الخميس 13 يونيو 2024

الفكر الاستراتيجى ومعاهدة السلام

25-4-2017 | 14:46

بقلم: لواء محمد الغبارى

يعتقد كثير من العرب والمسلمين ودولهم وكثير من شعوب العالم شرقا وغربا بأن الصراع العربي الإسرائيلى بدأ من عام ١٩٤٨م وحين تم الاعلان عنقيام الكيان الصهيوني وهو دولة إسرائيل وهذا الاعتقاد جاء نتيجة عدم قراءة التاريخ جيدا وخاصة التاريخ اليهودي الذي لم يذكر عنه اي أحداث أو تفاصيل في سجلات الحضارات القديمة مثل الفرعونية في وادى النيل بمصر أو البابلية في بلاد ما بين النهرين أو الآشورية في شمال الشام ولكن ذكر تفاصيل ذلك التاريخ في أسفار العهد القديم التي بدأ تجميعها وكتابتهانبي اليهود ألعزير أو عيزرا في أسفار موسى الخمسة وتوالت الأسفار أو كتب أنبياء اليهود بعد ذلك كل يكتب سيرته الذاتية والتعاليم الدينية الخاصة به مقرونة بجزء من التاريخ المعاصر له وأحداثه .

- وإذا نظرنا إلى بداية الصراع الإسرائيلي فإننا نجد أنها بدأت كما جاءت بسفر الخروج ثم أسفار يوشع بن نون والقضاة والملوك الأول والثاني وذلك حين وضع نبي الله موسى خطة العودة إلى أرض كنعان أرض الميعاد كما يطلق عليها اليهود وكما جاء فى سفر التكوين فى الوعد رقم ثلاثة لنبى الله ابراهيم بأن الارض من نهر مصر (وادى العريش) إلى النهر الكبير نهر الفرات وقد نفذ نبي الله موسى المرحلة الأولى منها وهي الاستطلاع و الاتصال بالأرض بعد خروجه من مصر وتواجده في سيناء وتولى يوشع بن نون ومن بعده عهد القضاة والملك شاؤول(طالوت) تنفيذ المرحلة الثانية وهى اغتصاب أرض كنعان والدخول اليها بعد وفاة نبي الله موسى وهنا يبدأ الصراع بالقتال بين الاسباط أو قبائل بني إسرائيل مع أصحاب الأرض من الكنغانيين واليبوسيين والصيداويين والحيثيين وذلك من خلال الفترة من ١٣٥٠-١٣٠٠قبل الميلاد وحتى قيام المملكة المتحدة التي أقامها نبي الله داود سنة ١٠٠٥ قبل الميلاد ثم ورثها لابنه نبي الله سليمان حتى انقسمت عام ٩٣٥ قبل الميلاد وذلك على حساب اصحاب الارض واعتقد من هنا بدأ واستمر الصراع وان حرب عام ١٩٤٨ وما بعدها من حروب وحتى الآن هو استمرار لهذا الصراع .(مملكة داود كما جاءت بأسفار العهد القديم الخريطة رقم ١).

- ان حرب اكتوبر عام ١٩٧٣ وهي الجولة الأخيرة حتى الآن اعقبها توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٩ ثم بين إسرائيل والاردن عام ١٩٩٤ واذا نظرنا إلى الاتفاقية بين مصر وإسرائيل سنجد انها مرت بأربعة مراحل هى:

المرحلة الأولى : وهى فك الارتباط او الاشتباك الأول بين القوات المصرية والإسرائيلية غرب القناة وانسحاب القوات الإسرائيلية من غرب القناة.

المرحلة الثانية : وهى فك الاشتباك الثاني بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية شرق القناة وانسحاب إسرائيل إلى خط العريش شرم الشيخ.

المرحلة الثالثة: وهى اتفاق اطار السلام بين مصر وإسرائيل بضمان وتحت رعاية الولايات المتحدة الامريكية وهو ما عرف باتفاقية كامب ديفيد وهي التى وضعت الأسس والقواعد التي سيتم التفاوض والتباحث من خلالها للوصول إلى اتفاقية سلام دائمة بين مصر وإسرائيل بضمان الولايات المتحدة الامريكية.

المرحلة الرابعة :وهى توقيع ما عرفت باتفاقية السلام بين دولتى مصر وإسرائيل في نوفمبر عام ١٩٧٩ .

- أصبح من المعتاد والطبيعى بعد توقف أو انتهاء أى صراع مسلح أو الحرب أوالقتال أن تقوم الأطراف المتصارعة أو المتحاربة بالعمل على توفير الوقت أوالزمن اللازم والكافى لمراجعة الموقف والنتائج الاستراتيجية التى أسفر عنها الصراع أوالقتال, لتقدير الخسائر والمكاسب وإستعواض ما تم إستهلاكه أوتدميره من موارد وإمكانيات وكذا من البنية الأساسية كل طرف من أطراف الصراع, وكذا حجم الدعم والمساعدات من أطراف أخرى مساعدة ومدعمة لأى طرف منهم, وبالطبع تكون استعادة الكفاءة القتالية للقوات المقاتلة هى أول هذه الإجراءات, ثم استعادة القدرة العسكرية للدولة ومعالجة آثار تلك الحرب على الجبهة الداخلية, وخاصة العاجلة منها, وفى ظل ذلك يتم التخطيط الإستراتيجى للدولة لمرحلة ما بعد الحرب أو المرحلة التى سيتوقف فيها القتال, وحتما سيتوقف زمن هذه الفترة أساسا على نتائج الصراع أو الحرب, بالإضافة إلى ما تفرضه القوى الكبرى والفاعلة والمنظمات الدولية ذات الشأن من قيود وإلتزامات على الأطراف المتصارعة والمتحاربة, وعلى عملية إيقاف النيران والقتال, وكذا على مدى تدخل هذه القوى أو المنظمات فى صلب المشكلة أو القضية المتصارع عليها أوالمتحارب من أجلها الأطراف المتنافسة .

نصر أكتوبر العظيم :

هو بكل المقاييس الدولية نصر عزيز وكبير ولا ينكر هذا النصر إلا أحد إثنين أولهما مغرضا أوجاحدا وثانيهما لا يعلم شيئا عن علوم التقدير والتقييم فأما الأول فعنده أسبابه الشخصية والنفسية أما الثانى فهو يردد ما يقوله الاول دون دراية منه أو دراسة بالقوانين والأعراف والقواعد العلمية العسكرية والسياسية, واسلوب التقييم وقواعده فى علوم هذا المجال, والمتعارف عليها عالميا فى المعاهد والمراكز العسكرية والإستراتيجية,سواء منها المنتمى إلى العقيدة الشرقية أو العقيدة الغربية حيث تم تعريف معنى النصر بتعريف بسيط و بكلمتين فقط هما « فرض الإرادة « وأعتقد دون الدخول فى التفاصيل نجد أن تحديد هوية المنتصر تكمن فى من هو المنسحب مما كان يحتله قبل بدء ونهاية الحرب ؟ ومن المتمسك بما حققه خلال الحرب من تحريره لأرض مغتصبة منه قبل ذلك ولم يتراجع عنها ؟ وكذلك من الذى فرض إرادته على الطرف الآخر فى نهاية الحرب ؟ ومن الذى استعاد أرضه وما فقد منه سابقا ؟ ومن الذى فقد و خسر ما اغتصبه من قبل الحرب أو القتال؟ فالإجابة واضحة جلية وحقيقة دامغة حققها بكل فخر وإعزاز جيش مصر جيشنا العظيم والذى عندما خطط ونفذ بالعلم والفكر الصحيح وأنجز معجزة العبور العظيم وحقق نصره الباهر, هذا هو ردنا وإجاباتنا فى المحافل الدولية حين أرادت إسرائيل أن تنال من هذا النصر الصادم لها وغير المتوقع فى عقيدتها .

أهم المتطلبات الاستراتيجة الضرورية بعد نصر أكتوبر:

رغم حتمية استعادة الكفاءة القتالية للقوات المسلحة وفى أسرع وقت إلا إنه يحسب للقيادة السياسية والعسكرية لمصر أنها أخذت بأسباب العلم وخاصة العلوم الاستراتيجية (كما حدث وتم فى التخطيط الاستراتيجى لحرب أكتوبر) لمواجة هذه المتطلبات الإستراتيجية وأهمها دراسة القوة الشاملة لمصر بعد المتغيرات الإستراتيجية السياسية والعسكرية على الساحة الدولية والإقليمية وتمت الدراسة بدقة وصدق مع النفس حتى تم الخروج منها بالنتائج الواقعية والحقيقة وشملت الدراسة التركيز على أهم هذه القوى وهى القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والكتلة الحيوية وكذا القوة السياسية الداخلية والقوة الدبلوماسية «السياسة الخارجية» والقدرة الإعلامية والمعلوماتية والروح المعنوية فكان من نتائج الدراسة أن تم تقسيم تنفيذ تلك المتطلبات إلى مرحلتين رئيسيتين وطبقا للأسبقيات المطلوبة وكذا درجة الإحتياج اللازمة فى ذلك التوقيت. وهما مرحلة وقف إطلاق النيران والفصل بين القوات المتحاربة ,ومرحلة ما بعد الفصل بين القوات .

أهم المتطلبات لمرحلة وقف النيران والفصل بين القوات:

تتميز هذه المرحلة بالديناميكية العالية والإجراءات السريعة والتنسيق الدقيق المحلى والدولى والاتصالات الدولية الكثيرة العلنية والسرية مابين الدول الكبرى الفاعلة والمنظمات الدولية والإقليمية وأطراف الصراع لما يتطلبه تنفيذ الموقف من إتخاذ وتنفيذ قرارات وإجراءات ضرورية وحتمية وموقوتة «إستغرقت عامين» و أهمها ما يلى:

١-استعادة الكفاءة القتالية للقوات المسلحة وتعويض الخسائر.

٢- العمل على إعادة الاقتصاد إلى حالته الطبيعية بعد أن كان إقصاد حرب .

٣-العمل على إعداد الدولة للدفاع أثناء الفصل بين القوات وبعده .

٤-إعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة العالمية .

٥-إعداد السياسة الخارجية لمرحلة ما بعد الحرب .

٦-دراسة الموقف الدولى بعد نتائج حرب أكتوبر وما أحدثته من متغيرات دولية جديدة .

أهم المتطلبات لمرحلة ما بعد الحرب :

١-التخطيط للتنمية الشاملة لمصر بدراسة عناصر قوة الدولة الشاملة لها مع الوضع فى الاعتبار الأسبقيات اللازمة.

٢-دراسة الموقف الدولى بعد نتائج حرب أكتوبر وما أحدثته من متغيرات دولية جديدة ومؤثرة على الساحة الإقليمية والمحلية .

٣-استعادة القدرة العسكرية للقوات المسلحة .

٤- استعادة القدرة السياسية (الجبهة الداخلية).

٥-إعادة ترتيب وتهيئة السياسية الخارجية وكذا الرأى العام المصرى لقبول التعامل سياسيا مع كل القوى المؤثرة والداعمة لأطراف الصراع فى منطقة الشرق الأوسط وخاصة القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لإسرائيل .

٦-ضرورة العمل على إستغلال نتائج حرب أكتوبر فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية لدعم خطة التنمية الشاملة لمصر .

٧-ان القدرة الاقتصادية هى العمود الفقرى لقوى الدولة الشاملة .

٨-أن النمو الاقتصادى يدعم موقف الدولة الإقليمى والدولى ويزيد من نفوذها وتأثيرها فى جميع المجالات .

٩-أن الاقتصاد القوى المتنامى يحقق ويوفر من فرص العمل التى تؤدى إلى التقليل من البطالة المؤثرة على الأمن القومى لمصر والتى زادت بعد تسريح المجندين بعد انتهاء حرب أكتوبر بالإضافة إلى زيادة الانتماء والولاء للوطن وبالتالى حماية الجبهة الداخلية من المؤثرات السلبية للبطالة .

١٠- أن الاقتصاد القوى الراسخ هوالعامل الحاسم فى إمكانية تحديد حجم وإمكانيات وتطوير القدرة العسكرية وباقى القدرات أيضا .

