تحت سماء سيناء الصافية وبين غبرة
الصحراء وقسوتها هناك عادات وتقاليد لدى البدو توارثوها عن الأجداد منذ زمن طويل
حيث نشأت بعيدة عن مظاهر الحضارة الخداعة، التى لا تتقبلها روح البدوى وطبيعته
التى فطر عليها، ويحضرنى فى ذلك قصة واقعية عندما لبيت دعوة صديقتى البدوية على
مأدبة طعام بإحدى المناسبات، وعندما اقتربت من الخيمة تنامى إلى مسامعى أصداء
موسيقى بدوية متداخلة مع أصوات وضحكات الأطفال البريئة الذين كانوا يلعبون خارجها،
وما أن دخلت الخيمة داعبتنى رائحة الطعام الذكية الصادرة عن الشواء وتراقص لحم
الخراف على النار ولا أخفيكم سراً إننى كنت لا أطيق صبراً على الانتظار.... ومرت
دقائق كأنها ساعات حتى نضج اللحم وبدأوا بوضعه على صوانى الفطير والأرز ثم رش
المكسرات عليها، لقد أعجبنى منظر الصوانى الشهية بما فيها مما لذ وطاب ولكن ما
أعجبنى أكثر هو آداب المائدة، أو بمعنى أدق "الإتيكيت البدوى"
ومنها.
أأن البدوى يحرص على غسل يديه قبل الأكل، ويقدم
الماء للضيف للقيام بهذه العادة، ويتأكد من جلوس الأكبر سناً أولاً على المائدة ثم
الأقل سناً، ويقدم للضيف القهوة العربية المرة قبل الأكل وبعده، كما يحرص على وجود
إناء الشرب بجوار المائدة ويقطع اللحم أمام الضيف ويحثه على تناوله، ويظل النساء
والأطفال قائمين على خدمة الضيوف حتى ينتهوا من طعامهم، ويأكل البدوى مما يليه ولا
يمد يده أمام غيره، ويأكل بيده اليمنى، ويسمى من يأكل بكلتا يديه
"المهلوم"، ومن المضحك أن يأكل البدوى بملعقة.
ومن عيوب الطعام أن يقدم ساخناً جداً أو بارداً
جداً أو زائد الملوحة ويقال " أعذب الرجال، ولا تملح لها" أى أن يكون
الطعام عذباً وليس مالحاً، واعتاد البدو ألا يأكلوا الكراش والرأس والأرجل ويرون
أن ذلك لا يجوز للبدو الأحرار ويعيرون من يأكلها، ويقولون كل أكل الجمال، وقم قبل
الرجال، أى كل بسرعة وبكثرة مثل أكل الجمال، ويحرص البدو على تلافى الأكل أو الشرب
بصوت مسموع واستهجان من يأتيها.
وعندما انتهيت من الطعام ودعت صديقتى، وأثناء
عودتى لم يفارق فمى مذاق الطعام الشهى، ولم ولن يفارق ذاكرتى تمسك البدو بتقاليد
قل ما توجد فى المجتمعات المعاصرة بحكم ما فرضته قسوة الصحراء وشمسها الحارقة إلا
أن تمسك البدو لتلك العادات خفف من حدة هذه القسوة.