الجمعة 31 مايو 2024

"وشيمة أهل «فيس بوك» التهويل".. من كتاب السيبراني لـ"أكرم القصاص"

فن18-10-2020 | 17:34

"الهلال اليوم"، تنشر فصلًا من كتاب "السيبراني.. أضغط هنا"، للكاتب أكرم القصاص. الفصل بعنوان "وشيمة أهل الفيس بوك التهويل"، وجاء فيه:

حار صيفاً بارد شتاءً افتراضي دائماً

«الدنيا حر موت»، «ماشوفناش حر زي كده»، «ياه الدنيا برد جدا».. أبرد سنوات القرن وأعلى درجات التجمد الافتراضي، جمل وتويتات وبوستات تنتشر في بدايات الصيف والشتاء، مع ما تيسر من حديث عن التكييف صيفًا، والكلسون شتاءً.. وشيمة أهل السوشيال ميديا «المبالغة».

اندلعت موجة باردة في البلاد، سبقتها موجة أكثر برودة على صفحاتنا وأوراقنا و«تويتراتنا وفيسبوكنا».. كأننا نتعرف على البرد للمرة الأولى، مع أننا ننتقل بين الحر والبرد منذ آلاف السنين، وذكرى الشتاء في العقود السابقة لاتزال حية، في الشتاء يكون البرد، وفي الصيف يكون الحر.. لكننا في زمن التهويل والتهوين لا بد أن نكون متفاجئين نقرأ «عشرميت» بوست يشكو أصحابها من البرد الزمهرير غير المسبوق، ويشرحون لنا عن حالاتهم، وكيف أنهم يعانون تكتكة الأطراف ورعشة الأجساد ويناضلون في مواجهة أعاصير تهتز لها الأشجار، وتنخلع لها القلوب وتطير منها العقول.

 «الدنيا برد موت»، بعد أن كانت «حر موت»، أيضًا كما ورد في البوستات الصيفية.. وتبدأ الحفلة على صفحات التواصل، ويستعرض كل واحد قدراته «المبالغاتية» في تأكيد أنه قادر على وصف البرد بشكل يصيب القارئ والماشي والعائد بالبرد والأنفلونزا.

ولزوم كل هذه النهنهة نرى صراعات وحربًا ضروسًا، بين محبي الصيف وعشاق الشتاء، ضمن الضجيج الافتراضي المعهود، تغذيها تقارير الأرصاد وتحذيرات الخبراء والأرصاد، وتتفاعل معها نهنهات الجميع، شكوى من الجليد البارد.

غالبًا من يكتب عن البرد، يفعل ذلك من مكان دافئ، لأن ملايين ممن تضطرهم ظروف عملهم للنزول، لن يجدوا رفاهية «التتويت والبوست» بحثًا عن « اللايك»، هؤلاء يعملون بصرف النظر عما إذا كانوا «لايك» أعمالهم أو لا، في البرد «تتيبس» الأطراف ويعجز الواحد عن امتلاك كل هذا الهدوء السيبرانى والصمت التفكري ليدبج «بوست» في مديح البرد والفرجة على زخات المطر تتساقط أمامه مطلاً على «بويداء» العالم من فوق.. وكثيرون ممن يشكون البرد، يكونون متدفئين جالسين بكل استقرار ليكتبوا ويستعرضوا مشاعرهم السيبرانية تجاه البرد والصقيع.. دعك من أننا في مصر نعيش أغلب الوقت في طقس معتدل، ربما لم يعد «حار جاف صيفًا دافئ ممطر شتاءً» كما كانت تخبرنا كتب الجغرافيا، لكن الجو العام معتدل أغلب فصول السنة، لكنها السيبرانية التي تحب المبالغة.

ملايين فرضت عليهم طبيعة عملهم أن ينزلوا ويشتغلوا، باعة وسائقون وصحفيون ومهندسون ومعلمون وتلاميذ، ودروس خصوصية.. فلاحون، وأطباء، وشحاذون، وعمال، ومن يتوتون- بلا حسد- جالسون في مواضعهم يعيشون اللحظة ويقدحون زناد أفكارهم، بحثًا عن إفيه أو تويتة تبلغ ذروة المبالغة ليحصل على لايك اللايك وشير الشير، لينضم إلى نجوم هجاء البرد أومديح الشتاء.

طبعًا هناك من يزيطون في الهيصة، ومن يحبون التنكيت والتبكيت، وهي عادة تنمو وتترعرع في سياقات النميمة المسائية والدردشة الصباحية.

كل سنة نقرأ هذا، ولا نعرف إن كان الشتاء موجودًا من زمان، أم أنه ولد فقط وترعرع مع «فيس بوك»، مثل الحر غير المسبوق، نقرأ عنه كل عام.. والمشترك الوحيد، هو المبالغة والتهويل يجعل «فيس بوك» باردًا ممطرًا شتاءً، حارًّا جدًّا صيفًا، افتراضيًّا طوال العام، مع أن بردنا وحرنا موجودان من زمان، ولم نكن نقول على «النت».

مركز تويتر لأبحاث الشتاء والبرد والعدس

لا مفر من التهويل والتهوين، فهما صفتان أساسيتان في العالم الافتراضي، ومن يتابع الأيام الأولى للبرد أو الحر، من تويتر وفيس بوك يكتشف أننا وصلنا فصل الشتاء في القطبين الشمالي والجنوبي معًا، واقتربنا من تساقط الثلوج فوق الجبل غير الموجود، من واقع بكائيات وأفراح الشتاء، هذا الوافد الجديد الذي نتعرف عليه في كل مرة لأول مرة، من آلاف التويتات والبوستات التي تشرح لنا عن حالات «المتوتين والمفيسين» وتثبت لنا أن الدنيا برد يلزمها عدس وسحلب.

وطبعًا لا يحلو عالم الافتراض إلا مع استعادة « شوية» تقارير تخرج مثل ملابس الشتاء منسوبة لمراكز أبحاث مجهولة تعلن أن هذا العام، إما أنه من أبرد السنوات خلال خمسة قرون، وإما أنه سيشهد مقابلة النجم التائه مع المذنب المسافر ليصنعا معًا شتاءً نوويًّا.. كل هذا فقط في شاشات موبايلات خبراء البرد والحر، وأصدقاء جمعيات الهواء الطائر.

طبعًا نحن لا نسخر من العلم ولا من أبحاث الطقس والفضاء، لكننا اعتدنا منذ ظهور عالم السوشيال، أن تتكاثر من حولنا الدراسات مجهولة المنشأ، تتبنى كوارث غرق الدلتا وانفجار الأرض وتصادم المذنبات، مع سلاحف المحيطات، ناهيك عن ارتباكات خروم الأوزون وتآكل الطبقات الشفافة من الغلاف الجوي، الأمر الذي يرفع الحرارة ويقربنا من انصهار الجليد واحتراق الأرض، ومن كثرة الأخبار والتقارير المضروبة التي تنتشر على مواقع التواصل يظل المواطن تائهًا بين التصديق والتكذيب لكل هذه الأبحاث والتقارير التي تخبره باقتراب نهايات وانفجارات وكوارث من كل لون.

ويمكن بسهولة أن نقرأ خبرًا منسوبًا لمركز أبحاث الشمس الكونية بالاشتراك مع مراكز البرد المتكتك يخبرنا بأن عام 2016 واحد من أبرد السنوات التي مرت على البشرية منذ أيام النجم المذنب وجائحة سقوط كتل الجليد فوق أروقة سقف الثقب الأرضي الرابع بعد الخامس.. أو نعرف أن علماء قشرة الأرض اليابسة يؤكدون أن سقف العالم في عام 2019 يكاد يلامس ظهر بطن القشرة الأرضية، «منطلقًا من موجات البرودة المبسطة، طالعًا من أحراش فتافيت الانفجارات التراتبية، التي تصنع موجات من البخار الصوتي تلتقي مع النيازك المتفسخة وتنتج برودة متعددة، خلاصة هذا غالبًا أننا نقترب من كارثة».

