أكد الباحث والكاتب حسام الحداد أن كثيرون تناولوا عهد الإمام علي بن أبي طالب لمالك الأشتر، لكن للأسف الشديد لم تصل كتاباتهم لنا، ربما لتقصير منا وربما لسوء توزيع الأعمال من قبل دور النشر وربما لأسباب أخرى، لذا كان من الضروري إعادة نشر هذا العهد ومحاولة مناقشته خصوصاً بعد ما مرت به منطقتنا العربية بما أطلق عليه "الربيع العربي".
وأضاف الحداد في تصريحات خاصة لـ«الهلال اليوم»: تضمن عهد الإمام علي _رضي الله عنه_ لمالك الأشتر، ما يتعارف عليه في الأوساط الأكاديمية والمؤسسات الدولية بمرتكزات ومبادئ الحكم الراشد السليم، وبذلك إمكانية صلاحية العمل بما تضمنه العهد في الواقع العملي، لتوزيع القوة بين مؤسسات الحكم والمجتمع –مؤسسات حكم قوية ومجتمع قوي- على المستوى الداخلي، وتنظيم العلاقة مع الخارج، بجهاد الأعداء، وعقد المواثيق والعهود –صنع السلام- وفي هذا الجانب اهتمت الأمم المتحدة به بالتزامن مع تبنيها مفهوم ومبادئ الحكم الرشيد الصالح، المتزامنة مع فترة كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة "السابق"، الذي وصل العهد إلى أذنه عن طريق زوجته السويدية، وحينها قال: "إن هذه العبارة من العهد يجب أن تعلق على كل المؤسسات الحقوقية في العالم، والعبارة من العهد هي: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً، تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق»، وهذه العبارة جعلت كوفي عنان ينادي بأن تدرس الأجهزة الحقوقية والقانونية العهد العلوي، وترشيحه لكي يكون أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وبعد مداولات استمرت لمدة سنتين في الأمم المتحدة صوتت غالبية دول العالم على كون العهد العلوي كأحد مصادر التشريع لقانون الدولي”.
وأضاف مؤلف كتاب «الإمام علي وأصول الحكم» تضمن تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية-النسخة العربية- للعام 2002م عدداً من مقولات الإمام علي _عليه السلام_ حول العلم والثقافة والتنمية الإنسانية، ويذكر التقرير أن هذه الوصايا الرائعة تعد مفخرة لنشر العدالة وتطوير المعرفة واحترام حقوق الإنسان، وشدد التقرير على أن تأخذ الدول العربية بهذه الوصايا في برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، واشتمل التقرير على منهجية الإمام علي _عليه السلام_ في السياسة والحكم وإدارة البلاد والمشورة بين الحاكم والمحكوم، ومحاربة الفساد المالي والإداري، وتحقيق مصالح الناس، وعدم الاعتداء على حقوقهم المشروعة، واقتبس التقرير شرط الإمام علي عليه السلام للحاكم الصالح الوارد في نهج البلاغة: “إن من نصّب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، فمعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس”، واقتبس التقرير مقاطع من وصايا الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر، التي يؤكد فيها على استصلاح الأراضي والتنمية، يقول: “وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلا”، كما أورد التقرير أيضاً أساليب الإمام علي _عليه السلام_ في محاربة الجهل والأمية وتطوير المعرفة، ومجالسة العلماء يقول لأحد عماله: “وأكثر من مدارسة العلماء ومناقشة-ومنافسة- الحكماء في تثبيت ما يصلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك”.
وأورد التقرير شروط اختيار الحاكم –القاضي- العادل، ومكانته وحقوقه قول الإمام علي: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك لنفسك، ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحّكه الخصوم، ولا يتمادى في الزّلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم في الحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الحكم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إعراء، وأولئك قليلون، ثم أكثر تعاهد قضائه، وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتياب الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا».