الأربعاء 27 نوفمبر 2024

فن

«الأخ الأكبر» في جيبك.. فصل من كتاب السيبراني لـ"أكرم القصاص"

  • 22-10-2020 | 16:17

طباعة

تنشر "الهلال اليوم"، فصلًا من كتاب السيبراني للكاتب أكرم القصاص وجاء الفصل بعنوان "الأخ الأكبر في جيبك"، وجاء فيه:

الجاسوسية الطوعية.. هيروح من «فيس بوك» فين؟

يتحدث صديقان حول جهاز معين «مروحة، ثلاجة» أو يدردش الزوج مع زوجته حول جهاز مكافحة الفئران أو شراء ملابس يستغرق الحديث دقائق، تروي له ما سمعته عن صديقتها التي اشترت جهازًا ألمانيًّا نجح في طرد الفئران.. وبعد قليل يفتح أحدهما أو كلاهما «فيس بوك» ليجد إعلانات عن المراوح والتكييفات وأجهزة مكافحة الفئران وملابس داخلية وحقائب سفر وأحذية رياضية، نفس السلعة التي كانا يتكلمان حولها.. شاب وزوجته توقفا في أحد محلات الجملة الكبيرة، أمام فرن يعمل بالكهرباء، تناقشا حول سعره وانصرفا من دون قرار، وصل الشاب لمنزله، فتح صفحته، وجد إعلانات عن نفس الجهاز الذي كان يتفرج عليه وبأسعار أقل مما كان مطروحًا، وأبدى دهشته كيف وصل إعلان لسلعة كان يتحدث حولها، ولم يكلم أحدًا في التليفون ولم يتبادل أي حوارات مع البائع؟! قصص رواها كثيرون، وكتبوها على صفحاتهم بمواقع التواصل.

صديق آخر، على «فيس بوك»، قال إنه ركب تاكسي ولم يتبادل أي حديث مع السائق، وعلى صفحته بـ«فيس بوك» وجد صورة السائق، يرشحها له « فيس بوك» ضمن «أشخاص ربما تعرفهم».

رابع كان ينصح صديقًا بمشاهدة فيلم، ووجد إعلان الفيلم محور الحديث على صفحته.. كنت أتحدث مع زميل حول نفس الموضوع، وفي اليوم التالي، قال لي، إنه كان يحدث زميله عن الدفايات في أيام البرد، ويقول له «الموضوع لازم له دفاية»، وتلقى اتصالًا من شركة أجهزة كهربية تعرض عليه دفايات بالتقسيط.

هذه الأمثلة تتعلق بالتسويق والإعلان والدعاية، ولمن لا يعرف قد تشير إلى وجود أعين وآذان تعرف عنك وتراقبك، ولو لديك فكرة سوف تجد لدى بعض العالمين ببواطن «نيو ميديا» شرحًا حول أن هذه المواقع تتوجه إليك، بناء على معلومات تقدمها بنفسك، وتتجاوز البيع والشراء إلى باقي تفاصيل حياتك، ومزاجك وانتماءاتك، وتوجهاتك.. وسيشرح لك الكثير من التفاصيل عن الخوارزميات، والتشابكات المعقدة التي تعني توظيف معلومات اختيارية يقدمها كل منا عن نفسه وحياته وتحركاته.

إن مجرد حمل موبايل ذكي، وحساب في جوجل، يجعل المواطن عالميًّا وعلى الهواء، لم يعد في الأمر سر.. إن الشبكات متصلة بعضها ببعض، في عصر الاتصالات، والتواصل، وهناك برامج تربط وتحلل البيانات والمعلومات، وهذا يتم لأهداف تجارية وتسويقية، وطبعًا لأهداف أخرى تتعلق بالمراقبة والتتبع، وهذا طبعًا لأشخاص معينين، فالمواطن الفرد ربما لا يمثل هدفًا في حد ذاته، لكنه زبون محتمل للشركات وبرامج التسويق والشركات العقارية والسياحية والمطاعم، وشركات النقل والتوصيل، ولهذا تم تطوير برامج يمكنها عمل تصنيف وإعادة ترتيب لمجموعات من الناس، وهذه التصنيفات تُباع ويتم تبادلها بين آلاف الشركات عبر العالم وفي الإقليم الذي يسكنه الواحد منا.

كل هذا يجدد التذكير بالكاتب والروائي البريطاني الشهير «جورج أورويل» وروايته الأشهر 1984، عن «الأخ الأكبر الذي يراقب المواطن أينما حل، وعيونه التكنولوجية تتابع المواطن في عمله وصالة منزله، وفي مطبخه، وتحسب انفعالاته ومزاجه، واستهلاكه».. أورويل كان يقصد النظام الشيوعي الستاليني، وربما لم يكن يتوقع أن المعسكر الشيوعي نفسه سينهار، ليصبح الأخ الأكبر هو نظام عالمي متصل ببعضه، تحكمه جحافل التسويق والدعاية ببرامج تتحكم في كل حركة.

في الرواية كان الأخ الأكبر يضطر لزرع أجهزة المراقبة، وعيون المتابعة، لكنه اليوم لم يعد بحاجة لبذل جهد في الحصول على المعلومات، المواطن يحصل على خدمات مجانية، من «جوجل وفيس بوك»، يمارس حريته وينشر صوره وتحركاته، ويقدم هذه المعلومات علنًا، وتصبح متاحة لآلاف وربما ملايين، وبالتالي فإن المواقع والشركات لا تحصل على المعلومات غصبًا، بل يحللون ما وضعت يد المستخدم بكل أريحية؛ ليبيعوا ويسوقوا منتجات أو أفكارًا، ضمن شبكة توصف بالعنكبوتية، وهو ما ينطبق عليه الأغنية الشهيرة «إن راح منك ياعين.. هيروح من فيس بوك فين» ومازال عالمنا يحوي الكثير من المفاجآت.

كان جورج أورويل يوجه انتقاده للنظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، حيث المواطن مراقب طوال الوقت من «الأخ الأكبر»، ويسير ويعمل ويعيش وينام، وكل همسة من همساته تحت الرقابة.

انهار الاتحاد السوفيتي وخرج من الحرب الباردة، وبعض النظم الشمولية انهارت وتحللت، وبقيت الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة؛ لكن بقي الأخ الأكبر موجودًا، وللمفارقة فإن الولايات المتحدة أصبحت أخًا أكبر كونيًّا، يراقب ويتابع ويحدد أمزجة الناس وطريقتهم في الحياة.. الأخ الأكبر هنا اختياري وليس إجباريًّا، ولم تعد أجهزة الأمن الكونية تحتاج لتركيب كاميرات وأدوات تنصت.

فالمواطن العالمي يصطحب معه أدوات التنصت ويدفع ثمنها، ويقدم كل ما يطلبه المراقبون من معلومات ومكان إقامة وحتى تفاصيل ما يحبه وما يكرهه، والأمر في الواقع لا يرتبط بالمتابعة السياسية والتحكم والتداخل مع المواطن العوالمي، لكنه يتعلق بأمور أكثر تشابكًا ربما تأتي السياسة على هامشها.

كل من يمتلك جهاز «كمبيوتر أو لاب توب أو آي فون أو باد» هو بالفعل خاضع للرقابة طوال 24 ساعة، وليس المواطن العادي فقط، بل أيضا الزعماء، حيث تنصتت الولايات المتحدة على موبايلات أهم زعماء العالم.

ولا يعني هذا أن أجهزة الأمن توقفت عن المراقبة والمتابعة، فلم تتوقف المراقبة على الخصوم والأعداء.. امتدت لحلفاء الولايات المتحدة، ومن خلال تحليل عمليات البحث والمتابعة والفرجة ومواقع التواصل «فيس بوك وتويتر ويوتيوب»، فضلاً عن المكالمات والتحركات، «جوجل وفيس بوك» يمكنهما رسم تصور للمواطن، مزاجه وشكله وما يحب وما يكره، ناهيك عن أن هذه المواقع تقدم له الإعلانات التي تناسب شخصيته وسلوكه، وإذا ما كان فرحان أو حزينا أو متعادلاً، والهدف سياسي أحيانًا، لكنه اقتصادي وتجاري في أغلب الأحيان.

ولم يعد الأخ الأكبر بحاجة إلى «شرطة الفكر» التي تبحث في النوايا، فالأدوات التي تمتلكها المواقع ووسائل التحليل تعرف أكثر، وتمنح تصورًا كاملاً عن الشخص في أي مكان بالعالم، ويمكنها تحديد مكانه ووضعيته وتقدم له ما يناسبه من دعاية وإعلان.

وقد طورت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بعد 11 سبتمبر برامج لمتابعة ومراقبة المطلوبين، لكن التطور الطبيعي لأدوات البحث والاتصال منح الأجهزة في العالم هدايا مجانية، يدفع فيها المواطن ثمن مراقبته وهو حر ويفعل كل ما يريده بكل حرية ومن دون ضغوط.

وهذا هو التطور الطبيعى للأخ الأكبر العالمي.. وكلما تطورت أدوات الاتصال والبحث وامتلك المواطن العالمي أجهزة أحدث، كان قابلاً للمراقبة وتابعًا لإمبراطورية الأخ الأكبر الذي يعرف نواياه ومزاجه وشكله وأصدقاءه، وكل الأسرار التي تتعلق بحياته، وهو تطور للأخ الأكبر الذي انتقل من الاتحاد السوفيتي لأمريكا، وأصبح في جيب المواطن وبفلوسه.

وهناك شركاء للأخ الأكبر، من شركات التسويق التي تصنف المواطنين حسب احتياجاتهم وهواياتهم وقدراتهم الشرائية، ومطالبهم ورغباتهم؛ لتبني لكل منهم نموذجًا تبيع له سلعة أو منتجًا، حذاء أو كيلو كباب، ساندوتش، أو جهاز تكييف، وربما جهاز لمكافحة الفئران، وطرد الحشرات، كاميرا تصوير أو مراقبة، طاسة للقلي، أو دواء للتخسيس، منشط جنسي، أو حتى شاحن موبايل بالطاقة الشمسية.

وما دمت تستخدم أدوات وخيارات أكثر فأنت تُحكم الرقابة حول نفسك وتحركاتك وتنقلاتك ومكالماتك وجميع التفاصيل التي تخصك وتخص غيرك.. ويبقى الحديث عن الخصوصية والأسرار أمرًا نظريًّا، وفيما يتعلق بعمل أجهزة البحث والمعلومات والتجسس والتتبع، فالأمر يبدو أكثر سهولة.

 فإذا كنت تستخدم خدمة «جي بي إس»، إذن «جي بي إس» يستخدمك، تتحرك بناء على نصائح وتعليمات صوتية وضوئية على الخريطة، فإن مكانك وتحركاتك مرصودة، وإذا أجريت مكالمة من تليفونك فإن هذه المكالمة يمكن أن تكون مسجلة ومراقبة وتفاصيلها معلومة.

هذا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الأجهزة في العالم فإنها توظف كل هذا للتتبع، والتجسس واختراق اتصالات الدول والخصوم والأصدقاء، وبالرغم من أن هذه الحقائق معروفة ومذكورة يتجاهلها كثيرون وهم يتناولون بعض التقارير عن حوادث وجنايات بيع الأسرار.

ومادام المواطن العوالمي يستعمل التكنولوجيا وأدوات ومواقع التواصل فهو يمنح هذه الأدوات بنفسه وبكامل قواه العقلية معلومات عن نفسه وحياته، وكلما كان المستخدم كريمًا في استعراض تفاصيل حياته، فهو يساعد في ملء ملفه بالمزيد من التفاصيل، ومن اطلعوا على قصة إدوارد سنودن، موظف وكالة المخابرات الأمريكية، يعرفون أنه كشف تفاصيل برنامج التجسس بريسم، والذي استخدمته وكالة الأمن القومي للتجسس على كل دول العالم تقريبًا، و لم تكتف بتتبع الخصوم ولكن أيضًا بالتجسس على الأصدقاء، وكانت تتنصت وتخترق وتعترض اتصالات البعثات الدبلوماسية والحكومات عبر العالم، ولم يكن سنودن بحاجة لتأكيد أن برامج التجسس كانت تدخل على البرامج والمواقع وتتتبع كل من تريد في الوقت والمكان الذي تريد.

الأخ الكبير الذي كان يتجسس على المواطنين حسب وصف جورج أورويل في روايته «1984» كان يتعلق بدولة واحدة؛ لكن الأخ الكبير هنا يتجسس ويتتبع ويخترق كل مكان في العالم، فقد كان أخو أورويل الكبير يراقب المواطن في عمله وصالة منزله، ومطبخه، لكن مع «جوجل» فإن التتبع يشكل كل حركة وسكنة، وتحسب مزاجه واهتماماته وهواياته ودخله الشهري.

والأخ الكبير مع جوجل لا يبذل جهدًا في الحصول على المعلومات، بل هو يتلقفها في يده طوال الوقت، والمواطن الذي يحصل على خدمات مجانية، من «جوجل وفيس بوك»، يضع تفاصيل حياته على الهواء أمام آلاف وربما ملايين.

 وإذا كان هذا حال الأشخاص العاديين، فإن أنشطة أجهزة المخابرات في الاختراق والتتبع والتصوير واعتراض المكالمات، تتطور بشكل لحظي، وما أعلنه سنودن في 2013، تجاوزته التطورات والتحديثات، وقد أعلنت إدارة «فيس بوك» عن اختراق 30 مليون حساب، بينما التحليلات تشير إلى أضعاف هذا الرقم، وإذا كنا نتحدث عن هاكرز أفراد، يمكن تخيل ما يمكن أن تفعله أجهزة تجسس وتنصت تمتلك برامج ما بعد برنامج «بريسم» الذي أعلن عنه سنودن قبل خمس سنوات، وهو برنامج لحق بالمتحف وتطورت برامج المتابعة بشكل أكثر دقة وشمولا،. وبقدر ما تتيح هذه الأدوات إمكانيات لأجهزة التجسس، فهي أيضا تجعل من الصعب أن تبقى هناك أسرار وهناك طوال الوقت صور وفيديوهات واتصالات تترك بصمات في كل ركن.

«جوجل» في الواقع يصاحب المواطن أينما ذهب، وما دام يحمل «موبايل أو تاب أو آيباد»، يحصل على معلومات ويعطي معلومات، يحصل على اتجاهات ويخضع للتتبع، وكان هناك مثل أن «أي سر بين أكثر من اثنين ليس سرًّا»، والآن لا يوجد سر مع جوجل.

 

أنفاسك و«لايكاتك وبلوكاتك»

يقابل المذيع في الشارع مواطنًا، ويخبره عن شخصيته ومزاجه وأقاربه وأبنائه وأعمامه وخالاته، وماذا أكل أو شرب، ويندهش المواطن عندما يخبره المذيع أنه حضر حفل عيد ميلاد ابنة خالته وحفل زفاف عمه، وهواياته والأفلام التي شاهدها مؤخرًا، والمرات التي سافر فيها.. ويتصور نفسه أمام كاميرا خفية، والواقع أن هناك مساعدًا يُملي المذيع في سماعة الأذن «إير بيس» وهو يفتح صفحة فيس بوك الخاصة بالشخص المستهدف.

البرنامج ليس كاميرا خفية، لكنه يعالج ظاهرة موجودة، أن الشخص ينشر كل معلوماته، وبالطبع أقاربه معه على الشبكة، ويمكن ببعض البرامج أو حتى المتابعة العادية، أن يحصل من يريد على كل المعلومات المتعلقة بالمواطن، وهذه الجهة يمكن أن تكون شركات تسويق وإعلانات أو جهاز معلومات داخلي أو خارجي.

البعض يفرط في التعبير عن مكنوناته وأحاسيسه، وحاجاته وغضبه وفرحه، فضلاً عن صور واحتفالات و«لايكات»، وهو لا يعلم أن هناك من يعد عليه «لايكاته وبلوكاته»، وماذا يحب أو يكره، وعلى أي شيء يتفرج أو يحزن، مجاملات الأقارب وأسرته على صفحته، وآخر فرح حضره وآخر مباراة تفرج عليها وكيف علق وما هو انتماؤه.. أهلاوي زملكاوي، وهل يفضل برشلونة أم ريال مدريد.. الأمر لا يعدو أن يكون الشخص نفسه متبرعًا بكل تفاصيل حياته، ومزاجه وهواياته، ومادمت أنت متصلاً بالموبايل الذكي وبالإنترنت وبالعالم، فأنت تستخدم معلومات مجانية، وغيرك أيضًا، وبالتالي فإن ما تتيحه على الشبكة يمثل معلومات يمكن توظيفها، المحلات والشركات تحصل على هذه المعلومات شراء أو رضاء، وتحللها وتستعملها.. حتى لو كانت مواقع التواصل أو جهات التزويد تقسم لك طوال الوقت أنها تحترم الخصوصيات وتحميها، وأنها لا يمكن أن تستعمل المعلومات الخاصة في أي عمل ضار، لكن هذه الشركات تعلن هذا كله حتى تكون بعيدة عن أي مساءلة، لكنها لا تجد مانعًا من استعمال برامج لتحليل الرغبات، وابتكارات اجتماعية إنترنتية ظاهرها التسلية، تتحول إلى معلومات قابلة للتحليل والاستنتاج من خلال هذه الشركات أو غيرها.

في كتاب «تحول السلطة» لألفين توفلر، وقبله «الموجة الثالثة وصدمة المستقبل»، يصف توفلر عام 1990 شكل العالم اليوم وكيفية توجيه رغبات المستهلكين والتحكم في الاستهلاك.. ربما لا يدرك كثيرون أن «الباراكود» بخطوطه السوداء في أغلفة البضائع، وفيها السعر والمواصفات، تقدم لشركات التسويق والمنتجين عبر العالم، معلومات كاملة عن حركة السلعة بيعًا وشراء، الشركات تحلل هذه البيانات لتعرف حجم استهلاك كل حي أو قرية، والفرق بين مطالب الأحياء الشعبية والوسطى والأكثر ثراء، من حيث نوعية المنظفات والأطعمة.

وبالمناسبة حتى الفقراء زبائن محتملون، هناك من يفكر في جمع قروشهم القليلة التي تمثل مع غيرها ثروات للمسوقين، فالمسليات والمنظفات الأرخص والزيوت والسمن والعبوات الصغيرة، وعروض التوفير وغيرها، تمثل أدوات تسويق، الشاهد أن كل شخص يعبر من حيث يقصد أو لا يقصد عن حالته المادية، والمزاجية، ومتطلباته، وتركيبته، وما يعجبه أو لا يعجبه، وهذا كله يوضع في برامج و«خوارزميات» تعيد تحليله وتبني من خلاله تصورات عن طريقة تفكير المواطن «العوالمي»، لتجعله زبونًا مثاليًّا قابلاً ومستعدًّا لاستهلاك السلع والبضائع، والأفكار.

 

أنت مراقب قبل الهاكر وبعده

اكتب اسمك في تعليق على فيس بوك، «فإذا ظهر بالأسود فأنت مراقب، وإذا بالأحمر أنت مراقب فعلاً، وإذا أي لون تبقى مراقب جدًّا، وإذا لم يظهر أنت مراقب عادة».

