الأحد 16 يونيو 2024

الأيقونة رمز للقديسين

فن26-10-2020 | 20:52

الكنيسة القبطية تهتم بالأيقونة، والأيقونة هى فن قبطى أنتج بواسطة المسيحيين فى وادى النيل من القرن الأول الميلادى حتى دخول العرب مصر سنة 641، وموجود حتى الآن فى الكنائس.. والمسيحية ظهرت فى مصر فى عهد الإمبراطور الرومانى نيرون سنة 54م وانتشرت بسرعة بين المصريين حتى أصبحت المسيحية الدين الرسمى فى الإمبراطورية الرومانية والدول التابعة لها.

والأيقونة فن ارتجالى بسيط لأن الرهبان الذين كانوا يشرفون عليه لم تكن لهم دراية تامة بالرسم، كما كان الإنتاج يتم فى جو مشحون بالقلق بعيداً عن الطمأنينة وراحة البال.

وعن الأيقونة يقول الحبر الجليل الأنبا مارتيوس، أسقف عام كنائس شرق السكة الحديد، يقول:  "إن أروع ما يلفت النظر إليه بخصوص الأيقونة هو ما جاء فى سفر الخروج وما أمر به الرب من رسوم الشاروبيم والملائكة على القماش مروراً إلى شكل الكاروبيم فوق تابوت العهد حيث يتكلم الرب".. وبعد ذلك يفاجئنا معلمنا بولس الرسول بأيقونة الصلبوت التى يقف أمامها الناظر داخل البيوت والكنائس، حيث يقول فى رسالته لأهل غلاطية  :أيها الغلاطيون الأغبياء من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق؟ أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً".

ثم يطالعنا التقليد الكنسى بطبع وجه السيد المسيح بذاته على المنديل أبجر ملك الرها المريض حيث نال الشفاء حينما طالع وجه السيد المسيح على هذا المنديل والذى يطلق عليه الأيقونة التى لم ترسم بيد البشر.

وأيضاً وجه السيد المسيح المطبوع على منديل القديسة فرونيكا التى كانت تمسح به عرق ودم وجه يسوع المسيح أثناء حمله الصليب على طريق الجلجتة.

وعلينا أن نعرف أنه فى بداية العصر المسيحى الأول حتى نهاية القرن الرابع الميلادى لم يوافق بعض الآباء على فكرة الأيقونة وفن النحت خوفاً من النكوص إلى الثقافة الوثنية، ولكن سريعاً ما أدرك الآباء أهمية ونفع فن الأيقونة للمؤمنين على الأخص بخصوص هذا الفن المقدس ورسم الملائكة ولعامة الصليب فى الكتاب المقدس، كما يجب أن نعلم أيضاً أن عصر الرمزية فى الفن المسيحى قد أفاد حتى   الملك قسطنطين البار وانتهاء عصر الاضطهاد سنة 311م بمرسوم ميلان الشهير.

ثم بدأ بعد ذلك عصر الواقعية من حيث رسم السيد المسيح والسيدة العذراء والشهداء والقديسين الرهبان، ومن بعد القرن العاشر فى مصر ساد الفن الكتابى للعهد الجديد عن معجزات ومواقف السيد المسيح فى الأناجيل الأربعة.. ويجيء القرن الثامن عشر بانفتاح غزير من الأيقونات المتنوعة مثل السيدة العذراء مريم والقديسين، ولذلك فإن الفن القبطى فى مصر تطور تطوراً متلاحقاً حيث تتميز كل حقبة فيه بأساليب وسمات فنية متميزة عن الأخرى، بل إننا يمكننا أيضاً دراسة الفن القبطى على معايير جغرافية داخل مصر.. فعلى سبيل المثال فن دير باويط يختلف عن فن الفيوم يختلف عن فن الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بسوهاج يختلف عن فن دير العذراء بالريان بوادى النطرون يختلف عن فن الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر.

نحن أمام غنى وثروة فنية متنوعة الأساليب والسمات داخل الأديرة والكنائس القديمة فى مصر، وهذا يدعونا للمزيد من البحث والدراسة حول الفن القبطى والفنان القبطى عبر العصور.

الأيقونة تعبر عن معانى روحية:

ويؤكد نيافة الحبر الجليل الأنبا مكارى، أسقف عام كنائس شبرا الخيمة، أن الأيقونة فى الكنيسة معبرة عن عدد من المعانى الجميلة فتجذب عقل الإنسان عندما يدخل الكنيسة، ويرى صورة أحداث السيد المسيح فى تجسده وصلبه وقيامته وصعوده، كما يعبر الفنان القبطى فى صور الشهداء عن انتصاراتهم وشجاعتهم، فصور الشهيد كالبطل أو الفارس الذى يركب الجواد ويمسك السيف أو الرمح ليصارع العدو.

واتسم فن الأيقونة باستخدام الحالة على رؤوس القديسين والشهداء، وأحياناً كان يضع تاجا أو يستخدم الاثنين وفن الأيقونة يبعد عن محاكاة الطبيعة وتقليدها، فالرسوم محورة ورموز وتظهر مميزات الأشكال المرسومة فقط.

وتميز الفن القبطى عن الفن البيزنطى فى تصوير صور القديسين فالفنان المصرى يضع هالة من النور فوق رؤوس القديسين، فى حين كان الفنان البيزنطى يرسم تاجا على رأس القديس.

كما تميزت الأيقونة المصرية أيضاً فى أنها تعرض صور القديس فى وجهه فرحة مشرقة مع ألوان مشرحة، ليوضح موضوع عقائدى إذ يبرز الأبدية السعيدة التى نالها هذا القديس أو القديسة.

الأيقونة لها بعد رمزى للكنيسة:

هذا وقد قام د. سمير عريان، الباحث بمعهد الدراسات القبطية بالأنبا رويس، بعمل رسالة الماجستير عن فن الأيقونة فى مصر، حيث قال: الفن القبطى هو أحد العناصر الأساسية التى تربط سلسلة تاريخ الفن المصرى كله، فهو وسيط بين الفن الفرعونى والفن الإسلامى، وإذا كان استخدام الرمز فى الفنون بشكل عام يعكس منهجاً فكرياً ذا طابع فلسفى، فيمكننا أن نتوقع ارتباط الفنون المسيحية المبكرة لاسيما الشرقية ذات المعنى الرمزى ولاسيما المسيحية منها بمنهج فلسفى كونى وعقائدى فى آن واحد.

وفى سياق هذا البنيان الرمزى تجلت أعمال فنية هى بالأحرى أعمال مقدسة منها ما عرف باسمالأيقونة، وترجع أهمية الأيقونة أيضاً إلى بعدها الرمزى بالنسبة للكنيسة الشرقية وماله دلالات على عمق هذا البعد الرمزى فى العقيدة ذاتها، فإن للأيقونة دورا كبيرا فى الأخذ والعطاء واستمرارية العقيدة المسيحية برمزيتها الشرقية.

وفى ظل هذا العالم الروحانى الكبير الذى تولد من رحم الشرق الخصب ثم نما وتطور فى القرون الميلادية الأولى اتسع المجال لشتى التوجيهات الصوفية والأساليب الرمزية.

إذا كان المعنى البسيط لفن الأيقونة هو أنه نتاج إبداعى ينبع من ثقافة الإنسان، وهو التعبير التلقائى عن الذات وهو أيضاً ضرورة حياتية كالماء والهواء للبشر، وقد يستخدم الإنسان كل المواد المتاحة ليعبر بها عن أحاسيسه ومعتقداته ليجسدها لكى نراها فى رسم، لنرى من خلالها الصورة الكاملة عن ثقافة هذا الإنسان فى هذه الحقبة التاريخية.

وقد عبرت الأيقونة القبطية القديمة منذ القرون الأولى من الميلاد عن مدى عمق وروعة وبساطة التعبير الفنى وتألقه، وكيف نجح فى توضيح وتوصيل المعنى اللاهوتى لقصة الأيقونة حتى للعامة الذين يعجزون عن قراءة اللغة المكتوبة، فكانوا يقرءون الأيقونة من خلال النظرة الأولى لها عند دخولهم كنائسهم.