ومع أن بعض هذه الأبحاث، مزيف، أو منطلق من مواقع ساخرة، فإنها تجد طريقها للنشر وتمثل وجبات دسمة لخبراء التعالم الكوكبي، الذين هم غالبًا خبراء كل شيء، في الطقس والاقتصاد والسياسة، وحلويات مولد النبي، وهؤلاء مبالغ فيهم أساسًا، يعرفون أو لا يعرفون يقولون «عدس»، وربما سحلب، وبعد الكثير من اللت والعجن سوف يقولون إن الدنيا برد جدًا، ويكاد المتابع لا يعرف أين كان الشتاء قبل «فيس بوك».

 

عن الحر الحقيقي والافتراضي.. «الناس تويتات»

«الدنيا حر موت.. ماشفناش دا قبل كده.. الدنيا ولعة»، هذا وغيره كثير تردد على صفحات التواصل فيس بوك وتويتر في بدايات فصل الصيف، مصحوبًا بحالة من الضجيج الافتراضي المعهود، وطبعًا الأرصاد والتقارير وتحذيرات الصحة مهدت لهذه الحالة السيبرية الافتراضية.

والمفارقة من دون ادعاء أن أغلب، إن لم يكن كل، من كتبوا هذا، كانوا في مكان ظليل أو مكيف الهواء، طبعًا كان الشارع فارغًا، إلا من ملايين فرضت عليهم طبيعة عملهم أن ينزلوا ويشتغلوا، وليس من يعمل في تكييف أو مروحة مثل سيدة مضطرة تفرش بفجل وجرجير لتعود بجنيهات، رجل وحماره ينقل حمولة، سائقين ومعلمين وموظفين.

طبعا وإحنا قاعدين في تكييف أو ضل، بنتوّت وننفخ م الحر، واحدة فارشة بفجل عشان ملاليم، واحد سارح بحماره بيبيع بطيخ، عسكري مرور واقف في الصهد، أو جندي أمن واقف على بنك، ولا عساكر بتحرس الحدود في الرملة.

ثم إن ذاكرة التواصل تحمل لنا نفس التعبيرات مع أيام أخرى كانت حارة وقلنا إنه حر غير مسبوق، وأيام برد قلنا فيها، وناس في البرد تنتظر الصيف، وناس في الصيف عاوزين الشتا.. ولا أحد يعرف لأن «الأرصاد» تقول وتقارير أخرى تقول إنه أكثر الأيام حرًّا، وهو 47، والبعض كذب وقال إنه تجاوز الخمسين، ومن عاشوا في الخليج يعرفون أن الحر عندنا لعب عيال، وبالمناسبة أثناء شحير الفسابكة والتواترة عن ارتفاع غير مسبوق في الحر بمصر، انتشر فيديو لشاب خليجي رأى أننا نشكو من الحر فظهر في فيديو وهو يقول «هو انتوا فاكرين يامصريين اللي عندكم دا حر» ثم يكسر بيضة على زجاج السيارة فتطش وتصبح مقلية».

مسؤولو الكهرباء يقولون إنهم نجحوا والكهرباء لم تنقطع، لكنها انقطعت في بعض المناطق والأقاليم، وبالمناسبة الكهرباء تنقطع في بعض دول العالم، والأمر كله يعكس مكان الرؤية، لكن الأغلب أن حالة الفيس بوك وتويتر تعكس مبالغة من كل الجوانب، مبالغة في الشكوى، ومبالغة في التبرير، لكنها تكشف عن حر افتراضي وناس تنقل وتكتب وتبالغ و«تنشال وتنحط»، من دون أن تغادر كنباتها الافتراضية فيما يواجه بشر آخرون الحر بكل تأكيد.

