إعداد وترجمة: رفيدة جمال ثابت
لا شك أن أزمة جائحة كورونا قد ألقت بظلالها القاتمة على مختلف جوانب الحياة، ومن بينها صناعة الكتاب. فالتدابير الاحترازية، والوسائل التي اتخذتها دول العالم للتقليل من فرص الإصابة بفيروس كوفيد 19، ومن بينها إغلاق المكتبات ومحلات بيع الكتب وإلغاء معارض الكتاب الدولية، كل ذلك انعكس تأثيره على صناعة الكتاب ونشره ومبيعاته. وهذا المقال يرصد كيف أثّر فيروس كورونا المستجد على صناعة الكتاب في بعض دول العالم.
في الولايات المتحدة أُلغيت معارض الكتاب، ومن أهمها معرض بوك إيكسبو، الذي يُعَدُّ أكبر معرض سنوي للكتاب في أمريكا. وكتبت جنيفر مارتن منظمة الحدث على الموقع الرسمي للمعرض تقول: "حيث إن الجائحة مستمرة في التصاعد في الولايات المتحدة، وألقت بتحدياتها على صناعة الكتاب، فمن الواضح أن عام 2020 لم يعد خيارًا صالحًا للصناعة".
لقد جاء إلغاء هذا المعرض بمثابة ضربة قاسية لصناعة الكتاب. فالأزمة الصحية العالمية، وما ترتب عليها من السقوط الاقتصادي، وَجَّهَتْ ضربتها للنشر في توقيت هادئ وقوي نسبيًا. وطبقًا لاتحاد الناشرين الأمريكيين، شهد عام 2019 ارتفاعًا في المبيعات الإجمالية لجميع فئات الكتب، لكن هذه المكاسب تتلاشى الآن، حيث يواجه باعة الكتب مستقبلًا اقتصادًا مقلقًا وقاتمًا. يقول ميتشل كابلان، الذي يدير سلسلة محلات بوكس & بوكس الأمريكية: "إذا أغلق موزعو الكتب، سيكون ذلك بمثابة كابوس لنا". أما أليكساندرا أُلتر الكاتبة في مجلة نيويورك تايمز فتقول: "يحاول الناشرون إرجاء إصدار عشرات الكتب إلى فصليْ الصيف والخريف، على أمل أن يخبو انتشار الفيروس حينئذٍ، وتعيد محلات الكتب فتح أبوابها، ويكون في مقدور الكُتَّاب القيام بجولاتهم وترويج كتبهم".
على صعيد آخر، أورد موقع دويتشه فيله أن محلات الكتب الألمانية أعادت فتح أبوابها مجددًا منذ 20 إبريل. ويُقَدِّر اتحاد الناشرين وباعة الكتب الألمان الأضرار المالية التي ألمَّت بصناعة الكتاب في الأسابيع الأربعة للإغلاق بنصف مليار يورو (وهو ما يوازي 543 مليون دولار). يفترض ديريك ريم، وهو أحد العاملين بدار نشر ريبرودكت المستقلة، أنه حتى إذا أعادت محلات الكتب فتح أبوابها فلن تتحسن المبيعات بسرعة، "فليست هناك حركة عامة؛ إذْ إن العديد من الناس ينتابهم القلق بخصوص صحتهم وينفقون أموالًا أقل". وما زالت الأحداث الأدبية الكبرى ممنوعة في ألمانيا حتى 31 أغسطس. لذا يرى ألكسندر سكيبس، مدير عام الاتحاد، أنه ينبغي للحكومة الاستمرار في توسيع دعمها للنشر والكتب.
لكن هناك بريق أمل ما زال يلوح في الأفق؛ فمن المُزمع إقامة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في أكتوبر كما هو مخُطط. تقول كاثرين جرون، المتحدثة الرسمية للمعرض: "لا يمكننا أن نتخيل في هذه المرحلة ما الذي سيبدو عليه بالضبط معرض الكتاب الثاني والسبعين حينها. على كل حال، سيكون معرضًا مختلفًا، وهذا واضح بالفعل".
ولا يختلف الحال كثيرًا في فرنسا، فشركات النشر الفرنسية تواجه مشكلة دفع الرواتب وتوقيت إصدار الكتب، والخيارات الرقمية. تكتب أوليفيا سنايجي في مجلة (بابلشينج برسبكتيفز) أن دراسة أجراها اتحاد الناشرين الفرنسيين في عام 2019 توضح ارتفاع شهرة الكتب الصوتية. وبالتأكيد، مع القيود التي استتبعتها الجائحة على سوق الصناعة الورقية، فمن المحتمل أن ينتعش سوق الكتب الصوتية في فرنسا.
وفي إسبانيا، صرح اتحاد نقابات الناشرين الأسبان أن سلسلة إمداد النشر بأكملها على المحك، حيث جاء في البيان الذي صدر عن الاتحاد: "يَوَدُّ باعة الكتب والناشرون والموزعون التعبير عن قلقهم، بخصوص التبعات التي ألقتها الأزمة على القطاع، ويتخوَّفون من خطر حقيقي عندما يعجز العديد من الشركات المكونة لنسيج القطاع عن التغلب على الصعوبات الاقتصادية التي نجمت عن هذه الأزمة الصحية". وطبقًا لموقع (بابلشينج برسبكتيفز)، ناشد الاتحاد الحكومة الأسبانية بضرورة مساندة مشروعات قطاع النشر "لتحاشي الأضرار المتعذر إصلاحها، التي ألمت بالمشهد والتراث الثقافي الأسباني". وأردف البيان أن باعة الكتب والناشرين والموزعين "يرغبون في توضيح أنه بالرغم من قيود الحركة، وما ترتب عليها من قراءة الكتب في المنزل، فإن ثمة وسائل أخرى تتيح القراءة". وحول ذلك يشير الاتحاد إلى موقع ( تودوس توس ليبروس) ، وهو موقع عام على الإنترنت للكتب التي تُباع في أسبانيا وأمريكا اللاتينية، بفهرس يحتوي على أكثر من 1.5 مليون كتاب.
