جاء
وقت كان حلم إحياء مكتبة الإسكندرية دربا من دروب الخيال، والآن أصبحت واقعًا يشع
الثقافة والتنوير في الثغر، صرحًا يقصده الناس من كل أنحاء العالم.
ومنذ
نشأتها، هناك دور فعال للمكتبة في محيطها السكندري يتمثل في تشجيع الإبداع الفني
والابتكار العلمي لجميع الفئات العمرية من خلال تنظيم الأنشطة والفعاليات في
مجالات الفنون والعلوم والتراث، وتحتوي المكتبة على عدد من المراكز العلمية،
والثقافية، والفنية مثل مراكز الفنون والقبة السماوية العلمية والأنشطة
الفرنكوفونية، وكذلك إدارة المعارض والمقتنيات الفنية التي تضم خمسة عشر معرضًا
دائما. وتقدم مكتبة الإسكندرية دورات تدريبية، بالإضافة إلى ورش عمل
وأنشطة متخصصة لخدمة المجتمع السكندري، بالاستناد إلى رصيدها العلمي، وعلاقاتها
الإقليمية والدولية، تستضيف المكتبة الحفلات الشهرية والندوات التثقيفية والمعارض
الفنية والمؤتمرات الدولية...
في
مجال المكتبات، أحد أهم قطاعات المكتبة، يجري تنظيم أنشطة وفعاليات خاصة تناسب
جمهور الإسكندرية، بالإضافة إلي العمل المكتبي المعتاد، منها"برنامج نادي السينما"، وعروض "الأفلام الوثائقية"، وجلسات "القراءة المسرحية"، والجلسات الطربية بعنوان "حكاية غنوة" و جلسات دمج الفن بالعلم من خلال برنامج "نيوروسينما". ومن أبرز هذه الفعاليات "برنامج القراءة الكبرى" والذى يتضمن تحويل نص روائي إلى نص مسرحي
ويحتوى على العديد من الورش منها ورشة الكتابة، الديكور، المسرح والموسيقى.
بالإضافة
إلى ذلك تنظيم محاضرات دورية حول الجوانب المختلفة للحياة في الإسكندرية، تاريخا
وواقعا، مثل "مظاهر معاناة المرأة في المجتمع
السكندري في العصرين الهلِّينستي والروماني"، و"احتفالية أيام التراث السكندري" بالتعاون مع المركز الفرنسي للدراسات
السكندرية، و"الملوك المؤلهون في الشعر الهلِّينستي". كما نظمت الإدارة ندوة "إتاحة الوصول للمعلومات لذوي الإعاقات
في قراءة المطبوعات" بالتعاون مع وكالة اليابان للتعاون الدولي (JICA) وشركة «شينانو
كينشي»، يوليو 2018.
وهناك
أنشطة تستهدف الطفل والنشء مثل "البرنامج السنوي لأنشطة القراءة
الصيفية" و " برنامج دعم الطلبة المتميزين"، وإقامة ورش وأنشطة القراءة المتنوعة،
و"برنامج حوار حول السلام" والذي تم إطلاقه عام 2017 بالتنسيق مع أصدقاء المكتبة الدوليين
بإيطاليا. كما نظمت برنامج للأطفال لمرحلة ما قبل الدراسة يساعد الأطفال
الصغار على التعرف على بدائيات القراءة ويحفزهم على المشاركة في الأنشطة الجماعية.
كما نظمت
احتفالية "اليوم العالمي للطفل" هذا بالإضافة إلى المشاركة في "مشروع تحدي القراءة العربي" وهو بمثابة عقد شراكة بين مكتبة الإسكندرية
وإحدى مبادرات سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيس وزراء دولة الإمارات العربية
وحاكم مدينة دبي بهدف التشجيع على القراءة وتعزيز دور وأهمية الكتاب.
