مدينة الفاتيكان المعروفة رسمياً باسم دولة مدينة الفاتيكان هى أصغر دولة من حيث المساحة فى العالم. وهى فى قلب مدينة روما عاصمة إيطاليا التى تحيط بها من جميع الجهات ويفصلها عنها أسوار خاصة. تبلغ مساحة دولة الفاتيكان ٤٤. كم مربع. وتأسست دولة الفاتيكان حسب معاهدة لايتران عام ١٩٢٩. تلك المعاهدة التى تشمل الاعتراف بالسيادة الكاملة للكرسى الرسولى على دولة الفاتيكان. والبابا فرانسيس هو البابا الثامن والثلاثين بعد المائتين فى سلسلة باباوات روما وترسيمه بابا فى ١٩ مارس ٢٠١٥ على كرسى مارى بطرس الرسول أحد تلاميذ المسيح الإثنى عشر. وهو راهب يسوعى.
والرهبنة اليسوعية هى رهبنة تهتم بالتعليم بشكل عام، فهى تقيم وتشرف على مدارسها فى جميع المراحل التعليمية فى كل أنحاء العالم. كما أنها تهتم بالعمل الاجتماعى التابع للكنيسة الكاثوليكية. وهو عالم ثالثى من دولة الأرجنتين. وقد كان فرانسيس رئيسا لأساقفتها قبل اعتلائه لكرسى الباباوية. وهو كأحد أبناء أمريكا اللاتينية قد تأثر بالعوامل الجغرافية لهذه القارة والأهم بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والمعطيات السياسية للأنظمة الأرجنتينية. فقد تأثر بالنظم الاشتراكية فى قيمها التى تعمل على نشر وتطبيق العدالة الاجتماعية وتقريب الفوارق بين الطبقات وهذه قيم فى مجملها وعمومها لا تتناقض مع القيم العامة للمسيحيين. ولذلك قد وجدنا ما يسمى بلاهوت التحرير الذى انتشر فى هذه القارة تمشيا مع نظمها السياسية وتطبيقا وتفعيلا للقيم والمبادئ المسيحية. وتأتى زيارة البابا فرانسيس للقاهرة يومى ٢٨، ٢٩أبريل ٢٠١٧ وقد أحاطت بها ظروف وأحداث أعطتها أهمية فوق أهميتها. فأهمية الزيارة تأتى لأنها هى أول زيارة للبابا إلى القاهرة بعد رسامته، وهو يرأس أكبر كنيسة فى العالم هى الكنيسة الكاثوليكية التى يبلغ رعاياها حول العالم أكثر من مليار كاثوليكى. كما أن البابا هو فى نفس الوقت رئيس لدولة الفاتيكان وهى دولة عضو بهيئة الأمم المتحدة، ولذا فهو يعامل بالرغم من كونه رئيساً دينياً هو فى ذات الوقت رئيس سياسي. وهاتان الصفتان لا يحملهما غيره على مستوى العالم. وإن كان بالطبع فالصفة الأهم هى الصفة الدينية. كما أن هذه الزيارة قد تم الإعلان عنها وتحديد برنامجها مسبقاً وقبل تلك الأحداث الإرهابية يوم الأحد ٩/٤/٢٠١٧ والتى طالت كنيسة مارجرجس بمدينة طنطا والتى لحقتها أيضا الحدث الإرهابى المؤسف والذى كان يستهدف البابا تواضروس الثانى فى الكنيسة المرقصية بالإسكندرية. وقد خلف الحادثان عشرات الشهداء والمصابين. وكما هو معروف فإن تلك الحوادث الإرهابية كانت تستهدف أيضا إرسال عدة رسائل للداخل وللخارج أيضا وعلى رأس هذه الرسائل إلغاء زيارة البابا فرانسيس إلى القاهرة تأكيدا لغياب مناخ الاستقرار وانتشار الإرهاب باعتبار أنه له اليد الطولى يفعل ما يريد. فى الوقت الذى يريد فيه هذا الإرهاب أن يؤكد عدم قدرة النظام المصرى على حماية الأقباط فى مصر. تصوراً منه أن هذه الأحداث يمكن أن تلغى زيارة البابا، الشىء الذى كان سيسىء إلى القاهرة وفى كل الاتجاهات.