وقد ناشد اتحاد الناشرين الأوربيين دول الاتحاد الأوربي بضرورة مساندة قطاع النشر. وجاء في رسالة وجهها رودي فانشونبيك، رئيس الاتحاد، في 7 إبريل إلى وزراء الثقافة في كل دول الاتحاد الأوربي، بالإضافة إلى أيسلندا والنرويج: "نحن، ممثلي الناشرين الأوربيين، الصناعة الثقافية الأولى في أوربا، نودُّ إعلامكم كيف تضرر قطاعنا بشدة جراء هذه الأزمة. فقد أُلغيت كتب جديدة؛ مما عاد بتبعات خطيرة على الكُتاب والمترجمين والمحررين، وأُغلقت محلات الكتب. وبينما يحاول باعة الكتب إيجاد حلول ذكية لتوصيل الكتب، وبرغم ارتفاع المبيعات الإلكترونية، فإن ذلك لا يحل محل المبيعات المفقودة في المحلات. لقد عانى القطاع بالفعل من خسارة مرتفعة تقارب 25% من جملة المبيعات المقدرة لعام 2020. وبرغم هذه المصاعب المالية واللوجستية الخطيرة، يساند الناشرون الأوربيون المجتمع الدولي بشكل عام، وكذلك مجتمعهم الأوربي، بالكثير من المبادرات خلال الأزمة. ومن أمثلة ذلك، الحملات الترويجية التي جاءت تحت شعار "القراءة في المنزل"، التي أطلقها الناشرون التجاريون، وكذلك مساندة محلات الكتب، وقيام العديد من الناشرين التعليميين بتقديم الدعم إلى المدارس، سواء عن طريق المحتوى التقني أو المنصات التعليمية، وغيرها". ويناشد فانشونبيك دول الاتحاد الأوربي بتقديم "مساعدة ملموسة وعاجلة". كما يقترح في خطابه خمسة محاور يدعو وزراء الثقافة في دول الاتحاد الأوروبي للعمل بها، وهي:
1- تمويل البرنامج الأوربي للإبداع بشكل كامل، مثلما طالب البرلمان، بالإضافة إلى تخصيص بند ميزانية للكتب.
2- رفع الضمان المالي المُخَصَّص للقطاعات الإبداعية، وذلك من أجل تغطية حاجات السيولة العاجلة للمشروعات في سلسلة قيمة النشر.
3- ضمان أن الأموال التي عهد بها الاتحاد الأوربي للمساعدة في الأزمة تتضمن أموالًا مُخَصَّصَة لقطاعات الثقافة، من بينها قطاع الكتاب.
4- تقديم الدعم المالي لسلسلة القيمة للكتاب، للمساعدة في تغطية الآثار المباشرة للأزمة.
5- زيادة الاستثمارات العامة في شراء الكتب للمؤسسات، ولا سيما المكتبات، من أجل استعادة استمرارية القطاع.
كما ناشد الاتحاد الدولي للناشرين حكومات العالم بمساعدة تجارة الكتاب الدولية، وذلك باستخدام برامج وأنشطة تحفيزية اقتصادية خلال جائحة كورونا. فقد وجه جون ديجين، رئيس الاتحاد، رسالة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب (الموافق 23 إبريل) جاء فيها: "إن الكتب تحتاج إلى مؤلفين لكتابتها وشرحها، وناشرين للاستثمار فيها، وباعة كتب لتوصيلها إلى القراء، ومنظمات إدارية جماعية لحماية حقوق الملكية الفكرية. وهذه السلسلة المهمة والحيوية للمجتمع، باتت تحت تهديد وشيك". ويستأنف البيان: "لفيروس كوفيد 19 عقبات وخيمة على الناس أجمع في كل مكان. ولا أحد يعرف على وجه الدقة متى ستعود الأمور إلى طبيعتها مجددًا، أو إن كان ذلك ممكنًا. والتأثير على الصناعات الإبداعية للعالم، بما فيها قطاع الكتاب، كان مدمرًا. إن صناعتنا تجاهد للتنفس في العديد من البلاد، وينبغي علينا إيجاد الوسائل لضمان مستقبل الكُتّاب والناشرين والمحررين والمصممين والموزعين وباعة الكتب، وجميع من يعملون في الإدارة الجماعية، حتى تعود صناعة الكتاب مجددًا وتقف على قدميها متى سيطرنا على هذه الجائحة. إن عالمًا بدون كتب جديدة سيكون مكانًا حزينًا خاويًا. نحن نعمل جاهدين للخروج من هذه الأزمة، لكننا نحتاج المساعدة حتى ننجو. نحن بحاجة إلى دعم الحكومات للخروج من هذه الأزمة معًا". وقد وقع هذا البيان أيضا الاتحاد الأوربي والدولي لباعة الكتب، والمنتدى الدولي للمؤلفين، والجمعية الدولية للناشرين العلميين والتقنيين والطبيين، والاتحاد الدولي لمنظمات حقوق الاستنساخ.
ختامًا، ربما كان تأثير هذه الأزمة كبيرًا على صناعة الكتاب، لكنها ستنتهي في آخر المطاف، مثلما انتهت غيرها من الكوارث والأزمات السابقة، وتعود الحياة إلى طبيعتها، وينتعش سوق الكتاب مجددًا.
نشرت الترجمة بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 44 - مايو 2020