كما
أنشأت مكتبة الإسكندرية قسم "القراءة السهلة" داخل قاعة الاطلاع الرئيسية بالمكتبة،
وهو قسم يحتوي على كتب باللغة العربية مُوَجَّهة في الأساس إلى خريجي فصول محو
الأمية وتعليم الكبار وغيرهم من حديثي التعلم من الكبار، بالإضافة إلى الكبار
الذين يدرسون اللغة العربية كلغة أجنبية، ومن يعانون من صعوبات القراءة، كما أن
القسم مفتوح بشكل عام لكل من يهوى تصفح الكتب المصورة.
وكان
لذوي الاحتياجات الخاصة من ضعاف السمع والبصر والمكفوفين وذوي الإعاقات الذهنية
نصيب وافر من الأنشطة والبرامج المقدمة، ومنها "ورش اليوجا"، و"برنامج عالم الحيوانات باللغة
الفرنسية" وعقد مجموعة من
الدورات التدريبية على "نظام التشغيلويندوز 10" للمكفوفين وعقد دورتين تدريبيتين لتعليم "القراءة والكتابة بطريقة برايل" للمبصرين. هذا بالإضافة إلى تنظيم احتفالية "تعايش" والتي تهدف إلى دمج الأطفال الأصحاء
بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك لتحقيق فكرة تقبل الآخر ونشر الوعي بكيفية
التعامل مع من لهم إعاقات. كما حرصت الإدارة على تقديم العديد من الجلسات الفردية
والجماعية، والاختبارات المتخصصة لقدرات ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك اختبارات
شاملة وتدريبات تأهيلية لذوي عسر القراءة. وقامت أيضا بعقد عدة ندوات وتدريبات مثل "التوعية باضطراب فرط الحركة وتشتت
الانتباه"، وتدريب "المنتسوري للجميع"، وتدريب بعنوان "العلاج بالفن"، وكذلك ندوة عن "الخطة التأهيلية للضعف السمعي وزارعي
القوقعة واضطراب السمع المركزي".
أما
فيما يتعلق بمؤسسات المعلومات الجغرافية وصناعة الخرائط فقد اهتمت الإدارة بتنظيم
احتفالية بمناسبة "اليوم العالمي للمحيطات"، وقامت بعقد سلسلة من المحاضرات مثل "محاضرة اكتشاف قوة المعلومات المكانية"ومحاضرة "مسارك". وتهدف المحاضرة إلى فتح مدارك
المهتمين والمتخصصين بمجال نظم المعلومات الجغرافية بكافة أشكال التدرج الوظيفي في
مجال نظم المعلومات الجغرافية.
في
مجال الفنون
تحتوي المكتبة على العديد من قاعات العرض الثابتة والمتغيرة، وتضم مجموعة الفنان شادي
عبد السلام، ومعرض للصور الفوتوغرافية لمدينة الإسكندرية عبر العصور ومعارض أخرى
مميزة.. ويُعد مهرجان الصيف الدولي السنوي من
أكبر المهرجانات التي ينظمها مركز الفنون، والذي يركز بشكل أساسي على الموسيقى بكل
أنواعها، ليناسب جميع الأعمار والأذواق، منها العروض المسرحية والفنون الشعبية،
وعروض الأطفال والتي تستقطب عددا كبيرا من الشعب السكندري. كما نظم مركز الفنون ضمن فعاليات شهر
إبريل الماضي حفلا موسيقيا بعنوان "أهو دا اللي صار"، وتضمن الحفل
الأرشيف الموسيقي لأغنيات سيد درويش التي ألهمت الشعور الوطني للشعب المصري برمته
في ثورة 1919م، ومن ضمنهم أهل الإسكندرية الذين
وهبوا الثورة فنا وحياة .. كما أطلق مركز الفنون منحة سنوية،
والتي يتم فيها إنتاج ثلاثة عروض مسرحية لمؤلفين مصريين، بهدف الإسهام في دفع حركة
الإنتاج المسرحي في الإسكندرية.
