"عليك
أن تودع الإسكندرية التى ترحل.. قل لها وداعاً.. وداعاً للإسكندرية التى تضيع منك".. الشاعر السكندرى اليونانى كفافيس.
إنها قرية
الصيادين رع قدت - راكوتيس - راقودة تحت سطح مياه الميناء الشرقى وفى العتمة نتيجة
للتلوث نجد شواهد بقايا معابد فرعونية وآثارًا من أعمدة وتماثيل يونانية رومانية
وعملات إسلامية، وعلى الأرض شواهد بقية مقابر يونانية رومانية ومن الحضارة
الإسلامية نجد السور ومصنع السلاح وقلعة قايتباى.. أما ما تركته المرحلة الكونية
(الكوزموبوليتانية) فهى شواهد حضارية وثقافية ومعمارية منها ما هُدّم ومنها ما يُهدّم
ومنها ما يتهاوى بفعل الإهمال.
تم إهداء إحدى مسلتي
(إبر كليوباترا) من
الوالى محمد على وضعت على نهر التايمز بإنجلترا عام 1878م وبجوارها أسدان فرعونيان
والأخرى لأمريكا أهداها الخديو إسماعيل.
في عهد محمد على
تزدهر المدينة ويمنح الوالى العطايا والمزايا للأجانب وما يتم من إنجازات فى أوروبا
تنقل سريعاً إلى الإسكندرية، ونتذكر هنا الصورة الفوتوغرافية الأولى كانت لمحمد
على بقصره برأس التين نوفمبر 1839م مباشرةً بعد ظهور التصوير الضوئى فى أغسطس 1839
.. ومن المظاهر الحضارية تكليف الخديو إسماعيل النحات الفرنسى چكمار 1872 لصنع
تمثال لمحمد على (أول تمثال يوضع بالإسكندرية) أسوة بتماثيل روما وفرنسا وهو قطعة
فنية فريدة (يوجد منه نسخة مصغرة بمتحف الفنون الجميلة) وكان مقرراً أن توضع عند
قاعدته أربعة أسود تم تعديل حجمها ليتم وضعها على كوبرى قصر النيل وذلك بعد خروج
بعض المشايخ من مسجد أبو العباس اعتراضاً على التمثال وتصدى الشيخ محمد عبده وأصدر
فتوى تبيح التماثيل.
وتأتى الضربة
للمدينة الوليدة حيث يوجه الأسطول الإنجليزى مدافعه عام 1882 وخاصة على مركزها
الحيوى ميدان القناصل (المنشية) ويقصف المنطقة ويدمرها ولا يبقى منها غير تمثال
محمد على وأسقفية سان مارك (نذكر هنا أن لديها مركزاً ثقافياً الآن مفعم بالنشاط
الثقافى يسمى «أركان») وبقى أيضاً مبنى قنصل اليونان توسيتزا وهو أيضاً قصر العدل
وفى عام 1900 عدل المبنى وأضيف إليه طابق ليصبح بورصة الإسكندرية وفى عام 1962
يتحول لمبنى الاتحاد الاشتراكى ويحرق عام 1977 ويهدم كلياً ويصبح موقعه جراج
للسيارات وتبعث المدينة من جديد كطائر الفينيق يخرج من رماده ويبعث حياً كما تقول
الأسطورة فتظهر حركة الإنشاء بوتيرة سريعة المبانى والوكالات والفيلات وتظهر الطرز
المعمارية اليونانية والإيطالية والفرنسية فنجد المهندس الإيطالى (لوريا) مصمم
فندق سيسيل وبنك مصر وإدارة الجامعة وأيضاً عمارتى محطة الرمل فينسيا الكبرى
وفينسيا الصغرى (أطلق عليهما عمارتا لوريا) صورت بعض المشاهد السينمائية لفيلم "ميرامار"
قصة نجيب محفوظ فى إحداهما (المدخل والتراس والشارع)
وتطورت وأنشئت
المساجد والكنائس والمعابد... تطور مسجد المرسى أبو العباس على يد المهندس
الإيطالى ماريو روسى الذى استورد ستة عشر عاموداً جرانيتياً من إيطاليا العمود
مثمن القطر (85 سم) وارتفاعه (8.60 متر) استعان بها فى رفع سقف المسجد وهناك فيلم
للرائد محمد بيومى عام 1932 يسجل فيه نقل الأعمدة من الميناء لموقع العمل، كما صمم
المهندس ماريو روسى مسجد القائد إبراهيم ذا المئذنة المدببة العالية وقاعدتها
المربعة والتى تنفرد بوجود ساعة فى ثلاثة من جوانبها والساعات متوقفة كل ساعة تشير
إلى وقت مختلف (الساعات شاهدة على زمن مضى).
