السبت 1 يونيو 2024

عن صاحب البدعة"سليل الظلام" الذى خرق ناموس العادة فانهار ناموس الطبيعة

فن23-10-2020 | 13:41

"وكل من يريد أن يكون مبدعاً في الخير وفي الشر، عليه أن يكون أولاً مدمّراً وأن يحطّم القيم"من كتاب هكذا تكلّم زرادشت، فريدريش نيتشه.

 كما فى كل أعمال الروائي"إبراهيم الكونى" الإنسان هو المحور الأول والرئيسي. يمتزج مع المكان والتاريخ والأسطورة. كان الاستشهاد الأول بقول نيتشه، للتدليل على ما سوف نسرده عما تحكى الرواية، عن الإنسان وكراهيته للضعف وتغذيته للقوى، وتمرده على كل الشأن حتى تمرده على ذاته.

فى الملحمة الصحراوية "عشب الليل" يحكي الروائي الليبي"إبراهيم الكوني" عن شخصية"سليل الظلام" الشخصية التى سيحار القارئ فى الحكم عليه، أو حتى في تكوين إطار لتلك الشخصية. فهل كان"سليل الظلام" شاعرا، أم فيلسوفا، أم هو شخصية متمردة على ناموس وعادة قومه وبيئته؟

تنطلق ملحمة"عشب اليل" من صحراء الطوارق، وكان بطلها"وان تيهاي" أو سليل الظلام. الشخصية الغريبة، الذى كان فيلسوفا تارة، يتوصل ويلخص علاقة الإنسان بأخيه الإنسان. والتى خلص فيها إلى أن الإنسان ما خُلق إلا لإيذاء إنسان آخر، لا يهنأ له العيش إلا إذا رأى أقرب الناس إليه يموت. وكانت هذه الفلسفة سببا رئيسيا فى احتجابه وانعزاله أزمنة متتالية.

كان"سليل الظلام" تارة أخرى شاعرا، شهد له الأعداء قبل الأصدقاء بجودة ما ينظم من أشعار، كان فى ليالي تجواله يتغني بها متغزلا فى الظلمة مادحا الدجى، عاشقا بها السواد. حيث تحول إلى كيان مستوحش لبني جنسه متوحدٍ مع الصحراء وحلكة سوادها، حتى توحد معها وصار جزءا منها.

"وان تهاى" بلغة الطوارق، الشغوف بالسواد والظلمة المتوحد بها، على عكس ما هو سائد فى (الناموس) ليس لدى القبيلة فحسب، وإنما حسب ما هو سائد لدى العالمين اللذين يفضلان النور والبياض.

فعشقه للسواد هذا قاده إلى العيش فقط ليلا. وكانت هذه بدعته الأولى (البدع) أو ما حذر منه الناموس (ألم يحذر الناموس فى وصاياه من البدع، "إياكم والبدع. البدعة فتنة، والفتنة باب لأهوال أكثر شرا من الوباء ومن الجدب ومن العدو"

 يحتجب النهار بأكمله، يحتمى من النور، ليظهر ويطل ليلا، متوسدا الليالي التى تزداد فيها الحلكة بغياب البدور. يتغزل فى الصحراء وظلمتها. شيد خبأ داخل خبيء، حتى أنه لف عينيه بأغطية حتى لا يرى، وكانت القصة المفضلة لديه قصة ذالك الحكيم الذى سمل عينيه بنفسه حتى يرى ما لا يستطيع الأخرون رؤيته.

وكان ذالك أول مخالفة للناموس أو عادات القبيلة والتى اصطلحوا عليها منذ أمد لا يعرفون مبدأه، لكن المخالفة الأولى للناموس وردود فعل قبيلته على تلك المخالفة هى من أوصله إلى أفدح من ذلك بالنسبة للقبيلة. وذلك عندما تزوج بالزنجية السوداء (بنت الأدغال) لكن لم تثِر هذه المخالفة سخرية القبيلة فقط، إنما أيضا اعتبرت ما أتى به من أفحش الآثام، عايروه وسخروا منه، وشمتوا فيه، وانتظروا ليروا ثمار تلك الفعلة وهى تدور على رأسه وقالو له ( إذا قبِل النبيل اقتسام الفراش مع بنت الأدغال فسوف يرى النبيل يوما ابنته تتقاسم المخدع مع ابن الأدغال) وقد كان. هذا ما نفذه لهم النبيل فيما بعد.

لكن فلسفة"سليل الظلام" فى الشر البشري كانت صائبة، عندما تآمروا على زوجته وقتلوها بالسم فى الطعام، بعدما أنجبت له ابنة. لكن كان رد فعله على فعلتهم أشنع.

عرف كيف ينتقم من الجميع (سأضع حدا لطغيان أهل الشماتة، وسأوريهم أن ابن الظلام سيعرف كيف يرد الكيد وينتقم). وقد كان، فعندما قرر بعد أن خرق ناموس القبيلة، قرر أن يخرق ناموس الطبيعة، حتى يتسنى له المكسب من ذلك مضاعفا ثلاث مرات (سوف يكسب، خرق الناموس، ويكسب رد شماتة أعدائه، ويكسب الخلود الأبدى).

 بدأ بالخطة عندما زوج ابنته إلى عبد زنجي (ابن الأدغال) كما قال له الشامتون عند زواجه من الزنجية. فقد زوج سليل الظلام ابنته للعبد الذى قام بإخصائه وقطع لسانه هو وعددا كبيرا من العبيد مخافة أن يثرثروا بالأسرار الخفية.