هذه غالبًا نسخة مبتكرة من نصائح متداولة على «فيس بوك» تظهر كل فترة ضمن موضة يزعم من يقيمها أنها تكشف ما إذا كان المستخدم مراقبًا أم لا، بل إن مارك زوكربيرج ذكر مثل هذه الطريقة في معرض شهادته أمام الكونجرس قبل شهور، ومع هذا لم يثبت أن هذه الطرق حقيقية، حتى لو كانت من بين نصائح زوكربيرج، فقد كان المدير التنفيذى لـ»فيس بوك» يتحدث في استجواب عن اختراق حسابات المستخدمين، على خلفية اتهامات بنشر أخبار مضللة، والتأثير في الانتخابات الأمريكية ومنح شركة الأبحاث «كامبريدج أناليتيكا» بيانات 87 مليون مستخدم، وبالتالى فالقضية الأساسية أن الطابع التجاري يجعل بيانات المستخدمين في أيادٍ كثيرة.

 

في الواقع فإن أحدًا لا يمكنه الهروب من المراقبة أو الإفلات من أن تكون معلوماته متاحة ومعروضة على «فيس بوك، وهي المعلومات والصور والتحركات التي يقدمها المستخدم بنفسه، ويتيحها للفريندز، وهؤلاء يتيحونها «لفريندز آخرين»، وبالتالي تسقط الخصوصية اختيارًا، بما يعرضه الواحد على صفحته.

أما الاختراق الأمني والقرصنة وغيرها، فهي عملية تظل غير واضحة الأبعاد والمعالم.. وهناك الكثير من الأعين تتابع المستخدم وتعرف مزاجه واهتماماته وتحركاته، وانشغالاته ولايكاته، وترسم من كل هذا تصورًا شبه كامل يتضمن تفاصيل كثيرة، والدليل أن شركات الإعلان تضع لكل واحد ما يفكر فيه أو يتحدث حوله أو يبحث عنه خارج «فيس بوك»، وهناك مئات القصص تؤكد أن «فيس بوك» مفتوح، حيث تلتقي شخصًا ما ولا تتحدثان فتجده مرشحًا لك على صفحتك، تجري حديثًا عن سلعة أو خدمة تجدها أمامك في إعلان دعائي.. فإذا كنت تناقش أسعار المساكن مع جارك، سوف تجد عشرات الإعلانات عن مساكن وشاليهات وتتساءل: من أين علم هؤلاء بأفكاري؟ لن تجد إجابة، بينما الإجابة بين يديك أنت تمارس حياتك علنًا، وهناك من يلتقط هذه الإشارات ويحولها إلى شركات التسويق، وبناء على حسابات ومعادلات تتكون شبكات متشابكة من الأمزجة للمستخدمين وأنت منهم، وربما تكون أنت شخصيًّا، من العاملين في شركة أو مصنع تحتاج إلى محترفي تسويق إلكتروني يبحثون عن زبائن.

وعليه فإن نصائح «اكتب اسمك واختبر اختراقاتك» تبدو نوعًا من الإفيه أو التسلية، في مواجهة فوبيا تنتاب البعض ويقدمون نصائح غير مجربة للكشف عما إذا كانوا مراقبين أم لا.. تماما مثل بوست اعتاد البعض أن يكتبه أو ينقله يقول «أنا فلان الفلاني لم أعط فيس بوك الحق في التصرف بمعلومات على حسابي»، وهي صيغة تحصيل حاصل، لأن من يكتب هذا وينشره يقدم مختارًا كل ما يتعلق به على صفحته معروضًا أمام الناس جميعًا.. ومادمت لديك حساب على أي من أدوات التواصل أو حساب في جوجل وتستقبل «كوكيز» فأنت على الهواء.

وخلال 2018 اعترفت إدارة «فيس بوك» أن هناك 30 مليون مستخدم تم اختراق بياناتهم عن طريق مجهولين وسرقة البيانات الخاصة بهم، والرقم متوقع أن يكون مائة ضعف الرقم المعلن، ولا يوجد شخص لم تطلب منه الصفحة كتابة الباسوورد في الفترة من 25-28 سبتمبر الماضي، ويبدو الإعلان عن الهاكر مجرد حيلة لتُخلي إدارة «فيس بوك» مسؤوليتها، خاصة أن البيانات التي أعلنوا أنها تمت سرقتها، هي نفسها البيانات الشخصية لكل مستخدم التي يتيحها على صفحته، مثل البريد الإلكتروني ورقم الهاتف واسم المستخدم وتاريخ الميلاد والجنس، ونوع الأجهزة التي يستخدمها، واللغة والحالة الاجتماعية، والتعليم والموقع الإلكتروني، والمواقع التي زرتها.. وكلها بيانات يمكن لأي شخص الحصول عليها.

الخلاصة عزيزي «الفيسبوكي».. أنت غالبا مراقب قبل وبعد الهاكر، والمعلومات أنت تعرضها بنفسك، سواء ظهر تعليقك بالأحمر أو الأزرق أو الأسود أو الكاروهات.