هذا وقد كان هناك لغط بالفعل أثناء هذه الحوادث الإرهابية وكانت هناك أنباء حاول ترويجها الإرهاب وأتباعه فى مصر وخارجها بأن البابا قد ألغى هذه الزيارة. ولكن كان الرد الحاسم والحازم من قداسة بابا روما بأن أعلن وأكد أن الزيارة قائمة ولن تلغى وبنفس البرنامج المعد سلفاً. بل زاد البابا وقال إن هذه الزيارة حتى ولو كانت ستلغى لظروف أخرى ولكن بعد هذه الأحداث المؤسفة فإن الزيارة قد أصبحت واجبة ووجوبية، بل هامة وضرورية كإحدى الأدوات والآليات التى تواجه هذا الإرهاب. ولذا فقد أصبحت هذه الزيارة توصف بأنها زيارة تاريخية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان. ليس لمكانة البابا السياسية والدينية فحسب ولكنها للظروف المحيطة بمصر والمنطقة، بل بالعالم كله جراء هذه العمليات الإرهابية التى أصبحت تجتاح العالم كله بلا استثناء. والأهمية هنا تأتى أيضا فى البرنامج المعد لها والذى يحمل تلك اللقاءات مع الرئيس السيسى وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية. فلقاء البابا مع الرئيس يعنى أن مواجهة مصر للإرهاب لا تعنى أنها مواجهة مصرية، بل هى مواجهة مصرية لهذا الإرهاب نيابة عن العالم كله. وهذا اللقاء يعنى أن البابا بصفته السياسية والدينية جاء ليعضد ويساند ويؤيد تلك المواجهة المصرية لهذا الإرهاب لما للبابا من تأثير سياسى وروحى على تابعيه. خاصة أن العمليات الإرهابية وتحديداً ضد المسيحيين المصريين ومنذ حرق كنائسهم فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣ بعد فض اعتصام رابعة والنهضة مروراً بحوادث القتل والذبح والحرق والترهيب والتهجير التى مورست ضد المسيحيين فى سيناء والعريش وحادثة تفجير الكنيسة البطرسية فى القاهرة وحادثتى طنطا والإسكندرية. لا تعنى هذه الحوادث وتلك الممارسات أنها تدعو إلى أخذ موقف أو آخر من النظام المصرى وهذا ما يريده الإرهاب وتابعوه من هذه الحوادث وهى أن يأخذ العالم خاصة الكنائس المسيحية موقفاً تجاه النظام المصرى باعتباره مسئولاً ومقصراً فى حماية المسيحيين. الشىء الذى يدعو ويسهل استغلال ورقة ما يسمى بحماية الأقليات الدينية تلك الورقة القديمة الحديثة التى دائما ما تستغل لصالح القوى الاستعمارية فى كل زمان وكل مكان. وهنا لنا أن نذكر تلك الحملات الصليبية التى أمر بها البابا أوربان الثانى عام ١٠٩٥ لغزو الشرق العربى بحجة حماية الأماكن المقدسة وحماية الأقليات المسيحية من العرب والمسلمين. نرى الآن ومع تلك الممارسات الفعلية التى تمارس ضد المسيحيين يأتى بابا روما خليفة أوربان الثانى ليشد أزر مصر فى مواجهة من يعتدى على المسيحيين العرب بشكل عام. وهنا نقول بكل ثقة إن هذه الزيارة وتلك المقابلة بين البابا وبين السيسى سيكون لها كل المصداقية دون أى لقاء آخر مع زعيم غربى أو أمريكى، خاصة أن هذا اللقاء يأتي بعد تلك الأحداث المؤسفة التى وقعت فى ٩/٤/٢٠١٧. ولذا علينا وبكل همة وعلمية ودبلوماسية أن