لماذا نكتب كل هذا؟ لنقول إن العالم الافتراضي ليس هو العالم الواقعي، وإن النظر من خلف الشاشات والكيبوردات، غير النظر في الحر الحقيقي، وإنه في الوقت اللي كان فيه ناس بتنفخ في عز الحر، كان فيه ناس كل ما فعلوه هو كتابة مجموعة من البوستات، يلعنون فيها الحر والكل كليلة في التكييف، هكذا يدير بعض الناس آراءهم دائمًا.

 

كيف تحول العلم إلى ملطشة؟!

وحتى العلم لا يسلم من التلاعب والادعاء، وهذه قصة تكشف كيف يمكن أن تحول مواقع التواصل بعض الباحثين إلى خدم «اللايك» وقطعان المتابعين.. في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2019 انقلب الطقس في مصر بشكل كبير، وبالرغم من أنه فصل الشتاء وأعلنت هيئة الأرصاد الجوية عن سقوط أمطار غزيرة على مصر، وهو ما حدث بالفعل، وسقطت أمطار غزيرة، كما هو متوقع، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا، فقد تلا ذلك أخبار أخرى عن الطقس، وظهرت تقارير مختلفة عن إعصار سوف يضرب الإسكندرية وأجزاء من مصر وفلسطين، مع حديث عن التغير المناخي.

ظهرت بوستات وحملات وصور وفيديوهات عن هجوم فضائي، وتحولت الأخبار العادية إلى كوارث على صفحات مواقع التواصل، وظهر المواطن الافتراضي الذي يعرف كل شيء من الكيمياء للطب، ومن الفيزياء إلى الطقس.. في عصر يختلط فيه الواقع بالخيال بالوهم، من خلال عمليات التضخيم والنفخ حتى حول حالة الطقس، حيث تحولت الأمطار إلى أعاصير.

ونسب البعض إلى موقع قناة الحرة الأمريكية نقلاً عن صحيفة واشنطن بوست تقارير منسوبة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا عن إعصار أو «شبه إعصار» مداري نادر يمر بمصر من الشمال، وينتقل إلى الأردن وفلسطين المحتلة، يضرب الحد الشرقى للبحر المتوسط، تصاحبه عاصفة وأمطار غزيرة، وهو تقرير سبب رعبًا، وسارعت هيئة الأرصاد بتكذيب هذه التقارير، كاشفة عن تلاعب في نشر هذه التقارير بهدف إثارة الفزع، خاصة أن هذه التقارير رافقتها صور وفيديوهات زعم ناشروها أنها حديثة، ومن الإسكندرية والسواحل الشمالية، واتضح أنها فيديوهات قديمة وأغلبها لقطات من أعاصير وأحداث من الولايات المتحدة أو دول أخرى.

واللافت للنظر أن صحفيين وإعلاميين تبادلوا «تشيير» هذه الفيديوهات، كالعادة من دون تحقق، بل إنهم بنوا عليها تنظيرات وتحليلات لاعلاقة لها بالواقع.

لكن خلال هذا الزحام الإخباري نشر الدكتور عصام حجي، وهو باحث في وكالة ناسا لأبحاث الفضاء كما يقدم نفسه، وأعلن تأكيدات عن إعصار سيهاجم الإسكندرية وفلسطين، وتوسع الباحث الشاب في تقديم نصائح ورسومات عن كيفية التعامل مع الإعصار القادم، ومع أن هيئة الأرصاد الجوية نفت مثل هذا الإعصار وأكدت أن البحار المغلقة مثل البحر المتوسط لا تعرف الأعاصير؛ إلا أن بعض مستخدمي السوشيال ميديا من مستهلكي العنعنات ومحترفي الكسل العقلي، أعلنوا أن الدكتور عصام يعمل في الفضاء وأنه لا يمكن أن يكون مدعيًا او هجاصًا.. وصدقوا عصام وكذبوا المختصين في هيئة الأرصاد، وعاموا خلف الباحث.

وخلال يومين صدقت تقارير الأرصاد الجوية التي سارعت بتوضيح الصورة، ونفت التقارير المنسوبة لناسا عن إعصار أو شبه إعصار، والتي تم استغلالها بسوء نية من منصات ولجان إلكترونية، ووقع تحت تأثيرها بعض مستخدمي السوشيال ميديا وأعادوا نشرها من خلف شاشاتهم ومن غرفهم التي لم يغادروها.

كان هذا كافيا ليعود التابعون المتابعون لرشدهم ويعرفوا أن الباحث «العصام» وقع هو نفسه ضحية تقارير وأخبار مفبركة على مواقع التواصل، وأن التغير المناخي والانبعاث الحراري لاعلاقة لهما بتقارير مزيفة ساهم في انتشارها كونها منسوبة إلى مواقع قناة الحرة أو واشنطن بوست، ولما اتضح كذب الحديث عن الإعصار لم يقدم أى تفسير لما طرحه ولم يعتذر، بل إنه واصل ظهوره في الفضائيات ليتحدث في السدود والمياه والمناخ والسياسة والعلم، والتي بالمصادفة تمثل انتقادًا لنظام الحكم في مصر، وعلى هوى مهنية عميقة من قناة الجزيرة، وقنوات تركيا.

كان هذا المثل مع عصام كاشفًا عن ظاهرة، نمت وترعرعت على مواقع التواصل، تصلح دراسة حالة لفن صناعة نجوم من لاشيء، وتحت إغراء وجود مشجعين أو متابعين وممولين ، يقع الواحد ، في شباك الإعجاب والتصفيق، بمناسبة أو من دون مناسبة.. وحتى العلم يتحول إلى لعبة يتم توظيفها لصناعة الضجة أو التعبير عن موقف، وقد هوى عصام في هذه البركة من التصفيق، وتحول في بعض الأحيان إلى مجرد « نمرة» في فضائيات مثل الجزيرة، وقنوات تبث من تركيا وقطر، تهاجم النظام المصري، وتستعمل أي شخص كورقة في معركة سياسية، هناك إغراء مادي، حيث تدفع هذه القنوات بسخاء، أو إغراء الظهور ووجود مشجعين لديهم موقف مسبق، عصام نموذج لهذا النوع، فهو مستعد للحديث في أي موضوع، وتقديم قصائد مديح في الفتوحات العلمية لقطر، أو التقليل من شأن مصر، فهو مجرد باحث شاب، بحاجة إلى الظهور وسط حالة سيولة سياسية وانفلات، يخلط بين المعارضة والمشاركة في حملات دعائية كوميدية أكثر منها سياسية.

 

شبح تحولات الطقس يقلق أوروبا أيضاً

اعتدنا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن نجد على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات وشكاوى عن الحر الشديد، وكأننا نتعرف على الصيف لأول مرة، المفارقة أننا هذا العام نعيش واحدًا من أكثر فصول الصيف حرارة، ومع هذا فإن «الحالة السوشيالية» تراجعت، وقد جرت العادة أن نقول «الدنيا حر»، وهو ما ينطبق على العالم كله الذي يشهد موجات حارة امتدت إلى أوروبا التي تشهد منذ سنوات تهديدات حارة.

لقد غير الارتفاع المتصاعد للحرارة مع الرطوبة من الصيغ المحفوظة للطقس في مصر في كتب الجغرافيا «حار جاف صيفا دافئ ممطر شتاءً» من ثمانينيات القرن الماضي، تراجعت نسب المطر شتاءً، وتصاعدت الرطوبة صيفًا مع التسعينيات ضمن تغيرات مناخية تجتاح العالم، ويفسرها العلماء بأنها نتيجة طبيعية للاحتباس الحراري وتآكل الغلاف الجوي حول الأرض فيما شاع لفترة باسم «ثقب الأوزون».

الموجة الحارة لم تتركز كالعادة في إفريقيا أو آسيا، حيث يُعرف الصيف الحار، لكنها ضربت دول أوروبا، وخلال شهر يوليو سقط 33 قتيلاً من الحر في كندا وعشرات في اليابان وبعض دول أوروبا، بعد أن قاربت الحرارة أربعين درجة.

