في حوار "الهلال اليوم"، مع الروائي والمترجم يوسف نبيل، دخل معنا إلى عقل الكونت ليف نيكولافيتش تولستوي، أحد عمالقة الرواية الروسيين، وهو المفكر
والمصلح الأخلاقي، وصاحب مشروعات أخرى تتعلق بمفهومه للأدب الروسي الجديد.
يوسف نبيل مترجم مصري شاب، درس اللغة الروسية في كلية الألسن، واهتم
بالأدب الروسي في سن مبكرة وتخصص فيه كي ينقل إلى قارئ اللغة العربية أعمالا جديدة
لا يهتم بها كثيرون. تأثر كثيرا بما قرأ عن عمالقة الفكر والأدب الروسي، كان له
مؤخرا مشروعا كبيرا مع دار آفاق للنشر والتوزيع، ستة مجلدات تحمل عنوان
"يوميات ليف تولستوي"، وسألناه:
كيف كانت بداية الشغف بالأدب الروسي؟
"قرأت في الثانوية العامة كتابا عن حياة تولستوي تم نشره في الهيئة العامة
لقصور الثقافة بعنوان "تولستوي"من تأليف المؤرخ والناقد الراحل محمود
الخفيف، هنا بدأ كل شيء وقررت تغيير مسار حياتي، وجدت عند تولستوي عالما مختلفا،
ثم قرأت أحد روايات ديستوفيسكي، فحولت أوراقي في المدرسة من علمي إلى أدبي حتى
التحق بكلية الألسن ودراسة اللغة الروسية حالما بترجمة كل ما يخص هذا العالم الجديد"، و"منذ تلك اللحظة وكان تأثري بليف تولستوي يشكل جزء من شخصيتي، لكني فقدت بعض من الأمل حين بدأت في الدراسة في ذلك
القسم حد أنني حين تخرجت في كلية الألسن، لم ألجأ مباشرة للترجمة، فلم يهتم أحد من
أساتذة الجامعة بتحضيرنا لما هو آت، عن كيفية التعامل مع دور النشر، أو كيفية
اختيار عنوان أو كاتب، كيفية البدء في عالم الترجمة".
ما المشكلات التي واجهتك في البداية كمترجم؟
كمترجم متخصص في اللغة الروسية، لم
أبدأ بها، بل إن أول كتاب ترجمته إلى العربية كان من اللغة الإنجليزية، ترجمت بعض القصص القصيرة لكافكا، وكتابا لستيفان زفايج، ثم بدأ
تولستوي في العودة إلي مرة أخرى حين ترجمت كتاب السند المزيف، فبدأت في البحث في مكتبته الخاصة مرة أخرى، ولم أجد إلا
الروايات رغم أن تولستوي لم يكن روائيا فقط، هو كان مفكرا كبيرا وذا شأن وأثناء
البحث قرأت كتاب مقالات مترجم عنه بعنوان "ملكوت الله بداخلكم" لهافال
يوسف ورغم أن ليف تولستوي له أكثر من 90 مجلدا يتناول الكثير من أفكاره ورؤاه في
الحياة، فاخترت العمل على يومياته، وكان ذلك بداية العمل على هذا المشروع الذي
استغرق العمل عليه ما يقرب للعام ونصف العام ثم قامت دار آفاق للنشر بتجزئته
والعمل على نشره خلال 13 شهرا".
متى بدأت رحلة تولستوي؟
بالبحث داخل الـ90
مجلد الذين وجدتهم داخل الموقع الرسمي لتولستوي، تقريبا نصف تلك المجلدات كانت عن
يومياته ورسائلة، فانتقيت بعض من المقالات وترجمتها في كتاب بعنوان "في الدين
والعقل والفلسفة" عن دار آفاق للنشر، ثم ترجمت بعد ذلك مجموعة مقالات أخرى في
كتاب آخر بعنوان "في العلوم والأخلاق والسياسة" ثم ترجمت له كتاب
"طريق الحياة"، ثم بدأت في العمل على يومياته الخاصة، لم تكن منقسمة إلى
ستة أجزاء كما نشرت بل وضعت لها نسقا مترابطا وقسمتها إلى 6 أجزاء، ثم وضعت له
برنامجا زمنيا على مدار العام ونصف حتى أنهيت العمل قبل المدة المحددة ثم بدأ
النشر".
كيف كان العمل داخل عقل تولستوي وكيف تأثرت به شخصيا؟
بدأ تولستوي كتابة يومياته حين كان في التاسعة عشر من عمره ولم يتوقف إلا
قبل وفاته بحوالي ثلاثة أيام فقط، أي ما يقرب من 63 عاما فقط من اليوميات
والأفكار، رحلة حقيقية داخل عقل ووجدان تولستوي، تميزت يومياته بأنها وصفت شخصه،
تطوراته ونضجه، أفكاره التي بدأها ولم ينهيها أو تراجع عنها، كيف واجه وتحول طوال
الثلاث وستون عاما من شاب صغير يكتب عن مرضه الجنسي وكيف يعالجه إلى هذا الكهل
الكبير الذي يصلي إلى الله راغبا في نهاية تليق به، كيف تحول تولستوي إلى مصلحا
أخلاقيا، كيف رأى العالم من حوله وتخلى عن الثقافة الجمعية وأصبح منفردًا متفردًا
في أفكاره ومعتقداته الحياتية.
وفي يوميات تولستوي، عرفت أن هناك كثير من المعلومات
المغلوطة قيلت عنه، كثير من الأحكام أو الآراء الشخصية صاغت أفكارا حوله فحاولت
توصيلها كما وجدتها دون التأثر بما هو متعارف عليه، كما أنني كمترجم حاولت إيصال تراكيب جمله
الطويلة المكونة من 60 أو 70 كلمة كما هي، لم أحذف أو أقوم بتعديل طريقته في
التعبير، لأنها يومياته، عبء دخول القارئ العربي إلى عقل تولستوي أثر عليّ كثيرا فكان لابد من تحري الدقة، بل إنني كنت ملتزما
بنقل ألفاظه وتعابيره الخاصة، لأنه لم يستخدم المجاز أو الخيال في يومياته بل كان
واضحا صريحا، حتى فيما يتعلق بأسرار حياته الشخصية".
حدثنا عن مشروعك القادم؟
مشروع جديد عن
الأدب الروسي غير المعروف، أو المعروف منه قليل، مع نفس دار النشرن يتناول الفترة من أربعينيات القرن التاسع عشر
وصولا إلى الأعمال المعاصرة التي يتم نشرها في الفترة الحالية. توثيقا لما مر به
المجتمع الروسي خلال مئات السنوات من ثورات ومعارك مجتمعية وسياسية، عن أسباب إنتشارهم بالعنف، وتوثيق للثورات البلشيفية والحرب الأهلية، سوف نقوم
بترتيب تلك الأعمال ترتيبا زمنيا وتقسيمها إلى مراحل تراتبية في الأدب الروسي،
وسوف أقوم بترجمة أعمال الأدباء غير المنتشرين لدينا، مشهورين فقط في روسيا، سيقع
الاختيار على الأعمال التي التي تتناول الهم الإجتماعي والسياسي بشكل واضح كنوع من
أنواع التأريخ لمنتج هذا المكان الأدبي، سوف ننشر أدب روسي جديد".