الأحد 24 نوفمبر 2024

فن

وظفت لغة الجسد لتترجم الكثير

  • 25-10-2020 | 10:57

طباعة

تحتضن دار الأوبرا المصرية منذ ان شُيدت في العاشر من أكتوبر عام 1988م، كافة الفعاليات الفنية،الكثير من المحافل الفنية والمهرجانات، كما يتبعها الكثير من الفرق بمجالات الفن المختلفة، فقد شكلت دار الأوبرا المصرية دوراً لا يستهان به في إثراء الحركة الفنية المصرية ولا تزال، بالإضافة إلى اجتذاب فئات الجمهور المتعددة إلى أحضانها ولا تزال، فبين ثنايا دار الأوبرا ستجد المسرح والسينما وإذا كنت من عشاق الفن التشكيلي ستجد المعارض تفتح ذراعيها إليك، وستثري روحك الموسيقى، وستأتي إليك بأعمال الفرق العالمية المختلفة لتكشف لك عن فنون العالم، ولا تزال دار الأوبرا تحلق في سماء الفن وتتطور يوماً تلو الآخر، وتبقى لنا بمثابة عالم فني متكامل.

ويعد فن الرقص واحداً من تلك الفنون التي تحتضنها دار الأوبرا المصرية، حيث تضم الأوبرا اثنتين من فرق الرقص الحديث والمعاصر، فرقتين ذاع صيتهما بين أرجاء العالم، وتمكنتا من خلق مكان لهما بكافة المحافل والمهرجانات المحلية منها والدولية، حيث قدمتا على مدار تاريخهما الفني العديد من الأعمال الفنية المبتكرة التي تعالج الموضوعات الفنية المختلفة بتقنيات الرقص المسرحي، إنهما فرقتا الرقص المسرحي الحديث، وفرسان الشرق للتراث والرقص المعاصر.

بدأت فرقة الرقص المسرحي الحديث مشوارها الفني بدار الأوبرا المصرية عام 1993م، وقد كانت الأولى من نوعها بوطننا العربي، والجدير بالذكر أن قرار تأسيس فرقة رقص مسرحي بمصر وبشباب وشبات مصريين جاء من قبل رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمركز الثقافي القومي الأسبق – دار الأوبرا المصرية – د. ناصر الأنصاري، وبعد أن وافق وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وقع الاختيار على واحد من أبرز المتخصصين في هذا المجال الفنان والراقص اللبناني وليد عوني الأب الروحي للرقص المسرحي لرئاسة الفرقة، وذلك لما يمتلكه عوني من خبرة في مجال الرقص، حيث تتلمذ على يد المخرج العالمي موريس بيجار أحد رواد فن الباليه وعمل معه على مدار سته أعوام في الكثير من العروض الناجحة في بروكسل ، وأيضاً إدارته لفرقة التانيت للمسرح الراقص ببلجيكا لفترة وجيزة، وقد ذكر عوني أن إضافة كلمة حديث لاسم الفرقة جاءت لتعني التجديد في عالم المسرح المتطوروانطلاقا للأفكارالتي تعكس حياتنا اليومية وواقعنا الاجتماعي في الماضي والحاضر.

وبالفعل بدأ عوني منذ ذلك الحين بخلق أساليب مستحدثة لمعالجة الموضوعات الفنية بالرقص المسرحي وكسر الأنماط المسرحية والاستعراضية السائدة آنذاك، وبدأ أيضاً التركيز على موضوعية الحركات التي تلائم كل عرض وأبعاده الفكرية وتوظيف حركات الجسد الجريئة الأداء لتترجم الأفكار ومغزاها ورموزها، وأيضاً اقتباسات موضوعية متعددة عن الفنانين ورموز المجتمع والأدباء كنجيب محفوظ وتحية حليم ..إلخ وبلورتها في أعمال تنوعت بين الأدب والسينما والموسيقى والفن التشكيلي وبين الثقافة والتاريخ وبين الحضارة المصرية والعربية، لتبدو تلك الفنون في نهاية الأمر كعمل فني متحد، بالإضافة إلى خلق رابط يجمع بين مضمون العرض والسينوغرافيا، وكأنها عده مكونات تضافرت لتنتج وجبة واحدة مكتملة، وقد بدا كل ذلك بهوية مصرية خالصة.

يذكر عوني أنه لم يكن من اليسير أن يعي المتلقي هذا الفن الوليد، خاصةً وأنه يستند في الأساس إلى لغة الجسد للتعبير ولهذا يحتاج متخصصا لفهمه وقراءته، وهو ما كان صعباً على أعضاء الفرقة أيضاً فقد كانوا حديثي السن وبدون خبرة فنية، بالإضافة إلى تبعية العروض لمدرسة حديثة في الرقص تعتمد على الابتكار في التصميم والحركة بعيدا عن الرقصات الكلاسيكية، ولهذا واجهت الكثير من المتاعب في بداية مشوار الفرقة الفني والذي استمر للسنوات العشر الأولى من تاريخ تأسيس الفرقة.

 ورغم ما يذكره وليد عوني إلا أننا نجد أن فرقة الرقص المسرحي الحديث تمكنت من أن تحقق نجاحا منقطع النظير منذ انطلاق سهامها الأولى في عالم الفن، ويبقى استعانة المعهد العالي للباليه ببعض أعمالهم لتلتحق بالمناهج التعليمية لتدرس لطلبة المعهد بعد مرور خمسة أعوام فحسب واحداً من أبرز النجاحات التي حققتها الفرقة ببداية مشوارها، فقد استمرت الفرقة في ترسيخ منهجها على مدار سنوات حتى أصبح لها شريحة عريضة من الجمهور وأقبل على عروضها المتلقي العادي والمتخصص كالفنانين والأدباء والكتاب، حيث بات كلاهما ينتظر كل جديد ونتاج لأفكارها المتجددة المبتكرة، ولا سيما النقاد، فقد لاقت الفرقة أكبر تقدير من قبل نقاد المسرح والرقص وكتب عنها بأهم الصحف والمجلات المتخصصة،لتفردها بإبداع من طراز خاص.

صحيح أن فرقة الرقص المسرحي الحديث كانت قد تأسست عام 1993م كما ذكرنا سابقاً، إلا أنها بدأت بتقديم أول عرض لها قبيل تأسيسها كفرقة معترف بها من وزارة الثقافة المصرية والوطن العربي، ففي عام 1992م، كُلف وليد عوني من الهيئة العامة للمركز الثقافي القومي – دار الأوبرا المصرية – بتقديم عرض ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، حيث جاء عرض تناقضات كتجربة جديدة من نوعها تُطرح باسم دار الأوبرا المصرية، ومن هذا وجد جمهور المسرح في عنصر الرقص والرقص المسرحي لغة جديدة ومبتكرة مضافة إلى عالم المسرح، ومن ثم توالت عروض الفرقة ونجاحها الذي ذاع صيته عبر البلدان، حيث قدمت ما يقرب من أربعين عرضاً وأكثر شاركت في الكثير من المهرجانات المحلية ومثلت مصر في العديد من المهرجانات والمحافل الدولية مثل مهرجان قرطاج الدولي وفايمر بألمانيا، تشانجمو الدولي بسول كوريا واستضافتها ميونخ على أشهر مسارحها (الموفتهالي)، وعرضت في معظم بلدان العالم كالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية والصين وكوريا ولا سيما البلدان العربية.

وأبرز تلك العروض الذي يعد بمثابة شهادة ميلاد فرقة الرقص المسرحي الحديث إيكاروس أولى عروض الفرقة وعرض الأفيال تختبئ لتموت الذي قدمته الفرقة عام 1995م والذي حاز على جائزة أفضل سينوغرافيا بالدورة السابعة من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، كما مثل مصر بالورشة الخامسة لموسيقى المسرح بميونخ، وقبيل رحيل عوني عن الفرقة عام 2011م قدم عرض قاسم أمين، وبعد أن غاب عوني عن الفرقة لمدة سبع سنوات متتالية عاد من جديد لقيادة فرقة الرقص المسرحي الحديث بناء على دعوة من د. إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة ود. مجدي صابر رئيس دار الأوبرا المصرية، أثناء تكريمه احتفالا باليوبيل الفضي للفرقة، ومن ثم عاد عوني بعرض دموع حديد عن أعمال المصممة المعمارية زها حديد، والذي عرض أيضاً ضمن فعاليات ختام الدورة السادسة والعشرين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي.

وفي تلك السنوات كان الفنان ومصمم الرقصات أحد تلاميذ وليد عوني مناضل عنتر قد تولى إدارة الفرقة، ولا شك أنه اتخذ منحى يختلف قليلا عن معلمه إلا أن ذلك مكنه من اجتذاب قاعدة جماهيرية كبيرة من الشباب، وذلك بحسب ما يذكره عنتر من خلال محاولة تكوين رؤية مختلفة عن فكر وليد عوني ولكنها مستمدة منه،حيث عمل في العروض على أساس الشكل والمضمون،وهو أن يستخدم اللغة المنطوقة بشكل بسيط في العروض، وفي ظل تولي مناضل عنتر إدارة الفرقة قدم الكثير من العروض أبرزها عرض الفيل الأزرق الذي جاء عن رواية الكاتب أحمد مراد والتي تحمل الاسم ذاته في عام 2015م وقد حاز هذا العرض على جائزة أفضل استعراض بالمهرجان القومي للمسرح المصري، وعرض قلعة الموت الحائز على جائزة أفضل تعبير حركي واستعراضي وهو من تصميم سالي أحمد ومناضل عنتر، وعرض أرملة الصحراء عن رواية واحة الغروب لبهاء طاهر تصميم وإخراج سالي أحمد التي قامت بإخراج عرض سيرينا حورية البحر، ويعد عشم إبليس هو أحدث عروض فرقة الرقص المسرحي الحديث حتى الآن.

انضمت فرقة فرسان الشرق للتراث والرقص المعاصر إلى أحضان دار الأوبرا عام 2013م، والتي كانت قد تأسست عام 2009م على يد وزارة الثقافة والفنان وليد عوني، وهدفت تلك الفرقة إلى استلهام التراث المصري والعربي وإعادة صياغته فنيا عبر تصميمات حركية مبتكرة وإبداعية تحمل صبغة شعبية ودرامية وتاريخية، على خشبة المسرح وتقديمه في سياق فني درامي راقص، ليحيي من جديد هذا الإرث المصري الزاخر بالحكايات والأحداث والملاحم والبطولات والسير والأخبار التي لا مثيل لها بسياقات درامية راقصة تغلفها هُويتنا المصرية، وهذا ما يميز فرقة فرسان الشرق للتراث كونها فرقة فريدة من نوعها استخدمت منهجا مبتكرا لموضوعات ركيزتها الأساسية الفلكلور المصري، كرصد جانب من العادات والتقاليد ومظاهر الاحتفال المصرية التي ارتبط بها الوجدان الشعبي، وتابلوهات تصاحبها أشهر الألحان الشعبية الخالدة المنتقاة على سبيل المثال، أو حتى تحويل سطور التاريخ وما حمله من روايات إلى مشاهد مبهرة ترسخ في الذهن والوجدان لتتبلور أفكار ورؤى فنية في قالب موسيقي راقص يحمل سمات المتعة والإقناع لتوثق لحظات التاريخ النادرة وأسماء أبطاله، فباختصار تتمحور فكرة فرقة فرسان الشرق للتراث حول تقديم التراث على طريقة المعاصرة شكلا ومضمونا باستخدام أساليب الرقص المعاصر.

كان عرض الشارع الأعظم أول عروض الفرقة التي قدمته عام 2010م، وهو من إخراج وليد عوني، الذي افتتح به الاحتفالات باختيار المنامة عاصمة ثقافية، وقد ترك عوني إدارة فرقة فرسان الشرق للتراث في 2011م، وتولت كريمة بدير بالعام ذاته إدارة الفرقة، ولكنها لم تستمر كثيرا في إدارة الفرقة ولكنها بقيت كواحدة من أبرز مصممي ومخرجي الفرقة، ثم تولى منصب المدير الفني الحالي للفرقة المصمم والمخرج طارق حسن، أما الآن فتقدم الفرقة أعمالها الفنية بقيادة مديرها الحالي د. عصام عزت.

حظيت الفرقة بشهرة واسعة بين الجمهور المصري والعربي ولاقت استحسان الكثير من الجمهور والنقاد داخل مصر وخارجها، حيث مثلت الفرقة مصر بالكثير من المحافل والمهرجانات الإقليمية والدولية كان آخرهما المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الثانية عشرة، وأيضاً مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي في دورته السادسة والعشرين بعرض بهية من تصميم وإخراج كريمة بدير.

للفرقة العديد من العروض التي يبدو من أسمائها أنها تنتهج نفس المنحى المتفرد الذي يميزها عن غيرها، نذكر منها عرض الزيبق، المولد، نساء من مصر الذي أعاد مخرجه طارق حسن تقديمه بناءً على رغبة جمهور دار الأوبرا المصرية، وفي عام 2017م قدمت الفرقة عرض علاء الدين من تصميم وإخراج طارق حسن، وشارك الفرقة مناضل عنتر بعرض من تصميمه وإخراجه يحمل عنون "الجبتانا أسفار التكوين المصرية"، وأيضاً قدمت الفرقة عرضا بعنوان شجرة الدر من تصميم وإخراج عصام عزت والذي اختتمت به موسمها المسرحي لعام 2018م، وتعد الملحمة الشعبية الهلالي التي استلهمت سيرة الهلالي تصميم وإخراج عصام عزت آخر ما قدمته فرقة فرسان الشرق للتراث والرقص المعاصر على خشبة المسرح.

    الاكثر قراءة