الأربعاء 26 يونيو 2024

حكايات من دفتر الثقافة السودانية

فن20-10-2020 | 14:56

يمتلك السودان إرثًا ثقافيًا ضخمًا يُعد الأقوى في القارة السمراء، خاصة وأن العوامل الطبيعية والجغرافية شكلّت ثقافة بُنيت على مجموعة معتقدات ظلّت حاضرة حتى وقتنا هذا، فاختلاف عادات القبائل أثرى الحياة الاجتماعية في الخرطوم، إلا أن الاختلاف الجغرافي لهذه القبائل جعل التنوع سيد الموقف، إلا أن الحضارة الفرعونية ظلّت باقية في السودان حتى الآن، خاصة في النطاق الشمالي، فهناك بعض العادات التي يُطلق عليها الكثير من أهالي السودان مصطلح "طقوس مصرية أصيلة".

"شادية وسعاد حسني والفلكلور السوداني"

ساهم التقارب الجغرافي بين مصر والسودان في تعميق العلاقات بينهما، خاصة فيما يخص الأدب والفن، حيث قدّم الفنان السوداني إبراهيم خان، أدوارًا مهمة في السينما المصرية مع الفنانة سعاد حسني، وعبد الحليم حافظ، كما شارك محمود المليجي وسمية الألفي في أفلام سودانية، ما شكّل قوة العلاقة بين البلدين فيما يخص المجال الفني.

كان للأغاني نصيبًا أيضًا في عامل التواصل والترابط بين مصر والسودان، فلا ينسى أحد منّا أغنية شادية "عاشت مصر والسودان"، التي غنتها عام 1953، وكانت تغنى لوحدة النيل، بالإضافة إلى أغنية "المامبو السوداني"، التي تم تقديمها عام 1958، وتعتبر من أشهر الأغاني الشعبية في السودان وكانت تقدم ضمن فلكلور في السينما المصرية، كما غنت الفنانة شادية باللحن السوداني أغنية "يا حبيبي عد لي تأتي"، وأغنية عن النيل تقول فيها "ياجاي من السودان لحد عندنا - التمر من أسوان والقٌلة من قنا - يانعمة من السودان بعثها ربنا - ومن عمر الزمان وأنت ف قلبنا - بتسقي البرتقال وتنور قطننا - سودانّا ومصرنا أبونا وأمنا وطنا وأهلنا - ياجاي م السودان لحد عندنا".

"حافظ إبراهيم والعقاد.. غرام في الخرطوم"

ومن الفن إلى الثقافة، جاء التاريخ الأدبي حافلاً بعدد من الأدباء من بينهم الطيب صالح، ومحمد الفيتوري، وآخرهم الروائي الشاب حمور زيادة، وفى الوقت نفسه قضى عدد من الكتاب المصريين فترة في السودان وكتبوا عنها، لعل أبرزهم شاعر النيل حافظ إبراهيم، الذي قضى وقتًا طويلًا في السودان، ومازال منزله على تلة في منطقة الروصيرص، كما كتب رواية باسم "ليالي الصيف" رصدت ما حدث في أثناء وجوده في الخرطوم، لم يكن حافظ إبراهيم الشاعر المصري الوحيد الذي أثرت فيه الثقافة السودانية، بل عاش الأديب الكبير عباس محمود العقاد فترة طويلة في الأربعينيات، ومحمد نجيب، أول رئيس جمهورية مصري، فترة طويلة في السودان وكتب "رسائل من السودان"، وصدر في الأربعينات وصدرت طبعته الثانية في 1953.

توغلّت الثقافة المصرية في السودان أيضًا، حيث برز عدد من الكتاب السودانيين في مصر ومنهم الطيب صالح الذي قدمه الناقد رجاء النقاش، وأصدر أول رواية له عام 1969 "موسم الهجرة إلى الشمال"، وبعد ذلك قدم مجموعة من الروايات، ونذكر من الأسماء التي لمعت من الكتاب السودانيين الكاتب عباس علام، الذي أصدر كتابًا عام 1946 بعنوان "دماء في السودان"، عبارة عن رسائل لأحد الجنود المصريين في السودان في تلك الفترة.

