الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

"سمير ناجى".. رائد فن المرافعات

فن18-10-2020 | 20:15

"يؤرقنى أن يكون لى كتاب فى فن المرافعة فأنا لا أقوى على ادعاء امتلاك ناصية هذا الفن حتى يكون لي فيه كتاب وهذه أول بوادر القلق.


أمر آخر يدفع هذا الأرق إلى غايته أننى أدرك أن للمرافعة أسلوبًا تتحكم فيه لغة الخطابة تحكمًا يكاد يكون طاغيًا ..وأن للغة الكتابة أسلوبها الخاص الذى يبتعد عن وسائل الخطابة واللالقاء ..من أجل هذا أجدنى حائرًا إذ كيف أملك التعبير هنا بلغة الكتابة فى موضوع يعتمد أساسًا على لغة الخطابة ..وأستميح القارئ عذرًا فى أننى لا أقدم له بعملى هذا مرجعًا فى هذا الفن ..فلست أهلًا لذلك ..وإنما أقدم له ثمرة تجربة لممارسة طالت، حاولت من خلالها الوفاء فى الأداء" 


هذه الكلمات التى قدم بها المستشار سمير ناجى أحد كتبه والذى حمل اسم "آداب مرافعة الاتهام"، وهو أحد الكتب المقررة فى الدورات التدريبية لأعضاء النيابة العامة، كسلسلة دراسات قضائية.


والمستشار الراحل سمير ناجي، كان نائب رئيس محكمة النقض عضو مجلس القضاء الأعلى الأسبق مؤسس مركز الدراسات القضائية وعضو المجالس القومية المتخصصة والحاصل على وسام فارس من جمهورية فرنسا، تتلمذ على يديه أجيال متعاقبة من قضاة مصر فكان بالنسبة لهم نبراس العلم سواء في مجال دراسة آداب مرافعة الادعاء أو في مجال دراسة قيم وتقاليد القضاء وكيفية التمسك بها.


وتعتبر ظاهرة المرافعة من الظواهر القديمة التي عرفها الإنسان وترتبط بإبداء الحجج للدفاع عن موقف معين يتعرض له، وقد اشتهر في تاريخ قدماء المصريين براعتهم في تحرير المرافعات التي بلغت لديهم مبلغاً عظيماً في سحر البيان، كما نبع فيها خطباء الإغريق واعتبروها من أسمى المهن.


وقد يجهل البعض أن المرافعة التي يتولاها وكيل النيابة هي فن له أصول وقواعد مرعية، يتناقلها أجيال وكلاء النيابة جيلاً بعد جيل، وغاية المرافعة أن تخرج قاضيك من رأي خصمك الخاطئ إلى رأيك أنت الصائب.


وأحد الكتب المهمة فى المرافعات وآدابها وقواعدها ، هو كتاب"آداب مرافعة الاتهام"،والذى يقع فى126 صفحة ، ويشتمل على محاضرات فى آداب مرافعة الاتهام ومنها موضوعات خاصة بتعريف وتاريخ المرافعة عند الغرب والمصريين وضرورتها فى قانون الإجراءات الجنائية وفى قضاء النقض وفى الفقه القانونى ، والتزامات وواجبات ممثل افتهام المترافع ، التقيد بآداب المجتمع وقيمه، الحفاظ على مقام القاضى ، التزام عفة اللفظ والموضوعية فى تناول شخصية المتهم، والبلاغة وضرورتها باعتارها زاد المترافع، بالإضافة للحاجة للمنطق الذى يكون بحاجة بدوره للبلاغة لتنصهر أفئدة السامعين، وشمل الكتاب أيضا توضيحًا لمناهل البلاغة وحددها فى القرآن الكريم وجوامع الكلم والشعر.


ثم يتناول الكتاب حقوق المترافع ( حق طلب البراءة، حق طلب استعمال الرأفة، الحق فى تجريح أدلة الإثبات أن تحقق زيفها، الحق فى اضافة تهم جديدة وإدخال متهمين جدد، الحق فى توجيه تهمة شهادة الزور، وغيرها)، ثم يتطرق الكاتب إلى أساليب أداء المرافعة وهى ( التسميع ومآخذه، التلاوة وعيبها، الارتجال ومزاياه ومساوئه)، ثم يتناول موضوع بناء المرافعة ومناهج وأمثلة فى ذلك والمقارنة بين بناء الحكم وبناء المرافعة ، والعنصر الإنسانى فى المرافعة.


بجانب الكتاب السابق وبين الكتب التي تتناول فلسفة القانون وفقهه، والأخرى التي ترصد أهم القضايا القضائية التي شغلت الرأي العام، ظهر كتاب آخر ينظم أصول وآداب مرافعة النيابة يرعاها المترافعون ، هو كتاب "آداب مرافعة الادعاء – أصول وممارسات" تأليف المستشار سمير ناجي وأشرف هلال وكيل نيابة أمن الدولة العليا، ويعد هذا الكتاب مرجعا أساسيا فملأ فراغ المكتبة القانونية في هذا الباب، ولا غنى عنه للمشتغلين بالقانون سواء أكانوا محامين أو وكلاء نيابة أو قضاة.


تضمن الكتاب 12 مرافعة للنيابة، إذ تناول كل مؤلف 6 مرافعات. الست الأولى كانت أشهر ما ترافع فيه المستشار سمير ناجي نائب رئيس محكمة النقض السابق على مدى مدة خدمته (50 عاما) ومنها قضية تخابر لصالح إسرائيل عام 60 بعد الثورة، و"قضية لوتز" و"قضية اتيليدم"، وقضية مشروع الصواريخ المصري، طارحا فيها خبرته في المرافعات التي ألقاها عندما كان عضوا بنيابة أمن الدولة ثم بمكتب الادعاء أمام محكمة ثورة يوليو ما بين عامي 1952 ـ 1967، بينما قدم أشرف هلال ست مرافعات أخرى. ورغم أن الفارق الزمني بين مؤلفي الكتاب 40 عاما إلا أن هذا الفارق جاء في مصلحة الكتاب ليتشارك التلميذ مع الأستاذ في طرح خبراتهما.


وأوضح المؤلفان أن رسوخ رجل القانون في تخصصه يقاس بمدى اطلاعه خارج القانون وثقافته العامة وهو ما يسمى بـ «زاد المترافع» من بلاغة وخطبة وشعر والإلمام بلغة أجنبية ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي ولا يتصدى لها إلا من أتقن لغته وامتلك لسانا قادرا على البيان والبرهان. 


وأول ما يلفت النظر في هذا الكتاب كونه ممارسة لتواصل العطاء بين الأجيال كما يقول المؤلفان في مقدمته، جيل حمل الرسالة فأداها على خير وجه يمثله المستشار سمير ناجي الذي أمضى عمره في أتون القضاء وارتقى في سلمه من أول درجة حتى وصل إلى أعلى المراتب فيه، واكتسب خبرة قانونية تفرد بها بين أقرانه لا سيما في فن المرافعة فأصبح علما عليها من خلال محاضراته في مركز الدراسات القضائية التي تتلمذ عليها جل المشتغلين بالهيئات القضائية المختلفة، أما الجيل الثاني الذي يتواصل العطاء معه فهو الذي يمثله ثاني المؤلفين أشرف هلال وكيل النيابة وهو رجل في مستهل حياته القضائية.