يقال أن لوقا البشير الفنان الطبيب هو أول من رسم أيقونة السيدة العذراء وهى تحمل يسوع المسيح الطفل ومنه توارثتها الأجيال إلى الآن، وقد بدأ البطريرك كيرلس الأول البطريرك الـ24 فى تعليق أول الأيقونات فى كل الكنائس، وازدهرت فنون الأيقونة القبطية على مر العصور حتى الفترة من سنة 726م إلى سنة 842م وهى الفترة التى تم فيها حرق وتدمير معظم الأيقونات القبطية فى الأديرة والكنائس، ولكن مشيئة الرب سمحت لبعض الآباء الكهنة والرهبان بأن يخبئوا بعض الأعمال الجميلة والتى عرفناها بعد ذلك فى دير الأنبا أنطونيوس وكنيسة أبوسيفين بأبى سرجة بمصر القديمة وبعض أعمال التنقيب فى سراديب قديمة فى منطقة مصر القديمة.. ومنذ سنة 842م رجعت الأيقونات القبطية بكل قوة تملأ الكنائس والأديرة القبطية إلى وقتنا هذا.. وتعبر الأيقونة القبطية عن إيحاءات باللون والرمز والمعنى اللاهوتى لتشمل   كل الجوانب لإعطائنا صورة واضحة عن موضوعها وقصتها ومغزاها الروحانى.

وعندما نتأمل الأيقونة لا نقف عند حدود جمال الفن أو عدمه، ولكنها ترفع الفكر إلى ما وراء الألوان والمادة إلى شخص صاحبها وتمزجها معه بكل شعورنا لنعيش المعنى اللاهوتى ونتأثر به.

المقصود بالأيقونة:

يذكر الباحث د. سمير عريان فى دراسته عن الأيقونة، أن الأيقونة كلمة يونانية وهى تعنى حرفياً التشابه والمماثلة، وتتناول الأيقونة فى تصويرها السيد المسيح أو العذراء مريم أو أحد القديسين أو الملائكة، فهى لا تخرج عادة عن هذا التحديد، وتكون فى معظم الأحيان على أسطح خشبية مجهزة، ولكن كثيراً ما تغطى بطبقة من الرقائق المعدنية المطروقة وخاصة الذهب والفضة فى الكنائس اليونانية والبيزنطية بهدف حماية سطح الأيقونة من العوامل الجوية وعدم ملامسة أيدى طالب البركات.. إلا أن هذه المعالجة قد تضيف مزيداً من الإحساس بالرهبة وعظمة ومجد الشخصيات الممثلة، وهو تأثير مشابه لما عهدناه فى استخدام المصرى القديم لمثل هذه المعادن فى أقنعة الملوك وفى الموضوعات اللاهوتية ولاسيما معدن الذهب.

والأيقونة وضعت لتخدم أغراض العبادة، وترتقى بحياة الناظر إليها من الأمور الأرمنية.. فمعنى الأيقونة يتجاوز ليصل إلى حد أن نعتبر العهد القديم برموزه كأيقونة للعهد الجديد.. والأيقونة على حسب القديس يوحنا مكسموفتس، وهو أحد القديسين الذين دافعوا عن الأيقونة، تصبح اندماجاً بين الرمز والرسم.. فالأيقونة نافذة على العالم الآخر، حيث لا سيطرة للزمان والمكان.. ولهذا تبدو الخطوط فى الأيقونة غريبة بعض الشىء لأنها لا تنقل صورة كالفوتوغرافية أو الفن الطبيعى، فتبرز الأيقونة معزة الله بين الناس، وهذا فكر أرثوذكسى صميم، إذا تلعب الأيقونة دوراً تعليمياً وإعلامياً رائعاً فى الكنيسة.

كما أن الأيقونة تسمى بالفن الليتورجىالمقصود به فن جماعى شعبى، من خلالها يتذوق المؤمن روح الصلاة، فلا تنحصر مشاعره فى الأحاسيس الجسدية والمادية بل ترتفع فوق هذا العالم إلى الحياة العتيدة محولاً ما هو جهدانى إلى روحانى.

