تنشر بوابة «الهلال اليوم» فصلاً جديداً من كتاب «الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية»، والذي يحمل عنوان "اللعب مع التكتلات الدينية"
مخططات تفجير كتلــــة الأقـبـاط
(استخـدام السلفيين لإرهـاب المسيحيين ومكافأة من
يكفّرونهم.. التنظيم الإرهابى استهدف الكنائس
وسمح بتهجير الأقباط وحاول تركيعهم بكل الطرق)
لم يعد لدى أحد شك فى أن
جماعة الإخوان لن ترضى أبداً عن الأقباط.. لن ترضى مهما قدموا أو فعلوا.. إذا رضيت
فتأكد أنها تريد أن تستغلهم.. إذا غازلت فتأكد أنها تريد تنحيتهم جانباً حتى
يتمكنوا.. أقول إنها لن ترضى، فالجماعة ترى الأقباط دائماً خونة حتى وإن كانوا
أكثر منهم وطنية.. ترميهم بالكفر حتى لو كانوا أكثر إيماناً منهم.. على الأقل لا
يرفعون الإنجيل فى وجوهنا، ولا يستغلونه فى أغراض سياسية ولا يتاجرون به بين الناس
مثلما تفعل الجماعة الفاشية التى كانت ولا تزال تصدعنا بشعارات لا يعملون بها..
يرددونها ليل نهار من باب المزايدة على خلق الله.. لن ترضى الجماعة الفاشية، فهم
ومنذ أن بدأ التنظيم السرى ينصبون الأقباط عدواً لهم.. يحرضون الناس عليهم ويعملون
على تشويه صورتهم.. منذ أن بدأوا وهم يتعمدون قتلهم والتمثيل بأجسادهم وحرق
كنائسهم.. مثلما حدث سنة 1947 عندما قامت الجماعة بحرق إحدى الكنائس بمدينة
الزقازيق، وخرجت جرائدها تحرض على الأقباط وتدّعى كذباً أنهم قاموا بالاعتداء على
مسلمين لتبرير جريمتهم، وبعد 5 سنوات تقريباً ارتكبوا ما هو أبشع فى حق الأقباط..
الجماعة تذبح أقباطاً بمدينة السويس وقبل أعياد الميلاد.. ذبحتهم ثم سحلتهم ومثلت
بالجثث ثم ذهبوا بالجثث للكنيسة وحرقوها.. جريمة يمكن مقارنتها بما جرى مع الـ21
قبطياً الذين تم ذبحهم فى ليبيا.. فالتنظيمات الإرهابية التى ذبحت الأقباط فى
ليبيا خرجت من رحم هذه الجماعة.. وتتبنى أفكارها وتسعى لتنفيذها لإرهاب كل من لا
يؤمن بهم أو يتعاطف معهم.
طوال تاريخها لم تكف الجماعة عن إيذاء الأقباط والتحريض عليهم وقتلهم..
طوال تاريخها تسعى لدق الأسافين بينهم وبين النظام من ناحية وبينهم وبين غالبية
المصريين من ناحية أخرى.. فى كل مرة تفشل لكنها لا تكف عن تكرار التجربة وإثارة
الفتن ربما تنجح فى واحدة منها.. الذاكرة ما زالت تحفظ وقائع كثيرة لكراهية
الجماعة للأقباط.. وقائع تؤكد لنا فاشيتها وفى نفس الوقت تؤكد لنا وطنية الأقباط
وإيمانهم بهذا البلد مهما جرى معهم.. وقائع هدفها تكدير النظام وترهيب الأقباط،
وهو أمر من ثوابت الجماعة الفاشية والتنظيمات الإرهابية الخارجة من رحمها فى كثير
من الدول.. هى تنظيمات تخدم أهداف الجماعة وتنظيمها.. فى نهاية سنة 2010 وقعت
تفجيرات فى بغداد.. وقتها لم يكن غريباً أن تستيقظ بغداد على تفجيرات.. هى تعودت
على ذلك.. مبتلية به.. فى كل يوم قنبلة تقتل أشخاصاً لا ذنب لهم.. فى كل يوم دبابة
تدهس ناسها الطيبين.. تعودت بغداد أن تسبح فى نهر من الدماء بأيدى حكامها
المتجبرين والمتغطرسين أو حكامها العملاء أو القتلة من الأمريكان.. التفجيرات فى
هذه المرة استهدفت عدة كنائس فى بغداد.. منها كنيسة سيدة النجاة للسريان
الكاثوليك.. المسلحون هاجموا الكنيسة وقت إقامة قداس الأحد.. استهدفوا مصلين آمنين
لاذنب لهم.. هجوم راح ضحيته 52 قتيلاً وأكثر من 70 جريحاً.. رهائن احتجزوها
للمساومة بهم.. تفجير الكنائس أمر جديد على بغداد فى الفترة الأخيرة.. سكانها
اندهشوا من استهداف الكنائس فقد نسوا ما كان يجرى معهم منذ زمن بعيد.. تنظيم «دولة
العراق الإسلامية» الموالى لتنظيم القاعدة أعلن مسئوليته عن الهجوم، وإعلان هذا
التنظيم الذى يدين لأسامة بن لادن ليس غريباً وإنما الغريب ما جاء فى بيان هذا
التنظيم.. فقد أمهلوا الكنيسة القبطية فى مصر 48 ساعة للإفراج عن مسلمات مأسورات
فى سجون أديرة وكنائس بمصر.. يقحمون الكنيسة المصرية فى أمر لا يخصها.. من قال لهم
إن هناك مسلمات أسيرات فى أديرتها؟! من أفتى لهم بأن الأديرة تحولت إلى سجون؟!..