وأعيد بناء
الكنيسة المرقسية عام 1870 على الطراز البيزنطى وتطورت 1952 وتوسعت 1990
والبطريركية اليونانية ذات الجرس الشهير القابع فى فنائها والذى يزن 3 أطنان ولم
تحتمله منارتها رغم محاولة الثرى اليونانى سلفاجو تقويته وتدعيمه دون فائدة والجرس
إهداء من ملك اليونان لبطريرك اليونان الذى أهداه بدوره لبطريركية الإسكندرية.
وتعددت المعابد
اليهودية وانتشرت فى أحياء المدينة ومن أشهرها معبد (الياهو حنابى) بشارع النبى
دنيال وهو تحفة معمارية يجرى ترميمه الآن من قبل هيئة الآثار المصرية وموقعه موقع
المعبد القديم الذى قصفه نابليون فى حملته وأصدر محمد على فرماناً لإعادة البناء
عام 1805.
وعن مدارس
الجاليات الأجنبية أنشئت مبكراً مدرسة البنات (إفيروف) اليونانية عام 1878 بناها
الثرى (جورج إفيروف) رئيس الجالية اليونانية وكان له شارع باسمه تحول إلى اسم شارع
الشهداء بعد مظاهرة شعب الإسكندرية فى 4 مارس 1946 ضد الاحتلال الإنجليزى. ومن
المدارس الأجنبية فيكتوريا كولدج عام 1901 والتى درس بها الملك حسين وعمر الشريف
ويوسف شاهين وكلية سان مارك 1928 والليسيه فرنسيه 1913 ومدرسة الجيزويت التى قضى
الفنان التشكيلى السكندرى محمود سعيد فترة تعليمية بها ومدرسة سلفاجو (الثرى
اليونانى) وله فيها تمثال من صنع النحات السكندرى محمود مرسى بمشاركة مع النحات
اليونانى جان باباز، وبمناسبة استقبال بطولة أمم إفريقيا 2019 باستاد الإسكندرية
نتذكر اليونانى أنجلو بولاكى (مندوب مصر فى اللجنة الأولمبية 1910) وهو صاحب فكرة
إنشاء الاستاد والتى اقترحها على بلدية الإسكندرية وسمى استاد فؤاد الأول وافتتحه
الملك فؤاد 1929.
وبعد ضرب
الإسكندرية 1882 انتقلت الفيلات من منطقة المنشية إلى شارع فؤاد (رشيد سابقاً)
ومنها فيلا منا (القنصلية اللبنانية الآن) وقصر أجيون (مبنى الأهرام) وفيلا أسعد
باسيلى تاجر الأخشاب (المتحف القومى الآن) وفيلا سلفاجو (تاجر القطن) وهى فيلا
رائعة التصميم خارجياً وداخلياً ويميزها سلمها المصنوع من الخشب النفيس وزجاجها
المعشق الهائل المساحة والشكل (المركز الثقافى الروسى الآن) وفيلا تمثاكو 1893 وهو
صاحب فبريكة حلوى الفاكهة المجففة المسكرة وبيعت الفيلا للثرى اللبنانى السورى
إدوار كرم تاجر الأخشاب وقام بتعديلها مهندس الإسكندرية الشهير فرديناند وبأنه (له
بورتريه مشهور من رسم الفنان سيف وانلى) (الفيلا يشغلها الآن أتيليه الإسكندرية)
ومن أشهر الفيلات فيلا "مجلع سكن الأتيليه" فيها فترة من الزمن فى الدور
الأول منها وجمعية الصداقة الفرنسية المصرية الدور الثانى وهى جمعية رأسها د. حسين
فوزى (سندباد مصر) وأقيمت فيها العديد من المعارض والندوات ولسيف وأدهم وانلى
العديد من المعارض فيها ومن ذكريات فيلا مجلع التى تقبع فى شارع فؤاد أمام شركة
المياه أن ألقى سعد زغلول خطبة شهيرة من تراسها 1921 أمام الجماهير المحتشدة
والفيلا مهملة تماماً وتكاد تنهار... واستحوذ حى محرم بك على العديد من الفيلات
والسرايات منها سراى عرفان باشا جد سيف وأدهم وانلى وفيلا والد الفنان محمد ناجى
وقصر مينا (أصبح مدرسة ثانوية) أما أشهر الفيلات والتى هدمت تماماً مثلاً أمبرون
المقاول اليهودى وهى الفيلا التى قضى فيها الروائى لورانس داريل سنواته الأخيرة
بالإسكندرية وكتب من برجها الغربى رواية (جوستين) وهى جزء من رباعية الإسكندرية
الشهيرة والفيلا استقبلت العديد من الهاربين من الفاشية والنازية ومنهم ملك
اليونان فيكتور عمانوئيل والمبنى ملحق به فيلا صغيرة أصبحت مرسماً للفنانة كليا
بدارو والتى رسمت صورة شخصية لداريل عام 1950 ومن بعدها استغلت الفنانة عفت ناجى
(أخت الفنان محمد ناجى) الملحق مرسماً وكانت تأمل فى أن يتحول بعد وفاتها إلى متحف
يضم بعضاً من أعمالها.