واندلعت حرائق في غابات السويد البلد المشهور بالبرودة والثلوج والذي اضطر لطلب مساعدات دولية استجابت لها النرويج وإيطاليا.. وفى ولاية كاليفورنيا الأمريكية أدى ارتفاع معدلات استخدام مكيفات الهواء إلى قصور في الطاقة الكهربائية.

وحسب ما نقلته «الجارديان» البريطانية عن علماء الطقس، فإن تأثير الموجة الحارة الحالية يصل إلى قطاعات واسعة من كوكب الأرض، ويجعل القلق عالميًّا وليس محليًّا.

يشير كثير من العلماء إلى أن السبب وراء هذه الموجة الحارة يرجع إلى عدة عوامل.. أبرزها الاحتباس الحراري، ونشرت الجارديان البريطانية نقلا عن الدكتور تيم أوسبورن، مدير وحدة أبحاث المناخ بجامعة شرق أنجليا: «منذ عام 1976 شهدنا عدة عقود من الاحتباس الحراري، الناتج عن ارتفاع انبعاثات الكربون، والتي أدت بدورها لارتفاع درجة الحرارة العالمية بشكل كبير».. ويحذر علماء من أنه مع تزايد انبعاثات الكربون، سوف تتزايد الموجات الحارة لتصبح أسوأ وأكثر حدوثا على الأرجح.

لكن علماء آخرين منهم دان ميتشل من جامعة بريستول، يرون أن «التغير المناخي يلعب دورًا في الموجات الحارة، لكن هناك مؤثرات أخرى، مثل درجة حرارة سطح البحر في شمال المحيط الأطلسي، وأيضًا ما يسميه العلماء «التيار النفاث» بارتفاع خمسة إلى سبعة أميال عن سطح الأرض، الذي يضرب من الغرب إلى الشرق، ويوجه الطقس حول العالم».

منذ ثمانينيات القرن الماضي هناك تحذيرات أطلقها علماء المناخ، ومؤتمرات المناخ، بأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون واستمرار تدمير الإنسان للغابات والتجارب النووية والتفجيرات الصاروخية والحروب، أدت إلى تحولات مناخية قاسية، وارتفاع في درجات حرارة الأرض وانصهار الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، مما يرفع المياه في المحيطات والبحار ويهدد بغرق أجزاء من اليابسة.

وأصبحت الموجات الحارة تضرب أوروبا وتنقلها إلى حرارة غير مسبوقة، بينما الدول الأوروبية غير جاهزة للحرارة، وربما تتطلب في حالة استمرار هذه التحولات المناخية تغييرًا في أنظمة التكييف والتهوية، فهي، على العكس من الدول الحارة، لا تعرف التكييف البارد أو المراوح، بينما تعرف التركيز على التدفئة في مواسم البرد.. ويمكننا القول إن الدنيا حر فعلا وليس مجازًا مثلما كان في الماضي.

 

نهاية العالم غداً أو في سبتمبر

سوف ينتهي العالم في شهر سبتمبر2017 المقبل، أو في الثلث الأخير من أغسطس، وبالتالي يفترض أن كل مواطن في العالم يكون جاهزًا، ويحاول الانتهاء من أعماله وما في يده قبل صفارة النهاية.. كانت هذه الأخبار قد انتشرت في مواقع إخبارية مجهولة وانتقلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأ أعداد من البشر الجاهزين دوما لتصديق أي كلام في الاستعداد لنهاية العالم.

هناك عدد لابأس به من البشر على الأرض، خاصة رواد مواقع التواصل، سمعوا أو قرأوا، ومنهم من يصدق، ومنهم من يأخذ الموضوع على سبيل السخرية والفكاهة.

الحديث عن نهاية العالم لم يكن جديدًا، وتزدحم كتب التراث والتاريخ بالكثير من النبوءات عن نهايات مختلفة للعالم، وكلها نبوءات لم تتحقق، ومع هذا ظل هناك منجمون ودعاة يحرصون على نشر توقعات ونبوءات، مع الإشارة لعلامات النهاية، وطبيعي أن تتخذ هذه الشائعات مجالاً أوسع للانتشار مع مواقع التواصل، التي تنهي الحدود والمسافات، وتجعل العالم كله قرية أو غرفة صغيرة، البعض يأخذها على محمل الجد، والبعض اتخذها مجالا للسخرية والفكاهة.