 

متعرفش إني أقدر أقرا «لايكاتك»؟

مجرد أن تمتلك اتصالا بشبكة الإنترنت، يمكنك أن تبحث عن معلومات وتحصل عليها مجانًا من جوجل.. أرشيف لانهائي يحفظ مليارات الصفحات، من الأخبار والأرقام والمعلومات التي يضعها آخرون.

الحقيقة أنه لا يوجد شيء مجاني، أنت تحصل على معلومات، وتعطى بيانات ومعلومات تخصك وغيرك، «جوجل» أتاح مبكرًا مساحات متسعة من الشبكة لاستقبال كل ما ينشر من أخبار أو كتب أو بيانات شخصية أو عامة بما فيها موقعا التواصل الاجتماعي «فيس بوك، وتويتر»، وبعدها اشترى يوتيوب، هو يتيح لك ولغيرك مساحات في مخازنه، ويحتفظ بحق تصنيفها والاطلاع عليها، وما إن تضع معلومات أو بيانات لا تصبح ملكك.

نظريًّا هناك خصوصية تحميها القوانين، وعمليًّا خصوصيتك هو ما تحتفظ به لنفسك، بعيدًا عن أيدي وأعين المتابعين و»الفريندز».. ما تقدمه وتكتبه وتنشره في مواقع وصفحات عامة يصبح مباحًا للآخرين.. زمان كان كثيرون يتعبون جدًّا في الحصول على أرقام وإحصائيات تم نشرها مسبقًا، وكان الأرشيف الورقي للصحف يتضمن ملفات وأضابير ضخمة، ملفات يتم تصنيفها طبقًا لنظام بيانات بناء على التشابه.

مع الوقت تطور الأرشيف إلى الميكروفيلم، لكن الأرشيف الإلكتروني وفر الكثير من الوقت والجهد، بالمقابل يحصل على بيانات المستخدم، ويعرف كيف يتعرف عليها وينتزعها، بيانات وضعها أصحابها بكل رضا وموافقة ولا يمكن لأي منهم أن يشكو من عدوان على خصوصيته، وحتى عندما ثبت أن بعض البوابات والمواقع تبيع بيانات المستخدمين لشركات أو تقدمها لأجهزة، لم تنجح محاولات انتزاع تعويضات من هذه الكيانات الضخمة.

بعض ممن ينشرون كل فترة تحذيرات من عينة «أنا فلان لم أمنح فيس بوك حق استخدام معلومات خاصة»، هو مجرد كلام لا يعني شيئًا؛ لأن المواطن لا يمنح فيس بوك، لكن يمنح آلاف المستخدمين من أصدقائه وأصدقائهم وأصدقاء أصدقائهم، حقوقًا على هذه البيانات، يمكنهم تحليلها والتعرف عليها واستعمالها في إنتاج مقدمات ونتائج.

وبالتالي، فإن صديقك جوجل في الواقع يصاحبك أينما ذهبت، وأنت تحمل موبايل أو تاب أو آيباد، فأنت تحصل على معلومات وتعطي انطباعات، مع جوجل وفيس بوك ويوتيوب، اللايك والبلوك والتعليقات، تكشف ما إن كان الواحد مبسوطًا أو ساخطًا، متفائلاً أو متشائما، حزينًا أو فرحان، وكل هذا يوضع في تحليلات تمثل خريطة كاملة لأمزجتنا وأشواقنا وحبنا، وبالتالي يمكنه أن يخبرك بأخبارك ومزاجك وأفكارك، تمامًا مثلما فعل محمد عبدالوهاب في فيلم الوردة البيضا، عندما قال لها: «متعرفيش إنى أقدر أقرا أفكارك/ ومن «لايكاتك» أقدر أقولك على كل أسرارك/ حكيم روحاني حضرتك؟ لا أنا «جوجل».

 

تقرير الحالة.. خريطة بصماتنا على جوجل

بالطبع نحن نمتلك الكثير من الخيارات في عصر الاتصالات الرقمية، تجعلنا نشعر بأننا جزء فاعل في العالم.. فقد وفرت لنا ثورة التكنولوجيا العديد من الميزات، والاتصالات السريعة، ويمكن لأي شخص في مصر أن يتحدث بالصوت والصورة مع زميله أو قريبه في الولايات المتحدة أو الصين، ويتشاركان في شراء جهاز ما أو ملابس معينة، وأن يطمئن كل طرف على صحة الآخر ووجهه وحجمه، ويتابع مباراة في إسبانيا ليشجع برشلونة أو ريال مدريد، وفي نفس الوقت يتابع الصراع السياسي من نشطاء كتالونيا الذين يريدون الانفصال.. كل شخص يمتلك حسابًا على فيس بوك، وتويتر وإنستجرام، يتابع كل أخبار العالم من شماله لجنوبه، على الهواء، حروب، صراعات، حوادث، مهرجانات، يشارك بصور في الأفراح والأحزان، ويتشارك في تبادل الآراء ومتابعة كل ما يجري على سطح الكرة الأرضية.