ما جاء فى هذا البيان تلقفه السلفيون والمتشددون ليشعلوا به فتنة جديدة.. انتشروا
عبر المواقع ليحرقوا البلد بكلام لا يرضى عنه الله ورسوله.. باركوا عبر مواقعهم
هذه التفجيرات.. قالوا إنها رد على ما حدث مع كاميليا شحاتة زوجة «تيداوس سمعان»
كاهن المنيا.. وهى القصة المشهورة التى تناولتها كل وسائل الإعلام فى حينها حتى
وصل صداها إلى الكونجرس الأمريكى.. خرج الغوغائيون ليقطعوا بإسلامها.. أقاموا
المظاهرات فى الجوامع والشوارع وطالبوا بأن تظهر لهم وأن ترفع الكنيسة يدها عنها..
فهم على يقين من أنها أسلمت.. كأن إسلام كاميليا هو كل ما ينقص الإسلام
والمسلمين.. هى مثل غيرها تختار الديانة التى تريدها وترتاح إليها.. هى مثل غيرها
لا شىء يمنحها ميزة حتى لو كانت زوجة لكاهن.. المتشددون فقط هم من يرون فى ذلك
نصراً وفتحاً كبيراً.. أن تسلم زوجة كاهن هى ضربة قاسمة للكنيسة وضربة موجعة
للعقيدة المسيحية.. وقتها لم يكن هناك دليل قاطع على إسلام كاميليا شحاتة..
إجراءات إشهار الإسلام كثيرة، منها أن يذهب ورق من يريد الإسلام إلى الأزهر وأن يكون
هناك محضر محرر فى قسم شرطة ثم يذهب ورقه إلى أمن الدولة ومنه إلى لجنة النصح فى
الكنيسة.. فيما عدا ذلك يعد الكلام عن إسلام شخص من عدمه نوعاً من أنواع الوهم..
وما أسهل على المتشددين أن يمسكوا فى الوهم ليحرقوا بلداً بأكمله.. لقد قطعت
الجماعة وأنصارها من المتشددين بإسلام كاميليا وأن الكنيسة أخفتها فليس من سلطة
المتشددين أن يجبروا الكنيسة على إظهار كاميليا.. هى سلطة الدولة فقط.. لكن الدولة
وقتها هى من سمحت لكثيرين أن يغتصبوا صلاحيتها.. هى من سمحت للمحتسبين الجدد
محاكمة من يشاءون وشق قلوبهم.. هى من سمحت لهم برفع الدعاوى القضائية على فنانين
ومخرجين وكتاب.. هى من سمحت لهم بتكفير من يختلف معهم.. هى من هيأت لهم المناخ
ليهددوا ويحرقوا.. الدولة سكتت عن حرق بيوت البهائيين.. هى من اكتفت بالجلسات
العرفية فى أى فتنة بين الأقباط والمسلمين.. فتن لم يحسمها القانون وإنما كلام
مصاطب فى لحظة ستجد من ينفض يده عنها كأن شيئاً لم يكن.. هى من أدارت هذا الملف
بطريقة أمنية وهو ما لا يستقيم مع المصريين.. التعامل الأمنى هنا يربك أكثر مما
يفيد، وتذكروا عندما حاربت الدولة الإرهابيين فى الثمانينيات والتسعينيات ووقفت مع
المثقفين والكتاب والفنانين فى خندق واحد.. حاربوه وانتصروا.. الدولة وقتها هى من
غيبت المصريين بترك شيوخ القنوات المتطرفة ولسنوات يبثون سمومهم وكراهيتهم
وإرهابهم.. ليصبح كل واحد من المصريين معرضاً للخطر.. معرضاً للقتل كما جرى مع فرج
فودة.
