الأحد 24 نوفمبر 2024

فن

لم تكن شهرة عبد العزيز محمود الحقيقية لجمال صوته ولكن كان أهم أسباب نجوميته كلمات مرسي جميل

  • 19-10-2020 | 20:02

طباعة

شهد القرن العشرين تطورا كبيرا فى عالم الغناء، بل وأصبح للشعراء دور كبير فى هذا التطور، وليس الملحنين الموسيقيين فقط، فكان لكل شاعر غنائي أسلوبه الخاص به وإضافاته الجديدة، و يعد الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز، من أهم هؤلاء الشعراء الذين أضافوا للأغنية العربية شكلا جديدا، هذا الشاعر صغير السن الذي ظهر فى أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، كان قادرا أن يصنع نجوما وعمالقة كبارا منذ أن كان فى الثامنة عشر من عمره، ليترك بصمة واضحة مع كل مطرب تعاون معه، كان يهرب من الأسماء اللامعة لمشاهير الغناء، ولم يسع للشهرة يوماً، ولكن الشهرة هى التى كانت تسعى إليه، كانت له فلسفته الخاصة بأن يعمل مع فنانين مغمورين ومطربين جدد ليكبر معهم حتى لا يرتبط اسمه بأحد من المشاهير، فهو الشاعر الذى سعى إليه هؤلاء الكبار من المطربين والمطربات أمثال أم كلثوم وعبد الحليم وفريد وفيروز، ومن هنا كان له مع كل فنان لقاء، وكان اللقاء الأول هو أهم لقاء.

منذ عام 1934، وقد كانت الإذاعة المصرية هى حلم كل فنان سواء كان مطربا أو شاعرا أو عازفا أو ملحنا، فالجميع يسعى إليها لأنها أهم نافذة للشهرة والمجد، وكان اللقاء الأول فى حياة مرسي جميل عزيز بالإذاعة المصرية عام 1939، فلم يذهب إليها هذا الشاعر الشاب الذى لم يتجاوز عمره 19 عاما، ولكن الذى طلبه هو مسؤول الإذاعة آنذاك بعد نشره إحدى قصائده، ليعجب مسؤول الإذاعة بهذه الكلمات ويقع الاختيار على هذه الأغنية وهى أغنية تسمى" الفراشة "لكي تغنيها مطربة كانت شهيرة فى تلك الفترة وهى" حياة محمد" وقد خيّر مسؤول الإذاعة هذا الشاعر الصبي مرسي جميل عزيز بين أمرين، الأمر الأول بأن يلحن هذه الأغنية الفنان الكبير رياض السنباطي، وفى تلك الحالة سوف يحصل مرسي على أجر 150 قرشاً فقط، والأمر الثاني أن يقوم ملحن آخر بتلحينها ويحصل مرسي على أجر 3 جنيهات، وقد يرجع ذلك إلى ارتفاع أجر رياض السنباطي عن أى ملحن آخر ليس فى شهرته، ولكن كان اختيار مرسي بأن يلحنها رياض السنباطي الذى كان أهم وأشهر ملحنى تلك الفترة على الإطلاق، ولكن هذا الاختيار كانت نتيجته أن ظل أجر مرسي فى كل أغنية يكتبها بالإذاعة 150 قرشا ليستمرعلى هذه الحال لمدة خمس سنوات، إلى أن وصل بعدها إلى 3 جنيهات فى الأغنية.

فى بداية الأربعينيات من القرن الماضي بدأ يظهر نجوم فى عالم الغناء كان على رأسهم عبد العزيز محمود وكارم محمود، محمد فوزي، فقد بدأ ظهورهم أيضا من خلال الإذاعة، وكانت بداية عبد العزيزمحمود فى تلك الفترة التى ظهر فيها مرسي عام 1939، ولم تكن شهرته الحقيقية لجمال صوته فقط أو جمال الألحان، ولكن كان أهم أسباب نجوميته كلمات مرسي جميل عزيز، حيث كونا ثنائيا فنيا متميزا وكانت أول أغنية يكتبها مرسي لعبد العزيز محمو " يا مرزوق يا ورد فى عود" التى حققت نجاحا كبيرا، لتتوالى أعظم الأعمال فى حياة عبد العزيز محمود الفنية والتى وضعته فى مصاف كبار المطربين مثل أغنية" مكاحل مكاحل "و"وحياة محبك "و"يا أسمر ياجميل" و"كعبه محني وكفه محني "و"سود عيونه ياليل".

