تضع لعبة "البازل" أمامك قطعًا مبعثرة
لكي تبدأ في محاولة ترتيبها حتى تحصل في النهاية على الصورة الكاملة.. فإذا وضعنا
قطعة "البازل" الأولى عبارة عن معلومة توضح أن 1,7 مليار شخص حول العالم
لا يمتلكون حسابا مصرفيا.. وقطعة ثانية بجوارها تشير إلى أن نسبة 85% من المعاملات
المالية حول العالم تتم بصورة نقدية فيما التعاملات المالية الرقمية تمثل نسبة 15%
فقط.. وإذا أضفنا قطعة ثالثة تؤكد أن المستخدمين حول العالم يدفعون ما قيمته 25
مليار دولار سنويًا رسوما لتحويل الأموال.. وإذا أضفنا قطعة أخيرة تخص موقع
"فيسبوك" الذي يواجه مشكلات في عدم النمو في أعداد المستخدمين أو
إيرادات الإعلانات بوتيرة سريعة مما يجعله مضطرًا لابتكار قناة جديدة للأرباح.
يمكن بوضع هذه القطع معًا أن نتفهم السبب وراء إعلان
موقع "فيسبوك" عن استعداده لإطلاق عملة رقمية، فالموقع قرر ابتكار هذه
العملة لفتح قناة ربحية جديدة ستعمل على تسهيل المعاملات بين الأشخاص الذين لا
يمتلكون حسابات مصرفية.
بالعودة للوراء قليلًا فقد بدأ الأمر عندما تم
تعيين "دیفید ماركوس" أحد المدیرین التنفیذین سابقًا في "باي
بال" مسؤولا عن فریق بحثي جدید في "فيسبوك"یختصبالعملات المشفرة
ليعلن بعدها مارك زوكربیرج، رئيس فيسبوك تصريحه الشهير: "یجب أن یكون إرسال
الأموال بین المستخدمین بسھولة إرسال الصور".
"فيسبوك" يعلن عن اقتراب
إطلاق عملته الرقمية
في يونيو الماضي، أعلن
الموقعصاحب
الرصيد الأكبر من المستخدمين لمنصات التواصل الاجتماعي بـ 2.5 مليار مستخدم،عن
استعداده لإطلاق عملته الرقمية "ليبرا"في 2020 موضحًا أن هذه العملة
ستكون متاحة للاستخدام العالمي من خلال محفظة رقمية تدعى "كاليبرا" ستمكن
المستخدمين من شراء وبيع هذه العملة واستخدامها في تسديد المدفوعات عبر الإنترنت،
والتجارة الإلكترونية، والإعلانات، وشراء التطبيقات بجانب تحويل الأموال عبر
تطبيقات "واتس آب"و"ماسنجر".
ولكن قبل البدء في الحديث بالتفصيل عن عملة
"ليبرا" لابد من الإشارة إلى أن هذا التقرير تم إعدادهفي بداية يوليو
الماضي لذلك فقد لا يشمل جميعالتحديثات التيتمت وقت قراءتك له، كما أن هناك بعض المسميات
التي يجب توضيحها وهي الفرق بين عملة ليبرا، وجمعية ليبرا، ومحفظة كاليبرا.
عملة ليبرا.. جمعية ليبرا.. محفظة
كاليبرا
· عملة
ليبرا: هي العملة الرقمية التي أعلن عنها فيسبوك وتستمد اسمها من وحدة موازين
رومانية، وتتولى إدارتها جمعية ليبرا التي تضم حاليًا 27 شركة من المتوقع وصولهم
لـ 100 شركة قبل الإطلاق الرسمي
· جمعية
ليبرا Libra
Association: هيمنظمة غير ربحية يقع مقرها الرئيسي في جنيف بسويسرا، وهي الجهة
المعنية بإطلاق العملة وإدارتها
· محفظة
"كاليبرا": هي المحفظة الرقمية أو التطبيق الذي سيتوفر عبر نظامي تشغيل
أندرويد و "iOS"والذي سيتواجد
بداخله رصيدك من عملة "ليبرا" وتستطيع من خلال التطبيق القيام بعملياتك
المالية المختلفة، وتتولى المحفظة مهمة تخزين المعلومات وبيانات المتعاملين
بالعملة الجديدة، وسوف يتم الفصل بين بيانات مستخدمي العملة وبيانات مستخدمي تطبيق
فيسبوك للحفاظ على سرية البيانات
فيسبوك يستهدف جمع مليار دولار لدعم
العملة قبل إطلاقها
من المقرر إطلاق العملة فيعام 2020، وحتي الآن
انضمت 27 شركة إلى جمعية "ليبرا" منها شركات دفع نقدي (ماستر كارد، و
باي بال)، وشركات رقمية (إيباي،وسبوتيفاي، وأوبر).. وشركات اتصالات (فوادفون)..
