الخميس 28 نوفمبر 2024

فن

الإسكندرية الحلم الذى مازلت أحياه

  • 21-10-2020 | 16:00

طباعة

مدينة الإسكندر وعاصمته ، ومنارة العلم القديمة مدينة الثقافات المتعددة ، قاطرة الثقافة المصرية المعاصرة ، وموطئ طليعتها من الفنانين والأدباء مصدر الإلهام ، ومورد الأفكار ، وباعثة الأحلام ، إنها الإسكندرية الحلم الذى مازلت أحياه ، منذ أن تنفستُ عبيرها للمرة الأولى فى أغسطس 1989 ، حين وفدت إليها طالبا للفن ، مستجدا ضمن مئات آخرين ، فوجدتنى مبهورا ، ولم تتوقف تلك الجميلة يوما عن إبهارى ، فقد احتضنتنى حابياّ فى شوارعها أتحسس التاريخ التابع فى كل بقعة من أرضها ، وعلى كل حائط من مبانيها، ثم استوعبتنى ساعيا فى مسالكها الثقافية ، مشدوها بنور المعرفة الصادر من قلبها أو بالأحرى قلوبها النابضة بالمعرفة والإبداع ، ثم وجدتنى مهرولا فى طريقى حاملا سماتها موشحا باسمها أو صفتها كسكندرى من أبنائها ، ودائما لا أحتمل البعد عنها أكثر من أيام معدودة فهى المدينة الساحرة ، المدينة الرائقة ، والشعب الطيب الهادئ ذو المزاج الخاص جدا ، بها من السحر ما يستعصى على الاستيعاب شريطة أن تؤمن بها كمنارة لا تنطفئ ، ومع ذلك لا أدرى إلى متى تستطيع الجميلة أن تصمد ، إلى متى تستطيع أن تحفظ لنفسها ذلك العمق الخاص ، أمام ما تتعرض له من أزمات ، ولا أقصد هنا أزماتها التى يصنعها التجاهل لهويتها الخاصة ، ودورها المفقود كعاصمة تاريخية للعلوم والثقافة فى العالم  ، دورها كقائدة للتنوير فيه، فهى من كانت عاصمته ومركزه العلمى والثقافى، منها تطورت الفلسفة وبها تقدمت العلوم وفى شوارعها سالت الدماء دفاعا عن حرية العقل البشرى ، وهى المدينة التى استطاعت أن تحتوى ثقافات البحر المتوسط جميعها فى سنواتها الكوزموبوليتانية ، وهى المدينة التى حملت راية الإبداع فمنها خرج محمود بك سعيد ومحمد بك ناجى والأخوان وانلى ، ومحمد حامد عويس ومن تلاهم من أجيال المصورين الذين كان لهم الفضل فى وضع مصر على المسار الفنى عالمياً بعد انقطاع عن ثقافة الصورة لمدة تزيد عن الألفى عام ، ومنها خرج الطليعيون من الأدباء والشعراء والمسرحيين وأيضاً رواد السينما ، وفيها تم أول عرض سينمائى فى مصر فى ذات العام الذى اخترعت فيه فى أوروبا .

الإسكندرية الجميلة قاطرة الثقافة والتنوير فى مصر والعالم يقتلها الإهمال وسوء الإدارة فتضيق بمبدعيها الحقيقيين ، ويدفعهم دفعاّ إما إلى هجرتها لأضواء العاصمة ، أو للتناحر والتصارع على ما هو متاح من محدود الفرص وسبل التقدم والتقديم ، فى غياب واضح لموضع مستحق لمؤسساتها الثقافية فى السياسات الثقافية للدولة المصرية - هذا إن وجدت من الأساس -، وعلى الرغم من وجود بنية ثقافية متميزة إلا أنها لا تفعل لأسباب أهمها غياب الإيمان بخصوصية الثقافة السكندرية ، وأيضا سوء الإدارة ومركزيتها وتركزها فى العاصمة وكأن مصر كلها تختزل فى القاهرة ، فكل حدث مهم ، أو دعم ملحوظ ، أو مبادرة لابد لها أن تولد فى القاهرة ، وعلى المقيمين خارجها اعتبار أنفسهم من التابعين أو المهمشين ، أيها السادة ليس استجداء من أحد ولا طلبا فى غير محله ،أعطوا الإسكندرية مكانتها التى تليق ،فعلوا مؤسساتها الثقافية ، أضيئوا قناديلها ، واسكبوا الزيت فى مصابيحها ، قدروا مبدعيها ، وارعوا نشأتها حتى تعود عاصمة الثقافة ، ومركز النور كما كانت ، حتى يستمر حلم محبيها .              

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة