السبت 1 يونيو 2024

آرثر ميلر.. ضمير المسرح الأمريكي

فن17-10-2020 | 17:01

يشكل الروائي والكاتب المسرحي آرثر ميلر، واحدا من أهم الكُتاب المؤثرين في المسرح والسينما الأمريكية، وكذلك الأدب، على مدار ما يقرب من 61 عاما، الحائز على لقب رائد الدراما الحديثة من أسبانيا.

يعد "ميلر" من أبرز كتاب الدراما في القرن العشرين وأشهرهم على الإطلاق، حيث لاقت أعماله على المستوى العالمي شهرة واسعة وراج تقديمها على خشبات المسارح بعد ترجمتها للعديد من اللغات، كما دُرست مؤلفاته في أغلب الجامعات المتخصصة في دراسة الفن عموما والمسرح خصوصا، فما زلنا إلى يومنا هذا نشاهد على خشبة المسرح نص "كلهم أبنائي"، أو "وفاة بائع متجول"، وغيرهم برؤى متعددة ومنظورات مختلفة لما تحمله نصوصه من ثيمات متعددة ما زالت صالحة لتطرح في مجتمعات العربية والغربية أيضاً. 

بدأ "ميلر" حياته المهنية في عالم الكتابة المسرحية بعد سنوات الكساد التي سادت الثلاثينات وفيها اضطر "ميلر" إلى أن يمتهن الكثير من المهن والحرف الصغيرة كمصدر للحصول على المال، ومن ثم بدأ "ميلر" عقب تلك الفترة الكتابة الدرامية سنة 1938م فور تخرجه من جامعة ميتشغان، ولم تكن الكتابة الدرامية أولى خطواته في عالم الفن بل بدأ بالالتحاق في مجال الصحافة مع بداية التحاقه بالجامعة، ثم انتقل إلى الأدب الإنجليزي، وفي تلك الأثناء كان اهتمام ميلر منصبا حول الادب اليوناني القديم وكتابات هنريك ابسن والذي أصبح منهجه فيما بعد متخذا نفس المسار الذي سلكه الأخير، حيث الرغبة في إسقاط الضوء على النظم التي تقمع الانسان، وعليه قال عنه الكثير أنه امتدادا لأبسن.

دافع "ميلر" عن الحرية الفكرية وندد بكل أشكال القمع، وفي المسرح نادى بأن يكون المسرح للجمهور أي أنه في متناول الجميع، وكان دائما ما ينتصر لفكرة أنه على المسرح أن يطمس كافة الأشياء التي تفتقر إلى المعنى، كانت له آراءه السياسية اليسارية التي اشتهر بها، بالإضافة إلى اتهامه بالشيوعية في الخمسينات. كما اتخذ موقفا معاديا تجاه سياسة أمريكا الداخلية والخارجية بالإضافة إلى أوضاع المجتمع الأمريكي آنذاك، وليس هذا هو الموقف الوحيد الذي سجله سياسيا فقد تصدى أيضاً لحرب فيتنام، وكان أحد الناشطين في مجال حقوق الانسان، ونجد أن فلسفته ارتبطت بصراع دائم مع قيم الرأسمالية التي تُطيح بالمهمشين.

جاءت مسرحياته بقوة التراجيديات الكلاسيكية اليونانية، وقد تميزت كتاباته بالحدة في طرح الموضوعات التي تتناول إشكاليات الانسان المعاصر وخاصة الأمريكي، وقد كانت أعماله الأولى تحمل أثر بشاعة ما مر به أثناء أيام الكساد، كما تأثر بأفكاره الأشتراكية، كما أبدى إعجابه بالمسرح الثوري، كما اهتم بالنزعة الإنسانية في طرح موضوعاته، حيث شكلت مسرحياته نافذة يطل منها الجمهور على أوهام وأحلام ومعاناته الطبقة المتوسطة

كتب الكثير من النصوص المسرحية التي أحدثت صدى مدويا في أرجاء أمريكا آنذاك، كمسرحية وفاة بائع متجول والتي تعد نموذجًا كلاسيكيًا لدراما القرن العشرين، حيث تناولت نظرة ناقدة للحلم الأمريكي المتأرجح بين براثن الثقافة الاستهلاكية، من خلال الكشف عن طبيعة العلاقة بين ما هو فردي وما هو اجتماعي، ومسرحية كلهم أبنائي التي تدور حول صاحب مصنع باع للجيش الأمريكي أثناء الحرب العالمية الثانية قطع غيار لمحركات الطائرات تالفه، وفي عام 1949م مُنعت أي فرقة مسرحية من عرضها خارج الولايات المتحدة الأمريكي، المحنة، نظرة من الجسر وهي دراما شعرية ولكن اعتبرها البعض بعيده تماما عن قوالب الدراما الشعرية ولهذا تم تعديلها من قبل مؤلفها في العام التالي لتصبح دراما نثرية تتفق مع القوالب التراجيدية التقليدية، ومسرحية الرجل الذي كان ينعم بكل الحظ وهي أولى أعماله التي عرضت على خشبة مسرح برودواي، ومسرحية خلق العالم وأعمال الأخرى والتي تناولت ضراع الخير والشر من خلال آدم وحواء، في إطار كوميدي، وبسببها شُنت حملة أدبية ضده ميلر تسببت في ابعاده من الحياة الثقافية الأمريكية رغم تاريخه الفني الحافل وذلك عام 1972، أما مسرحية "الزجاج" فقد أعادت له اعتباره من جديد، أما أخر أعماله كانت "كوميديا إنها الصورة"، أما في عام 1978م.

قدم "ميلر" مجموعة من الأعمال أطلق عليها مقالات المسرح وقام بذاته بشرحها وقام بتحريرها أ. مارتن، لم تتوقف نصوص ميلر على التقديم على خشبة المسرح فحسب بل تحول الكثير منها إلى افلام سينمائية وحلقات تليفزيونية.

حاز ارثر ميلر على مدار مشواره الفني على الكثير من الجوائز منها: جائزة بوليترز وجائزة نقاد الدراما بالإضافة إلى جائزة آفري وود، وأيضاً جائزة توني، بالإضافة إلى جائزة القدس، جائزة المسرح من نادي القلم، وميدالية الفنون الأمريكية وبعد ان حصد الكثير من النجاح والاحتفاء انتهت حياته بشهر فبراير عام 2005، بعد صراع مع المرض، وبرحيله فقدنا رائدا من رواد المسرح العالمي في نفس اليوم الذي كان يصادف الذكرى السادسة والخمسين للعرض الأول لمسرحيته الشهيرة وفاة بائع متجول على خشبة مسرح برودواي.