وفي
مجال النشاط العلمي يعقد بالمكتبة العديد من المؤتمرات السنوية والتي تعنى في
المقام الأول بتوعية طلبة المدارس والجامعات بأهمية العلوم والتكنولوجيا والتراث
والفنون، لعل من أبرز هذه المؤتمرات "إنتل" للعلوم والهندسة الذي ينظمه مركز
القبة السماوية سنويًا بالتعاون مع كل من شركة إنتل ووزارة التربية والتعليم
ووزارة الشباب والرياضة وأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، واحتفالية العلوم..
وغيرها؛
بهدف زيادة وعي طلاب المدارس بأهمية البحث العلمي والأسلوب المناسب لتنفيذه.
وتضم
المكتبة العديد من المراكز البحثية التي تولي أهمية خاصة إلى مدينة الإسكندرية في
تفاعلها في سياقها البحر متوسطي أهمها: مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط حيث قام المركز
بعدد من الأنشطة والفعاليات من أبرزها إنتاج كتيبات تعريفية لأهم المزارات
السياحية بالإسكندرية، وضع نموذج ثلاثي الأبعاد لميدان المنشية، أيضا للمركز
إسهامات عديدة في مجال التخطيط العمراني والتنمية المستدامة من خلال العمل على
إنشاء وتحديث قاعدة بيانات تتعلق بموضوعات شتى تخص المدينة مثل التأثيرات المناخية
والتراث الثقافي والصحة العامة والتعليم، كما يطور المركز قاعدة لنظم المعلومات
الجغرافية ويقوم بتحديثها باستمرار، ذلك بالإضافة إلى تقارير عن الصحة والإسكان
والصناعة والسياحة والبيئة والمواصلات ليستعين بها الخبراء في تخطيط التنمية
الاستراتيجية للإسكندرية.
وهناك أيضا مركز الدراسات الهلنستية وهو مركز
أكاديمي تم إنشاؤه لدراسة الفترة الهلنستية في الإسكندرية بكل جوانبها والمركز
منشأ بالتعاون مع جامعة الإسكندرية لمنح درجات علمية الدبلوم والماجستير
والدكتوراه.
وتحتوي
مكتبة الإسكندرية على عدة متاحف وهي الآثار والمخطوطات ومتحف السادات والعلوم ..
يحتوى متحف
الآثار، بوجه خاص، على العديد من العملات الأثرية التي تعود للعصور اليونانية
الرومانية والإسلامية، وعدد من القطع الأثرية الرائعة التي تعود للعصر الهيلينستى
والروماني والبيزنطي. وتتيح هذه المتاحف لجمهور مدينة الإسكندرية فرصة الإطلالة على
وجوه متعددة من الحضارة المصرية، في مدينة وصفت تاريخيا بأنها بوتقة لتفاعل
الثقافات والحضارات، فهي المدينة الساحلية التي تحول التنوع الثقافي والحضاري
والإنساني منذ عقود بعيدة.
ويُعد متحف الآثار أحد المتاحف القليلة في
العالم التي تعرض قطعًا فنية تم اكتشافها في نفس مكان عرضها، وقد اختيرت مقتنياته
بعناية لتعكس تاريخ مصر الثرى والمتعدد الثقافات والممتد عبر الثقافات الفرعونية
واليونانية والرومانية، والقبطية والإسلامية، مع التركيز على الإسكندرية والمرحلة
الهلنستية.
ويتعرف
زائرو المتحف على الفترات المختلفة من تاريخ مصر، و
يجرى توعية الشباب والنشء ثقافيًا عن طريق تقديم مجموعة مختلفة من الأنشطة.
كما
بدأ متحف الآثار في تطبيق تجربة جديدة من خلال إضافة لوحات منحوتة ثنائية الأبعاد
لعدد من القطع الأثرية المعروضة بداخله لوضعها بجانب البطاقات الشارحة للمكفوفين.
أطلق كذلك
متحف الآثار مسابقة "ارسم وابحث" والتي تُقام كل عام بهدف تنمية
المهارات الفكرية والفنية للأطفال والشباب.
