كانت قصائد
حسان بن ثابت، شاعر الرسول (صلى الله عليه وسلم)، من بدايات الإنشاد الديني والقاعدة
التى انطلق منها المنشدون. ثم تغنَّوا بقصائد أخرى لغيره من الشعراء الذين كتبوا
في موضوعات متنوعة منها: الدعوة إلى عبادة الله الواحد، والتمسك بالقيم الإسلامية
وأداء الفرائض من صلاة، وزكاة، وحج إلى غير ذلك, وتطور الإنشاد حتى وصل أن أصبحت له مدرسة تقدمه
على أساس علمي وهو ما نعرفه في السطور التالية.
يمتاز الإنشاد
الدينى بمحدودية تدخل الآلات الموسيقية والاعتماد شبه الكلى على جمال وعذوبة
مغنيه, الذين يتغنون فى العشق الإلهى ومدح الرسول والوحدانية والملكوت وفي عهد
الفاطميين تطور فن الإنشاد الديني لاهتمامهم بالاحتفالات المجتمعية. فهم أول من
أقاموا الاحتفال برأس السنة الهجرية، وبليلة المولد النبوي الشريف، وليلة أول رجب،
وليلة الإسراء والمعراج، وليلة أول شعبان ونصفه، وغرة رمضان، ويوم الفطر، ويوم
النحر، وهم الذين قاموا بالاحتفال بمولد أمير المؤمنين على بن أبى طالب، ومولد
ولديه الحسن والحسين والسيدة زينب، ويوم النيروز (شم النسيم) ويوم الغطاس وخميس
العهد مشاركة للإخوة المسيحيين في مناسباتهم الدينية. وكانت الأناشيد الدينية أساس
هذه الاحتفالات مما دفع المنشدين لتطويرها بقوة.
كل ذلك ظل
يعتمد على الموهبة الفطرية وتعليم جيل لجيل آخر, حتى ظهرت فى مصر ومنذ سنوات قليلة
فقط فكرة إنشاء مدرسة متخصصة للإنشاد قوامها المنهجية وتعليم المنشد كل القواعد الدراسية
التي تؤهله لحياة عملية مختلفة.
يقول الشيخ
إيهاب يونس مدير مدرسة الإنشاد السابق وعضو مجلس إدارتها إن بداية فن الإنشاد
الدينى الحقيقية ترجع إلى عهد الفراعنة ثم انتقل إلى الدين المسيحى حيث التراتيل
والترانيم ليبدأ الإنشاد الدينى فى الإسلام مع استقبال أهل المدينة لرسول الله صلى
الله عليه وسلم بالترحاب أثناء دخوله المدينة "طلع البدر علينا من ثنيات
الوداع, وجب الشكرعلينا ما دعا لله داع" واستحسن رسول الله الشعر من كعب بن
زهير عندما أراد أن يصالح النبى صلى الله عليه وسلم بعد أن علم أن الرسول أوعده
بأن يقتله فجاء ونظم قصيدته : (بانت سعاد) إلى أن قال: (إن الرسول لنور يستضاء به -
مهند من سيوف الهند مسلول) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل قل: (مهند من
سيوف الله مسلول) وأكمل إلى أن ألقى عليه النبى بردته فسميت ببردة كعب بن زهير.
ثم كان حسان
بن ثابت الذى أوكل إليه هجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن عندما التقى برسول
الله قال: لما نظرت إلى أنواره سطعت وضعت من خيفتى كفى على بصرى خوفاً على بصرى من
حسن صورته فلست أنظره إلا على قدرى. وعندما دخل فى الإسلام استمر فى الإنشاد لرسول
الله حتى صنع النبى له المنبر قائلاً له: (قل يا حسان فـروح القدس تؤيدك).
وعن مراحل
تطور فن الإنشاد الدينى يقول الشيخ إيهاب يونس: مر الإنشاد بمراحل تطور عديدة خلال
عهد الخلفاء الراشدين مروراً بالعهد الأموى فالعباسي إلى أن وصل فى القرون الأخيرة
وازدهر مع ظهور تكنولوجيا التسجيلات والمشايخ الذين علمونا ووضعوا قواعد وأسس الإنشاد
من القرن التاسع عشر أمثال , الشيخ أحمد ندا والشيخ على محمود, والشيخ محرز سليمان,
والشيخ إسماعيل سكر والعديد من المشايخ مثل النقشبندى والهلباوى ومازال الإنشاد فى
تقدم وتطور على أيدى الأجيال الجديدة.
ومن منطلق
التطور المستمر جاءت فكرة إنشاء أول مدرسة متخصصة للإنشاد الدينى على يد نقيب
المنشدين الشيخ محمود ياسين التهامى فكان من أعظم ثمرات نقابة المنشدين هو أن يكون
هناك مدرسة للإنشاد يتعلم منها الشباب الإنشاد على أسس علمية وصحيحة, وتم إنشاؤها
ويقوم بالتدريس فيها كل من: الشيخ طه الإسكندرانى ومحمود التهامى وعلى الهلباوى ومصطفى
النجدى.وتم تخصيص قصر الأمير طاز كمقر رسمي للمدرسة, ومن أهم صفات الطالب الملتحق
بالمدرسة أن يكون صاحب أذن موسيقية ولغة عربية سليمة, وقد تخرج من المدرسة أسماء
معروفة حاليا مثل شيماء النوبي التي تعمل مع الشيخ زين والفنان محمد عاطف.
ومن خريجات
مدرسة الإنشاد آية الطبلاوي حفيدة نقيب القراء الشيخ الطبلاوي وتقول: تخرجت عام
2014 وكانت مدة الدراسة ستة أشهر بمثابة "كورس" إنشاد مكثف لتعليم أصول
وفنون الإنشاد الدينى واللغة العربية والشعر وكل ما يؤهلك لتصبح منشدا محترفا على
أيدى مشايخ المهنة. وأول درس كان تعلم كيفية اكتساب ثقة المنشد فى نفسه والإنشاد رسالة
نستطيع من خلاله توصيل دروسا وعظة وتعلمنا أن الأذن هى أول مدخل التعلم لأنها
ستصبح بمثابة المعلم فيما بعد لكي نستمع جيدا, وما تعلمته من اختبارات ودراسة
للتواشيح القديمة التى تغنى بها مشايخ الإنشاد الكبار هيأنى للعمل, فقد أصبحت أقدم
أعمالى وأنا أمتلك ثقة كبيرة فى نفسي.