عقب نجاح فيلم الممر ومسلسلات الاختيار وكلبش والزيبق، وجد صناع الأعمال
الفنية ضالتهم في العودة بقوة لإنتاج هذه الأعمال، وتقديم نماذج مشرفة للشباب
المصري؛ ليكونوا قدوة لهم.
ومع تنامي الأخطار الخارجية أصبح تكثيف إنتاج هذه الأعمال أمرًا ملحًا
لدرجة أن هناك العديد من الأعمال التي يتم التجهيز لها حالياً كـ«هجمة مرتدة
والاختيار 2 والممر 2» وغيرها من الأعمال التي تعيد الفن لدوره المأمول.
وناقشت مجلة «الكواكب» -في عددها الأخير - مع المتخصصين ظاهرة عودة هذه
الأعمال ومدى ضرورتها الملحة في الوقت الراهن، أمام التحديات التي تواجهنا من آنٍ لآخر.
ترسيخ الانتماء الوطني
في البداية أكد النجم أمير كرارة
أن مسلسلي «الاختيار» و«كلبش» رسخا لكل قواعد العمل والواجب الوطني، وعبرا
عن المبادئ الإنسانية والاجتماعية التي مست كل أطياف المجتمع، خاصة أن قضية هذه
الأعمال ترسخ للقيم الثابتة للانتماء والوطني، ولأنها قدمت بصدق مست قلوب ومشاعر
الناس ووجد منها الشباب نموذجا و قدوة ساروا علي دربها وهذا سر نجاحها، فأي عمل لكي
ينجح لابد أن يتوقف على مدى صدق المشاعر في تحديد الرسالة وهدفها وأتمنى تقديم
أعمال أخرى عن الوطن وقضاياه الاجتماعية والإنسانية وكل ما يهمه.
أما الفنان شريف منير فيقول: لا شك إن فكرة تزايد أعداد الأعمال الفنية
التي تتناول الجانب الوطني سواء كانت في
السينما أو الدراما التليفزيونية أمر يدعو للتفاؤل، وقد بدأ البعض يتجه الي تلك
الأعمال بعد ثورة ٣٠ يونيو، ولكن بفترة ليست بالقليلة فهذه الأعمال الوطنية ظاهرة
تستدعى التأمل والتأني في التناول، سواء كان على مستوى الكتابة أو الاستعداد
وتوقيت عرضها، فالقصص التاريخية والحكايات مليئة بمثل هذه الأحداث التي يجب أن
تخلد في أعمال فنية كحرب أكتوبر وحرب الاستنزاف وأحداث56 والعملية الشاملة في
سيناء إلى ما شابه ذلك من الأعمال التي تتناول كافة أحداثنا الوطنية، ولكن علينا
أن نضع عين الاعتبار في أن طبيعة هذه الأعمال يجب أن تقدم بشكل متوازن وبطريقة
محكمة وتوقيت محسوب وثابت، كتلك الأعمال الموجودة على خريطة هوليود بشكل ثابت.
استطرد قائلا:
فكرة استمرار وجود الأعمال الوطنية أمر مطلوب ولكن لابد أن تتم عملية تنظيم وجودها
على الساحة الفنية وتوقيت عرضها بالشكل الذي يليق بأهمية تناولها، فوجود عمل درامي
وسينمائي في العام قد يكون أمرا مقبولا لنا حتى يتأنى صناع هذه الأعمال في تقديم
وجبة وطنية مهمة تأثر في وجدان المتلقي، لأنها تعبر عن شعور وطني، فمثلا فيلمي «
ولاد العم» و»الممر» للمخرج شريف عرفة استغرقا وقتا طويلا فى التحضير مما ساهم في
تعزيز مشاعر الانتماء والولاء عند الجمهور، وبين الفيلمين سنوات كثيرة وكذلك
حساباتي كفنان في التحضير والمشاركة في الأعمال الوطنية تكون محسوبة، فمثلا سبق
وأن قدمت دور ضابط إسرائيلي فى فيلم «ولاد
العم»، بعدها حرصت على أن أتمهل في اختيار وإعداد أي دور وطني حتى أقدمه بما
يتناسب معه وبصورة لائقة.
التخوف من
الإيرادات:
أما المنتج والموزع هشام عبدالخالق أوضح قائلا: تقديم الأفلام الوطنية كان
مجازفة نظراً للتخوف من الإيرادات، خاصة أن تكلفة هذه الأعمال مرتفعة جدا مقارنة بنظيراتها
التقليدية، ولكني من محبي الأفلام الوطنية التي تعمل على تنامى الشعور والحس الوطني
عند المتلقى، فقدمت فيلم «الممر» بحس وطني وهناك شق أدبي نابع من داخلي أحاول به
تحقيق المعادلة بين هذا الشق والرؤية التجارية فى العمل وهى نظرية صعبة ولكنها
نجحت.
وتابع: هناك شق آخر أن الرقابة على الفيلم كانت متفهمة وساعدت على تنفيذ الفيلم وخروجه بالشكل الرائع،
خاصة كافة العناصر الفنية التي وجدت بالفيلم والمادة الخام التي قدمت كانت أداة
مساعدة لاحترام البعد الاجتماعي والعسكري للقضية فهناك ثقة من القيادات المعنية
عند صناعة العمل وتسهيل كافة الإجراءات اللازمة لمتابعة موضوع وطني كفيلم «الممر».
ويضيف:
تستهويني الأعمال العسكرية والوطنية وتخليد هذه الأعمال في ذاكرة الجمهور، وفى
رأيي أنها قد تزايدت ففيلم «الممر» قدم نموذجا لمجموعة من رجال الصاعقة المصرية في
حرب الاستنزاف، وعمل على زيادة الشعور الوطني عند جموع الجماهير، وقد كان النجاح
المعنوي أكبر بكثير من المادي في الفيلم، وفى المرحلة المقبلة لدى فضول وحب كبير
أن أخدم جيش بلدي بالتعبير عنه فى فيلم سينمائي.
بينما يقول الكاتب والسيناريست أمير طعيمة مؤلف فيلم «الممر»: اتجاه صناع
الأعمال الفنية للأعمال الوطنية بمثابة شعور وطني، لأننا في مرحلة تستدعى الوقوف في
ظهر الوطن ومساندته أمام العديد من المؤامرات الداخلية والخارجية التي تستهدفه بين
الحين والآخر.
واستطرد: هذه المرحلة خلقت حالة من الانتعاش عند المنتجين وصناع الفن
لتكرار التجربة وبالطبع الموضوع مفيد
ومجدٍ، ولكن يجب أيضا التنوع في تقديم الأعمال الفنية فقد يكون التزايد مستمرًا
وهذا أمر طبيعي، ولكن أتمنى ألا تكون القصص متشابهة وتقدم بشكل مدروس فيه تأنٍ لاسيما
أن طبيعة الأعمال الوطنية كـ«الممر» أخذت بمحمل الجد والأهمية التاريخية للحدوتة
الدرامية فهو أبعد ما يكون فيلما ولكنه كان حالة خاطبت الوعى والحس الوطني وألهمت مشاعر الجماهير وجميع
أطياف وفئات الشعب.
وأضاف: وليس من الذكاء استنساخ الموضوعات التي تتناول موضوعا واحدا، ولكن
هناك موضوعات وطنية مختلفة وقصص مغايرة كأحداث ١٩٥٦ وثورات وحروب أخرى، مما يستوجب
التمهل ودراسة الموضوع بعناية فائقة فالموضوعات الوطنية تأخذ بمحمل الجد والأهمية
حتى تظل أرشيفا للجميع، فعندما كتبت فيلم «الممر» أقدمت على دراسات وأبحاث كثيرة
وكتب ومراجع متنوعة ومختلفة حتي يصبح نموذجا قيما يحترم عقلية الجمهور.
أما المؤلف باهر دويدار فأوضح قائلا:
في تاريخ الأمم توجد تحديات وأزمات يجب على القوى الناعمة مجابهتها وتخليد
أبطالنا وتمجيد رموزنا، وهذا الحذو كان يوجد منذ الفراعنة في زخرفة أبطالنا بنقوش
علي المعابد وفوزهم في المعارك في سنوات الحرب فالفكرة موجودة منذ آلاف السنين وكل
المعاني السامية والراقية موجودة في فننا
وتخليد أحداث تاريخية مهمة فالشق الحربي والوطني لابد أن يوجد طوال الوقت وهذه
ظاهرة صحية لتصحيح المسار في تناول مثل هذه الأعمال بشكل دائم.
ولابد أن نؤكد أن هناك حالة عطش للأعمال الوطنية التي تخاطب وجدان الجمهور
وتنمى وعيه وتنقل له أحداث ووقائع جنودنا على مدار التاريخ في الجيش والشرطة وكل
الجهات المعنية وما قدمته فداء لهذا الوطن، لذا كنت دائما أراعى وأقدم ذلك في كتاباتي فنحن في مرحلة تستدعى هذه النوعية من الأعمال كما أن التفاف الجماهير علي
مسلسل «كلبش» على سبيل المثال في أجزائه الثلاثة وكذلك مسلسل «الاختيار» أثبت
للعالم كله أن مصر حاضرة وموجودة بقواتها من الجيش والشرطة والقوة الناعمة
المتمثلة في الفن.