وفي الخمسينيات، توافد عدد كبير من الشعراء السودانيين إلى القاهرة وكان لهم حضور كبير وعلى رأسهم الشاعر محمد مفتاح الفيتوري، وأصدر أول ديوان له باسم "أغانى إفريقيا" عام 1955، وقدمه له أربعة من النقاد المصريين منهم محمود أمين العالم، ورجاء النقاش، وزكريا الحجاوي، بالإضافة إلى كتاباته في المجلات المصرية.

"سر أغدًا ألقاك لأم كلثوم في الخرطوم"

عقب استضافة السودان لقمة الخرطوم العربية المعروفة باسم "اللاءات الثلاث"، في نهاية شهر أغسطس 1967م، رحّبت الشعوب العربية بالقمة، وانفعلت كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم بهذا التضامن والتلاحم الذي نتج عن مؤتمر الخرطوم، فقامت برحلاتها الفنية الشهيرة إلى كافة الدول لإحياء الحفلات لصالح المجهود الحربي ولإعادة بناء القوات المسلحة المصرية.

وفي فبراير 1968، تلقت أم كلثوم دعوة وزير الإعلام السوداني عبد الماجد أبو حسبو لزيارة الخرطوم، حيث أحيت حفلين شهيرين بالمسرح القومي بأم درمان، وكان ميلاد أغنيتها الشهيرة "هذه ليلتي"، في تلك الزيارة، كتبها الشاعر اللبناني جورج جرداق ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب، كما تغنّت برائعة الشاعر إبراهيم ناجي "الأطلال"، وأغنية الشاعر مرسي جميل عزيز "فات الميعاد"، ثم كان الحوار التليفزيوني الوحيد في حياتها وقد أجراه معها الإعلامي الشهير "علي شمو"، مدير التليفزيون السوداني في ذلك الوقت.

حالة من الفرحة الشديدة سيطرت على أم كلثوم عقب زيارتها للخرطوم، حتى قبل وفاتها، ما دعاها لأن تطلب من الوزير عبد الماجد أبو حسبو أن يهيئ لها عدة دواوين شعر لشعراء السودان لتختار منها أغنية تشدو بها تقديرًا وعرفانًا لشعب السودان على مواقفه العربية الصادقة، وبعد تنسيق بينها وبين الموسيقار محمد عبد الوهاب وقع الاختيار على قصيدة الشاعر السوداني الكبير الهادي آدم "أغدا ألقاك"، وهي من ديوان"كوخ الأشواق".

"الزواج على الطريقة السودانية"

تختلف طقوس الزواج في السودان من قبيلة لأخرى، باختلاف القبائل وعاداتها، ولا يوجد شيء أكثر دهشة من أن طقوس الزواج في الشمال فرعونية بينما في الجنوب السوداني إفريقية، أي أن الحضارة الفرعونية القديمة استطاعت فرض نفسها على بعض الأماكن الشمالية في السودان، حيث تأتي مراحل الزواج في السودان كالآتي:

"قولة الخير"

هي جلسة يجتمع فيها كِبار العائلتين، للتعارف والتأكد من عراقة الأسرتين، وفيها يتقدم والد العريس أو أعمامه بطلب يد العروس لابنهم.

"الخطوبة"

لم تكن الخطوبة منتشرة في السودان من قبل، لأن الزواج سابقًا لم يكن يخرج عن نطاق الأسرة، أو الجيران، والخطوبة تتوج علاقة المخطوبين بقبول المجتمع والأسرة.

"سد المال"

يُسمى في السودان "سد المال"، وبمفهوم أكثر تقاربًا بالمصري "المهر"، وفى هذه المرحلة تبدأ التجهيزات الفعلية للزواج، ويتكون سد المال من الملابس والثياب السودانية والعطور والأحذية، والتي يُطلق عليها أهالي السودان مصطلح "شيلة"، بالإضافة للمال، وتتفاوت التجهيزات حسب مقدرة العريس المالية.

"الحنة"

توجه الدعوة فيها إلى أهل العروس والعريس كل على حده، ويتم فيها تخضيب أرجل وأيدي كل من العريس والعروس بالحناء، ويقدم فيها الطعام وتعقد جلسات الغناء والأنس.