وبينما نفعل ذلك فنحن نقدم معلومات اختيارية بكل حريتنا نضعها للفرجة العامة، وخلال الإبحار في شبكة الإنترنت تعجبنا أشياء ونرفض أشياء، نؤشر باللايك على ما نحبه، قلب أو ابتسامة أو دمعة، أو نعيد تشيير «مشاركة» أخبار أو صور، ومن دون أي شعور نترك بصماتنا على كل زر ندوس عليه، علامات الإعجاب أو الشير تعني موافقة، وربما نضيف تعليقًا أو نشارك في حملة خيرية، نعجب بفيلم أو مسلسل، نتصفح صفحات الموضة والطبخ، وطبعا ندلي بآرائنا حول كل ما يجري في المجتمع وبما فيها السياسة، وبينما نرسل مشاعرنا، نتلقى مئات الأخبار والصور والشائعات والنكات، والإعلانات عن سلع نريدها أو نتحدث عنها، وربما لا نعرف أن ما نتلقاه من إعلانات وأحيانا أخبار موجه بناء على الصورة التي رسمها لنا خبراء التسويق الرقمي.

هذه العلامات التي نتركها في كل مكان نتحرك به على الإنترنت تقدم تصورا عن كل منا.. ما نحبه أو نكرهه وما نريده، وربما مستوانا الاجتماعي وحالتنا الأسرية، وتصب كل هذه العلامات في أجهزة تحليل رقمية، تحولها إلى رموز ثم تعيد تحليلها إلى نتائج ترسم صورة شبه مطابقة لكل منا.

ومن خلال التصورات الفردية يتم بناء تصورات جماعية، فكل جهة أو حي اجتماعي له قدرات شرائية يقبل أكثر على نوعية من السلع، والطبقة الوسطى غالبا تحب مواسم التخفيضات والأوكازيونات، وكل منا مرة أو مرات فكر في الاطلاع على مواقع التجارة الإلكترونية التي تعرض سلعا منزلية أو أجهزة أو كاميرات بأسعار مخفضة، وتوصلها للزبون في مكانه، هذه المواقع تخاطب مستويات متعددة، لكنها تركز على الفئات التي تمثل القوة الشرائية أو التي تتطلب طبيعة عملها الاحتياج لآلات وطابعات وكاميرات، أحذية، ملابس.. في الصيف يكون سوق التكييف والمراوح، في الشتاء تعرض الدفايات، ويبدي البعض دهشته من أنه كان يفكر في شراء سلعة أو يبحث في موقع جوجل عن أقرب مكان يشترى منه لاب توب أو شاشة أو مروحة، فإذا به يجد على صفحته بـ«فيس بوك» عشرات الإعلانات عن مواقع تسوق تعرض سلعًا هو بحاجة إليها.

وفى كتاب «الرقميون» ينتقل ستيفن بايكر إلى القول بأننا ونحن نبحر في شبكة الإنترنت ونبحث عن اسم فيلم أو موقع للطبخ أو الشراء، نقدم تصورات عن أنفسنا تعود مواقع التحليل الرقمي لعدد محدود من الشركات لتحليلها لترسم لنا تصورات فردية وجماعية، فهي تكوّن تصورات عن كل فرد، ثم تصنف الأفراد إلى مجموعات، لكل منها مرتبة اجتماعية أو اقتصادية، ثم تبدأ في استعمال هذه التصنيفات في توجيه عقولنا باختيار وليس بإجبار.

في الواقع فإن الشركات التي تبيع، تقول لنا إنها تعمل بتصويت المستهلك وتترجم رغباته، لكنها في الواقع تدفعنا لشراء منتجات عن طريق إعلانات ليست مباشرة كما كان في السابق، لكنها تبدو أمرًا اختياريًّا، والمفارقة أن هذا الأمر لا يتعلق فقط بتسويق السلع، لكن أيضًا بتسويق أشخاص وسياسات وأفكار، وهو تصور أقرب لتقرير الحالة الجنائية من خلال بصماتنا على فيس بوك وجوجل وغيرهما.

 

تراقب نفسك وغيرك وتعترف

احتاجت حكومة ألمانيا الشرقية لتوظيف عشرات الآلاف لمراقبة مواطنيها، والحصول على تقارير مفصلة عن حياتهم، كان الأمر يتطلب جهدًا عضليًّا لزرع أسلاك وكاميرات وميكروفونات في جدران المنازل والشركات والمسارح والمقاهى وعشرات الموظفين لمتابعة كل هذه الأجهزة طوال أربع وعشرين ساعة، لكن في عالم اليوم يمكن لأي سلطة أو شركة أن تعرف كل هذه المعلومات من دون أي جهد لزرع ميكروفونات وأسلاك، كل منا يتبرع بتقديم كل المعلومات عن نفسه ويحدثها كل ثانية، كل جهاز من أجهزتنا الذكية يرسل كل فيمتو ثانية إشارة عما نحبه وما نكرهه، انتماءاتنا السياسية والأفلام والموسيقى التي نحبها ومشروبنا المفضل.. هذه المعلومات تأخذها شركات صغيرة وبعمليات حسابية يقوم بها «الرقميون» يرسمون تصورًا عنا تمهيدًا لتغيير سلوكنا.