بارك المتشددون الهجوم على الكنيسة فى بغداد.. وراحوا ينشرون على
مواقعهم مواقع لأديرة وكنائس فى مصر.. ثم سألوا فى ظنك فى أى كنيسة توجد كاميليا
شحاتة؟.. أرادت الجماعة والخارجون من رحمها نقل الإرهاب من بغداد إلى مصر.. هم
يستدعون أسامة بن لأدن وأتباعه ليحرقوا ويدمروا ويفجرواويغتالوا من يشاءون.. لقد خرج
المتشددون وقتها فى مظاهرات من أجل كاميليا شحاتة.. لم يخرجوا عندما قتل مصرى فى
ألمانيا.. لأنه ببساطة قبطى.. كانوا سيخرجون لو أن الرجل مسلم.. هم لا يرون أنه
مصرى يستحق أن نخرج لنطالب بحقه ممن قتله.. هم يفتشون فى ديانته.. ومادام قبطياً
فقتله حلال.. ولو كانت مروة الشربينى التى قتلت أيضاً فى ألمانيا قبطية ما خرجوا
فى مظاهرات ولا أشعلوا الدنيا صراخاً.. هم يختصرون الوطن فى لحية مقززة ونقاب يثير
الفزع!
هذه الواقعة تؤكد لنا على كراهية الجماعة بل وتؤكد
على أن ما يجرى فى المنطقة ليس بعيداً عنا.. ذكرت هذه الواقعة بالتحديد لأنها جرت
نهاية سنة 2010 وبعد شهرين تقريباً وقبل أن نودع السنة جرى تفجير كنيسة القديسين
فى يناير من نفس السنة أثناء أعياد الميلاد، الخارجون من رحم الجماعة الذين
توعدونا وهددونا نفذوا ما أعلنوه تأديباً لنا جميعاً وليس للأقباط فقط.. نفذوا
تكديراً للنظام وتهديداً للأمن القومى.. التفجير الذى جرى استغلاله وقتها فى إشاعة
الفوضى فى البلاد لأنه لم يمر شهر إلا وجاءت 25 يناير.. التاريخ الذى استغلته
الجماعة والخارجون من رحمها لكى يصلوا لكرسى الحكم.. كالعادة حاولت الجماعة
الفاشية أن توهم الجميع أنها لا تضمر شراً للأقباط، تقربت لهم بكل الوسائل وكفت
مؤقتاً عن تكفيرهم ربما يصدق الأقباط وبالتالى يأمنون لهم.. نجحت الجماعة فى
البداية فى خداع المصريين الذين لم يكونوا يعرفون ما تبطنه تجاه هذا البلد.. نجحت
فى خطف البرلمان الذى جرى حله فيما بعد، وجاءت اللحظة العظيمة التى ينتظرونها..
لحظة انتخابات الرئاسة التى جرت فى المرحلة الانتقالية الأولى.. فى هذه الفترة زار
محمد مرسى مرشح الجماعة الكنيسة حتى يؤكد للأقباط أنه وجماعته معهم وليس ضدهم..
أعلن أنه سيختار مساعداً للرئيس من الأقباط وعندما جاء وحكم استعان بسلفى ليصبح
مساعداً له.. ما إن فاز أدار ظهره ولم يزر الكنيسة فى احتفالات أعياد الميلاد..
فقط اكتفى بإرسال هشام قنديل رئيس الحكومة وقتها للمشاركة فى هذه الاحتفالات.. حضر
قنديل لدقائق معدودة وظهر أمامنا جميعاً ضيقه الشديد.. ما جرى كان طبيعياً جداً
ويتسق مع أفكار الجماعة وثوابت تنظيمها.. فالجماعة التى تحرم تقديم التهنئة
للأقباط فى أعياد الميلاد لا يمكنها أن تشاركهم هذه اللحظة.. الآن الجماعة فى
الحكم لا بد من إرهاب الأقباط.. لا بد من زيادة نبرة تكفيرهم.. لا بد من رميهم
بالخيانة ليكونوا طوعاً لهم.. الجماعة تزايد على وطنية الأقباط رغم أن التاريخ
يشهد بوطنية الأقباط.. أذكر ما قام به القبطى سعد عريان أثناء ثورة 1919.. فى هذه
الفترة كان المصريون جميعاً على قلب رجل واحد من أجل هذا البلد.. الجميع نحّى
خلافاته جانباً.. البلد خالية من الجرائم.. كانت مصر تسعى للحصول على استقلالها،
وكان الوطنيون المخلصون يفعلون كل شىء من أجل الوطن.. وهبوا أرواحهم فداءً له..
