الإثنين 27 مايو 2024

جماعات العنف وملاذات السلفية الآمنة

25-4-2017 | 13:52

بقلم –  أحمد بان

لاشك أن قضية التطرف والعنف باسم الإسلام، أصبحت من أهم القضايا التى تشغل العالم وتهدد مستقبل الدولة الوطنية، التى ترفع شعارات المواطنة والحرية والديمقراطية وتحرص على احترام الدستور، باعتباره الصيغة الأرقى التى تضمن أفضل مستوى ممكن من التعايش بين كل المواطنين على اختلاف توجهاتهم الفكرية أو عقائدهم الدينية، وإذا كان الله قد سمى من أمنوا بالإسلام دينا بالمسلمين، فقد تسرب إلى واقعنا فى القرن الأخير مصطلح الإسلاميين للدلالة على جماعات وفرق حركية، سمت نفسها بمسميات مختلفة تمايزت عن باقى المسلمين، ولم يكن هذا التمايز تمايزا فى الاسم والرسم دون المعنى أو الأفكار، فقد قدمت بالفعل نسخا جديدة للدين تجعله أداة هدم وقتل وصراع دائم، وهو الذى نزل أداة بناء وتقدم وسلم وحرية وتسامح.

حاولت تلك الجماعات أن ترسخ مفهوما أخطر يقول إن المسلمين قد نكلوا عن دينهم أو ارتدوا عن أحكامه، وأنهم بحاجة إلى جماعات تعيد تصويره فى الواقع ليتقمصه الناس من جديد، فيما عرف من أفكار العزلة الشعورية والوجدانية التى اخترعها سيد قطب، الذى يعد المنظر الأول والأهم لتيار السلفية الجهادية، التى أهدت العالم تنظيمات كجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية وصولا للقاعدة ثم داعش.

عرف العالم فى القرن الأخير ثلاثة عناوين معبرة عن تلك الحركات التى تمايزت عن جمهور المسلمين، وعن المؤسسات الدينية الرسمية التى لم تنهض لعلاج الظاهرة أو الاشتباك معها بالنظر للحال الذى أصاب تلك المؤسسة، كما أصاب كل مؤسسات الدولة المصرية فى العقود الأخيرة من تراجع فى الكفاءة وترهل فى الأداء، كما يقول الشيخ محمد الغزالى « وقد كان علماء الأزهر القدامى أقدر الناس على علاج هذه الفتن، فهم يدرسون الإسلام دراسة تستوعب فكر السلف والخلف والأئمة الأربعة، كما يدرسون ألوان التفسير والحديث وما تتضمن من أقوال وآراء، لكن الأزهر منذ ثلاثين عاما أو تزيد ينحدر من الناحية العلمية والتوجيهية، ولذلك خلا الطريق لكل ناعق وشرع أنصاف وأعشار المتعلمين يتصدرون القافلة ويثيرون الفتن بدلا من إطفائها، وانتشر الفقه البدوى والتصور الطفولى للعقائد والشرائع».

نعم فقه بدوى وتصور طفولى للعقائد والشرائع على حد وصف إمامنا الجليل من بين الكيانات الحركية المعروفة إخوانا وسلفيين وجهاديين، اعتبر أن الكيانات السلفية هى الأخطر على الدين والوطن.

لو تحدثنا عن الإخوان فقد تكفلت تجربة الحكم بكشف القشرة الأخلاقية الرقيقة التى لم تصمد لأضواء عام واحد من الحكم، وتحول الإخوان بسرعة إلى جماعات سلفية جهادية تتوسع فى التكفير والحكم بردة الأعيان، فكفرت الرئيس السيسى ووزير دفاعه وداخليته وغيرهم حتى من الإعلاميين والكتاب، بل ونشط بعضهم فى تحويل أفكار التكفير إلى استباحة وعنف وتفجير اتخذ أشكالا مختلفة، صحيح أنها اتسمت بضعف الخبرة والعشوائية سواء تفجير أبراج الكهرباء أو مهاجمة بعض الأكمنة الأمنية أو ضباط وعناصر الشرطة المصرية، أو محاولة الإساءة إلى معنويات جيشنا العظيم أو مؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية التى يملكها كل المصريين، بينما احتفظت الغالبية الصامته فى هذا التيار إلا ما رحم ربك بأفكار التكفير الساكن وهو ما تشاركه مع باقى الجمهور السلفى، الذى يصنع قناعاته فى النهاية الفقه السلفى الذى يبرز بين دعاته كيانا مثل جماعة أنصار السنة المحمدية، التى تسبق فى النشأة جماعة الإخوان ذاتها بعامين والتى يعتقدها البعض مثالا للسلفية الساكنة، فى تمييز لها عن السلفية الحركية التى برز من عناصرها دعاة مثل الشيخ نشأت أحمد وفوزى السعيد ومحمد عبدالمقصود، ممن برزوا كخطباء فى مسرح رابعة العدوية يكفرون الشعب ويدعون لما سموه بالثورة الإسلامية فى مصر، وهو الخطاب الذى أكد أن التمايزات التى يعتقدها البعض بين كيانات الإسلام السياسى، هى محض توزيع أدوار وليست تباينات حقيقية، عودوا إلى قائمة أسماء أعضاء الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تلك الهيئة الداعمة لحكم الإخوان، والتى تحولت لاحقا إلى تحالف دعم الشرعية لتتأكدوا أنهم يضربون عن قوس واحد.

كلهم يجمعهم العداء للدولة الوطنية وإن أظهروا الإيمان بها والالتزام بطاعتها، هم لايؤمنون سوى بالدولة الإسلامية التى تحكم بالشريعة التى لايقدمون لها إطارا نظريا أو عمليا قابلا للتطبيق، كلهم لايؤمنون بفكرة الدستور حتى وإن كانت المادة الثانية منه تؤكد المرجعية الإسلامية فى التشريع، الإخوان كلنا يعرفهم الآن ويعرف كيف تخفوا لسنوات وعقود فى أقنعة مختلفة، صوفية فى العقد الأول من عمرها وحزب سياسى وجماعة دعويةبعدها فى التباس واضح حتى كشفتهم تجربة الحكم ولفظهم المجتمع المصرى.

أما المجموعات الجهادية التى رفعت السلاح فى وجه الدولة والمجتمع، فنعرفهم أيضا ونعرف أساليبهم ووسائلهم وأهدافهم ليست خفية فقد جسدتها داعش صوتا وصورة على نحو واضح جلى.

المعركة واضحة المعالم بين تنظيم الإخوان الذى حاول ابتلاع الدولة فابتعلته، أو مجموعات الجهاد المسلح التى تشتبك مع العالم عبر ساحات واسعة فى حرب ضروس عناوينها الحروب الميدانية وحروب الخلايا أو الذئاب المنفردة أو حروب النكاية بوسائلها المختلفة.

أما المعركة مع السلفيين ومجموعاتهم وتمايزاتهم الوهمية فهى المعركة التى تصر الدولة على عدم خوضها، حيث لازال البعض يعتقد أن من أهم الأسباب التى أدت إلى انتشار الدعوات السلفية فى مصر وغيرها هو غياب الاهتمام بالسياسة أو الدعوة لها، وهو محض وهم فقد تم فى مطلع القرن تأسيس دولة عربية على أساس التحالف بين مذهب سلفى وأسرة حاكمة، ولازال يعتقد الكثيرون ربما أن الكيانات والحركات السلفية لم تسع إلى أى صدام مع الدولة المصرية، بتجنب الانخراط فى أى عمل سياسى أو المشاركة البرلمانية كما فعل الإخوان المسلمين حيث استفادت تلك التيارات من أجواء الصدام بين الإخوان والدولة المصرية فى العقود الأخيرة، قبل يناير ما ساهم فى ترسيخ قواعدها وساهمت طفرة القنوات السلفية التى سمح بتمددها نظام مبارك فى تمهيد الأرض لتلك التيارات، التى انتشرت وتمددت على نحو كبير ولعل حصول الإخوان والسلفيين على أغلبية مقاعد برلمان ٢٠١٢ بل وفوز مرشح إخوانى بمنصب الرئيس ما يعد ترجمة حقيقية لهذا الوزن والنفوذ النسبى للجمهور السلفى الذى حاز أكثر من ٢٥ ٪ من مقاعد البرلمان.

يخطأ البعض إذا تصور أن السلفية كتلة مصمتة تختفى فيها التمايزات، السلفيون ليسوا تلك الكتلة التى تؤمن بولاية المتغلب وترضى بالحاكم أيا كانت سيرته أو سلوكه كما تعتقد السلفية الساكنة التى يعتقدها البعض تيارا سلميا لايعرف العنف متصالحا مع الدولة لا يبادرونها بالعداء ولا يحرضون على مواطنيها على خلفية الاختلاف فى الدين.

فى فرق السلفية هناك فرقة تحبها الأنظمة المختلفة وتعتقد فيها كظهير دينى لها، وتحرص على تقريب دعاتها وهى السلفية المدخلية أو السلفية الجامية، وقد نشأت تلك الفرقة فى السعودية فى العام ١٩٩١ بهدف رئيسى، وهو التسويغ الشرعى للقرار السعودى بالاستعانة بقوات التحالف الدولى فى تحرير الكويت من غزو صدام حسين، وقد أسسها ربيع المدخلى أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية بالمدينة وتعرف أيضا باسم السلفية الجامية نسبة إلى الشيخ محمد أمان الله الجامى، ويرى التيار المدخلى نفسه كحركة تطهيرية داخل التيار السلفى تحاول تخليصه من أدعياء السلفية ويتهمها البعض بأنها تخدم الأجهزة الأمنية.

هذه الفرقة فى مصر أبرز دعاتها هم محمد عبدالمعز رسلان وأسامة القوصى ومحمود عبداللطيف عامر أمين جماعة أنصار السنة فى البحيرة.

أسوق للقارىء هذا الرأى لمحمود عامر والذى كان خلاصة أنهى بها كتابه المعنون بـ«النصارى فى القرآن « وسأسوقه حرفيا، ليتأمل معى القارىء كيف تمهد أفكار تيار تعتبره الدولة حليفا لها أو من رجالها، وكيف تهدم تلك الأفكار صيغة الدولة والمواطنة والتعايش وغيرها من سمات الدولة الوطنية الحديثة التى يعاديها هؤلاء يقول:

“إن أهل الكتاب من اليهود والنصارى والذين بلغتهم دعوة الإسلام غضة طرية ولم يؤمنوا بالإسلام ولم يصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم، أن كل هؤلاء وغيرهم من الملل الأخرى كفار مخلدون فى النار، وإن حسنت أخلاقهم وارتقت اختراعاتهم واتسعت حضاراتهم، فكل ذلك لا يغنى عنهم من الله شيئا وبناء على تلك العقيدة يجب على المسلم أن يعامل أهل الكتاب، ولا ينس أن الله جل وعلا قد خونهم وكذبهم وجرحهم، وبين لنا ما يكنون لنا فى قلوبهم فلا ينبغى أن ننخدع بمعسول كلامهم ولين حديثهم حين يتعاملون مع المسلمين، لأن الله حق وأن القرآن حق وأن محمدا حق فما جاءنا عن الله فى القرآن أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وجب علينا الإيمان به والكفر بخلافه، هذا إن شئنا أن نعتز بديننا ونعتز بأنفسنا كمسلمين عاملين محسنين متقنين منتجين مخترعين أصحاب همم عالية، حينئذ نكون قد وضعنا أول لبنة صحيحة لنهضة قوية حقيقية بعيدا عن الشعارات الزائفة والأفكار المضللة، والتى عاشتها الأمة وتعيشها منذ قرنين من الزمان «

كيف كانت الأمة قبل قرنين من الزمان !هل كنا سادة الدنيا فى العلم والتقدم قبل قرنين من الزمان أم كنا نرزح فى أوحال الخيبة نرفع شعارات الدين لنهضة الدنيا، فلا أبقينا دينا ولا صلحت لنا دنيا.

بأفكار هؤلاء التى تصنع ما يسمى بالسلفية الساكنة تمييزا لها عن السلفية الجهادية التى قدمت لنا داعش والقاعدة، نصنع ثوبا واسعا تختفى فيه عناصر الجهاد المسلح التى ينشط بعضها فى ساحات العنف، بينما يتمتع القدر الأكبر بهذا الملاذ الآمن الذى يجد فيه الراحة والتكوين العقائدى فى انتظار اللحظة المناسبة، التى ينقل فيها أفكاره إلى حيز الواقع ليتحرك من منطقة السكون إلى منطقة الحركة، دون أن ينتبه له أحد فثوب السلفية الواسع وجيوبها ومشاربها تتيح له حيزا مناسبا من الحركة والمناورة.

كل ذلك لا يقول لنا سوى حقيقة واحدة أن جميع هؤلاء يعملون لغاية واحدة ويخلصون لتصور واحد، لذا لم يكن غريبا أن يقول أحد دعاتهم وهو محمد قطب أن أفكار شقيقه سيد قطب هى الامتداد الطبيعى لأفكار حسن البنا.

ما بين القوم تكامل وتوزيع أدوار ولن يستفيد أحد غيرهم من هذا التباينات الوهمية بينهم، وهذا هو الوهم الذى يجب أن يتخلص منه صانع القرار، استعان السادات بتلك الكيانات لإحداث توازن مع المعارضة الوطنية السلمية فقتلته فى النهاية.

نصيحتى للنظام ألا يلعب تلك اللعبة بورقة السلفيين فى مواجهة الإخوان أو الجهاديين، كما فعل السادات فهم يدركون جيدا كيف يحولون اللعبة باتجاه مصالحهم، فعلوا ذلك مع أمريكا فى أفغانستان وفعلوا ذلك مع السادات وفعلوها مع مبارك، لماذا يجب أن تقرأ الدولة من نفس الدفتر فى كل مرة، لماذا تصر الدولة على أن تلدغ من جحر مرتين وأكثر.

فتشوا فى أفكار وعقول كل إرهابى يقع فى يد الدولة أو يقع فى يد عزرائيل، لن تجدوا سوى أفكار السلفية بكل فرقهم وتبايناتهم الوهمية، السلفية الحديثة هى منجم التكفير والجيش العقائدى الذى يختبر طبيعة المواجهة بطليعة كداعش والقاعدة، قبل أن يسفر عن وجهه ويخوض المعركة بكل أعضائه.