لا تعبر الأيقونة عن تاريخ معين بل تدخل فى السر الذى وراء التاريخ، لذلك يمكن جمع أكثر من حدث فى تواريخ مختلفة فى أيقونة واحدة، مثل أيقونة الميلاد التى يظهر فيها ثلاث حوادث الميلاد وزيارة الماجوس وزيارة الرعاة.

وقد أخذت حرب الأيقونات دوراً مهما فى التاريخ، بينهم وبين الكاثوليك، فلا يؤمنون بوجود صور وأيقونات الكنيسة ولا بإيقاد شمعة أمام صورة أحد القديسين ولا   بنذر ينذر على اسمه، فهذا نوع من طلب شفاعة وهم لا يؤمنون بالشفاعة.

ويذكر الباحث أن فن الأيقونة دخل مصر منذ دخلت مصر فى منتصف القرن الأول الميلادى سنة 43م على يد القديس مرقس، ثم بدأ فى الانتشار من القرن الثانى الميلادى إبان حكم الرومان الذين اضطهدوا كل من اعتنق الدين الجديد اضهاداً كبيراً حتى أعلن الإمبراطور قسطنطين سنة 323 أن الدين المسيحى دين رسمى للدولة وأباح الحرية الدينية، وبذلك يؤرخ بداية العصر القبطى فى مصر حتى الفتح العربى الإسلامى سنة 641م.

الأيقونة مادة تدرس:

وكان فن الأيقونة فى بدايته فنا ارتجاليا حيث كان الرهبان يشرفون عليه ولم تكن لهم دراية تامة من الناحية الفنية.. وعندما بدأت الإرساليات التبشيرية بالتواجد فى مصر من بداية القرن التاسع عشر، وظل معها الفن الغربى والصور المطبوعة بالأسلوب الغربى، وبدأ الرسامون يقومون بنقل ونسخ هذه الصور إلى أن بدأ البابا كيرلس السادس بتأسيس معهد الدراسات القبطية سنة 1954 وبه قسم للفن القبطى منه الأيقونة وقد بدأ تدريس الأيقونة على يد د. إيزاك فانوس الذى رأس هذا القسم، لأنه درس فن الأيقونة فى فرنسا.. وفى السنوات الأخيرة ازدهر فن رسم الأيقونات فى الكنائس بأسلوب فنى تم تحديثه وأعاد للأيقونة جمالها وعراقتها فى صورة عكست الحياة الروحية فى الكنيسة.

الكنيسة المعلقة بها مجموعة نادرة:

والكنيسة المعلقة بمصر القديمة تحتوى على مجموعة نادرة من الأيقونات سواء من حيث القدم التاريخى أو الناحية الفنية الجمالية، ويقدر عدد هذه الأيقونات بحوالى مائة وعشرين أيقونة، ويتراوح تاريخ هذه الأيقونات من منتصف القرن الثامن حتى منتصف القرن الثامن عشر.. وأغلب الأيقونات موضح بها تاريخ صناعتها حسب التقويم القبطى والذى بدأ سنة 184م أى بعد انتهاء عصر الاضطهاد الرومانى للمسيحية فى نهاية القرن الثالث الميلادى عقب تولى الإمبراطور قسطنطين الحكم فى مصر، والذى أعلن اللغة القبطية اللغة الرسمية لمصر وكذلك الديانة المسيحية هى الديانة الرسمية للدولة أيضاً.

والكتابات العربية الموجودة على بعض هذه الأيقونات توضح رداءة الخط بالإضافة إلى ركاكة الأسلوب، وهذا يؤكد أن هذه الأيقونات قد صنعها فى بداية دخول العرب إلى أرض مصر.

هذا وبعد دخول الإسلام لمصر نجد أن الفن الإسلامى له خصوصية، ولكن الفن الإسلامى المصرى تأثر بالمصرية القبطية لاختلاط العرب بالمصريين القبط كجامع ابن طولون الذى بناه مهندس من القبط سعيد الفرغانى وكلاهما تأثر بالفن الفرعونى.