الخبر أن بعض علماء الفلك توقعوا نهاية العالم في شهر سبتمبر، وبعضهم عجل التوقع وقال إنه في الثلث الأخير من أغسطس، وحدد بعضهم 23 أغسطس2017 لنهاية العالم، نتيجة اصطدام كوكب غامض بالأرض.

لم يلجأ أغلب من روجوا الخبر إلى أي مصدر علمي، وانخرطوا في توقعات نهائية مع خليط من التنجيم والتوقعات الفلكية.

ومعروف أن هناك جماعات في الغرب تتبنى فكرة اقتراب نهاية العالم، سواء باصطدام الكواكب أو الشمس بالأرض، أو سقوط نيزك عملاق على الأرض، بعض الدعاة المتخصصين في نهاية العالم يجدونها فرصة لإعادة نشر تخاريف عن العلامات الصغرى والكبرى، ويخلطون بين القيامة ونهاية العالم.

وليست هذه هي المرة الأولى التي انطلقت فيها أنباء قرب نهاية العالم، قبل نهاية القرن العشرين كانت هناك توقعات ربطت بين عام 2000 والنهاية، وظهرت تقارير عن مشكلة الصفر، وراج خبر أن مجرد الانتقال من آخر يوم في عام 1999، وأول يوم في الألفية الثالثة سوف تكون هناك مشكلة «الصفر الملينيومي» حيث تتعطل الأقمار الصناعية وأجهزة الحاسب، وأفرط البعض في التوقعات بالقول سوف «تظلم الدنيا، وتتطربق الأرض»، وجاءت الألفية الثالثة ولم تظهر أي مشكلة، وظلت قصة نهاية العالم.

وتجددت توقعات نهاية العالم عندما نقلت بعض مواقع الصحف ومنها «ديلي ميل»، عن خبير في علم الأعداد، يقول إن الكسوف الشمسي المتوقع خلال أغسطس سيكون مقدمة لاصطدام كوكب يسمى «نيبيرو» مع الأرض، خلال سبتمبر.

وتلقف البعض الخبر أو التوقع وحولوه لحقيقة، بالرغم من أن وكالات الفضاء الكبرى ومنها «ناسا» اعتبرت نهاية العالم باصطدام كوكب بالأرض خدعة ووهمًا تم تضخيمه على الإنترنت.

ومع الهاشتاجات التي اتخذت الموضوع بجدية، تحول الأمر مع آخرين إلى حالة فكاهية.. منها أهمية أن يتم صرف الرواتب قبل نهاية العالم، وإعلان طلاب الثانوية التوقف عن بدء الدروس الخصوصية قبل أن يظهر مصير العالم في سبتمبر، لكن بعض المنجمين والدجالين وجدوها فرصة لترويج مواقعهم وتخاريفهم، بإعلان تعليمات «كيف تستعد لنهاية العالم» ولا مانع من ظهور شركات تعلن عن حقيبة يأخذها معه المواطن وهو ذاهب لنهاية العالم.

 

 اشترِ شنطة القيامة واربح رحلة للآخرة

كان يوم 23 سبتمبر 2017 هو التاريخ الذي حدده عدد من الفلكيين والمنجمين لنهاية العالم، وهي نبوءة هناك بالفعل من أخذها بجدية، أو من تعامل معها بسخرية، ومن حاول توظيفها لتحقيق أرباح، حتى ولو على حساب الشائعة، بالرغم من أنه ربما لا يستطيع الاستفادة في حالة نهاية العالم فعلًا.