ودفعت كل واحدة من هذه الشركات 10 ملايين دولار لدعم العملة الجديدة بينما يأمل
فيسبوك أن يتم التعاقد مع 100 شركة بهدف جمع مليار دولار لدعم العمليات التشغيلية
الخاصة بالعملة قبل الإطلاق الرسمي لها.
وقامت الشركات المنضمة للجمعية بدفع هذه الأموال في
صورة شراء سندات وأصول قصيرة الأجل من أكثر البنوك العالمية موثوقية ومن دول
مختلفة وذلك لضمان أن تتسم العملة بالاستقرار.. وحتى تضمن جمعية ليبرا عدم حدوث أي
تغيرات ضخمة في قيمة تلك الأصول فقد قامت بعمل تنوع عالمي لها حتي لا تعتمد على
قوة اقتصاد دولة واحدة.
أما الفوائد والأرباح الناتجة عن تلك الأصول
والسندات فسيتم استثمار جزء منها للمحافظة على قيمة عملة ليبرا، والجزء الآخر
سيعتبر أرباحًا لأعضاء جمعية ليبرا؛ أي أن المستخدم للعملة ليس له أي علاقة بتلك
الأرباح والفوائد بينما يستخدم رصيده في إتمام معاملاته المختلفة.
في دقائق ستتمكن من فتح حسابك في
محفظة "كاليبرا"
سوف تتمكن من فتح حسابك في محفظة "كاليبرا"
بعد تقديمكلبعض الوثائق على رأسها بطاقة تحقيق الشخصيةوالتي سيتم مسحها ورفعها على
قواعد بيانات كاليبرا.. ويمكن أن تطلب المحفظة بيانات إضافية للتحقق من هوية صاحب
الحساب ولكن بشكل عام سيحاول "فيسبوك" أن يتيح فتح الحساب عن طريق الحد
الأدنى من الوثائق المطلوبة لتشجيع أكبر قدر ممكن من الأشخاص الذين لا يملكون حساب
مصرفي خاصة في دول العالم النامي من فتح حساباتهم في محفظة كاليبرا.. وحتى يزيد
"فيسبوك" من مصداقية العملة فقد أعلن أن موظفي ذلك القسم في
"فيسبوك" سیحصلون على رواتبھم بھذه العملة.
فروق واضحة بين "ليبرا"
وغيرها من العملات المشفرة
يأتي الاختلاف الجوهري في كون عملة مثل "البتكوين"
وغيرها من العملات المشفرة تمثل عملات "لا مركزية" حيث لا تتحكم جهة بعينها
في أسعارها كما أن كميتها المحدودة تجعلها عرضة للمضارباتوالتأثير في أسعارها.. بينما عملة "ليبرا" ستكون غير محدودة الكمية وغير
مخصصة للمضاربة كونها تمثل عملة رقمية مدعومة بأصول نقدية كاحتياطي للحفاظ على
قيمتها.
كما أن عملة "ليبرا"مبنية على نظام يسمح
للشركاتالتي أسستها بالسيطرة والتحكم في صحة العمليات التي تتم من خلالها.. حيث أن
جمعية ليبرا ستكون بمثابة ما يشبه "البنك المركزي" لهذه العملة،كما أن
عملة فيسبوك ستكون مدعومة بأصول متدنية المخاطر والتقلبات ومربوطةبسنداتوسلة من العملات
العالمية على رأسها الجنيه الاسترليني، والدولار الأمريكي، والين الياباني.. وذلك
لمنع التذبذب الحاد في القيمة.أما وجه التشابه بين "ليبرا" وغيرها من
العملات الرقمية مثل "بيتكوين"فهو الاعتماد على تكنولوجيا "بلوك
تشين"Blockchainوهي
التكنولوجيا التي تضمن موثوقية كبيرة في تداول العملة.
في المستقبل لن تحمل أموال أو بطاقة
بنكية.. يكفي أن يكون بحوزتك هاتفك
ستوفر عملة فيسبوك على المستخدمين رسوم تحويل
الأموال حيث أن التقديرات تشير إلى أن هذه الرسوم تقدر سنويًا بـ 25 مليار دولار،
يتم دفعها كمصاريف لتحويل الأموال عبر شركات مختلفة،وبالتالي ستوفر
"ليبرا" آلية جديدة لتحويل الأموال بأسعار أقل.
في البداية، سوف يعتمد على العملة في تحويل الأموال
بين الأفراد خاصة في البلدان النامية، والتي يفتقر المستخدمون فيها إلى الخدمات
المالية والحسابات البنكية التقليدية لكن في المستقبل قد لا تحتاجإلى تنفيذ عمليات
شراء عبر الكروت البنكية المعتادة والتي تفرض عليك رسوم تقتطعها من أموالك حيث أن
استخدامك لتطبيق "كاليبرا" يعني عدم تحملك أي رسوم على الأموال المحولة
من فرد لآخر بينما تتحمل تكاليف ضئيلةعلى العمليات التجارية مما يعني توفيرك
لأموال كان يتم خصمها منك في كل عملية شراء.. أما هذه الأموال التي ستحصل عليها
جمعية ليبراستضمن لها تغطية تكاليف الاحتيال والأموال المستردة، وهي ميزة إضافة
لعملة ليبرا حيث ستتمكن من استرداد أموالك في حال تعرضك للاحتيالأو سرقة هاتفك
والوصول على حسابك.