"العقد"

عقد الزواج يتم على يد المأذون بحضور ولي العروس ووكيل العريس، ويتم تلاوة القرآن الكريم وتذكير الحضور بفائدة الزواج على المجتمع، ويعلن ولي العروس الموافقة ويرد وكيل العريس بالقبول على الصداق المسمى بينهم.

"وليمة العقد"

تكون هذه الوليمة عبارة عن غداء، حيث توجه الدعوة للأهل والأقارب والأصدقاء لمباركة هذا الزواج، وفى غالب الأحيان في «صوان» مجاور للمنزل.

"الحفلة"

تُعقد الحفلة بعد وليمة العقد، من المغرب وحتى الحادية عشر مساءً، ويتم دعوة الناس على طعام العشاء، ويستمعون إلى المطربين.

"بخ اللبن"

يأخذ كل من العريس والعروس بعضًا من اللبن في إناء ويقوم كل منهما ببخه في وجه شريكه المستقبلي.

"قطع الرحط"

تأتى العروس وحول خصرها "حريرة"، فيقوم العريس بقطعها وإلقائها على الحضور.

"الجرتق"

عادة يعتز بها أهالي السودان، فجميع طقوس الزواج تلتقي في "الجرتق"، حيث تؤمن الأسر بأنه ركن مكمل للزواج لا يختلف عن وثيقة الزواج، ويبدأ الطقس عادة في نفس ليلة عقد القران، وتنطلق الاستعدادات لـ "الجرتق" بتجهيز "فستان أحمر اللون"، و"ثوب حريري" موشح بالزخرف الذهبى، و"طاقية من الذهب الخالص" توضع على شعر العروس، و"عقد من الأنصاص أو الفرجلات أو الجنيهات الذهبية"، مع قماشة من "الحرير الأحمر"، تتوسطها خرزة كبيرة ذات لون تركوازي، تربط حول معصم الزوجة، وتعتقد كثير من النساء السودانيات، خاصة كبيرات السن أنها تحمى العروس من السحر، وتمنع إصابتها بمكروه.

"طقوس أهالي السودان في رمضان"

لأهالي السودان طقوس خاصة في شهر رمضان، لعل أبرزها شرب ما يُسمى بـ "الحلو مر"، أو "الآبري الأحمر"، حيث يعتقد أهالي السودان أن هذا المشروب يُخمد العطش، كما أن هناك أيضًا رقائق دقيق الذرة البيضاء التي تسمى "الحلو مر الأبيض" أو "الآبري"، ويتم وضعها على النار بنفس طريقة الحلو مر على صاج ولكنه يختلف عن الحلو مر في أنه ليس بنفس سمك الحلو مر ولا تتم تصفيته بل تحتسى الرقائق مع الماء مضاف إليها سكر.

"شربات القونقليز"، مشروب آخر ضمن المشروبات التي يعتمد عليها أهالي السودان، فهو عبارة عن ثمار أشجار "التبلدي"، التي تنقع في الماء وتصفى ويضاف إليها السكر مما يعطيها مذاقًا حلوًا.

ومن الوجبات الغذائية التي يكثر استخدامها في رمضان العصيدة، وهي من الوجبات التقليدية لأهل السودان، وتتكون من خلطة عجين الذرة المطهي وتؤكل مع طبيخ التقلية ذات اللون الأحمر ومكوناته تتألف من البامية الجافة المطحونة مع اللحمة المفرومة.

أصالة الشعب السوداني تتجلى في إحدى عاداته في الشهر الكريم، حيث تخرج كل أسرة بإفطارها إلى خارج المنزل، ويجتمع الرجال في مكان مخصص لتناول وجبة الإفطار ويجلسون على البروش المعدة لذلك، وكل منهم يأتي بما يستطيع؛ كي يأتي من يسيرون في الشوارع أثناء آذان المغرب ويستطيعون الإفطار دون حرج.

أما بعد الإفطار، فيكون الجلوس في حلقات للحديث والحكايات وبعد ذلك الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة التراويح، وفي موعد السحور يجتمع شباب الأحياء ليؤدون دور"المسحراتي" حاملين الدفوف لطرقها منادين في الناس ومرددين بعض الأناشيد الدينية ليتناولوا سحورهم وأداء صلاة الفجر في جماعة.