- بذل الوفد المصري بقيادة الرئيس السادات من الجهود العظيمة للحفاظ على حقوق مصر التاريخية في أرض سيناء وضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية منها كلية وكان الرئيس السادات من الوعي والإدراك بالتاريخ والعقائد اليهودية ما مكنه من اقناع الجانب الامريكي بصواب رؤيته خلال المباحثات واستطاع ان يعود بالحدود المصرية إلى طبيعتها من رفح إلى طابا بعكس مطالب اليهود التي تنص عقيدتهم ان حدود دولتهم المزعومة تبدأ من العريش طابا جنوبا إلى الفرات شمالا وبذلك رفض عقيدتهم المزعومة وذلك كحق المنتصر دائما لفرض رؤيته وعلى المهزوم (إسرائيل) تقبل الوضع الجديد.

- أن قبول اليهود للحدود المصرية من رفح إلى طابا فى المعاهدة لم يثنيهم عن عقيدتهم فعملوا ويعملوا حتى الان على بذل كل الجهود ووضع المقتراحات التى تعيد لهم الأرض فى سيناء مستغلين مقترحات حل المشكلة الفلسطينية وتقديم مشروعات عدة منها مشروع جيرورلاند بتبادل الاراضي بين وإسرائيل (الخريطة ٢) وذلك بترحيل الفلسطينيين إلى غزة والاراضي المقترحة حتى العريش وتقام فيها الدولة الفلسطينية في محاولة لكسر وتعديل الحدود الموقعة في اتفاقية السلام حتى يمكن التعديل مستقبلا ولكن مصر ترفض هذا الموضوع وبشدة ولا تقبل التفاوض او المناقشة او اعادة عرضه.

- ان الاتفاقية وضعت مناسبة للاوضاع العسكرية بين مصر وإسرائيل والبيئية في سيناء والتي كانت تحقق الاستقرار قبل حرب ١٩٦٧وما استجد بعد ذلك خلال حرب ١٩٧٣ فنصت على وجود مناطق امنية تساعد على عدم قيام الحرب مستقبلا فجأة فقسمت المناطق الامنية إلى اربعة مناطق أ,ب,ج. في الاراضي المصرية (سيناء) والمنطقة د في إسرائيل واستمرت الاتفاقية تؤدي ما هو مطلوب وهو الحفاظ على الامن والسلام لاكثر من ثلاثين عاما دون تعديل او طلب تعديل من احد الاطراف حيث تقوم القوة متعددة الجنسية بمراقبة ومتابعة القوات على الجانبين ومنع حدوث الاختراقات او المخالفات بين الجانبين ومعالجة الموقف في حينه لعدم تفاقم اي احداث تزيد من التوتر او الاضطراب .

- بعد احداث الربيع العربي واستغلال ما حدث في مصر من توافد واقامة عناصر جهادية متطرفة مثل انصار بيت المقدس النازحة من غزة إلى سيناء بهدف اتاحة امارة اسلامية في سيناء بمسمى ولاية سيناء مستغلة الامكانيات الضعيفة لقوات التأمين في المنطقتين ب,ج مما استدعى تدخل القوات المسلحة المصرية لمنع هذا التنظيم من تحقيق هدفه في سيناء وبعد التنسيق اللازم مع اطراف معاهدة السلام استطاعت مصر اعادة السيطرة على منطقة العمليات من رفح إلى العريش وجنوبا إلى جبل الحلال .

- مما سبق يتضح ان المتغيرات الاستراتيجية السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية خاصة لأهل سيناء تستدعي الآن وبل تحتم التباحث لتعديل الملحق الأمني لتعديل حجم ونوعية القوات والاسلحة في المناطق ب,ج بسيناء وبما يتناسب حاليا للمتغيرات سواء في نوعية التسليح أو تغير البيئة السيناوية على أرض الواقع وذلك يستلزم سعة الأفق عند الطرف الإسرائيلي والضامن للمعاهدة الولايات المتحدة الامريكية والدول الفاعلة فى النظام العالمى لمتطلبات الامن القومي المصري وحتمية تأمين سيناء ضد الارهاب وعناصره حتى يمكن استمرار المعاهدة المصرية الإسرائيلية للسلام والمحافظة على استقرار وامن وسلامة المنطقة والتي يحقق المصالح الدولية في المنطقة وخاصة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.