ويتفق معه في الرأي السيناريست وليد يوسف الذي قال: الدولة تعرضت لأوقات
عصيبة، ونوعية هذه الأعمال مطلوبة طوال الوقت، حيث تعزز من الانتماء والالتفاف
وتواجه الخونة والعدو المتربص بنا كلما أنجزنا وحققنا الكثير في مرحلة البناء
والتنمية، فمسلسل «الزيبق» على سبيل المثال حاولت فيه محاكاة وتعزيز دور الوطن عند
الجمهور والمشاهد المصري وكانت دراسة المشروع متأنية حول الهدف منه بحيث يتناول
قضية وطنية مختلفة ومتشعبة، فطبيعة الأعمال الوطنية لها طابع خاص منذ «جمعة
الشوان» و«الرصاصة لا تزال في جيبي» وغيرها فهناك أعمال وطنية لا يوجد بها خيال
مؤلف فهنا ننقل حدثا بحذافيره وأتمنى أن تستمر وتعود ولكن بدراسة متعمقة.
دعم الدولة:
ويرى الناقد طارق الشناوي أن مصر كانت مهددة من الداخل والخارج والشمال
والجنوب والشرق والغرب وتواجه مشاكل عدة بسبب استهدافها، فكان الشعور والضمير
الإنساني عند جميع صناع الأعمال الفنية أمر طبيعي، فهناك شعور وطني صاحبه تقديم
أعمال وطنية فأصبحت الأعمال الرائجة في السينما والتليفزيون.
وأضاف: كانت هناك حالة تعطش عند الجمهور، وكان على صناع هذه الأعمال تقديم
عمل ضخم يعزز فكرة الانتماء الوطنى عند الكثير، وهناك صدق لمسناه في المشاعر تجاه
الوطن من جانب صناع هذه الأعمال، اتضح جليا في أعمال مثل «كلبش» و«الممر»، ولكن
يجب تجديد القضية الوطنية فى الأعمال المقبلة وتقديم أعمال تفيد وتخدم القضية
الوطنية وهناك توجه من بعض المنتجين حول طبيعة هذه الأعمال التي يتحمسون لها، والدولة
هي الأخرى قدمت دورا معنويا بالمعدات والتجهيزات اللازمة لتنفيذ العمل الوطني.
وأكدت الناقدة ماجدة موريس أنه يجب أن تستمر الدولة في تقديم هذه الأعمال
الوطنية لأنها الأكثر دراية وإلمام بالحقبة التاريخية والأحداث، والسوق مفتوح للجميع
لكن لابد أن تخضع هذه الأعمال لإشراف الشئون المعنوية والجهات المختصة للقيام
بدورها والمهام المنوطة بها، أما فكرة التزايد المستمر والإقبال عليها فتعد ظاهرة
صحية، ولكن بوقت وفكر ودراسة، فبعض الأفلام حفر مساحات من المحبة والانسجام كفيلم
«الممر» وأذيع في القنوات الفضائية دون فواص لإعلانية، واعتبر هذا ذكاء عظيما ساهم
في تعزيز روح الانتماء للوطن كرد فعل على الخونة، والفيلم كان بالغ الأثر للجميع
ولكن يشترط قبل تزايد هذه الأعمال أن توضع قواعد للعمل المتخصص، بدءًا من الكتابة حتى
مرحلة التنفيذ وخروج المشروع للناس فالفن الجيد هو الذى يعيش، وأعظم تضحية يقدمها صناع الفن هو أن يخلدوا عملا فنيا بقبول
الجماهير.
وأشار الناقد عصام زكريا إلى أن تزايد الأعمال الفنية ارتبط بالتكنولوجيا
المتوفرة حاليا على الساحة الفنية ودعم القيادات من خلال توافر المساعدات المعنوية
التي تساهم في مثل هذه النوعية من الأعمال وتساعد في خروجها إلي النور بشكل لائق،
كما أن نجاح الأعمال السابقة كالممر دفع الجميع لتقديم أعمال وطنية بجرأة مثل
مسلسل «هجمة مرتدة» للنجم أحمد عز، فالجميع أصبح يريد الاطلاع علي تاريخ بلده من
خلال تلك الأعمال.