كتاب «الرقميون».. أنت مراقب 24/24، لمؤلفه ستيفن بايكر، يشرح كيف يخضع العالم للمراقبة عبر الشبكة العنكبوتية وكيف مع الإنترنت أصبحت الحياة الخاصة خيارًا مفتوحًا، وهو في الأساس كتاب في الرياضيات والخوارزميات والاحتمالات عن الجاسوسية الطوعية التي نقوم بها على أنفسنا.

الجاسوسية هنا ليست فقط بالمفهوم السياسي، وإن كانت السياسة واردة، لكن بمفهوم أوسع، يتيح التحكم في سلوكياتنا ودفعنا لشراء أو بيع أو استهلاك، ويجعل عامة الناس الذين يستخدمون الموبايلات، واللاب توبات، يقدمون لبعض شركات تحليل البيانات والأرقام كل ما يلزمهم ليعرفوا عنهم كل شيء، تخيل أنك تستطيع أن تشاهد 150 مليون شخص يتصفحون الإنترنت في الوقت ذاته.

هذا هو بالضبط، ما يفعله دايف مورجان، صاحب شركة «تاكودا» التي تقدم للمعلنين معلومات تساعدهم على تحديد الفئات الواعدة أكثر من غيرها من بين متصفحي الإنترنت الذين يهتمون بإعلاناتهم، ويستخدم من أجل ذلك خبراء الخوارزميات، الذين يحولون كل تصرف على مواقع التواصل، إلى أرقام يعيدون تحويلها لتوقعات ترسم صور سلوكيات الناس.

ويشير ستيفن بايكر إلى دراسة أجرتها جامعة «كارنيجى ميلون» توصلت إلى أن مجرد الإفصاح عن الجنس، وتاريخ الولادة والرمز البريدي لمنطقة السكن، يكفي لمعرفة معلومات بالغة الدقة عن 87% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، بالطبع فإن هذه الدراسة يمكن تطبيق نتائجها على باقي مستخدمي شبكات الإنترنت والموبايلات الذكية، حيث إن شركة الموبايل التي تتبعها وتحمل خطها، يمكنها تحديد مكانك بدقة، تجلس في مقهى تشرب القهوة أو الشاى ومن تفاصيل لمسات أصابعك على مواقع التواصل وجوجل وغيرها، يمكنها بناء تصور أكثر وضوحا عن شخصيتك.

ثم تُجرى عمليات تحول هذه التفاصيل لبناء تصور كامل عن شخصياتنا، مع إمكانية التحكم في الفكرة والسلوك بطريقة ممكنة ومتاحة، وهي جاسوسية من نوع جديد، حيث يمكن لعدد محدود من الشركات في العالم، وبعدد محدود من الرياضيين «الرقميين»، أن تعرف كل تفاصيل حياتك كفرد وأيضًا كواحد من مجموع، وتعيد التحكم في كل هذا.

يقول بايكر: «يريد الرقميون تغيير سلوكنا، فإن كنا نتسوق يريدوننا أن نشتري أكثر، وفي أماكن عملنا يريدون منا تعزيز إنتاجنا، وإن كنا مرضى فإنهم يحرصون على أن نكون أكثر عافية وأقل تكلفة، ويمكن لشركات مثل آي بي إم وأمازون أن تصدر نماذج مبكرة عنا، ويعني ذلك أنه بإمكانها توقع سلوكنا، والمضي في إجراء التجارب علينا، ويمكنها أن تحثنا على إجراء تغييرات في متجر أو مكتب ما كي تعرف ردة فعلنا على التغييرات».

ومن خلال تجميع المعلومات الصادرة عنا، وتحويلها إلى نماذج يمكن توقعها، ويتوقع أن يصدر في العقد المقبل، وغالبا من دون قصد، نماذج عنا في كل مجال من مجالات الحياة، أي أننا سوف نظهر في هذه النماذج إما عمال، أو مرضى، أو جنود، أو عشاق، أو متسوقين، وناخبين.

يبقى الهدف الأكبر صنع نموذج رياضي للبشرية، فلم تعد هناك حاجة لعشرات الآلاف من الجواسيس، لأن الرقميين يقومون بذلك ويحولوننا إلى نماذج ربما تكون قابلة للتحكم، ولعل هذا هو موضوع حرب ظاهرة بين الولايات المتحدة والصين حول تكنولوجيا الجيل الخامس من التقنيات والمتعلق بحجم القدرة على التحكم والاستقراء والتوقع وإعادة رسم صورة كاملة للبشر تجاريًّا واجتماعيًّا وتسويقيًّا وسياسيًّا أيضًا.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة