وأمام المكتب دولاب صُفت بداخله مجموعة لأدوات صيد "الغابات" مهداة من إمبراطور الحبشة لـ الزعيم سعد زغلول.

وقبل أن تأخذك قدماك إلى الصعود على "درج" المنزل للطابق الثانى تقع عيناك على مصحف كُتب بخط اليد خصيصاً للزعيم من قبل شخص يدعى حسن صدقي

وفى الطابق الثانى لا يمكنك الدخول إلى غرفة نوم الزوجين دون المرور بغرفة ملابس السيدة صفية هانم والتى بها كل ما يخص السيدة صفية من ملابس وأحذية ومراوح اليد وزجاجات عطرها والجرامافون والردايو كل ممتلكاتها الشخصية , والجدير بالذكر أن المنزل يحوى كل ممتلكاتهما الشخصية لا ينقص منه شيء على غرار المتاحف الأخرى لم يفقد شيئا مما كان موجودا من زمن ساكنيه قبل تحويله إلى متحف.    

فقد حافظت زوجته المحبة على غرفة نومهما كما هى حين لفظ أنفاسه الأخيرة حتى الدورق والكوب بجانب سريره المغطى بعلم مصر, حين كانا فى حياة صاحبهما تركتهما فى مكانهما كأنه لم يغادر. 

وفى المقابل حجرة الحرملك الوحيدة المصنع أثاثها من الأرابيسك المطعم بالصدف والعاج ذى الطابع المصرى, والتى كانت تلتقى فيها السيدة صفية هانم سيدات العائلة وزوجات أعضاء حزب الوفد واتخذت منها أيضًا غرفة عمليات أدارت منها محاولات لمشاركة المرأة فى العمل السياسي وتغيير نظرة المجتمع لها, حتى جاءت اللحظة الحاسمة والتى خرجت من هذه الغرفة وهذا المنزل أول سَرية فى ثورة 1919 مكونة من مئة امرأة فكانت الشرارة الأولى للثورة من النساء. 

ويطالعك فى جانب الغرفة دولابًا خشبيًا احتفظت بداخله إدارة المتحف بمجموعة من الفازات عددها ست صممها خصيصاً "نسخة واحدة" للزعيم الفنان الفرنسي جارى.

وفى مقابل غرفة الحرملك غرفة المعيشة ومكتبة السيدة صفية زغلول وهى مكتبة مختلفة ومنفصلة عن مكتبة سعد باشا حيث كانت تجلس على مكتبها فى تلك الغرفة لتراسل الزعيم فى منفاه.

لفظ "حريم" الذى كان يطلق على المرأة قبل ثورة 1919 ومعاملتها على أنها كائن من الدرجة الثانية جاءت الثورة وغيرت ذلك المفهوم ليظل متحف بيت الأمة شاهداًعلى انطلاق حريات المرأة المصرية لأول مرة فى تاريخها حيث شهد كل تلك المتغيرات, بتلك الكلمات بدأت الدكتورة إخلاص فواز مدير متحف سعد زغلول حديثها معنا أثناء الجولة...

فتقول فواز تلك الطوابق الثلاثة شاهدة على مسرح أحداث كثيرة فقد ألف هذا المنزل بين عنصرى الأمة مسلمين وأقباط , فتشير فواز بيديها إلى غرفة الحرملك , وتقول: هنا حاكت صفية زغلول بيديها علم مصر الذى كان يحمل الهلال يحتضن الصليب بمساعدة زوجات صديقي الزعيم, سنيوت وحنا ليصبح رمز الثورة وشعارها, فأثناء الثورة العرابية أصدر السلطان التركى فرماناً بأن من يساند عرابي يصبح خارجاً عن الدين لذلك تفادى سعد ذلك وألف بين أقباط مصر ومسلميها لتصبح "مصر للمصريين".

فمنذ ثورة عرابي وسعد زغلول كاد يصيبه اليأس من الوصول لسبب فشل الثورة العرابية حتى أدرك أن عدم تعليم الشعب هو السبب فعندما تولى وزارة المعارف أنشأ مدارس غير تابعة للحماية البريطانية, وساهم فى سفر الطلبة فى بعثات إلى الخارج لتلقى العلم والدراسة, منهم من شارك معه بالثورة وعلى رأسهم ( أحمدماهر, محمود النقراشي, محمد شرارة).

وفى الوقت التى كانت المرأة حبيسة الجهل طالب هو بتعليمها وشجع على مشاركتها فى الثورة, حتى أن صفية هانم قالت : إن من أهم أسباب نجاح الثورة هو مشاركة المرأة المصرية فيها.

وأضافت فواز أن بيت سعد باشا زغلول الذى تم البدء فى بنائه عام 1901 واستغرق الانتهاء منه عامين حتى 1903, كان على حسابه الشخصى وكلفه خمسة آلاف جنيهاً تقريبا فى ذلك الوقت حيث تبلغ مساحته كاملاً بالحدائق حوالى 3080 م ، وتبلغ مساحة المنزل كمبنى فقط 596م.

فتم تحويل المنزل إلى متحف عقب وفاة السيدة صفية زغلول بكل مقتنياتهما الفنية والشخصية, حيث يضم المتحف حوالى 750 قطعة فنية بينها لوحات فنية لأشهر الفنانيين  ( أحمد عبدالغفار, يوسف طاهر, يوسف كامل, وراغب عياد)، ومجموعة كبيرة من المجوهرات والنياشين التى تقلدها الزعيم حوالى 16 نياشاناً من الذهب وثلاث بدلات تشريفة له. وكل ملابسه ومقتنياته الشخصية هو وزوجته السيدة صفية هانم زغلول.

    الاكثر قراءة