السبت 18 مايو 2024

في مديح السيرة الهلالية

فن23-10-2020 | 09:36

"بعد المديح فى المكمل/ أحمد أبو درب سالك.. أحكى فى سيرة وأكمل/ عرب يذكروا قبل ذلك.. فى سيرة عرب أقدمين/ كانوا ناس يخشوا الملامة/ ريسهم سبع ومتين/ يسمى أبوزيد الهلالى ".. أشهر من كان يبدأ بها جابر أبو حسين ثم سيد الضوى حتى أصبحت أيقونة بداية غناء السيرة الهلالية ولكل منا قصة معها.

كان أهل قريتى لا يجتمعون على شيء إلا على حب الشاعر علي جرمون ذلك الشاعر الذي كان صوته الرخيم يخرج من سماعات "التسجيل " كما نسميه ويعنى  الكاسيت، وكلا حسب إمكانياته في نوعية وجودة الكاسيت الذي خرج منه صوت جرمون مجلجلا بالسيرة الهلالية، وكنا صغارا يقهرنا الأهل عند عمل أى ضوضاء على ذلك الصوت الخارج من التسجيل خشية أن تفوتهم جملة من جمل تلك الملحمة "السيرة الهلالية"، فالسير الشعبية من أهم مصادر الثقافة في أرياف مصر والبلاد العربية، وخصوصًا إذا ما أخذنا في الاعتبار نسب الأمية المرتفعة، وكان أهل القرية في الأفراح يأتون بشاعر الربابة كما يسمونه ويطلبون منه غناء أو قول جمل معينة يحفظها أهل القرية، وكان من خلال هذه الجمل ترسل الرسائل سواء الصلح مع أحد أو حتى للمحبين والمغرمين فيفهمها الطرف الآخر، ولم لا وهى الغنية بالمواقف فهذه الملحمة بها الكثير من الشخصيات والأحداث والمواقف، تضفي على الأدب الشعبي لونًا خاصًا يمثل الحياة الاجتماعية والفكرية التي كان يعيشها الإنسان، بل كانت في بعض الأحيان تمثل السيرة  نوعا من المواساة للبشر المقهورين الذين لم يتمكنوا من قهر الظلم في الواقع فاستعاضوا عن ذلك بالخيال، فالبطل هو نصير المظلومين، الذين يبحثون عن العدل في الحياة ولم يجدوه، وقد أمتعهم وجوده في الروايات، وهي من مظاهر الخيال الشعبي الخصب الذي يبتكر البطل وبطولاته في حالة أبو زيد وحمزة البهلوان وغيرهما، أو الذي يعتمد على أصل تاريخي ويزيد فيه ويضخمه لتكتمل صورة البطل مثلما نرى في عنترة وأدهم الشرقاوي، وفي كل الأحوال كان هذا الفن الجميل السلوى للناس قبل ظهور الراديو والتليفزيون.

السيرة الهلالية واحدة من السير الشعبية العربية، وهي عبارة عن ملحمة طويلة تغطي مرحلة تاريخية كبيرة في حياة بني هلال المعروفة بهجرة بني هلال، وتمتد لتشمل تغريبة بني هلال وخروجهم إلى تونس. هي السيرة الأقرب إلى ذاكرة الناس، والأكثر رسوخًا في الذاكرة الجمعية. وتبلغ نحو مليون بيت شعر. وإن أضفى عليها الخيال الشعبي ثوبًا فضفاضًا باعد بين الأحداث وبين واقعها، وبالغ في رسم الشخصيات التي تبلغ  حوالى ٥ ملايين بيت، احتفظ الرواة على مر الأجيال بالعدد الأكبر من الأبيات حيث كان يجلس الأبناء  بجوار الراوى يحفظون ويفهمون، وكان أكثرهم لا يعرف القراءة ولا الكتابة حفظوا عن الحاج الضوى الكبير والمرحوم جابر أبوحسين، ومن الرواة الأصليين للسيرة أمثال أبوحسن حفنى ومحمد أبوقناوى وكانت تسكنهم السيرة الهلالية فيحفظونها عن ظهر قلب، ثم جاء الأبنودى وظهرت مصورة وكان الصعيد مهتما بمشاهدتها بل سحب البساط وقت عرضها من الأعمال الدرامية فالسيرة الهلالية فى جنوب مصر غير التى فى شمالها، ومختلفة قطعا عن التى تنتشر فى ربوع المغرب العربى، بداية من ليبيا وتونس، وحينما تتجه إلى شبه الجزيرة العربية وجنوبها ستجد أسطورة مختلفة.

 كان يأتى بعض الحافظين للسيرة يتجولون في شوارع القرى بالربابة ويغنون السيرة، ليس بالضرورة يحفظها كلها فهى حوالي  5 ملايين بيت من الشعر، لكن يكفيه معرفة بعض المواقف الفاصلة في الملحمة التى تعتبر كنزا من  الحكمة والعظة والعبر والقيم، وتنمى روح البطولة والشجاعة والشهامة وغيرها من الصفات التي نحتاجها في كل وقت وكل مكان، وهو ما دعانا في الهلال لعمل  ملف "في مديح السيرة الهلالية" لنحيي بهذا الملف سيرة السيرة الهلالية.

    الاكثر قراءة