ومن أماكن
الترفيه والثقافة بالإسكندرية كانت حديقة رشيد بشارع فؤاد (رشيد سابقاً) وكانت
تعرض بها أفلام سينمائية وتياترو وزيزينيا لصاحبه قرداحى اللبنانى والذى أقام مسرح
وتياترو محمد علي على أنقاض تياترو زيزينيا 1921.
ونادى محمد على
وهو مبنى بورصة طوسون سابقاً افتتح عام 1880 وبها كافيه زارونى حيث تم عرض أفلام
لوميير لأول مرة عام 1896 بعد عرضها فى الجراند كافيه بفرنسا عام 1895 وتحول
المبنى إلى قصر ثقافة ثم تطور ليصبح مركز الحرية للإبداع، وكازينو زيزينيا وفندق
سان استيفانو وهو من تصميم المهندس باغوص نوبار ابن نوبار باشا (رئيس وزراء مصر
ثلاث مرات والمدفون بكنيسة الأرمن بحى اللبان فى ضريح مميز يمثله على كرسيه من
الرخام الأبيض الكرارة) وكازينو زيزينيا هى فكرة الكونت إتيان زيزينيا قنصل بلجيكا
والذى قصف قصره الشهير عند ضرب الإسكندرية 1882 بميدان القناصل (المنشية) ومن
أسباب تعمير تلك المنطقة مد خطوط الترام والذى سار أولاً على خط السكة الحديد عام
1897 ثم عدل الخط 1904 وكانت شركة حديد الرمل ممولاً للبناء وتشجع الاستقرار بتلك
المناطق النائية.
وبعد أن كان
للمدينة تمثال واحد لمحمد على أضيف تمثال نوبار بحدائق الشلالات للنحات الفرنسى
بوش 1903 (الموجود حالياً فى ساحة أوبرا الإسكندرية) وتمثال للخديو إسماعيل له
قاعدة وساحة ذات أعمدة رومانية من الرخام وهو إهداء من الجالية الإيطالية عام 1927
وافتتحه الملك فاروق 1938 (أصبح نصب الجندى المجهول الآن بالمنشية) وهو للنحات
إميلو فيتش وتم سبكه برونز بمسبك بيترو كانونيكا بإيطاليا (التمثال موجود الآن على
قاعدة لا تليق خلف سينما أمير) وأضيف للمدينة تمثال سعد زغلول أمام البحر بمحطة
الرمل للنحات الكبير محمود مختار وعلى قاعدته تمثالان واحد لآلهة الشمال والآخر
لآلهة الجنوب وجداريتان إحداهما تظهر سعد زغلول فى مكتب السير ونجت ومعه على شعراوى
وعبدالعزيز فهمى وهى تسجيل واقعة 18 نوفمبر 1918 بدايات ثورة 1919 والأخرى لسعد
تحمله الجماهير (يظهر تمثال سعد زغلول وتمثال آلهة الشمال فى لقطة سينمائية بارعة
يميزها الضوء والظل للفنان محمود مرسى والذى يظهر منكسراً فى فيلم (السمان
والخريف) افتتح التمثال الملك فاروق 1938 واختفت من الاحتفالية صفية زغلول
اعتراضاً على موقع جلوسها فى سرادق الاحتفالية وفى عام 1941 افتتحت النصب التذكارية
لمقبرة جماعية للجنود العثمانيين فى نفس الموقع الذين قتلوا فيه على يد قوات
الاحتلال البريطانى وهو عبارة عن سيف يغمد فى الأرض من الجرانيت الأحمر موقعه سيدى
بشر.
وفى عام 1968
أضيف تمثال الأشرعة المنطلقة للنحات فتحى محمود فى منطقة السلسلة على البحر وكذلك
تمثال آخر له وهو الغزالة أمام كلية الهندسة.
كما أضيفت
التماثيل الآتية تمثال ميدان وابور المياه ومعه تمثال نصفى للعالم زويل ونسخة من تمثال
كاتمة الأسرار لمحمود مختار وضعت على قاعدة تمثال نوبار بالشلالات وقد انهارت
النسخة لرداءة الصنع، وأخيراً وضعت نسخة جيدة من الحجر الصناعى وبالجوار تمثال
لمحمود مختار مستنداً لكتلة صخرية قام بصنعه النحات طارق الكومى وتم إهداء تمثال
الإسكندر الأكبر من الجالية اليونانية ووضع فى باب شرقى.
وأخيراً وحتى الآن لم تظهر أى تماثيل قوية ذات هدف
وشكل فنى فقط انتشرت الأعمال الهابطة من مكان لآخر.