ولأن «قيامة قوم عند قوم فوائد»، تحولت أكذوبة نهاية العالم إلى مصدر لبيع بعض المنتجات، ارتباطًا بهذا الحدث، رهانًا على أن هناك بالفعل من يمتلك استعدادًا لتصديق الكذبة، والتعامل معها على أنها حقيقة، ومن أجل هؤلاء يظهر تجار الأوهام ممن يسعون للربح من أي حدث، حتى ولو كان نهاية العالم.

ظهرت بعض المواقع والشركات الوهمية تروج لمنتجات، منها حقيبة نهاية العالم، أو ما سموه «شنطة القيامة»، التي تحوي بعض الطعام الجاف والماء، أو تعاويذ روجتها بعض الجماعات، تسهل- حسب الزعم- على المواطن العالمي تأثيرات الصدمة من نهاية العالم.

بعض المواقع المتخصصة في السحر والتنجيم أرادت أن تكسب المزيد من الزبائن على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فقد عرضت أفلامًا قالت إنها تسجل توقعات شكل نهاية العالم، والهدف هو جذب المشاهدين وتحقيق المزيد من الإعلانات.

ومن ميزات مواقع التواصل وغيرها إتاحة الفرصة لبيع وشراء أي شيء، حتى لو كان مجرد وهم، ومنها موقع «إي باي»، الذي عُرض عليه قبل أعوام «روح للبيع»، وآخر عرض زجاجات هواء باعتبارها من أنقى أنواع الهواء بجبال الصين، ولم تكن المشكلة في من عرض هذه الأوهام للبيع، لكن ظهور زبائن عرضوا الشراء.

خبر نهاية العالم انطلق قبل شهور منسوبًا لعدد من علماء الفلك أنهم يتوقعون نهاية العالم خلال شهر سبتمبر، وتحديد اليوم، 23 سبتمبر، بما قد يعني أن العالم انتهى، وكانت النبوءة المنسوبة لعدد من علماء الفلك، تقول إن العالم سوف ينتهي باصطدام الكواكب أو الشمس بالأرض، أو سقوط نيزك عملاق على الأرض فينهي وجودها.

حكاية نهاية العالم ليست جديدة، وتحوي الكثير من الكتب القديمة توقعات مختلفة عن نهاية العالم، يستند بعضها إلى خليط من التنجيم والتوقعات الفلكية.

وبالرغم من أنه لا توجد أي مصادر علمية أو وكالات كبرى للفلك أعلنت تأكيد نهاية العالم، فقد استمرت هذه التوقعات، وتظهر كل فترة، وتجددت توقعات نهاية العالم عندما نقلت بعض مواقع الصحف، ومنها «ديلي ميل»، خبرًا منسوبًا إلى خبير في علم الأعداد، قدّم حسبة فلكية ورقمية، انتهى فيها إلى أن الكسوف الشمسي الذي جرى خلال أغسطس الماضي هو مقدمة لاصطدام كوكب يسمى «نيبيرو» مع الأرض، وحدد اليوم لحدوث ذلك، وطبعًا ظهر العالم المزعوم كثيرًا وحقق شهرة، وأموالًا من تكهناته العبقرية، وكان أحد المتكسبين من نهاية العالم، هو وعدد لا بأس به من المواقع التي تواصل نشر هذه الأكاذيب، وتمنحها غلافًا علميًا معمليًا، بينما هي مجرد خلطات لجذب الزبائن والمتفرجين.

بالطبع كان هناك من فضل أخذ الأمر بسخرية، منها أن الحكومة كان يفترض أن تؤجل دفع مصروفات المدارس حتى يتم حسم نهاية العالم، وحتى لا تضيع الفلوس على الناس، أو التبكير بصرف المرتبات قبل نهاية العالم، حتى يمكن للإنسان أن يستمتع بإنفاق راتبه ويذهب إلى نهاية العالم وهو مرتاح، أو أن يدعو البعض للإسراع بالحصول على عدة ملايين من البنوك قبل نهاية العالم حتى يتهرب من سدادها، ولا مانع من ظهور مواقع تُجري سحبًا على جوائز نهاية العالم، ومن يكسب يذهب في رحلة إلى القيامة.