ويحتفل
متحف المخطوطات سنويًا بالأيام العالمية للاختراعات والاكتشافات الهامة على
المستوى الدولي والإقليمي، مثل الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، والاحتفال بيوم
المخطوط العربي، والاحتفال بيوم صناعة الورق. كما يتم تنظيم العديد من الأنشطة الأكاديمية
المتخصصة وورش العمل التفاعلية التي تُقدم لطلبة المدارس في عطلة منتصف العام
والعطلة الصيفية.
وقد
تبنى متحف المخطوطات في الآونة الأخيرة مبادرة العلاج بالفن من خلال زيارة الأطفال
المرضى داخل مستشفى سرطان الأطفال 57357 ومستشفى أيادي المستقبل بالإسكندرية
وتقديم ورش عمل لهم بطرق تعليمية بسيطة ومشوقة؛ من أجل رفع الحالة المعنوية
للأطفال المصابين، كما ينظم أيضًا ورش عمل لذوي الاحتياجات الخاصة.
وللمكتبة
باع في مجال ترميم وحفظ المخطوطات، وباتت تعد من بيوت الخبرة المهمة في هذا
المجال، وهو ما أدى إلى لجوء هيئات كثيرة للإفادة من خبراتها مثل بطريركية الروم
الأرثوذكس بالإسكندرية، ووزارة الآثار، ووزارة الموارد المائية والري، وهيئة قناة
السويس، وتقديم استشارات لمكتبة الأزهر الشريف في مجال ترميم المخطوطات.
ويهتم
قطاع الإعلام والاتصال بالتفاعل مع مدينة الإسكندرية عبر عدد من الأنشطة، منها
مختبر السرديات وديوانية الشعر، والذي يولي أهمية خاصة للأدباء والشعراء في
الإسكندرية، ويتيح لأهل المدينة فرصة الاطلاع والحوار مع الأدباء والشعراء من كافة
ربوع مصر الذي يجري استضافتهم لحضور فعاليات منظمة للمختبر والديوانية.
وهناك
مساحة من المشاركة الفعالة للإعلاميين من الإسكندرية في سياق التواصل معهم لتقديم
الأنشطة والفعاليات التي تقوم بها المكتبة في وسائل الإعلام مقروءة، مسموعة،
مرئية، إلكترونية، بهدف تقديم الإسكندرية مدينة الثقافة المتنوعة. يضاف إلى ذلك اهتمام خاص بأهل الإسكندرية في الأنشطة
والفعاليات التي تقام بداخلها، وخاصة من طالبات وطلاب جامعة الإسكندرية، حيث تعد
هناك علاقة عضوية بين المكتبة والجامعة، ويتجلى ذلك بوضوح في المعرض السنوي للكتاب
الذي تقيمه المكتبة بالتعاون مع وزارة الثقافة، حيث يجرى تقسيم دور النشر والندوات
الثقافية بين المكتبة، مركز المؤتمرات وساحة البلازا الرئيسية، ومكان آخر قريب
منها بالتنسيق مع محافظة الإسكندرية. وتعد هذه مناسبة سنوية مهمة، جنبا إلى جنب مع مهرجان الصيف،
فرصة لجمهور الإسكندرية، والمحافظات الأخرى القريبة، للتفاعل مع نشاط ثقافي وفني
مكثف.
وأطلق
مركز الأنشطة الفرنكوفونية أيضًا مسابقة "شوارع الإسكندرية"
بالتعاون
مع مركز الدراسات السكندرية، وذلك بهدف تشجيع الجمهور الفرنكفوني السكندري من
مختلف الأعمار على إعادة اكتشاف المدينة العريقة، إحدى أقدم المدن المصرية.
الإسكندرية المدينة
التي تحمل المكتبة اسمها، تربطها بها علاقة تفاعل، هي عنوان مهم في هذه المدينة،
طاقة إشعاع ثقافي، ونافذة يطل منها العالم على مصر، وتطل منها مصر على العالم،
مؤسسة رائدة العصر الرقمي الجديد، وأيضا مركزاً للتعلم والتسامح ونشر
قيم الحوار والتفاهم بين الشعوب والثقافات.