الإثنين 1 يوليو 2024

السجون في أفريقيا..عندما يخرج الإبداع من خلف القضبان

فن15-10-2020 | 14:21

قد نسمع كل يوم عن عدد من الجرائم تجتاح قارة أفريقيا، قد تكون عن عمد أو عن غير عمد، نتيجة ظروف مجتمعية عانت منها القارة السمراء لعقود وعقود، نتيجة جهل، وفقر، ومرض، أو موروثات، وتقاليد، وأعراف دموية، وغير واعية، لتواكب العصر الحديث.

وعلى الرغم مما تعاني منه السجون الأفريقية من إهمال، ونقص إمكانيات، وضعف للحماية، وأحيانا غياب للقوانين، إلا أن عددًا من الدول الأفريقية تحظى باهتمام منظمات حقوقية غربية كثيرة، وتلاقي الدعم المطلوب من توفير أغذية، وخدمات، وملابس، وخدمات صحية إلى غير ذلك، فضلا عن دور الجماعات التبشيرية التي اجتاحت القارة السمراء توازيا مع القوات الاستعمارية إلى الآن، والتي تقدم خدماتها، ودعمها للقبائل المختلفة هناك لكي تساعدها على الوصول إلى المساجين، ومساعدتهم، وتوصيل رسائل دينية موجهة لهم.

وتصنّف العديد من السجون الأفريقية كأخطر السجون علي الإطلاق، وأكثرها وحشية، كسجن جنوب أفريقيا "كيب تاون" و "نيجيريا" و"بنين" و "رواندا"، التي تنتشر بها كافه أنواع الأمراض داخل السجون، وتنتشر الرشاوى و حالات القتل، وفساد الحراس المتواجدين داخل السجون دون رقيب أو حسيب، فضلا عن انتشار العصابات داخل السجون، فإذا أردت البقاء حيّا لابد من الانضمام إلى إحدى هذه العصابات، وطاعتها، كذلك انتشار الشذوذ الجنسي، والفئران، وغيرها من متسببات الحياة القاحلة السواد من سوء نظافة،  وغيرها الكثير، التي لا تراعي حقوق الإنسان في التعامل الآدمي من استخدام وسائل التعذيب، والإهانة التي قلما يحتملها بشر أيًا كانت خطيئته.

ومن أشهر الوقائع التاريخية التي لن ننساها جميعا وكان لابد من ذكرها، سجن "نيلسون مانديلا" الذي يقع بجزيرة "روبن" وفي مدينة "كيب تاون" بجنوب أفريقيا، والتي اشتهرت بسبب وجود هذا السجن بها، حيث لا يوجد على سطح الكرة الأرضية من لم يسمع بشكل أو بآخر عن الزعيم المناضل نيلسون مانديلا، الناشط السياسي الذي قاوم السياسة العنصرية، والتمييز اللوني، والعرقي، لسنوات، وسنوات هو، وزملاؤه، والذي نجح بعدها في أن يصبح أسطورة العدل، والمساواة بين البشر الأبيض والأسود، حتى أصبح السجن مزارًا شهيرًا يزوره الملايين سنويا، كذلك المحاجر التي عمل فيها مانديلا وزملاؤه أثناء وجودهم بالسجن.

وبعد ٢٧ عامًا من النضال، والسجن بجزيرة "روبن" حصل مانديلا على الحرية له ولشعب جنوب أفريقيا، حتى تحول من معتقل شهد الظلم، والاستبداد، والتعذيب، والتفرقة العنصرية التي تعرض لها كل من عارض نظام الفصل العنصري، إلى مزار سياسي، ورمز لانتصار الإرادة، والروح الإنسانية، ليس فقط لجنوب أفريقيا، بل للعالم كله.

وكان مانديلا أول من تحدث عن ظروف السجناء ودافع عنهم، وعن ظروفهم الصعبة مِن مَن يعملون في المحاجر، ولم يكن هناك كساء كافٍ، فضلا عن سوء التغذية، وانتشار الأمراض، وغيرها، وبعدها أصبح السجناء السابقون أدلة سياحيين، يروون ظروف سجنهم القاسية، لتكون عبرة يسجلها التاريخ مدى الحياة.

ولكن للألم جوانب أخرى مضيئة قد تكون كطاقة نور خلف الأسوار الحديدية، والجدران المتعالية للسجون الأفريقية،التي يستخدمون بها وسائل التأهيل المطلوبة للسجين، ويتعاملون بآدمية نصت عليها الأديان كافة، حتى يتم تأهيلهم، ودمجهم في المجتمع ليستفيدوا من أخطاء الماضي، ويبدلون شخصيتهم إلى أفضل حال، وهذا ما يحدث بالفعل في عدد من السجون، فمثلا بالمغرب يدربون السجناء على كرة القدم وتكوين فرق تحاكي كأس أفريقيا لدمج السجناء عبر الرياضة، ونسيان عزلة الأسوار، ووحشية الزنازين، كذلك "كينيا" التي تنظم عددا من الدورات التأهيلية للسجناء خاصة السيدات، لدمجهن في عدد من الأنشطة، منها كرة القدم، والكرة الطائرة، والرسم، ودورات تثقيفية لتطبيق الفلسفة العقابية الحديثة، بتحويل النزلاء إلى منتجين أثناء فترة عقوبتهم، لإعادتهم إلى مدارج المجتمع كمواطنين صالحين.

وكذلك تتبع عدد من الدول الأفريقية إدماج السجناء في أنشطة لإخراج طاقاتهم السلبية، وتشجيعهم على الإبداع من تشجيع الرياضة، و الرسم، والقراءة، لزيادة الثقافة، والوعي، وأيضا توفير برامج للإنتاج في عدد من المشروعات منها الزراعة، والإنتاج الحيواني، و الفنون الخشبية، والفخارية، وغيرها.

ودائما ما يكون هناك عدد من الجهات الرقابية التي تضمن جودة الخدمات للسجناء، وتطبيق البرامج التأهيلية المتاحة، حتى تواكب العصر، وتوفر حياة مختلفة للسجين، ليخرج إلى المجتمع دون عُقد، أو كراهية، أو عنف، لضمان عدم تكرار جرائم قام بها في الماضي، وذلك ضمن خطة المنظمات للقضاء على الجريمة، وتقليل انتشارها، منها الأمم المتحدة، والصليب الأحمر، والعديد من المنظمات الداعمة لحقوق الإنسان.

وأخيرا، ليس بالغرض من تأهيل السجين ترفيهه، أو تدليله، ولكن الهدف أسمى وأعمق من ذلك في إعادة تغيير فكره وسلوكياته حتى يسهل دمجه في المجتمع، حين تنتهي مدته المقررة، فقد كفلت كافة قوانين حقوق الإنسان المعاملة الكريمة، وضرورة إعداد برامج توعوية، وتأهيلية للسجين بكافة الأنشطة المتاحة، من زيادة القراءة، والثقافة، وتنمية الخيال، والإبداع، حتى يكون في النهاية كـ"طاقة نور" تغير نحو مستقبل أفضل، وودّع الماضي الأليم إلى الأبد.