كان يسبق هذا الجيل بسنوات قليلة الفنان فريد الأطرش والذى ارتبطت روائعه الغنائية بالشاعر مأمون الشناوي، ولكن لقاء فريد بمرسي جميل عزيز كان له طابع خاص حيث كتب له مجموعة من الأغاني التى أخذت شكلا آخر ومختلفا وحققت أعماله القليلة مع فريد بصمة فريدة مثل أغنية" أنا وأنت وبس "و"ما نحرمش العمر منك "و"اسمع لما أقولك "و"ياحبايبي ياغاليين".

ومع الفنان محمد فوزي كان لقاء مرسي أيضا فى أعظم أغنية وطنية غناها فوزي فى حياته وهى من أهم الأغاني الوطنية على الإطلاق، والتى تعد شكلا جديدا للأغنية الوطنية أغنية" بلدي أحببتك يا بلدي "فهى لم تخاطب حدثا أو زعيما، ولكنها أغنية وطنية فى شكل الغناء العاطفي ولكنها فى حب مصر، كما كتب لفوزي أيضا أروع أعماله" الشوق.. الشوق الشوق "و"أى والله أى والله".

جاء بعد ذلك جيل من المبدعين الجدد الذين ظهروا بعد ثورة يوليو 1952، أمثال محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي، وأهمهم عبد الحليم حافظ، وكان لمرسي جميل عزيز - الذى كان وقتها ملء السمع والبصر كشاعر غنائي كبير- دور كبير بأن يحقق مع هذا الجيل أعظم نجاحاتهم فكان اللقاء الأول مع العندليب عبد الحليم حافظ، حيث كان محمد الموجي على صلة بمرسي جميل عزيز، وقد طلب منه أكثر من مرة أن يستمع إلى صوت من بلدته الزقازيق وهو شاب نحيل الجسم "عبد الحليم شبانة"، لدرجة أن الموجى اصطحب عبد الحليم معه فى زيارة لمرسي جميل عزيز فى بيته، لتقام سهرة بصحبة أصدقاء مرسي، وهم من متذوقي الفنون وسميعة لأم كلثوم وعبد الوهاب، ليقدم الموجي عبد الحليم إليهم ليغني "ولد الهدي فالكائنات ضياء" على عود الموجي، وهى من أغاني أم كلثوم التطريبية ومن كلمات أحمد شوقي وألحان رياض السنباطي، ومن الأغاني الصعبة فى الآداء، ليبهر عبد الحليم بصوته وإحساسه كل الحاضرين، ومن هنا تنشأ علاقة مرسي هذا الشاعر الكبير وقتها، بعبد الحليم شبانة هذا المطرب الشاب الذى لم يكن يعرفه أحد آنذاك، ليقول عنه صوت عبد الحليم يدخل القلب وملامح وجهه كأنك تعرفه من قبل، ليكتب له فى اللحظة نفسها أغنية " مالك ومالي يا أبو قلب خالي " فيلحنها الموجي فى الحال، ويقوم مرسي بتوصيلهم ومرافقتهم إلى محطة القطار للعودة إلى القاهرة، ويكمل مرسي هذه الأغنية على محطة القطار كاتبا الكوبليه الأخير منها، وأثناء عودة الموجي وعبد الحليم يقوم الموجي بتلحين الكوبليه داخل القطار، وتصبح هذه الأغنية هى أول تعاون بين مرسي والعندليب، ليقدمه مرسي للمخرج حلمي حليم ليمثل ويغني فى الفيلم الأول " أيامنا الحلوة " عام 1955، وإن كان فيلم " لحن الوفاء " عرض قبل هذا الفيلم بشهر تقريبا، ولكن أول فيلم يصوره العندليب ويقف فيه أمام الكاميرا كان هذا الفيلم، والذى كتب أغانيه مرسي جميل عزيز. لتتوالى روائعه مع العندليب طوال مشواره الفني ويكتب له أعظم أعماله مثل " فى يوم فى شهر " و " نعم يا حبيبي نعم " و " الليالي " و "بتلوميني ليه " و " نار يا حبيبى نار " و " يا خلي القلب " وأروع الاستعراضات السينمائية " قاضي البلاج".

من اللقاءات الفنية المهمة فى تاريخ الغناء العربي هو لقاء مرسي جميل عزيز مع الفنانة الكبيرة فيروز، فهو الشاعر المعاصر المصري الوحيد الذي غنت له فيروز، وكان هذا اللقاء الذي جمع كلماته وصوت فيروز مع مدرسة الأخوين الرحباني في التلحين، فى واحدة من أهم الأغاني في تراث الإذاعة المصرية، حيث سجلتها فيروز في استديوهات الإذاعة المصرية، وجاء ذلك أثناء زيارتها مع الرحبانية لمصر عام 1955، وكان هناك إصرار من فيروز والرحبانية بمقابلة هذا الشاعر المصري الكبير مرسي جميل عزيز، ليكون نتاج هذه الزيارة أروع ما غنت فيروز وهي قصيدة " سوف أحيا "، رغم أنه عمل واحد فقط إلا أنه عمل له مكانة كبيرة فى تاريخ الأغنية العربية.