تستثمر الخارجية المصرية وكل الأجهزة المعنية هذه الزيارة لصالح مصر ولصالح تلك المواجهة العالمية للإرهاب، كما ستكون مقابلة البابا لفضيلة شيخ الأزهر وفى ظل الظروف المحيطة والتى تخلط بين الإرهاب وبين الإسلام كدين خاصة أن هؤلاء الإرهابيين دائما ما يستغلون بعض النصوص التى يفسرونها ويؤلونها على مقاس توجهاتهم ولتحقيق أغراضهم استغلالا للدين الإسلامى لصالح تلك الأغراض.. نقول إن هذه المقابلة بين الأزهر والفاتيكان تعنى الكثير والكثير خاصة أن البابا فرانسيس قد أعلن مراراً وتكراراً عدم خلط الإرهاب بالأديان، كما أنه قد أعلن أن الإسلام كدين لا علاقة له بالإرهاب. وهذا مدخل جيد ورائع لتضافر الجهود وإيجاد أرضية للحوار المشترك الذى يؤسس لقبول الآخر الدينى بكل الصدق والشفافية بعيداً عن الشعارات والمجاملات التى لم تنتج غير مناخ طائفى استثمره واستغله هذا الإرهاب. خاصة أن هذا اللقاء جاء بعد إعادة العلاقات والحوار بين الأزهر والفاتيكان وهو حوار مهم ومطلوب ودائما بلا انقطاع، لأنه لا يمكن أن يكون هناك قبول لأى آخر بدون الحوار والرأى والرأى الآخر الذى يعزز من نقاط التلاقى بعيدا عن كل الخلافات القائمة والطبيعية. ناهيك عن ذلك المؤتمر الذى عقد بالأزهر حول حقوق المواطنة بديلاً لفقه الأقليات الدينية. أى أن طريق اللقاء يقرب المسافات ويسقط الحواجز ويزيل الحساسية خاصة التاريخية منها. وسيكون لقاء البابا فرانسيس مع البابا تواضروس الثانى لقاء بين كنيستين كبيرتين تاريخيتين فصلت بينهما الخلافات العقيدية التاريخية، حتى إن كلاً منهما جرم الآخر وحاول إسقاط شريعته، الشىء الذى فاقم الخلاف ونشر النزاع وأثر على مجمل العلاقات فى كثير من الاتجاهات، بل هذا يتناقض كل التناقض مع القيم العليا للمسيحيين التى تدعو إلى محبة العدو. كما كيف نتحدث عن حوار مسيحى - إسلامى ولا يكون هناك حوار مسيحى - مسيحى. كما أن إقامة قداس للبابا فى قاعة المؤتمرات فهذا يعنى أن مصر مهما حدث من أحداث ومهما حاولوا من هزِّ الاستقرار سيظل البلد الأمين. كما أن إقامة القداس وبهذا الشكل يعنى أن هناك متغيرات كثيرة يحب أن نعض عليها بالنواجز، حتى نحقق دولة المواطنة. الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة التى تعامل كل مواطنيها على قدم المساواة. فالاختلاف الدينى طبيعى وقد أراده الله. وإيمان كل شخص بصحيح دينه هذا طبيعى ومن حق كل واحد. والخلاف الدينى لا يجب أن ينتج خلافا انقساميا. لأن الله قد خلق الإنسان كل الإنسان والله أراد الأديان كل الأديان، فلماذا لا نؤمن بالأديان كل حسب دينه وفى نفس الوقت نحب الإنسان؟ مرحباً بقداسة البابا فرانسيس رمزاً للحب وللسلام لكل إنسان مهما كانت الأديان. يقول الأب متّى المسكين «على أن أكرم كل إنسان وأكرم دينه فإن كان دين أخى وعقيدته مختلفة عن دينى وعقيدتى فهذا يختص به شخصياً، أما أنا فعلى أن أكرمه مهما اختلف عنى، حتى فى مبادئه السياسية أو الدينية».