أرهقوا أعداء الوطن من محتلين ومن بعض المصريين بتحركاتهم على الأرض حتى لو قتلوا
من يتعاون مع المحتل.. فى هذه الفترة استقال محمد سعيد باشا رئيس الحكومة اعتراضاً
على لجنة ملنر، ورفض كثيرون تشكيل الحكومة وقبل بها يوسف وهبة وقد كان قبطياً..
وقتها ذهب وفد من الأقباط وقابلوا يوسف وهبة ليقنعوه بعدم قبول تشكيل الحكومة حتى
لا يشق الصف الوطنى.. وفشل الوفد القبطى فى إقناع يوسف وهبة.. لم يكن أمام الثوار
سوى التخلص منه واغتياله.. كان سعد عريان ينتمى لمنظمة اليد السوداء.. تمسك بأن
يقوم هو بتنفيذ العميلة حتى لا يقال إن مسلماً قتل قبطياً فتحدث فتنة، قال فى
مذكراته إنه سينفذ العملية ويسلم نفسه حتى يعلم العالم أن المعتدى ليس من
المسلمين، قال لصاحبه: «أنا ميت على كل حال إن لم أمت اليوم فأنا ميت حين تدركنى
الشيخوخة لكن الوطن حى لن يموت.. لا يحق لنا أن نترك الوطن يخلد فى القيود لكى
نحتفظ بأرواحنا إلى حين».. فشل فى الاغتيال وقبض عليه وذهبوا به لرئيس الوزراء
فقال له: أنا قبطى أردت أن أغسل بدمى ودمك ما وصمت به الأقباط بقبولك تأليف
الوزارة».. تم الحكم عليه بعشر سنوات أشغالاً شاقة.. وأفرج عنه بعد 4 سنوات بعفو من حكومة سعد زغلول.. سعد عريان
نموذج لأقباط كثيرين رهنوا أرواحهم لهذا الوطن.. هؤلاء ظهروا جلياً لنا أثناء
السنة الكبيسة التى حكمت فيها الجماعة الفاشية.. تحملوا ما كانت تفعله الجماعة بل
كانوا سنداً أساسياً فى معركة مصيرية هى معركة استرداد الوطن.. فى هذه السنة
الكبيسة ما يقرب من 44 حادثاً طائفياً راح ضحيتها نحو 40 قبطياً ونحو 700 مصاب..
من اعتداء على كنائس وتهجير أسر برفح وأسيوط ودهشور.. فى هذه السنة أخرجت الجماعة
الفاشية السلفيين لإرهاب الأقباط بازدراء الدين المسيحى.. كان فى مقدمتهم ياسر
برهامى الذى أطلق فتاواه فى كل اتجاه حتى وصل إلى تحريم توصيل الكهنة للكنائس وأنه
أشد حرمة من توصيلهم للخمارة.. كانت الجماعة تبارك ما يفعله وكافأته بضمه للجمعية
التأسيسية للدستور.. عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية يقول إن الأقباط يقومون بتخزين
الأسلحة فى الكنائس.. خيرت الشاطر يعلن أن 80% من الموجودين أمام قصر الاتحادية من
الأقباط.. فازت الجماعة وبدأت السحل.. معركة فى دهشور بسبب مشاجرة بين مكوجى
ومواطن تم على إثرها تهجير عدد من الأسر.. حصار كنيسة بشبرا الخيمة بزعم أن
الكنيسة مخالفة.. نفس الأمر تكرر فى محافظة الفيوم، وحوادث أخرى فى بنى سويف
والإسكندرية وأسوان وكان للمنيا نصيب الأسد منها.. حوادث طرفها إما شاب مسلم وفتاة
قبطية أو شاب قبطى وفتاة مسلمة.. لم تفلح الجماعة فى إرهاب الأقباط.. لم تنجح فى
أن تثنيهم عن المشاركة فى الحراك ضدها وضد فاشيتها.. كانوا فى مقدمة الصفوف..
كانوا يعرفون - كما عريان سعد- إنهم سيدفعون الثمن من أرواحهم لكنه ثمن بخس أمام
حياة الوطن.. خرجوا ونجحوا مع غالبية المصريين.. كانت صورة 30 يونيو كافية لأن
تؤكد لنا أن الأقباط حجر زاوية فى هذه الثورة العظيمة.. الصورة التى جمعت بين
الجيش والداخلية والأزهر والكنيسة والقضاة وتمرد وغيرهم.. الصورة التى تؤكد لنا أن
قطيعة لا رجعة فيها وقعت بين الجماعة الفاشية وكل هؤلاء الذين يمثلون الوطن.. جرى
عزل مرسى فجنت الجماعة الفاشية.. مارست إرهابها ضد الجميع من استهداف الجيش
والشرطة والمنشآت المدنية والعسكرية.. استهدفت المواطنين العزل والأهم هنا استهدفت
الكنائس والأقباط.. فقدت عقلها وبدأت فى حرق الكنائس لتقترب من 100 كنيسة..
استهدفوا المصلين والأبرياء وهم فى بيوت الله.. تفعل ذلك لأنها لا تريد أن تترك
هذا الوطن إلا بعد تخريبه.. لا تريد أن ترفع يدها عنه إلا بعد أن تجده مثل بلاد
أخرى حولنا وفق مخططات غربية.. كثفت الجماعة الفاشية والخارجون من رحمها من
عملياتها الإرهابية.. تظن أنها ستجبرنا على رفع الراية البيضاء.. تظن أن حرب
الاستنزاف التى تخوضها مع الدولة من الممكن أن تعيدها للحياة مرة أخرى.. من الممكن
أن تعيدها للمشهد السياسى وربما كرسى الحكم.. لقد حدث خلال 3 أيام أن تستهدف هذه
الجماعة الجيش والشرطة والمسجد والكنيسة.. استهدفت كمين شرطة بالهرم راح ضحيته
ضباط وجنود شباب فى يوم جمعة.. مساء نفس اليوم كانت هناك عملية فى محافظة كفر
الشيخ تزامن معها عمليات فى الشيخ زويد.. لم يمر يومان حتى استيقظ المصريون صباح
يوم أحد على عملية جبانة استهدفت كنيسة العباسية.. 12 كيلوجراماً من مادة تى إن تى
شديدة الانفجار راح ضحيتها 25 من الأبرياء وأكثر من 50 مصاباً.. لا تفرق هذه
الجماعات الإرهابية بين مسجد وكنيسة.. لا تفرق بين من يحمل سلاحاً ليواجهها
ومواطنين عزل يذهبون لأداء ما فرض عليهم من صلوات.. هذه العملية يريدون بها إشعال
الفتنة الطائفية.. يريدون تأليب الأقباط على من يحكمون وربما على أشقائهم من
المسلمين.. يريدون إعادة أجواء ديسمبر 2010.. نفس الطريقة ونفس اللعبة توجوها
بتفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة.. فى هذا الشهر من هذه السنة
جرى استنزاف الشرطة الذين تمترسوا فى الشوارع والميادين فأرهقوها ثم انقضوا عليها
فى يناير لاستكمال ما بدأوه من مخطط.. نسيت هذه الجماعات أن المصريين استوعبوا
الدرس جيداً قبل الدولة نفسها.. نسوا أن هذا السيناريو لن يتكرر مهما حاولوا ومهما
استماتوا ومهما أمدتهم دول أجنبية وعربية بسلاح ومال ومعلومات استخباراتية.. لن
تسقط هذه الدولة كما تحلم هذه الجماعات.. لن تستسلم أمام عملياتها الإرهابية مهما
بلغت ذروتها وكثافتها، ولن ينجحوا فى إشعال نار الفتنة الطائفية.. فالأقباط أكثر
وطنية - وكما قلت- من هؤلاء الذين لا وطن لهم ولا دين.. الأقباط كانوا فى أول
الصفوف عندما خرج المصريون على الجماعة الإرهابية لإزاحتها من الحكم.. قالها
البابا عندما حرقت هذه الجماعة الكنائس: «كنائس بلا وطن لا معنى لها».. يعرف البابا
ومن بعده الأقباط أن أماكن العبادة ومهما كانت قدسيتها ليست أعز علينا من هذا
الوطن.. جميعنا يمكنه الصلاة فى الشارع بعيداً عن الكنائس والمساجد.. يؤدى ما كتب
عليه من فرائض لكنه أبداً لن يكون مرتاحاً وهو يؤدى هذه الفرائض وقد غابت شمس هذا
الوطن..
لم تهن عزيمة الأقباط لأن البابا تواضروس خرج ليعلن للعالم أجمع: «وطن بلا
كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».. عبارة كانت فارقة فى لحظة عصيبة.. عبارة ستجد
طريقها للخلود مثل العبارة الخالدة التى أطلقها البابا شنودة: «مصر ليست وطناً
نعيش فيه بل وطن يعيش فينا».. لم يكن البابا تواضروس حكيماً فقط وإنما رجل يمتلأ
بالوطنية.. الوطنية التى يمارسها دائماً فى مواقفه الداعمة لهذا البلد، ولا يعير
فيها اهتماماً بما تقوله الدول الكبرى.. وطنية دفعت الأقباط لأن يتحملوا ما لا
يمكن لأحد أن يتحمله.. يدفعون ثمناً كبيراً وهم راضون ومؤمنون بهذا الوطن.. لقد
تأكد لهم أن الدول الكبرى لا يعنيها ما يجرى مع الأقباط بقدر ما كان يعنيها
استخدام هذا الملف للضغط على الأنظمة الحاكمة.. لم تفعل هذه الدول الكبرى لهم
شيئاً وهى ترى الجماعة أثناء حكمها تكفر وتسحل وتقتل الأقباط دون رحمة.. تأكد لهم
أن الوجع وجعنا جميعاً لا وجع هذه الدول المتاجرة بنا وبكل ما يخصنا.. الجماعة
وأنصارها من التيارات المتطرفة دائماً ما كانوا يسعون لدق الأسافين بين الأقباط
والنظام مع كل حادث يتعرضون له.. كانوا يطلقون أكاذيبهم بأن حرق الكنائس وراءه
الدولة بهدف تفتيت هذه الكتلة المتماسكة، وفشلوا فى مخططاتهم لأن هناك رجلاً
وطنياً اسمه البابا تواضروس.. هو الرجل الذى رفض أيضاً مقابلة نائب الرئيس
الأمريكى اعتراضاً على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.. رفض أن يضع يده فى يد
من يساعد فى سلب الحقوق وتخريب الدول وإهانة المقدسات.. كانت رسالة البابا تواضروس
واضحة تماماً لأمريكا وإسرائيل معاً.. رسالة معناها أن أمريكا لن تهنأ باعترافها
المزور.. معناها أن مصر ترفض هذا القرار تماماً ولن يقبل أحد به.. قرار لن تمرره
الشعوب ولن ترضى به.. شجاعة البابا تواضروس بدت لنا أثناء السنة الكبيسة لحكم
الجماعة.. قالها فى وجه مرسى أن فترة حكمه هى أكبر فترة إحباط للأقباط.. لم يخف
غضبه وهو يرى قتل الأقباط وحرق الكنائس وتهجير أسر أثناء حكم الجماعة.. قالها
لمرسى وأعلنها صراحة: «إدارة الإخوان ليست جيدة لحكم بلد عظيم مثل مصر».. كان يريد
-وكما أعلن- الابتعاد عن السياسة لكن الأحداث جعلته يتصدر المشهد السياسى.. لاعباً
ومدافعاً عن الأقباط.. ممارسات الإخوان جعلته لا يخرج على شعبه ويحذرهم من
المشاركة.. مواقفه المعلنة أمام الجماعة وهى فى الحكم قوّت من عزيمة الأقباط..
الرمز قالها ولم يخف، فعلينا أن نفعل مثله.. علينا جميعاً أن نكون مثل عريان سعد
وهب حياته فداءً لهذا الوطن.. آثر ألا يشق الصف الوطنى لنحصل على الحرية.. فعلها
عريان سعد ورفاقه لاسترداد هذا الوطن من قبضة المحتل الإنجليزى، وفعلها الأقباط
لكى نسترد الوطن من قبضة الجماعة الفاشية.. الجماعة التى حاولت أن تختصر هذا الوطن
فى تنظيم - مجرد تنظيم- وفشلت.. لأن هذه الأرض المحبة للحياة لا يمكن أن تقبل بمثل
هؤلاء.. دفع الأقباط الثمن والجماعة فى الحكم ودفعوه بعد الإطاحة بهم من حياتهم
وكنائسهم لكنهم أبداً لم ولن يكفروا بهذا الوطن حتى وإن عادت لعملياتها الإرهابية
ولممارساتها الحقيرة.