في سنوات قادمة سوف تتمكنمن دفع فواتيرك وربما
استخدام المواصلات أو دفع فاتورة المطعم أو الهاتف دون الحاجة لحمل نقود أو بطاقات
بنكية.. حيث ستدفعها من خلال تطبيق كاليبرا المتواجد على هاتفك المحمول. كما أن موقع
"فيسبوك" قد يقدم خدمات مالية أخرى في المستقبل، مثل"القروض".
وبينما تتضح الفائدة التي ستعود على الأفراد من العملة
الرقمية فإن الشركات الكبرى أيضًا سوف تستفيد منها، فمثلًا شركة "أوبر" تعملفي
أكثر من دولة، وبالتالي تظهر الحاجة لوجودوسيلة موحدةلتجميع وتحويل أموالها بدلًا
من تحويل الأموال من كل دولة من الدول التي تعمل بها.. وجود عملة موحدة سيعني
سهولة أكثر ومشاكل وتكاليف أقل.
الشركات والكيانات المختلفة التي تعلن عن خدماتها
من خلال فيسبوك سوف تستفيد أيضًا، فمن يعلن عن خدماته عبر فيسبوك يلزمه وجود حساب
بنكي أو وسيلة لدفع تكاليف الإعلانات التي ينفذها بينما يتم اقتطاع أجزاء من تكلفة
الحملة الإعلانية كرسومتذهب إلى البنوك ولكن بوجود عملة ليبرا سيتمكن المعلن من
دفع تكلفة إعلاناته مباشرة إلى فيسبوك دون الحاجة لتحمل تكلفة وجود وسيط.
تسريب البيانات وغسيل الأموال وتمويل
الإرهاب.. أهم الأشباح التي تطارد العملة
أعلن فيسبوك عن التحضير لإطلاق عملته الرقمية بينما
يواجه تحقيق فيدرالي حول تسريب معلومات مستخدمي فيسبوك.. كما يواجه تحقيقات في
الكونجرس حول ممارسة الاحتكار.. والأخطر يواجه سمعة سيئة كونتهاالعملات الرقمية
على رأسها "البيتكوين" الذي تم التلاعب في أسعاره بصورة أفقدت الكثير
لمدخراتهم كما كانت عملة "البيتكوين" وسيلة البعض لغسيل الأموال أو
تمويل الإرهاب.. وهي نفس المخاوف التي يحاول فيسبوك طمأنة المستخدمين بعدم حدوثها. ولكنمحاولات
الطمأنة قد لا تكون كافية بعد اتهام فيسبوك بتجاوزه في حق بيانات المستخدمين
وتقديمها وأحيانًا بيعها للمؤسسات الكبرى والهيئات الحكومية في انتهاك للخصوصية.
حاول "فيسيوك" طمأنة المستخدمين بأن هذه
العملة الجديدة ستكون محمية من تقلبات السوق كما أن بيانات المستخدمين ستكون في
قواعد بيانات مختلفة عن تلك التي تحمل بيانات مستخدمي موقع فيسبوك بجانب وجود
إدارة مستقلة لهذه العملة.. وأكد الموقع أن جمعية "ليبرا" لن تبيعبيانات
المستخدمين المالية أو تمررها لأقسام الإعلانات في الشبكات الاجتماعية أو تشاركها
مع طرف ثالث دون موافقة المستخدم.
كما أن موقع"فيسبوك" أراد أن يطمئن
الجميع بشكل أكبر فأعلن إنه سيكون له صوت واحد فقط من إجمالي 100 صوت تمثلهم
الشركات المتوقع وجودها في جمعية ليبرا بمعنى أن فيسبوك لن تهيمن على إدارة العملة
الجديدة.
بالإضافة
إلى أننظام العمليات الذي سيطبق على العملة سيحظى بحماية قوية للحفاظ على سرية البيانات
كما سيستخدم نفس نظام الحماية الذي تستخدمه البنوك وبطاقات الائتمان.
ومن المتوقع أن تكون عدة دول جاهزة للتعامل مع
العملة الرقمية الجديدةبينما قد ترفضها دول على رأسها "الهند" التي تخشى
من إساءة استخدام المعلومات الرقمية لمواطنيها أو الضرر بمصالحها المصرفية.
في النهاية، فإن هناك ثورةفي التحول الرقمي سوف
تنعكس تأثيراتها الإيجابية علينا جميعًا في المستقبل القريب.