ويأتى لقاء آخر وهو لقاء تاريخي أيضا حيث اللقاء الأول بين مرسي جميل عزيز وكوكب الشرق أم كلثوم، فلم يسع مرسي إلى أن يكتب لأم كلثوم مثلما كان يتمناه جميع شعراء عصره، بل هرب منها أكثر من مرة وهى التى طلبت منه أن يكتب لها، وكان سبب تهربه والذى صرح به، أنه لم يكن يريد أن يٌحسب على فنان بعينه، فقال" لولا أم كلثوم كان من الممكن أن لا نعرف أحمد رامي، ولولا فريد الأطرش كان من الممكن أن لا نعرف مأمون الشناوي، ولولا عبد الوهاب لما عرفنا حسين السيد، ولولا محمود شكوكو لما عرفنا فتحي قورة "، ولكن كان رد أم كلثوم أن وضعه الآن مختلف فقد حقق الشهرة الكبيرة ولم يضيف أو ينقص منه تعامله مع أى فنان مهما كان حجمه وشهرته، ومن هذا اللقاء بدأ التعاون بين مرسي وأم كلثوم والذى أسفر عن ثلاثية شهيرة من أعظم ما غنت أم كلثوم ومن أروع ما كتب عزيز " سيرة الحب "و"فات الميعاد "و"ألف ليلة وليلة"، بل أصبحت هذه الأغاني تستخدم مقاطعها كأمثال شعبية نتدوالها فى كثير من المواقف الحياتية حتى الآن مثل" قول اللى زمان ارجع يا زمان"، "تفيد بإيه يا ندم، وتعمل إيه يا عتاب"، "ستاير النسيان نزلت بقالها زمان".

كان أول لقاء للكثير من المطربين والمطربات مع مرسي جميل عزيز هو الانطلاقة الحقيقية لشهرتهم ومجدهم كان من هؤلاء الفنانة فايزة أحمد، حيث طلب مرسي جميل عزيز من الأستاذ حسن الشجاعي، مسؤول الموسيقى والغناء فى الإذاعة المصرية وقتها، بأن يستقبل صوت فايزة أحمد التى لم تكن قد حققت شهرة كبيرة وقتها فى بلدها، ولكن مرسي صرح بأن صوتها جميل، فقال له الشجاعي وهل ستكتب لها أغنية، قال مرسي سوف أكتب لها أكثر من أغنية، وقد كانت أول انطلاقة بأغنية" أنا قلبي إليك ميال "ألحان محمد الموجي، لتحقق فايزة أحمد شهرتها الحقيقية على مستوى العالم العربي، وتوالت أعمال مرسي لها والتى شكلت لونا جديدا يميز فايزة أحمد عن كل مطربات جيلها مثل" بيت العز" "ياما القمر ع الباب" و"ليه يا قلبي ليه".

كان أيضا اللقاء الأول للفنانة صباح مع مرسي جميل عزيز عندما كتب لها أغنية "مال الهوى ياما" التى حققت لها شهرة كبيرة، وقد صرّحت صباح بقولها لولا هذه الأغنية لظللت مطربة درجة ثالثة، لتتوالى أيضا روائعها معه مثل" بستاني يا بستاني" و"يانا يانا".

من المطربين أيضا الفنان محرم فؤاد الذى غنى فى بدايته فى فيلم حسن ونعيمة أول فيلم له ليغني "الحلوة داير شباكها شجرة فاكهة ولا فى البساتين "و"رمش عينه "من ألحان الموجي، ليضع محرم فؤاد قدمه على سلم المجد والشهرة، وتتوالى أعظم أعماله أيضا من كلمات مرسي مثل" سلامات يا حابيب "و"ياغزال إسكندراني" ألحان بليغ حمدي.

وكان لصوت الفنانة الكبيرة" نجاة" لقاءات مع مرسي جميل عزيز، كان أولها "عطشان يا اسمراني محبة" التى حققت شهرتها، ليقدم لها أروع ما تغنت مثل" أما براوة "و"أنا بستناك "و"إيه هو ده".

كان مرسي جميل عزيز، غزيرالإنتاج فقد تعدت أغانية أكثر من ألف أغنية، وهو أكثر شاعر حصل على العديد من الألقاب التى لم يحصل عليها شاعر من قبل، مثل "شاعر الألف أغنية، جواهرجي الكلمة، مهندس الأغنية، رسام الكلمات، فارس الأغنية، صانع النجوم".

 

    الاكثر قراءة